مدينة "أواسا" من كبرى مدن الجنوب الإثيوبي وموقعها الجغرافي الإستراتيجي على المستويين المحلي والإقليمي

[الباسل]

انصهرت فيها عشرات القوميات والثقافات وتعد الموطن الأصلي لقوية "السيداما".. مدينة "أواسا" الإثيوبية


مدينة أواسا تقع على ضفاف بحيرة تحمل اسمها (الجزيرة)


مدينة "أواسا" من كبرى مدن الجنوب الإثيوبي، بوتقة انصهرت فيها عشرات القوميات والثقافات، مما شجع فيها سياحة الفنون والتراث والثقافة. تتميز بطبيعتها وتعدد مواردها وموقعها الجغرافي الإستراتيجي على المستويين المحلي والإقليمي، حيث تمتد عبر الطريق الدولي الرابط بين العاصمتين الإثيوبية أديس أبابا والكينية نيروبي.
تتميز أواسا بأشجارها العتيقة المخضرة التي تحف المدينة وتطوقها من كل جانب، بداية من مدخلها الرئيسي حتى المنطقة الصناعية التي تتميز عن مثيلاتها في البلاد (نحو 173 منطقة صناعية أخرى).

الموقع والمساحة

تبلغ مساحة مدينة أواسا 157.2 كيلومترا مربعا، وتحتل موقعا إستراتيجيا على المستويين المحلي والإقليمي، حيث تقع على ضفاف بحيرة أواسا في الوادي المتصدع العظيم على بعد 275 كلم جنوب العاصمة أديس أبابا، وهي مقسمة إلى 8 مدن فرعية، موزعة على 32 منطقة إدارية.
تربط المدينة عددا من مدن الجنوب الممتدة على الطريق الرابط بين أديس أبابا وشمال العاصمة الكينية، عبر الطريق الدولي "القاهرة كيب تاون" (ويطلق عليه أيضا طريق أفريقيا السريع وأحيانا طريق الشمال العظيم).
ويعد طريق "القاهرة كيب تاون" أطول طريق بري يربط بين شمال أفريقيا وجنوبها، إّ يبلغ طوله نحو 9700 كلم، يبدأ من ميناء الإسكندرية على البحر المتوسط مرورا بالقاهرة إلى السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وتنزانيا وكينيا وزامبيا وصولا إلى جنوب أفريقيا.

أواسا احتضنت احتفالات اليوم العالمي للسياحة عام 2021 باعتبارها إحدى أجمل الوجهات السياحية في إثيوبيا (الجزيرة)


السكان

يطوّقُ مدينةَ أواسا إقليم "شعوب جنوب إثيوبيا" الذي تقطنه أكثر من 50 قومية من ضمن قرابة 80 قومية، ويعد شعب السيداما السكان الأصليين (يشكلون الأكثرية) بالمدينة، ويقدر عددهم بـ4 ملايين نسمة من إجمالي عدد سكان الإقليم، علما أن المدينة تحتضن عشرات القوميات الإثيوبية الأخرى نتيجة موقعها الجغرافي جنوب البلاد.
يتحدث شعب السيداما لغة "سيدامو" وهي "لغة كوشية" حافظت على تراثها الثقافي وأنظمتها الإدارية الراسخة التي يرجع تاريخها إلى القرن التاسع الميلادي، ولا يزال أغلب أفرادها يمتهنون حرفة الزراعة، خاصة البن وتربية المواشي، بالإضافة إلى مهن أخرى كثيرة.يقول إياسو داويت، نائب رئيس مكتب الاتصال بإقليم السيداما، إن مدينة أواسا تعد الموطن الأصلي لشعب سيداما الذي يتمتع بثقافات وتقاليد مختلفة تميزه عن القوميات والشعوب الإثيوبية الأخرى، موضحا أن ثقافة السلام والمصالحة التقليدي، التي تعرف بـ"لأفيني" تعتبر أبرز ما يميز قومية السيداما.
تتميز أيضا قومية السيداما باحتفالها السنوي الخاص -المعروف محليا بـ"فيشي شمبلالا"- الذي ينظم عادة في أواسا، ويتم التركيز فيه على تعزيز العمل الجاد واحترام وتقدير المسنين والامتناع عن قطع الأشجار والابتعاد عن السرقة وشهادة الزور.
وتشارك النساء فيه ضمن برامج متكاملة لنقل المهارات المرتبطة بتصفيف الشعر وإعداد طبق "بوريسامي"، الذي يصنع من الموز والحليب والزبدة. ولتميز هذا التقليد، أدرجته اليونسكو في قائمتها للتراث غير المادي.

بحيرة أواسا تقع على بعد 270 كيلومترا جنوب العاصمة الإثيوبية (الجزيرة)


التاريخ

سميت المدينة بأواسا نسبة إلى بحيرة أواسا التي تعني "واسعة" بلغة السيداما، ويعود ازدهارها إلى عام 1952 في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي الذي جعلها عاصمة لمقاطعة سيداما جنوب إثيوبيا عام 1968، لكن المقاطعة ألغيت بعد اعتماد الدستور الإثيوبي عام 1995. لتصبح المدينة عاصمة لإقليم "شعوب جنوب إثيوبيا".
شهدت المدينة تحولات ضمن التغييرات السياسية التي أحدثتها الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا، وبرز خلالها اسم ولدا مانوئيل دوبالي، الذي بدأ حياته السياسية بتقلد مناصب ومسؤوليات حكومية في عهد الإمبراطور سيلاسي.
عاصر الدوبالي نظام منغيستو هايلي ماريام من عام 1974 إلى 1991، وبرز معارضا للنظام، متعللا بأن حكم منغيستو لم يقدم لشعوب جنوب إثيوبيا ما يستحقونه، فأسس عام 1978 حركة "تحرير قومية السيداما".

انطلقت حركة دوبالي المسلحة عام 1978 من داخل الأراضي الصومالية، وبدأ دوبالي يدرب المجموعات المسلحة من قومية السيداما حتى وصل عدد قواته حينها إلى 20 ألف جندي، لتكون حركته إحدى الحركات المسلحة التي أسهمت في سقوط نظام منغيستو هيلي ماريام عام 1991.

سياحة الطبيعة في مدينة أواسا إحدى أهم السياحات التي تدر مدخولا كبيرا للبلاد (الجزيرة)

وظل الرجل يمثل "رمز التحرر والانعتاق" لشعب السيداما وكل شعوب جنوب إثيوبيا، حتى وافته المنية بالمهجر في بريطانيا عام 2008.
وشهد عام 2020 ولادة إقليم سيداما الذي انفصل عن إقليم "شعوب جنوب إثيوبيا"، فتحولت المدينة عاصمة للإقليم الجديد.

إقليم سيداما

يعد إقليم سيداما الإقليم العاشر بإثيوبيا، وتعد السيداما أول قومية في إثيوبيا تمنح إقليما خاصا بها بعد مطالب دامت أكثر من قرن، وتلقت الاعتراف الرسمي بتأسيس إقليمها يوم 18 يونيو/حزيران 2020 بعد استفتاء تم في ديسمبر/كانون الأول 2019، صوّت خلاله الناخبون بنسبة 97.7% لخيار تأسيس الإقليم وانفصاله عن إقليم "شعوب جنوب إثيوبيا".
وشكلت قومية السيداما أول حكومة لها من 190 عضوا، واختير ساداما ليدامو رئيسا للبرلمان وحاكما للإقليم.
يكفل الدستور الإثيوبي لكل الجماعات والقوميات حق التصويت على إقامة إقليم جديد إذا طلبت ذلك، ويضمن لها حقوقا مثل جباية بعض الضرائب واختيار اللغة الرسمية، وإدارة قوات أمن خاصة، وسن قوانين بشأن قضايا مثل التعليم وإدارة الأراضي.

مدينة أواسا كانت سابقا عاصمة إقليم "شعوب جنوب إثيوبيا" قبل تصبح عاصمة إقليم السيداما (الجزيرة)


الاقتصاد

قبل أن يمضي عام كامل على اعتبار المدينة حاضرة لإقليم السيداما الوليد، احتضنت احتفالات البلاد باليوم العالمي للسياحة في نسخته الـ34 عام 2021 باعتبارها إحدى أجمل الوجهات السياحية في بلد يحتل قطاع السياحة فيه المرتبة الثالثة بعد قطاع الزراعة والتصنيع من حيث خلق فرص العمل، لما تتمتع به البلاد من ثروات طبيعية وتاريخية يستفاد منها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ووفقا لتقرير مكتب السياحة بالإقليم، فإن دخل السياحة خلال النصف الأول من العام الإثيوبي المالي (منتصف 2021 حتى منتصف 2022) بلغ مليار بر إثيوبي (دولار واحد يعادل 53 برا إثيوبيا حسب بداية عام 2023) علما أن زوارها تخطوا مليوني سائح أجنبي ومحلي عام 2022.

وتبدأ السنة المالية الإثيوبية في الثامن من يوليو/تموز وتنتهي في 30 يونيو/حزيران من كل عام، حيث تعتمد البلاد على تقويم خاص بها.

أبرز المعالم

تزخر مدينة أواسا بالعديد من المعالم السياحية والأثرية على المستويين المحلي والقومي، أبرزها بحيرة تحمل المدينة اسمها ونصب تذكاري لأهم شخصيات المنطقة وأكثرها تأثيرا.
ومن المعالم البارزة الأخرى سوق السمك الصباحي قرب البحيرة، وجبل تابور والمحميات الطبيعية بجانب شلالات لوجيتا وبونورا، ومنتزه لوكا أبايا الوطني، وغابات جارابا المطيرة، وجامعة أواسا الطبيعية مع بوابتها الفريدة.
وتتميز المدينة بأحجارها وقراها الأثرية المحاطة بجدران من الحجر الجاف يصل ارتفاعها لـ4 أمتار، بالإضافة لطبيعتها وتلالها الخلابة وأراضيها الزراعية، وفيها أيضا مبان تراثية مصنوعة من القش، مع تماثيل خشبية نحتت قديما للموتى.
ويزخر الإقليم بالمحميات القومية للحيوانات البرية بمختلف أنواعها وأشكالها، بالإضافة للمعالم الطبيعية من أنهار تتدلى منها شلالات وبحيرات غنية بمختلف أنواع الأسماك.

تزخر مدينة أواسا بالعديد من المعالم السياحية والأثرية على المستويين المحلي والقومي (الجزيرة)


أواسا بحيرة الحب

تعد بحيرة أواسا بجنوب إثيوبيا -التي تعرف بـ"بحيرة الحب"- إحدى أهم الوجهات السياحية بالإقليم، ومصدر سياحة لا يعرف النضوب لما تتمتع به من تأثير وجاذبية بفضل طبيعة المنطقة وأسماكها المشهورة والنادرة.

وتعتبر واحدة من بحيرات الوادي المتصدع، وتمثل أهم معالم المدينة، ولها دور كبير في تنميتها، فهي تشهد حركة سياحية نشطة من داخل البلاد وخارجها، لقربها من العاصمة.

النصب التذكاري

يعود النصب التذكاري لولدا مانوئيل دوبالي، المعروف برجل الحرية في قومية السيداما، حيث شيد له النصب عام 2011، تخليدا لدوره بوصفه قائدا ثوريا بدأ نضاله من أجل المطالبة بحقوق قومية شعب السيداما، إحدى أكبر قوميات شعوب جنوب إثيوبيا.
ويعتبر دوبالي من أكبر المناضلين من أجل حرية قومية السيداما وشعوب جنوب إثيوبيا، مما دفع إدارة إقليم "شعوب جنوب إثيوبيا" إلى تشييد نصب تذكاري له أمام مقر إدارة مدينة أواسا.

مجمع أواسا الصناعي

مجمع أواسا الصناعي أنشئ ضمن خطة الحكومة الإثيوبية لتحويل المناطق الزراعية إلى مجمعات صناعية ضخمة، خاصة في مجال صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة، مثل مجمع أواسا الصناعي، الذي تحول من قطعة أرض زراعية إلى مجمع صناعي مساحته 1.3 مليون متر مربع، به 37 مصنعا لشركات عالمية ومحلية.

المصدر : الجزيرة نت