مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 20 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2415 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 65 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح التــاريخ العسكــري و القيادة > قســـــم التــاريخ العـســــكــري
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


حرب الثلاثين يوما.. يوم انتفض العراق في وجه بريطانيا

قســـــم التــاريخ العـســــكــري


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 04-08-21, 07:55 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي حرب الثلاثين يوما.. يوم انتفض العراق في وجه بريطانيا



 

حرب الثلاثين يوما.. يوم انتفض العراق في وجه بريطانيا

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

4/8/2021

قامت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) على رقعة جغرافية شاسعة امتدت من غرب أوروبا إلى وسطها إلى البلقان والأناضول وحتى الشرق الأوسط في العراق والشام وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا. نشبت الحرب -كدأب كل الحروب- بسبب اختلاف بين الإمبراطوريات الصاعدة على النفوذ والثروات، وأبرز تلك الإمبراطوريات الدولة العثمانية بأقطارها العربية والأناضولية والبلقانية، التي اعتبرتها أوروبا وبريطانيا "الرجل المريض" الذي آن أوان تقسيم تَرِكَته. وقد أخذت دولة العثمانيين تضعُف طوال القرن التاسع عشر، وتُستنزفُ في معارك خارجية وداخلية، ولم يتوانَ أيٌّ من بريطانيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا عن استغلال هذا الضعف بتمزيق أقطارها واحتلالها.
استطاعت بريطانيا السيطرة على قبرص ومصر في نهايات القرن التاسع عشر، بينما تمكَّنت فرنسا من احتلال الجزائر وتونس، واستولت روسيا على القوقاز، وقُبيل الحرب العالمية الأولى نجحت إيطاليا في احتلال ليبيا سنة 1911، بينما ساعدت الدول الأوروبية وروسيا أقطار البلقان التي كانت جزءا من الدولة العثمانية على الانتفاض والتحرر في الحرب البلقانية الشهيرة عامَيْ 1912 و1913.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

حرب البلقان الأولى (1912- 1913)


لكن ظلَّت أقطار أخرى، وهي العراق والشام والجزيرة العربية وفلسطين، محط أنظار هذه القوى المتصارعة والمتنافسة وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا؛ لأسباب جيوسياسية واقتصادية، ولقطع الطريق على أعدائهم من الألمان والروس الذين كانوا يسعون بدورهم للوصول إلى هذه الأقطار واحتلالها. وقد دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى بجوار حليفتها ألمانيا، وفي الجبهة العراقية تحديدا أثبتت قوات العثمانيين المتمركزة هناك بسالة كبيرة في مواجهة البريطانيين، وهزمتهم شرّ هزيمة في معركة كوت العمارة سنة 1916، لكن الإنجليز سرعان ما جاؤوا بقوات وعتاد أشد وتمكَّنوا من احتلال العراق عام 1917.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

معركة كوت العمارة سنة 1916أصدر البريطانيون عقب ذلك بيانا لعموم أهل العراق في 19 مارس/آذار 1917 ذكروا فيه الغاية من المعارك العسكرية في بلادهم، وأشاروا إلى هزيمة الأتراك، وأنهم لم يدخلوا قاهرين أو أعداء، بل دخلوا مُنقذين ومُحرِّرين، وذكروا أيضا مظالم العثمانيين والحالة السيئة التي آل إليها العراقُ في عهدهم. والواقع أن الأحداث التالية كشفت خداع البريطانيين، وأن البيان لم يكن سوى مُهدِّئ لمنع العراقيين من مقاومة الجيش البريطاني المحتل [1].
لكن تحايل البريطانيين على وعودهم أدَّى في نهاية الأمر إلى انتفاضة عام 1920، التي أجبرت الإنجليز على الإقرار بدولة عراقية ملَكية بزعامة فيصل بن الشريف حسين الذي حكم سوريا لعدة أشهر قبل أن يرضى به العراقيون ملكا على بلادهم كي يُخلِّصهم من الاحتلال البريطاني الجاثم على صدورهم. كل ذلك أدَّى إلى بداية العصر الملكي العراقي (1921-1958) الذي انتهى نهاية كارثية مأساوية راح ضحيتها الملك فيصل الثاني حفيد فيصل الأول المؤسِّس، وخاله الأمير عبد الإله بن علي بن الحسين، ورئيس الوزراء المُقرَّب من الإنجليز نوري السعيد.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قتل ملك العراق فيصل الثاني مع العائلة المالكة على يد ضباط عراقيين عام 1958 (مواقع التواصل)


ولئن استعان الإنجليز بالشدة والقهر، وتمكَّنوا من القبض على مفاصل الدولة العراقية في عهدها الملكي، وسيطروا على كثير من الطبقة السياسية بالترغيب والترهيب، فإن ثلة من أبناء العراق الوطنيين دافعوا عن دولتهم ومكانتهم، وحاولوا مرارا التخلُّص من نير الاحتلال البريطاني، ولو أدَّى ذلك إلى المواجهة المسلحة غير المتكافئة. وقد كان على رأس هؤلاء رئيس الوزراء العراقي الأسبق رشيد عالي الكيلاني وما عُرِف بمجموعة المربع الذهبي أو العقداء الأربعة، فلماذا نَقَمَ الضباط والساسة الوطنيون العراقيون على الإنجليز؟ وما أسباب قيام الحرب بينهما لمدة ثلاثين يوما؟ وما النتائج التي ترتَّبت على هذه الحرب؟
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
في 23 أغسطس/آب 1921 بدأت حقبة الحكم الملكي في العراق الذي تعاقب عليه ثلاثة ملوك هم؛ الملك فيصل الأول بن الشريف حسين الهاشمي (1921-1933)، وابنه الملك غازي الأول (1933-1939)، وحفيده الملك فيصل الثاني الذي تولَّى الحكم صبيا تحت وصاية خاله الأمير عبد الإله الهاشمي (1939-1958). وقد وقفنا مع سيرة الملك غازي (ت 1939) ووطنيته وتقرُّبه من الشعب العراقي ومن الألمان أعداء الإنجليز الذين أهدوه معدات إنشاء أول إذاعة وطنية أدارها بنفسه من قصر الزهور في بغداد، كما رأينا نهايته المأساوية بوفاته بحادث مدبَّر على أرجح الروايات، في تقريرنا السابق جريمة في ليل العراق.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الملك فيصل الثاني (يسارا) مع خاله عبد الإله الهاشمي.


ثمَّ بدأ حكم الملك الأخير في الحقبة الملكية فيصل الثاني (1935-1958)، ذلك الملك الصبي الذي كان في الرابعة من عُمره عند ارتقائه للعرش؛ لتقع العراق تحت سلطة إنجليزية مطلقة خضع لها الوصي على العرش خال الملك الأمير عبد الإله الهاشمي، مع رئيس وزراء كان الأقرب للإنجليز على الدوام هو نوري السعيد (1888-1958) الذي تولَّى رئاسة الوزراء 14 مرة في الحقبة الملكية وتربَّع على عرش السياسة في العصر الملكي [2].
لقد كانت نقمة العراقيين على الإنجليز في اطراد كلما طال أمد بقائهم، وذلك بسبب كذب السياسة الإنجليزية ومراوغتها، بدءا من معاهدة الاستقلال سنة 1930، التي لم تضمن الاستقلال التام للعراق، بل ضمنت الامتيازات والمصالح العسكرية واللوجستية البريطانية في بلاد الرافدين، فقد نصَّت المعاهدة في المادة الرابعة على أنه في حال دخول بريطانيا الحرب يعاضدها العراق بتقديم "جميع ما في وسعه أن يُقدِّمه من التسهيلات والمساعدات، ومن ذلك استخدام السكك الحديدية والأنهار والموانئ والمطارات ووسائل المواصلات" [3].
بل حدَّد الملحق العسكري في المعاهدة مدة بقاء القوات الجوية البريطانية في قاعدتَيْ الموصل والهنيدي بخمس سنوات، وقاعدتَيْ الشعيبة في البصرة والحبّانية غرب الفرات لمدة خمسة وعشرين عاما هي مدّة المعاهدة. وأوجبت المعاهدة على القوات العراقية أن تحمي هذه القواعد وأن تخضع للقيادة البريطانية، وقد وقَّع على هذه الاتفاقية من الجانب العراقي رئيس الوزراء نوري السعيد، ومن جانب الإنجليز السفير البريطاني في بغداد [4].
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نوري السعيد


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لم تكن اتفاقية الاستقلال المزعوم سنة 1930 هي السبب الوحيد في نقمة أبناء العراق تجاه الإنجليز، فالمحتلُّون خلقوا العديد من المشكلات، وهمَّشوا الرأي العام والطبقة السياسية الوطنية الداعية بصدق إلى الاستقلال التام، ومن جملة هذه المشكلات ما اصطلح على تسميته بـ "المشكلة الآشورية"، ذلك أن سلطة الاحتلال الإنجليزي آوت مجموعة من النساطرة (المسيحيين التابعين للكنيسة النسطورية) الذين هربوا من الأناضول في أعقاب الحرب العالمية الأولى وأقطعتهم أراضي زراعية كانت للأكراد في شمال العراق وجنَّدت أبناءهم في قواعدها العسكرية، وكانوا يعودون بأسلحتهم إلى بيوتهم وأراضيهم، وبدأوا بالدعوة إلى إقامة دولة آشورية مستقلة باعتبارهم ورثة الآشوريين المنقرضين منذ 2500 عام [5].
كان ظهور هذه الحركة الانفصالية واحتكاكها المُسلَّح مع الأكراد الذين سُلبت أراضيهم، بل ودعوتها إلى إقامة دولة مستقلة في شمال العراق، ثم هجومها على قوات الجيش العراقي سنة 1933، سببا في توجيه ولي العهد الأمير غازي بن فيصل الأول أوامره -أثناء غياب والده للعلاج في أوروبا- للجيش لكي يسحق هذه الحركة الآشورية الانفصالية، وهو ما تم بعد معارك عنيفة وخسائر غير قليلة في الأرواح والممتلكات [6].
لم تتوقَّف بريطانيا عند هذا الحد، فرغم اعترافها بإنهاء الانتداب واستقلال العراق، ودخوله إلى عصبة الأمم دولةً مستقلة ذات سيادة، فإن الإنجليز عرقلوا بكل قوة بناء قوات الجيش العراقي وتطويرها، ومنعوا استيراد السلاح، حتى تذمَّر قادة الجيش وضباطه من هذه الإجراءات المهينة في حقهم، واضطرت الحكومة العراقية في نهاية الثلاثينيات وقبيل الحرب العالمية الثانية إلى شراء طيارات حربية من إيطاليا وبعض الدبابات الخفيفة، الأمر الذي أضمره الإنجليز وصاروا يتحيَّنون الفرص للرد عليه.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الملك غازي بن فيصل الأولحين اعتلى الملك غازي بن فيصل الأول عرش العراق عام 1934، كان قد أدرك منذ أيام ولايته للعهد أهمية الجيش العراقي وضرورة إعداده جيدا ليكون جاهزا للقيام بدوره في استكمال تحرير العراق وتحقيق الوحدة ودعم القضايا القومية، ومن ثمَّ كانت المهمة الأولى له الآن العمل على إنهاء السيطرة البريطانية والاحتلال. وقد تغذَّى الملك على تلك المفاهيم عبر الأندية الاجتماعية ذات النشاط السياسي، فضلا عن احتكاكه بضباط الجيش الذين حملوا الأفكار القومية، وأبدى غازي اهتمامه بالجيش العراقي وتطويره وتقويته ومتابعة أنشطته، حتى غدا الملك ملجأ للضباط الذين اصطدموا بضباط البعثة العسكرية البريطانية، فقدَّم لهم المساعدة وساندهم وحثهم على مواجهة الضباط البريطانيين [7].
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
هكذا بدا الموقف عشية مقتل الملك غازي في إبريل/نيسان 1939، حيث ساد صراع بين اتجاهين؛ الأول يقوده الملك غازي ويؤيده عدد كبير من ضباط الجيش على رأسهم رئيس الأركان الفريق حسين فوزي ورئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني باشا، وكلهم من الداعين للانعتاق التام من الهيمنة البريطانية والمطالبين بالوحدة العربية. وقد أبدى الملك غازي فوق ذلك تقاربا مع الألمان في لحظات مفصلية كان العداء فيها قويا بين بريطانيا وألمانيا قُبيل الحرب العالمية الثانية (سبتمبر/أيلول 1939 – مايو/أيار 1945). أما الاتجاه الثاني فكان على رأسه بريطانيا ورئيس الوزراء نوري السعيد والأمير عبد الإله بن علي الهاشمي ابن عم الملك وشقيق الملكة عالية زوجة غازي [8].
كان مقتل الملك غازي في إبريل/نيسان 1939 شرارة البدء في المواجهة الخشنة بين الفريقين، وهي مواجهة تفاقمت مع قيام الحرب العالمية الثانية في سبتمبر/أيلول 1939، وإعلان بريطانيا وفرنسا الحرب ضد ألمانيا الهتلرية، والتزام نوري السعيد رئيس الوزراء بمعاهدة عام 1930 بإخضاع مجال العراق الحيوي للجيوش البريطانية، بل وإرسال فرقتين عسكريتين للمشاركة في الحرب ضد دول المحور في الصحراء الليبية أو البلقان، ثم قطع العلاقات السياسية مع الدول المعادية لبريطانيا.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رشيد عالي الكيلاني (يمنيا)


والشيخ أمين الحسيني أثار تسرُّع نوري السعيد بتسخير موارد العراق وكل إمكاناته ومحاولة إرسال أبنائه للحرب مع بريطانيا رد فعل قويا في أوساط الجيش والنخب السياسية الوطنية والأوساط الشعبية، حتى فوجئ السعيد بمقتل وزير المالية رستم حيدر الموالي هو الآخر للإنجليز، فأدرك السعيد أن مقتل حيدر رسالة شعبية وسياسية موجَّهة له، ومن ثمَّ قرر على الفور تقديم استقالته في 18 فبراير/شباط 1940. ورغم أن السعيد تمكَّن من العودة بدعم الإنجليز والقصر وإقالة رئيس الأركان الفريق حسين فوزي، فإن دائرة الناقمين عليه أخذت تزداد حتى من المؤيدين له داخل الجيش، ثم تغيَّرت المعادلة حين لجأ الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين إلى العراق، وكان رأس المقاومة العربية في فلسطين مطاردا من قِبَل فرنسا وبريطانيا، ليُجسِّد مثالا حيا على ظلم الإنجليز للعرب، وقد حرَّض العراقيين ضد نوري السعيد وخيانته. في نهاية المطاف، قدَّم السعيد استقالته من جديد أمام هذا التكتل الشعبي والسياسي والعسكري الذي قاده رشيد عالي الكيلاني والشيخ الحسيني وقادة الجيش [9].
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تحت الضغط الشعبي والسياسي والعسكري، كُلِّف رشيد عالي الكيلاني برئاسة الوزراء، وكان سياسيا وطنيا مخضرما تعود أصوله إلى قبيلة قريش، وقد تولَّى رئاسة الوزراء للمرة الأولى في نهاية عصر الملك فيصل الأول قُبيل وفاته سنة 1934، وهذه هي المرة الثانية التي تولَّى فيها الوزراة. كان الكيلاني سياسيا ذكيا، ومُقرَّبا من الأسرة الحاكمة، حتى إنه تولَّى منصب رئيس الديوان الملكي للملك القتيل غازي الأول، وكان مقرَّبا في الوقت ذاته من الجيش، وانتُخب أكثر من مرة عضوا في البرلمان العراقي، وكان من أشد أعداء نوري السعيد، لكنه مع عداوته أدرك أهميته ودوره نظرا لعدم إمكانية تنفيذ قرارات الحكومة دون التوقيع الملكي الذي حمل أختامه منذ وفاة الملك غازي الوصي على العرش عبد الإله بن علي الهاشمي، الصديق المقرب من نوري والإنجليز.
لذا؛ ونوعا من التوازن ولضرورات تسيير الحكومة الجديدة، عيَّن رشيد عالي الكيلاني نوري السعيد وزيرا للخارجية، وقد عمل الكيلاني على تحييد العراق وإبعاده عن الحرب الدائرة، والاهتمام بالتنمية الداخلية وإتمام مشاريع البنية التحتية وتسليح الجيش من دون بريطانيا. لكن بريطانيا لم ترغب بهذا الأمر، وطلبت من نوري السعيد في شهر يوليو/تموز 1940 ضرورة قطع العلاقة مع إيطاليا وألمانيا، ودخول الحرب بجوار بريطانيا، الأمر الذي رفضه الكيلاني، وقرَّر أن أقصى ما يمكن أن تقبله وزارته هو مرور القوات البريطانية من العراق دون دخوله طرفا في الحرب.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أدركت بريطانيا أن ثمة اتصالات سرية دائرة بين حكومة الكيلاني ومؤيديه من الكتل العربية بقيادة الحاج أمين الحسيني وضباط الجيش الوطنيين مع الألمان والإيطاليين. كان ذلك واضحا خلال الاتصالات السياسية والدبلوماسية بين ألمانيا وبريطانيا عام 1940 أثناء الحرب العالمية، حين وضع رودلف هس، نائب هتلر في الحزب النازي، أربعة شروط للتعاون وإنهاء الحرب، كان من بينها الانسحاب البريطاني من العراق. ومن هنا أدركت بريطانيا ضرورة إقصاء رشيد الكيلاني، وأبلغ سفيرها في بغداد بازل نيوتين كلًّا من الوصي عبد الإله ووزير الخارجية نوري السعيد أنه "ما لم تتشكَّل حكومة جديدة يُستبعد منها رشيد عالي الكيلاني فإن العلاقات البريطانية العراقية ستتدهور حتى تصل إلى مستوى الأزمة" [10].
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
في نهاية المطاف، أُجبر الكيلاني على الاستقالة وأُنشئت وزارة جديدة برئاسة وزير الدفاع السابق طه الهاشمي الذي سرعان ما استسلم للضغوطات الإنجليزية، وراح يُصدر قراراته بإقصاء كبار الضباط الوطنيين الذين دعموا الكيلاني سابقا والمعروفين بالعقداء الأربعة أو المربع الذهبي، مثل كامل شبيب الذي أُقصي إلى الديوانية، وصلاح الدين الصباغ الذي نُقل إلى جلولاء. لكن رفض هؤلاء الضباط الوطنيين لمراسيم الهاشمي، ثم قرارهم بمحاصرة القصر الملكي، ومطالبة الجيش علنا بإقالة طه الهاشمي رغما عن الوصي وبريطانيا، أجبر الوصي ونوري السعيد على الهرب تحت الحماية البريطانية والأميركية صوب القدس ومنها إلى الأردن.
أُصيبت البلاد حينئذ بحالة من الفراغ الدستوري، وأنشأ العسكريون وكبار الساسة "مجلس الدفاع الأعلى"، وعلى إثر ذلك كلَّفوا رشيد عالي الكيلاني بتشكيل الوزارة، فأعلن إنشاء حكومة مُصغَّرة باسم حكومة "الدفاع الوطني"، وجاء في أول بيانات هذه الحكومة تحميل الوصي على العرش عبد الإله المسؤولية كاملة عن إضعاف الجيش وعزله عن أداء مهامه الوطنية، وأنه عمل على إحداث صدع في الوحدة الوطنية من أجل البريطانيين والاستهزاء بالدستور والقانون. ولهذا السبب أُقيل الوصي عبد الإله، وعُيِّن أحد أقارب الملك هو الشريف شرف الهاشمي بدلا منه، ووقَّع هذا الأخير بعد تعيينه وصيا جديدا قرارا بتعيين رشيد عالي الكيلاني رئيسا للوزراء مع أعضاء حكومته وجلهم من الوزراء المناهضين للبريطانيين [11].
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
حاول رشيد عالي الكيلاني تهدئة الأوضاع مع البريطانيين، وأرسل إلى السفير البريطاني في بغداد يؤكِّد له التزام حكومته باتفاقية عام 1930، وأنه سيعمل على تهيئة الرأي العام العراقي لقطع العلاقات مع إيطاليا، كما أن حكومته ليس لديها مانع من عودة الوصي عبد الإله إلى بغداد، لكن بريطانيا من خلال مخابراتها وسفيرها كانت ناقمة على هذه التطورات التي اعتبرتها انقلابا على وجودها في العراق في ظل تفاقم الحرب العالمية الثانية.
أرسل السفير البريطاني في بغداد كينهان كورنواليس ببرقية إلى الخارجية البريطانية يقول فيها إن هناك ثلاثة احتمالات لمعالجة المستجدات تتمثَّل في؛ استخدام القوة ضد الحكومة الجديدة، أو تكثيف الضغوط السياسية والاقتصادية عليها، والأخير الاعتراف بها، وأنه يُفضِّل من بين هذه البدائل الحل الأول. وفي التاسع من إبريل/نيسان 1941 كرَّر السفير رأيه في برقية أخرى إلى وزارة الخارجية يوصي فيها لندن أنها إذا أقدمت على التفاوض مع الكيلاني "فيجبُ أن يكون ذلك مجردا عن الأوهام، وألا يصبح وسيلة لكسب الوقت" [12].
لهذه الأسباب اتخذ الإنجليز بقيادة رئيس الوزراء تشرشل قرارهم بالقضاء على هذه الحكومة وكبار القادة العسكريين المؤيدين لها المعروفين بالعقداء الأربعة؛ وهم العقيد صلاح الدين الصباغ، والعقيد كامل شبيب، والعقيد فهمي سعيد، والعقيد محمود سلمان، ومن خلفهم مفتي القدس أمين الحسيني.
ونظرا لأن عدد القوات البريطانية في العراق كان محدودا وفقا لاتفاقية الاستقلال عام 1930، فقد نُقلت تعزيزات عسكرية من الهند إلى العراق قوامها تسعة آلاف جندي في قاعدة الشعيبة قُرب البصرة دون إبلاغ الحكومة العراقية. ثم توالت التعزيزات العسكرية البريطانية التي تمكَّنت من احتلال البصرة والحبّانية لتنسحب القوات العراقية إلى الشمال، وقد أعلن الإنجليز أن هذه القوات ستنتقل إلى فلسطين نوعا من الخداع العسكري، لكن بدا واضحا أن الإنجليز عازمون على إشعال مواجهة عسكرية ضد حكومة الكيلاني الوطنية والجيش العراقي وعموم العشائر الذين أيَّدوهم في ثورتهم الدستورية والعسكرية [13].


ورغم محاولة حكومة رشيد عالي الكيلاني التحالف مع السوفييت والمحور الإيطالي والألماني، قامت حرب الثلاثين يوما (1-30 مايو/أيار 1941) بين البريطانيين وقوات الجيش العراقي في الأخير، وقصفت الطائرات البريطانية قوات عراقية قوامها سبعون ناقلة جند قُرب الفلوجة وقضت عليها، وتعرَّضت الفلوجة لغارات مُكثَّفة، ودمَّرت القوات البريطانية الجوية والبرية القوات العراقية المتقادمة التي طالما حرصت لندن على تخلُّفها العسكري والعتادي، بالتزامن مع تأخر وصول الإمدادات من قِبَل الألمان؛ حتى وصلت القوات البريطانية إلى مشارف بغداد مع انسحاب الجيش العراقي من كل الجبهات.
في 29 مايو/أيار 1941، بلغ الإنجليز بقواتهم بغداد، وبات سقوط العاصمة أمرا لا مفرّ منه، وقد غادر بغداد على إثر ذلك رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني والضباط الكبار الأربعة والحاج أمين الحسيني، واتجهوا جميعا إلى إيران ومنها إلى جهات أخرى. ثمَّ دخل البريطانيون العاصمة، وعلى ظهر دباباتهم رجع الوصي عبد الإله الهاشمي من الأردن ومعه نوري السعيد، وأذاع الوصي بيانا على الشعب العراقي أعلن فيه عودته إلى العراق للتعاون "مع الرجال المخلصين ومُمثلي الأمة الحقيقيين، لإعادة الحياة الهادئة التي كان يتمتع بها" [14].
وبهذا انتهت الحرب الأنجلو-عراقية بهزيمة الحركة الوطنية العراقية التي جمعت كبار الساسة والعسكريين العراقيين أمام الإنجليز والمتحالفين معهم وعلى رأسهم الوصي عبد الإله ونوري السعيد الذين بقوا سادة البلاد حتى انقلاب يوليو/تموز عام 1958، حيث لاقوا مصيرا مؤلما بمجزرة مروعة في قصر الرحاب بعد انقلاب عسكري دموي.
__________________________________________________ _________
المصادر:
  • كمال ديب: زلزال في أرض الشقاق ص54- 57.
  • عبد الرزاق الحسيني: تاريخ الوزارات العراقية، المجلدين الثاني والثالث والرابع.
  • حربا بريطانيا والعراق 1941، 1991م، ص57.
  • طقوش: تاريخ العراق الحديث ص148.
  • سامي الصقار: أضواء على حركة رشيد عالي الكيلاني ص377.
  • السابق.
  • لطفي فرج: الملك غازي ص72، 73.
  • جريمة في ليل العراق.
  • جعفر عباس حميدي: التطورات السياسية في العراق ص15.
  • حربا بريطانيا والعراق ص167.
  • بريطانيا والعراق حقبة من الصراع ص103.
  • FO 371/2/27063 Bagdad To London 9/4/1941.
  • جيرمي سولت: تفتيت الشرق الأوسط ص146.
  • الحسني: الأسرار الخفية في حوادث السنة 1941م التحريرية ص254.

المصدر : الجزيرة نت -
أحمد إبراهيم

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع