البنتاغون يعلن بدء بناء رصيف غزة البحري والاحتلال يتولى حمايته (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وكالة الأونروا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 3 - عددالزوار : 41 )           »          ما هي السنة الضوئية ؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ليز غراندي ... سياسية أميركية (مبعوثة للشؤون الإنسانية بالشرق الأوسط) (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          رشاد العليمي - سياسي يمني (رئيس مجلس الرئاسة اليمني) (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 1747 )           »          مراسم استقبال حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق لدى وصوله لأبوظبي في زيارة "دولة" بتاريخ 22 إبريل 2024م (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          الولايات المتحدة تناقش بدء انسحاب قواتها من النيجر (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 37 )           »          كتيبة طولكرم .. تنظيم فلسطيني مسلح (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          تدابير مهمة لحماية الهوية من السرقة على الإنترنت (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          سفينة يونانية تعترض طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          فيديو غراف.. 200 يوم من المظاهرات المنددة بالعدوان على غزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          جمهورية بولندا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          جمهورية ليتوانيا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          كالينينغراد.. مقاطعة روسية وسط أوروبا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          بولندا تفتح الباب لنشر أسلحة نووية على أراضيها وروسيا ترد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح الدراســات والبـحوث والقانون > قســــــم الدراســـــات والتـقـاريــر
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم مشاركات اليوم
 


خلف خطوط العدو.. الحرب الباردة للاستخبارات الأميركية في الصين

قســــــم الدراســـــات والتـقـاريــر


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 15-04-23, 12:23 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي خلف خطوط العدو.. الحرب الباردة للاستخبارات الأميركية في الصين



 

خلف خطوط العدو.. الحرب الباردة للاستخبارات الأميركية في الصين

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مقدمة الترجمة:

تمر العلاقات الأميركية-الصينية بحقبة تدهور، ولا أنسب من هذه اللحظة لإلقاء نظرة على جهود واشنطن في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لتقويض النظام الشيوعي في بكين، تقدم الصحافية "جَين بِرليز"، مراسلة "نيويورك تايمز" ومديرة مكتب الصحيفة في بكين بين عامَي 2012-2019، مراجعة نشرتها مجلة "فورين أفيرز" لكتابين صدرا مطلع العام الجاري، يسردان وقائع فشل عمليات استخباراتية أميركية نُفِّذت داخل الصين في أثناء الحرب الباردة، ويتناول الكتابان تفاصيل إحدى العمليات التي وقع فيها عميلان أميركيان في أسر ضباط الجيش الصيني.

نص الترجمة:

في خريف عام 1952 صعد ضابطان شابان تابعان لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) في كوريا على متن طائرة من طراز "سي-47" لا تحمل أي علامات مميزة، كانت متجهة إلى أرض "العدو" في منشوريا شمالي الصين، أما مهمتهما فكانت جلب عميل صيني مكث في الصين عدة أشهر، خطط الأميركيون للطيران على ارتفاع منخفض قريب من الأرض كي يمكنهم إرسال خُطَّاف ينتشل العميل من تلك التضاريس الباردة الوعرة، ثم العودة به إلى كوريا سالمين.
لم يكن لدى الضابطَيْن ولا الطيارَيْن المرافقَيْن لهما غطاء حماية أو إستراتيجية للهروب حال خرجت الأمور عن مسارها، ولم يتحدثوا سوى بضع كلمات صينية فيما بينهم، ولكن بينما اقتربت الطائرة من نقطة انتشال العميل الصيني، ومع اكتمال القمر في السماء، وصل وهج ناتج من إطلاق نار على جسم الطائرة، سقطت الطائرة "سي-47″، ما أودى بحياة الطيارَيْن وأدى إلى تشريد الضابطَيْن، اللذين سرعان ما وقعا في الأسر، ويظهر الأميركيَّان في صورة فوتوغرافية مشوشة وهما مذهولان ويرتديان ملابسهما الشتوية ويقفان في حقل، بينما يُقيِّد جندي صيني أيديهما.


ظلت هذه العملية السرية الفاشلة طي الكتمان طيلة عقود، وقضى العميلان المقبوض عليهما، "جون داوني" (الشهير بـ"جاك داوني")* و"ريتشارد فِكتو"، عقدين في غياهب السجون الصينية، أغلبهما في الحبس الانفرادي، وقد أُطلِق سراح فِكتو عام 1971 وداوني عام 1973، ويعود الفضل في ذلك الإنجاز إلى دبلوماسية الرئيس الأميركي "ريتشارد نيكسون" ووزير الخارجية "هنري كيسنجر"، وكذلك الحملة التي قادتها "ماري" والدة داوني بعزم وإصرار، إذ سافرت إلى الصين خمس مرات لزيارة ابنها، هذا ولم تُبدِ الصحافة، بسبب خداع الحكومة الأميركية، اهتماما كبيرا بالقضية.
نُشر مؤخرا كتابان جديدان، أحدهما بعنوان "عميلا الفتن: مصير جون تي داوني وحرب وكالة الاستخبارات المركزية السرية في الصين" من تأليف الكاتب "جون ديلوري"، والآخر بعنوان "تائه في الحرب الباردة: حكاية جاك داوني، أسير الحرب الأميركي الأطول احتجازا" من تأليف "توماس كريستِنسِن" و"جون داوني" (العميل الذي احتجزته الصين) و"جاك داوني" (ابن جون)، ويروي الكتابان قصة العملية السرية الفاشلة، مع تفصيل لتلك الحقبة المظلمة والخيالية في آنٍ واحد.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"عميلا الفِتَن: مصير جون تي داوني وحرب وكالة الاستخبارات المركزية السرية في الصين" من تأليف "جون ديلوري" (مواقع التواصل)


وبرغم أن حكاية العميلين المحتجزين ظلت حدثا تاريخيا هامشيا حتى بعد كشف واشنطن هوياتهما، فإنها تخبرنا بالكثير حول نهج الولايات المتحدة تجاه الصين الشيوعية خلال المراحل الأولى من الحرب الباردة، لقد كانت ذكرى "خسارة الصين" لصالح الزعيم الشيوعي "ماو تسي تونغ" حاضرة في أذهان القادة الأميركيين آنذاك، وأثارت المخاوف من تماشي بكين مع الاتحاد السوفياتي، ويئس خبراء الشؤون الصينية ذوو العقلية الليبرالية في واشنطن حينها من حماقة محاولة إسقاط حكومة مسؤولة عن أكثر من 500 مليون نسمة (عدد سكان الصين آنذاك)*.

استعان ديلوري، أستاذ الدراسات الصينية بجامعة "يونسي" في كوريا الجنوبية، بموهبته في السرد ونظرته لرصد التفاصيل السيريالية، واستطاع وصف اليأس الذي تملَّك واشنطن في ذروة الحرب الكورية والقرار المصيري المشؤوم بالاستعانة بوكالة الاستخبارات المركزية الوليدة آنذاك لمحاولة تقويض الصين بقيادة ماو، وقد أوضح ديلوري أن الرئيس "دوايت أيزنهاور" وعددا من رجال إدارته رفضوا تصديق أن نظام ماو سيطر تماما على الصين، ما نتج عنه اختلال في القرارات السياسية التي اتخذها مسؤولون لم يكونوا على دراية كافية بطبيعة الحكومة التي عارضوها أشد معارضة، ويقدم داوني في الكتاب الثاني صورة مقربة أكثر لتلك الحقبة، اعتمادا على سرده لحكاية أسره الطويل، بيد أن حديثه كاشف، رغم كل شيء، لفصل مبكر من العلاقات الأميركية-الصينية، ونُشرت مذكرات داوني الموجزة للمرة الأولى في كتاب "تائه في الحرب الباردة"، مع تعقيب من تأليف كريستنسِن، وكلمة ختامية من تأليف "جاك" نجل داوني.
اكتسبت القصة التأسيسية للمواقف الأميركية تجاه الحزب الشيوعي الصيني التي يسردها هذان الكتابان أهمية جديدة في الوقت الحالي، الذي تتدهور فيه العلاقات بين واشنطن وبكين كل شهر أكثر من سابقه، وهي توضح ماذا قد يحدث حينما يتغلب التعنت الأيديولوجي على صناعة القرارات العقلانية، وحينما يتحرك صناع السياسات بناء على معارضة متصلبة تجاه خصم لا يفهمونه تمام الفهم، وتنطوي رواية ديلوري للأحداث ضمنيا على إشارة لرغبة الولايات المتحدة الدائمة في تشكيل ديمقراطية في أكثر بلدان العالم اكتظاظا بالسكان، بيد أن الكتابين يوضحان السبب في كون هذه الرغبة غير عملية، بل غير حكيمة، عندما ينطبق الأمر على نظام سياسي يستمد جُل قوته من معارضة الولايات المتحدة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"تائه في الحرب الباردة: حكاية جاك داوني، أسير الحرب الأميركي الأطول احتجازا" من تأليف "توماس كريستِنسِن" و"جون داوني" (مواقع التواصل)


خلق التمرد داخل الصين

لا تُعَد رحلة داوني وفِكتو ذات المصير المشؤوم إلى منشوريا سوى واحدة ضمن عمليات أخرى كثيرة تُسمَّى "عمليات القوة الثالثة"، نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية في أثناء الحرب الكورية، وتمحورت فكرة "القوة الثالثة"، التي ظهرت منذ أربعينيات القرن الماضي، حول أن القادة المناسبين للصين لن يكونوا شيوعيين متعصبين ولا قوميين استبداديين، بل بديلا وسطيا، وكان التصور حينها أنه بدعم القوة الثالثة، سيكون بإمكان واشنطن إثارة الفتن خلف خطوط العدو وزعزعة استقرار خصومها الأيديولوجيين، وشرح "آلِن دالِس"، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية للتخطيط، الفكرة وراء القوة الثالثة لفريق استشاري في جامعة برينستون عام 1951 قائلا: "لا مفر من التضحية بشهداء، يجب أن يُقتل بعض الناس، أنا لا أرغب في إشعال معركة دامية، لكنني أريد أن أرى بداية تحقيق نتائج ملموسة، أعتقد أن علينا المخاطرة قليلا".ستندت إستراتيجية الولايات المتحدة الرسمية للتحريض على المقاومة داخل الصين إلى عرض قدَّمه الجنرال "تشارلز ويلوبي"، المناهض الشرس للشيوعية الذي عمل مديرا للاستخبارات بين عامَي 1940-1951 في عهد قيادة الجنرال "دوغلاس ماك آرثر" للجيش الأميركي، بيد أن إلمام ويلوبي بالصين كان محدودا، ففي عام 1950 أغفل الرجل إشارات واضحة على تدخُّل الصين في الحرب الكورية، حتى في ظل حشد 250 ألف جندي صيني في منشوريا، ومع ذلك وفي عام 1950 وقَّع الرئيس الأميركي "هاري ترومان" وثيقة تدعو إلى بذل جهود تحريضية داخل الصين.
نبعت فكرة "القوة الثالثة" من الرغبة في القيام بـ"عمل ما" حيال الصين تحت حكم ماو، إذ كانت الصين منغلقة، ولم تكن هناك طريقة للدخول إليها أو الخروج منها إلا بالوسائل السرية غير الشرعية، وتشكلت السياسات الأميركية آنذاك بمعزل عن الحقائق، فقد أُعجب أيزنهاور بالزعيم القومي "جيانغ جيه شي" (أو تشيانغ كاي-شِك كما يُعرف في المصادر الغربية)* الذي هرب إلى تايوان، وذلك على عكس وزير الخارجية الأميركي "دين آتشيسون" الذي لم يُعجَب بشيانغ معتقدا أنه "قضية خاسرة"، في مرحلة ما انحرف النقاش داخل الإدارة نحو تنظيم انقلاب على جيانغ كونه طريقة لـ"تجديد دماء" القوميين، وفي النهاية قررت واشنطن ألا تعمل على إزاحة جيانغ، وأن تُطلِق بدلا عن ذلك برنامجا عشوائيا لتخريب الحكم الشيوعي.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

جندت القوة الثالثة "رابطة النضال من أجل صين حرة ديمقراطية" لتدريبهم بوصفهم جنود مشاة مناهضين للشيوعية، ولقيادة هذه الجهود استعان الأميركان بـ"جانغ فاكوي". (مواقع التواصل)


أصبحت هونغ كونغ، التي كانت مأوى لما يقرب من مليون صيني فروا من الشيوعيين، بؤرة نشاط "القوة الثالثة"، وجندت "رابطة النضال من أجل صين حرة ديمقراطية"، النشطة هناك والمدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية، متطوعين من بين اللاجئين لتدريبهم بوصفهم جنود مشاة مناهضين للشيوعية، حتى يُهرَّبوا إلى الأراضي الصينية، وأُرسِل هؤلاء للتدرب على الثورة المضادة في "أوكيناوا" باليابان، وفي جزيرة "سايبان"، وهي جزيرة تحكمها الولايات المتحدة غربي المحيط الهادئ، ولقيادة هذه الجهود استعان الأميركان بـ"جانغ فاكوي"، وهو جنرال انشق عن قوات جيانغ القومية، وفي حديث مشهود في نادي هونغ كونغ للصحافة الأجنبية حذر جانغ واحدا من الأميركيين المُنظِّمين قائلا: "أي شخص ستخطو قدماه الأراضي الصينية سيُلقى القبض عليه"، كما قال جانغ إن الكثير من المعلومات الاستخباراتية حول طبيعة ما يحدث داخل الصين معلومات زائفة، واتضحت فيما بعد صحة شكوك جانغ، لكنه مع ذلك قَبِل منصبا قياديا في البرنامج الأميركي.
درَّبت وكالة الاستخبارات المركزية المجندين في "سايبان" على التأهيل الأيديولوجي والقفز بالمظلات والاتصالات والمتفجرات، وقد سافر المجندون من هونغ كونغ إلى سايبان على متن طائرات "سيفيل إير ترانسبورت"، وهي خطوط طيران تملكها وكالة الاستخبارات المركزية أسسها الطيار الأميركي "كلير شينو"، ونفذت فيما بعد عمليات في أثناء حرب فيتنام تحت اسم "آير أميركا"، ولم يكن "جو روزبرت"، مدير عمليات خطوط الطيران، متفائلا بما يجري، إذ كتب في مذكراته: "أشعر بالاشمئزاز ممن يُطلَق عليهم مفكرون في واشنطن، أولئك الذين وضعوا هذه الخطط الغبية بالكُلية"، في الواقع كان روزبرت، اليميني الخبير بالشؤون الصينية، يرغب في بذل جهود أوسع وأعنف وأعلى تمويلا.
طوال ذلك الوقت نشط العملاء داخل الصين، وأُرسِل كل من داوني وفِكتو آنذاك لجلب واحد من هؤلاء العملاء وإعادته سالما إلى كوريا، وحالما شد داوني وفِكتو رحالهما نحو منشوريا كان الشَّرَك قد نُصِب وتحدد مصيرهما، فحينما حلَّقت طائرة سي-47 فوق نهر "يالو" لانتشال العميل الصيني كانت وحدات من جيش التحرير الشعبي الصيني تنتظرهم، لقد أرسى ماو دولة مراقبة شاملة بناء على التنظيم الدقيق للجان القرى وخلايا الحزب الشيوعي، وكان الهروب من شبكة الأمن العام أمرا شبه مستحيل، وعمل نظام ماو، المُصمَّم من أعلى لأسفل، على ضمان وجود جاسوس في كل رُكن من أركان المجتمع، وهي النسخة القديمة من أجهزة الأمن الشاملة عالية التقنية التي لدى الصين اليوم.
قبل وقت طويل من مغادرة داوني وفِكتو لكوريا الجنوبية كان الشيوعيون قد ألقوا القبض على عامل لاسلكي تابع "للقوة الثالثة"، واحتجزوه على وعد بالرأفة به حال استمر في التواصل مع الأميركيين في اليابان وطمأنهم بأن الأمور تسير على ما يرام، وحينما ظهرت الطائرة سي-47 كان الشيوعيون منتظرين على أهبة الاستعداد.


واشنطن تنسى رجالها

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الرئيس نيكسون، ولا أحد غيره، هو مَن صرح في مؤتمر صحافي بلغة ملتوية أن قضية داوني "تتضمن عميلا تابعا للاستخبارات المركزية". (أسوشيتد برس)


تُظهِر سجلات وكالة الاستخبارات المركزية أنه من ضمن 212 عميلا تابعا للقوة الثالثة دخلوا الصين في فترة الحرب الكورية وقع 111 في الأسر، بينما قُتل 101 عميل، بصيغة أخرى لم ينجح عميل واحد في مهمته، وحسبما يشير ديلوري فبدلا من تأجيج ثورة مضادة كان لأنشطة أولئك "الشهداء" أثر عكسي، هذا وسوَّغ ماو تعزيز مراقبته للسكان وقمعهم على أساس أن جيانغ والإمبرياليين الأميركيين يهاجمون الدولة الشيوعية الجديدة.
طوال عامين اعتقدت واشنطن أن داوني وفِكتو ماتا في حادث سقوط الطائرة، وظنت وكالة الاستخبارات المركزية بأنه لو أسر الصينيون الأميركيَّيْن وهما على قيد الحياة، فإنهم كانوا ليتفاخروا بذلك بالتأكيد لأغراض البروباغندا، لكن الصينيين التزموا الصمت التام، ثم في يوم عيد الشكر (25 نوفمبر/تشرين الثاني) عام 1954 أعلن ماو أن الرجلين على قيد الحياة كاشفا عن هوياتهما وأنهما عميلان في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وبعدما هدأ السخط الأولي تولت بعثة الولايات المتحدة في جنيف مهمة التفاوض لإطلاق سراح الرجلين، واختلقت الاستخبارات الأميركية قصة مفادها أن داوني وفِكتو موظفان مدنيان تابعان لوزارة الدفاع، بيد أن الرئيس نيكسون، ولا أحد غيره، هو مَن صرح في مؤتمر صحافي بلغة ملتوية أن قضية داوني "تتضمن عميلا تابعا للاستخبارات المركزية"، وحينها نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا العنوان: "نيكسون يعترف بأن الأميركي المحتجز في الصين عميلا للاستخبارات المركزية"، بيد أن التقرير دُفِن داخل أوراق الصحيفة. أظهر داوني وفِكتو قوة تحمُّل لا تُصدَّق بينما تعفَّنا في سجون ماو، ويذكر جاك، نجل داوني، كيف خضع والده لعامين من الاستجواب الوحشي، وارتداء أساور الكاحل الحديدية المُقيِّدة للحركة لفترات طويلة، والحبس الانفرادي في زنزانة لم تتجاوز أربعة أمتار مربعة (2*2)، وحينما نطق القاضي بحكم السجن مدى الحياة قال مترجمه بالإنجليزية وبابتسامة متكلفة: "كان يمكن أن يُحكَم عليك بالإعدام"، وقد أبقت والدة داوني محنة ابنها حية في واشنطن، وروَّجت لظروف احتجازه بعد كل زيارة قامت بها للصين، وكانت أسرة داوني قد أرسلت له الطعام والكتب والصحف والعدد الأول من مجلة "سبورتس إلَسترَيتِد"، وفي غضون ذلك علَّم داوني نفسه قليلا من اللغة الروسية، وبما أن سجَّانيه الشيوعيين رحبوا جدا بدخول الأدب الروسي له، فقد قرأ داوني أجزاء من النسخة الروسية من رواية "الحرب والسلام" (من تأليف الكاتب الروسي ليو تولستوي).
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وفي مارس/آذار عام 1973 مشى داوني نحو الحرية عابرا الجسر الرابط بين جنوب شرق الصين وهونغ كونغ، وعاد إلى وطنه، والتحق بكلية الحقوق وأصبح قاضيا. (مواقع التواصل)


في عام 1956 قدمت الصين عرضا أمكن أن يؤدي إلى إطلاق سراح السجينين، وتضمن عرض بكين دعوة صحافيين أميركيين إلى الصين للكتابة عن وضع البلاد، مقابل إطلاق سراحهما، كما طالبت الحكومة الصينية باعتراف واشنطن بأن داوني وفِكتو في الحقيقة عميلان للاستخبارات المركزية، وقد رفض وزير الخارجية الأميركي "جون دالِس"، شقيق آلن، النظر في الخطة، إذ إن الولايات المتحدة لن تعقد صفقات مع الشيوعيين، على حد قوله، ونتيجة لتعنت دالِس أصبح داوني أسير الحرب الأميركي صاحب أطول فترة احتجاز في التاريخ.
بحلول عام 1958 انتهت مغامرة سايبان، ووضعت وكالة الاستخبارات المركزية عينها على مشروع آخر لـ"القوة الثالثة" في هضبة التبت، في تكرار مماثل تقريبا للمغامرة الفاشلة في شمال الصين، وأدخل مدربون أميركيون يفتقرون للخبرة مناضلين لأجل الحرية من التبت إلى غربي الصين، ورغم ذلك لم يكن المُدرِّبون مُلمِّين بمنطقة التبت، ولم يسبق لأحدهم زيارة المكان، وقد قُتِل وأُسِر عدة مئات من التبتيين الذين دربتهم الولايات المتحدة، ولم يتحرر أحد من السكان هناك.
في اجتماع مع رئيس مجلس الدولة الصيني "جو إنلاي" عام 1971، وقبل وصول الرئيس نيكسون إلى بكين (في زيارة تاريخية عام 1972)*، اعترف كيسنجر بأن فِكتو وداوني ارتكبا أفعالا تعتبرها أي دولة غير شرعية، وحمل ذلك تلميحا بالجهة الحقيقية التي عملا لحسابها، وكان الاعتراف كافيا بالنسبة لإنلاي، أُطلق سراح فِكتو في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، وفي مارس/آذار عام 1973 مشى داوني نحو الحرية عابرا الجسر الرابط بين جنوب شرق الصين وهونغ كونغ، وعاد إلى وطنه الحبيب بولاية كونيتيكت الأميركية، والتحق بكلية الحقوق وأصبح قاضيا.
صاغ داوني الأمر بوضوح في مذكراته قائلا: "لقد أُرسلت للقتال لحساب بلد لم أعرفه، ولتدريب مقاتلين يتحدثون لغة لا أفهمها، وسقطتُ من على متن طائرة لم يكن من المفترض أن أكون على متنها، وحُكم عليَّ بالسجن مدى الحياة بسبب إنزال عمود من الطائرة"، أما داخل البيت الأبيض، فاعتُبرت حريته نصرا لإدارة نيكسون ليس أكثر، وقال كيسنجر لنيكسون حينها: "لقد حظينا بلقطة جيدة من وراء قصة داوني تلك".


أخطاء السياسة الأميركية

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نشر المؤرخ سبنس في كتابه "من أجل تغيير الصين" على تفصيل مئات السنوات من المشروعات التي قادها الغرب بنوايا طيبة لتغيير الصين. (مواقع التواصل)


يعيد ديلوري رواية هذه الحلقة المميزة من تاريخ العلاقات الأميركية-الصينية بتفاصيل نارية مدهشة، فإنك تكاد تسمعه يتساءل: كيف تمت الموافقة على هذا؟ لماذا كان الأمر ملحّا إلى درجة محاولة قلب نظام الحكم الشيوعي من خلال هذه الوسائل السطحية؟ إن سبره أغوار أرشيفات مصادر الحزب الشيوعي في شانغهاي وهونغ كونغ تطرح تفاصيل دقيقة حول الأوضاع في منشوريا -مثل التنظيم المنضبط للمجتمع لتشكيل خلايا صغيرة- التي تُعَد مفتاحا لفهم سنوات ماو الأولى في السلطة، وتُعَد شجاعة كل من داوني وفِكتو قصة داخل القصة الأكبر.
في عام 1969، بينما كان داوني وفِكتو لا يزالان خلف القضبان ولا تزال واشنطن ترفض الاعتراف بالحكومة في بكين، نشر المؤرخ بجامعة ييل "جوناثان سبِنس" كتابه بعنوان "من أجل تغيير الصين"، وأتى في ذلك الكتاب على تفصيل مئات السنوات من المشروعات التي قادها الغرب بنوايا طيبة لتغيير الصين، بداية من محاولات القس الإيطالي "ماتيو ريتشي" نشر المسيحية في أواخر القرن السادس عشر، وحتى نشر كتيبة من الجنرالات الأميركيين في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتبع ديلوري، الذي كان طالبا لدى سبِنس في جامعة ييل، خُطى معلمه القدير بإعداده دراسة حالة مهمة ولافتة للانتباه تنتهي إلى استنتاج مشابه.
من جهة أخرى يحكي كتاب "تائه في الحرب الباردة" ما يحدث للأميركي الذي يتحمل وطأة صناعة السياسات الحمقاء، وتُعَد سردية ديلوري التاريخية الأوسع -التي تركز على هوس واشنطن العام بالصين الشيوعية في الخمسينيات، ثم لاحقا دبلوماسية نيكسون وكيسنجر- مذكورة ضمنيا في قصة داوني، وقد كانت المعاناة التي تحمَّلها هو وفِكتو نتيجة مباشرة لفشل في الفهم، أو تعنُّت أعمى في الاعتراف بأن الشيوعيين أحكموا قبضتهم تماما على الصين، وسرعان ما وجد هذا الفشل طريقه إلى القمة، إذ اعتاد أيزنهاور خلال فترة رئاسته الاستهانة بماو، والتقدير المبالغ فيه لجيانغ.

يصوغ ديلوري الأمر على نحو صحيح في خاتمة كتابه، معتبرا السياسات العمياء التي شكَّلها الأميركيون قبل 70 عاما بمثابة تحذير مما لا يجب فعله في لحظة تدهور العلاقات الأميركية-الصينية الحالية، إذ يقول في كتابه: "إن غواية العودة إلى قوالب الحرب الباردة المتمثلة في التحريض السِرِّي -المتجلي ليس في البر والبحر والجو فحسب، بل أيضا في مجالات غير مرئية بداية من الفضاء الخارجي وحتى الفضاء السيبراني- يجب أن تمنحنا وقفة متأنية في ضوء مآلات ذلك حين جرَّبناه أول مرة"، يجب ألا تنسى واشنطن ذلك الدرس.
_____________________________
ترجمة: هدير عبد العظيم
هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs

المصدر : الجزيرة نت

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع