الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 2 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2398 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 60 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أوكرانيا: روسيا تجهّز 100 ألف جندي لهجوم محتمل في الصيف (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح الدراســات والبـحوث والقانون > قســـــم الكـتب العســــكريــة والسياســــــــية
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


الحرب: حقيقتها وآثارها

قســـــم الكـتب العســــكريــة والسياســــــــية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 17-07-09, 08:17 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي الحرب: حقيقتها وآثارها



 

الحرب: حقيقتها وآثارها

تأليف: كرس هدجز تعريب: أيمن الأرمنازي
عرض وتحليل: يوسف كامل خطاب


تقديم:
الكتاب الذي نعرضه في هذا العدد من الكتب القليلة التي تناولت ظاهرة الحرب من جانبها السلبي ، حيث أبرز حقيقتها الزائفة وآثارها المدمرة على البشر، عسكريين كانوا أم مدنيين، وذلك لما تتركه من تشوهات بدنية ونفسية ووجدانية تفسد على الناس معاني المحبة والتواصل والتعاطف ... وغيرها من المعاني التي تجعل للحياة وزناً وقيمة .


عرض الكتاب

يقع كتاب: "الحرب: حقيقتها وآثارها" في (256) صفحة من القطع المتوسط، وقد صدرت طبعته (الأولى) عن: (شركة الحوار الثقافي)، بيروت لبنان، عام 2005م. ويتألف الكتاب من (مقدمة)، وسبعة فصول، تضمنت العديد من الأفكار والآراء والقناعات التي تبنّاها المؤلف عن الحرب ، وهو ما سوف نبرزه في العرض التالي:

المقدمة

وفيها يلخّص المؤلف ما تناوله في فصول الكتاب من آراء وأفكار عن حقيقة الحرب وآثارها، مستدلاً على تلك الآراء والأفكار بما شاهده من صور مأساوية مفزعة في الحروب والمعارك التي قام بتغطيتها في مختلف مناطق العالم حيث كان مراسلاً عسكرياً لصحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية على مدى (15) سنة مؤكداً أن مظاهر تلك الحروب وآثارها تكاد تكن متطابقة في كل مكان، وذلك لأن الحرب تولّد (ثقافة خاصة) تهيمن بها على كل الثقافات، وتؤثر بها على السلوك البشري الذي يصل إلى مستوى الحضيض بين طرفي الحرب اللذين تجرّعا ( مخدِّر الحرب)، فصارا على درجة واحدة من الهمجية والوحشية والعدوانية.

ويشير المؤلف إلى دور القادة في إشعال الحروب والتحريض عليها، نظراً لما يتحقق لهم في أجواء الحرب من تمجيد وتقدير من قِبل شعوبهم، فضلاً عن غضِّ النظر عن تجاوزاتهم وسلبياتهم، كما أنها (الحرب) تمنح الفرصة للمجرمين لمممارسة نشاطهم.
ويزعم المؤلف أن ما تعلن عنه الحكومات أو الجماعات من دوافع الحرب وأسبابها، لا تكون غالباً هي الدوافع والأسباب الحقيقية للحرب، وإنما هي دوافع مزيّفة لإلهاب المشاعر وإلهاء الناس، بل هي غطاء رقيق لإخفاء ما تثيره الحرب لدى الشعوب من (تقديس الذات) والتوقّف عن ممارسة (النقد الذاتي)، والتصوّر أن مُثلنا الأخلاقية هي الأفضل، وأن خصومنا قوم غدّارون وأشرار، فذلك في رأي المؤلف هو ما يجعلنا نتقبل ما يواكب الحرب من أهوال، باعتبارها أمراً ضرورياً لتحقيق الأهداف السامية.

وينهي المؤلف تلك المقدمة بالتصريح بأنه لا يهدف من تأليف كتابه إلى إقناع القارئ بعدم جدوى الحرب، لأنها قد تكون في بعض الحالات (سُمّاً) لابد من تجرّعه من أجل البقاء، وإنما يهدف إلى "ألاّ ندع أسطورة الحرب ومنطق القوة تعمي بصيرتنا، وإلاّ أصبحنا مثل الذين نحاربهم"، ويؤكِّد على أن السبيل إلى ذلك "هو التواضع أولاً والشفقة أخيراً" ص 33 ،
الفصل الأول : أسطورة الحرب

لكل حرب حسب رأي المؤلف جانبان، أحدهما: جانب حقيقي، ويتمثل فيما تنطوي عليه الحرب من مخاطر ودمار، وما تخلّفه من مآسٍ وأهوال وقتلى ومصابين، فهي "ليست إلاّ قتلاً منظَّماً"، وثانيهما: جانب مزيف أو (أسطوري)، ويكمن في تضمين الأحداث معاني تروق لنا، وإن كانت كاذبة، ووصف الأشياء بما يتفق مع أهوائنا، وإن كانت زائفة مضللة؛ فالهزيمة تصبح نكسة مؤقتة، والأعداء هم شياطين مجردون من الصفات الإنسانية، بينما نمثل نحن الخير والصلاح المطلقين. وعبر هذا التزييف والتضليل ونشر الأساطير، يتم تبرير الكثير من الأعمال الدموية التي تُرتكب في الحرب، حيث نتوهم أننا نقوم بأعمال بطولية، متناسين الكوارث المحزنة التي تعترض طريقنا.

وتقوم أكثر الحكومات بنشر أساطير الحرب وخرافاتها عبر وسائل الإعلام التي تسخّر بالكلية أثناء الحرب لتلك المهمة وتعتمد فيما تنشره على ما يرد إليها من المراسلين العسكريين، الذين يخضعون غالباً لتوجيه الضباط ومراقبتهم في ميادين القتال التي ينقلون منها أخبار المعارك، ومن ثم فلا يسمح لهم بنقل الجانب الحقيقي للحرب.

ورغم انطلاق معظم الأساطير القومية عن الحرب من أسس عرقية يغذّيها الجهل، إلاّ أنها لابد وأن تُغلّف بما يخفي حقيقتها، حيث تسخّر لها العلوم كالتاريخ وعلم النفس عبر فئة من المثقفين المستعدين لتبني نظريات سخيفة ومضلِّلة لخدمة المآرب القومية التي تروّجها الدولة أو أمراء الحرب.

ويذهب المؤلف إلى أن الخرافات الموروثة عن الحرب لها مفعول المخدرات، وبالتالي فهي تُفقد الذين يمارسونها أي مشاعر أخلاقية؛ وعليه فلابد من التمسُّك بتلك الخرافات لتبرير القتل والتدمير الذي يتعرّض له الأبرياء، ولابد من تصوير الحرب وكأنها ملحمة بطولية؛ ولكن هذه الأوهام سرعان ما تتبدد عندما يجد المقاتل نفسه في الميدان يواجه حقيقة الحرب، التي "تتسم بالفوضى الممزوجة بالوحشية"، فتتحول الشعارات الموروثة عن البطولة والشجاعة والمروءة، والكلمات الرنانة التي تمجّد واجب الدفاع عن الوطن والشرف العسكري، إلى مجرد ألفاظ خالية من المعنى، وتتبدّل الإرادة والعزيمة والإقدام إلى حالات من التصرف اللاشعوري، حيث يجهش البعض بالبكاء أو يصاب بالتقيّؤ، فيما يصاب البعض الآخر برعشة في أطرافه أو فقدان لشهيته، أو يشعر بألم متقطع في مؤخرة رأسه. ويبلغ الأمر ذروته في شعور بعض المقاتلين بالهوان عندما يتردد في إنقاذ جريح من رفاقه، خوفاً من تعريض حياته للخطر، وهو شعور شديد القسوة نظراً لرابطة الانتماء القوية التي تجمع بين رفقاء السلاح في المجموعة أو الوحدة "وبذلك نجده يفضّل الموت على فقدان هذا التواصل أو الرباط الذي يشدّه إلى زملائه" (ص 60). أما الشعب فيبقى على تمسّكه وقناعته بالشعارات والأوهام التقليدية التي تبثها وسائل إعلام الدولة أثناء الحرب.

وتُعدّ حرب البوسنة في رأي المؤلف من أكثر الحروب المعاصرة التي شهدت ترويجاً للخرافات والأساطير، فمن المعروف أن الكروات والصرب والمسلمين، كانوا قبل اندلاع الحرب يشكّلون شعباً متجانساً يصعب تمييزهم عن بعضهم البعض، ولم يكن هناك سبب لإشعال الحرب بينهم سوى رغبة عدد من "القادة المجرمين السياسيين" في التمتع بالسلطة وجني الثروة، حتى لو اقتضى الأمر القتل والتعذيب والإعدامات الجماعية، فلجأ أولئك القادة المجرمون إلى الخرافات والأساطير لتأجيج نار الفتنة وإيجاد مبررات لم تكن موجودة في الأصل، وإثارة قضايا تاريخية مشكوك بصحتها؛ مما أدى إلى تعميق الكراهية المتبادلة، واشتعال الحرب.

ويختتم المؤلف هذا الفصل بوصف مشاعره عندما اندلع القتال في إحدى المناطق، وسمع بأذنيه أنّات الجرحى والمصابين وصياحهم من شدة الألم قبل أن يفارقوا الحياة، حيث يقول: "هذه هي الحرب على حقيقتها، وليست الصورة الزائفة التي تقدمها لنا الأفلام السينمائية والكتب التي قرأتها في صباي، إنها صورة مخيفة مفجعة، ولا تمت بصلة إلى الأسطورة التقليدية التي تشربتها. إنها في الواقع صورة خالية مما يمكن أن أسميه بطولة أو مروءة" (ص 62).
الفصل الثاني : وباء القومية

يتناول المؤلف في هذا الفصل عاملاً رئيساً من عوامل إشعال الحرب واستمراريتها، وهو (الهوس القومي) أو (النزعة القومية) التي لا يخلو منها مجتمع بشري، ويتم تكوينها عبر مراحل عمر الإنسان من خلال الدروس التي يتلقاها في المدارس، والقصص والمواعظ التي يسمعها في الكنائس أو المساجد، والحكايات الشعبية أو الوطنية الموروثة التي تعدّ مصادر تكوين هوية الأمة وذاتيتها.
ويذهب المؤلف أن هذه (النزعة القومية) تبرز في حالات الحرب، وتأخذ طابع النشوة التي تخفف (القلق من المجهول) القابع في وعي الإنسان الفرد، بل إنها قد تلغي هذا القلق، فيتخلّى الفرد عن مسؤولياته تجاه مشروعية الأعمال الجماعية التي ترتكب في الحرب.

ونظراً لما لتلك (النزعة القومية) من أهمية، تحرص الدول والحكومات وأمراء الحرب على تأجيجها في نفوس المواطنين أوقات الأزمات والحروب عبر وسائل الإعلام وخصوصاً والتلفاز لتغذّي من خلالها نيران الحرب.

ويعدد المؤلف نماذج للحروب والنزاعات التي اشتعلت بوقود النزعات القومية والعرقية، ومنها: حرب الأرجنتين ضد جزر الفوكلاند، والحرب اليوغوسلافية، والحروب التي قادها الإسرائيليون قبل إقامة دولتهم، وحروب الأمريكيين ضد السكان الأصليين والحروب التي تقودها أمريكا حالياً ضد الإسلام؛ حيث يقول المؤلف عنها: "ونحن الأمريكيين لسنا أفضل حالاً، إذ إننا ننظر للإسلام نظرة مشوَّهة تنطوي على عنصرية واضحة المعالم، وتصف جميع المسلمين بأنهم ميالون إلى العنف، ومعادون للتقدم، فضلاً عن كونهم منغلقين في تفكيرهم" (ص 69).

ويرى المؤلف أنه عندما تندلع الحرب، فإن أغلب فئات المجتمع لا تسلم من (وباء القومية)، بمن فيهم المثقفون والنقّاد، الذين يتخلى عدد كبير منهم عن مبادئه ويؤيد الحرب، ويتقرّب إلى الجماهير عبر إلهاب أحاسيسهم الوطنية والقومية. ويزعم المؤلف أن كل من يرفض ذلك التأجّج من أبناء الشعب ويبرز الأمور على حقيقتها، يتعرّض إلى المهانة، مما يضطره إلى العيش بمعزل عن بقية أفراد المجتمع بعيداً عن ذلك (الهوس القومي) الذي يتاجر به دعاة العصبية القومية؛ إذ إن أولئك الرافضين يكونوا قليلي العدد، ولا حول لهم ولا قوة على مواجهة الأغلبية الكاسحة المتأثرة بالوباء القومي.

وقد أورد المؤلف قصصاً واقعية لنماذج من الصربيين الذين تساموا على على دعاوى (الهوس القومي) الذي أشعل الحرب في (يوغوسلافيا) وتعاملوا مع مواطنيهم من المسلمين (البسنويين) باعتبارهم الإنساني، بصرف النظر عن انتمائهم العرقي، مؤكداً على أن هذا الموقف جعلهم يتعرضون إلى الإهانة والاضطهاد من قِبل بني قوميتهم الصربية.

إن (النزعة القومية) حسبما يرى المؤلف هي التي تجعل أبناء شعب ما يشارك في جرائم الاعتداء على الآخرين وخصوصاً في الصراعات العرقية لتوهّمهم بأنهم يشاركون في كتابة تاريخ أمتهم.
وعندما تنتهي الحرب، ويزول (الوهم القومي)، وتتعرّى الخرافة، لا يعترف الناس بأخطائهم، ويلفظوا خرافاتهم وأساطيرهم الموروثة، بل يهربون من تلك المواجهة، مُحْتمين خلف شعار: (الانتماء القومي)، وذلك "لشعورهم بالعار وتجنّب الحديث عن الحقائق المؤلمة"، ولا يعني ذلك موت (فيروس القومية) وانتهائه من كيان هذا الشعب، إذ إنه "يبقى نائماً ليستيقظ من جديد من خلال النُصُب التذكارية التي نقيمها للذين قتلوا، والحكايات التي تروي بطولات الأحياء والذين سقطوا في سبيل الوطن". (ص 84).

ويختتم المؤلف هذه الفصل باستدلاله على دور النزعة القومية التي كانت الحكومات الأمريكية تبعثها في نفوس مواطنيها في الحروب التي خاضتها، وخصوصاً (حرب فيتنام) التي لم تكن حرباً (مشرِّفة) حسب تعبير المؤلف وكذلك في (حرب تحرير الكويت) التي قادت فيها الولايات المتحدة التحالف الدولي ثم بعثها من جديد في الحروب الأمريكية الأخيرة لإقامة (النظام العالمي الجديد) الذي يعدّ في رأي المؤلف غاية لا يمكن إدراكها.
الفصل الثالث : تدمير الثقافة

يناقش المؤلف في هذا الفصل آثار الحرب على ثقافة الأمم والشعوب المعتدية أو المعتَدى عليها حيث يرى أنه عندما تنشب الحرب، تبدأ الدولة بتدمير ثقافتها الذاتية الحقيقية، ثم تبادر إلى استئصال الثقافة الحقيقية لمعارضيها، وذلك لأن الثقافة الحقيقية في أزمنة الحرب تُعدّ أمرًا غير مرغوب فيه.

ويستعرض المؤلف آليات التدمير الثقافي التي تتمثل في: الفن، والنقد، والإعلام؛ ففي مجال (الفن) تنتشر الشعارات الحماسية المزيفة، وبطولات القادة والجنود الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، وذلك عبر الأفلام السينمائية والأغاني والأشعار والكتب. أما (النقد)، فيتم تغيير معاييره وقيمه الحقيقية لتحل محلها قيم ومعايير أخرى مشوهة، تجعل العدو كائناً مجرداً من الإنسانية والخلق، مجرماً شريراً، في الوقت الذي يُنظر فيه إلى الذات بهالة من القدسية ذات الصبغة الدينية التي تظهرنا أبراراً أطهاراً أخياراً. فيما يُتخذ (الإعلام) آلية لإثارة الضغائن وتعبئة الرأي العام من خلال البرامج ونشرات الأخبار والأفلام والتحليلات .. وغيرها من الأساليب الإعلامية.

ولا تقتصر آثار تدمير الثقافة الذاتية وثقافة العدو على زمن الحرب فحسب، بل تمتد تلك الآثار الوخيمة على مدى سنوات طويلة، حيث يظل ترقّب الحرب أمراً قائماً بين الأمم والشعوب، ويمثل المؤلف لذلك بالحرب بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين على جزيرة قبرص، والتي اشتعلت عام 1963م، وأدت إلى انقسام الجزيرة إلى قسمين متحاربين، وسعى كل قسم منهما إلى تدمير ثقافة الآخر، مما أدى إلى أن تكون ثقافة الكراهية والثأر والانتقام هي السائدة بين شعبي الطرفين إلى الآن. ومن النماذج التي أوردها المؤلف في هذا السياق أيضاً نموذج التثقيف الفلسطيني، حيث تنشأ الأجيال الجديدة على أمل تحرير فلسطين واستردادها من أيدي مغتصبيها الصهاينة، وتمني الشهادة لتحقيق هذا الهدف؛ ويورد المؤلف في هذا الصدد نماذج لأسر فلسطينية التقاها، ونقل عنهم إصرارهم على الثأر والانتقام لأجدادهم وآبائهم الذين قتلوا على أيدي الصهاينة، وحرصهم على استرداد أراضيهم وديارهم المغتصبة التي لازالوا يحتفظون بمفاتيحها ووثائق ملكيتها.

ومن الآثار البارزة التي يذكرها المؤلف لتدمير الثقافة: (تزوير التاريخ) لإضفاء الصبغة الشرعية على الحرب وعلى القضايا التي استغلت من أجلها، وينشط في هذا المجال المؤرخون وعلماء الآثار وعلماء الاجتماع، لإثبات آثار قديمة أو جذور ثقافية عميقة لتبرير العدوان والاحتلال والاستعمار، ويضرب مثلاً لذلك بما يحدث في فلسطين المحتلة، فيقول: "ففي إسرائيل يهتم الباحثون بحماس زائد بعلم الآثار، وبالتنقيب عن الآثار التي خلّفها اليهود القدامى، وذلك لتبرير استيطان اليهود فيما كان يُعرف بأرض فلسطين، لذلك يولي الإسرائيليون بعض الأماكن الأثرية اهتماماً خاصاً أكثر مما تستحق، ولذلك يسعى علماء الآثار والمؤرخون والمؤلفون إلى البحث عن الجذور الثقافية التي تعزز إيمانهم بالأسطورة أو الخرافة القومية، وفي الوقت نفسه يتجاهلون المعالم الأثرية غير اليهودية" (ص 100).

وفي الوقت الذي يهتم فيه أحد طرفي الحرب بتزوير التاريخ حتى يكون مؤيداً له، فإنه يسعى إلى تدمير المعالم التاريخية والثقافية لخصمه، وقد برز ذلك في الحرب ضد مسلمي البوسنة، حيث "بذل صرب البوسنة قصاري جهدهم لإنكار أي طابع إسلامي للبوسنة، ففجّروا المكتبات، والمتاحف، والنُصُب التذكارية، والمقابر، وأخيراً المساجد التي ركّزوا على تدميرها". (ص 105).
وتواكب عملية تدمير الثقافة الحقيقية للذات وللخصوم حملات الدعاية التي تتهم العدو بارتكاب جرائم حرب، سواء كانت تلك الجرائم حقيقية أو وهمية، وتكرار هذه الاتهامات بكافة الوسائل في مختلف الأقنية لإثارة مشاعر الغضب والكراهية في صفوف الشعب.

وفي أعقاب عملية تدمير الثقافة، تتم إعادة بنائها من جديد من قِبل طرفي الحرب ولكن بعد تزييفها ومزجها بالأساطير والخرافات التي تجعل كشف الحقائق من الأمور الصعبة.

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

قديم 17-07-09, 08:18 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الفصل الرابع: إغواء المعركة والانحراف الأخلاقي الذي ينشأ عن الحرب

يستهل المؤلف هذا الفصل بالإشارة إلى أن كل ما نسمعه أو نشاهده أو نقرأه عن الحرب، لايعكس حقيقتها وما يدور فيها من مآسٍ وأهوال، كما يشير إلى أن هناك أفكاراً مورثّة عن الحرب كالاعتقاد بأنها تمثّل اختباراً لرجولة المرء ومروءته هي التي تدفع الشباب إلى الانخراط في الجيش وخوض غمار الحرب بمحض إرادتهم، لتحقيق طموحاتهم وأمجادهم، باعتبار الحرب هي مجال البطولة ونيل إعجاب الجماهير.

ويذهب المؤلف إلى كافة التصورات أو الموروثات التي كانت سائدة عن الحرب، واعتبارها مجال الرجولة والبطولة والشهامة والمروءة ... إلى أخره، قد تلاشت مع الحرب العالمية الأولي، التي استخدمت فيها الأسلحة الحديثة ذات القدرة الهائلة على قتل أعداد كبيرة من البشر، بينهم مدنيين أبرياء نساء وأطفال وشيوخ لم يشاركوا في تلك الحرب. مما جعل المبادئ الإنسانية والسلوكيات الراقية التي كانت تميّز الفارس الشهم فيما مضى شيئاً من التراث؛ "لقد أصبحت الحرب تكنولوجية وصناعة منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى" (ص 116)؛ وأصبح الجندي في الحروب الحديثة: "أداة في يد التكنولوجيا، وحسبنا القول إن كثيراً من المقاتلين لا يرون الأفراد الذين يطلقون عليهم النار". (ص 117).
ويلفت المؤلف إلى أن الجنود الذين يقتلون أبرياء في الحروب يدفعون ثمناً عاطفياً ونفسياً كبيراً، بعد انتهاء الحرب وعودتهم إلى المجتمع المدني، حيث يكون تأثير وإغراء الحرب الذي يشبهه المؤلف بالأفيون الذين يحوّل من يدمنه إلى وحش لا يهدأ إلاّ بتحقيق النشوة التي تتجسد خلال الحرب في القتل وسفك الدماء قد انتهى أثره، ومن ثم تبدو على من ارتكبوا تلك المجازر علامات الاكتئاب والمرارة والصدمة؛ وينقل المؤلف عن أحد مؤرخي الحرب العالمية الثانية أنه عندما كان أولئك الجنود يكلفون بتنفيذ مجازر جديدة، فإنهم كانوا يلجأون إلى شرب الكحول قبل تنفيذ عملياتهم. ويعقّب المؤلف على تلك الرواية بأن مثل ذلك كان يحدث في البوسنة، وكوسوفو، والجزائر، والأرجنتين، والسلفادور، والعراق.

بيد أن ما سبق لا يعني عدم وجود بعض المقاتلين الذين تحولهم الحرب إلى (شيء مجرد من الإنسانية) فلا يتورعون عن ارتكاب أعمال همجية أثناء الحرب، مقابل مميزات تافهة تشعرهم بالقوة والسلطة؛ حيث تؤدي ممارساتهم للعنف وسفك الدماء إلى انحرافهم الأخلاقي، ما يجعلهم يتصرفون كالوحوش الهائجة؛ ولذلك فإن الحروب تنعدم فيها كثير من القيم. وقد استعرض المؤلف نماذج من تلك السلوكيات الوحشية، كالتي ارتكبت في فلسطين، من عمليات اصطياد الأطفال الفلسطينيين بواسطة جنود الاحتلال الصهيوني، حيث كان الجنود يستدرجون الأطفال عبر مكبرات الصوت مُدَّعين أنهم سيوزعون عليهم الحلوى ، ثم يطلقون الرصاص عليهم؛ وفي البلقان، حيث (معسكرات الاغتصاب)، وقتل المغتصبات أو تشويههن، وتصور ذلك بالفيديو!؛ وفي الأرجنتين، التي شهدت موبقات مماثلة خلال ما عُرف ب: (الحرب القذرة).

ويتابع المؤلف إلى نهاية هذا الفصل المظاهر والآثار غير الأخلاقية التي تواكب اندلاع الحروب وتعقبها، فيشير إلى عمليات (التهجير) بما يترتب عليها من مآسٍ وجرائم؛ وإلى نشوب طبقة من المجرمين الذين يستغلون ظروف الحرب ليقوموا بعمليات سلب ونهب، وتهريب مخدرات، وتسهيل دعارة ... وغيرها من الأنشطة التي تدمّر أخلاقيات الشعوب، مما يؤدي إلى حالة من (الانهيار الروحي)، حيث ينتاب أغلب الأهالي شعور بالخمول والعجز والاتكالية التي تصرفهم عن الرغبة في العمل أو البناء لإزالة الدمار الذي خلّفته الحرب. كذلك تنتاب الشعوب حالة من الشعور بالذنب والتقصير وتأنيب الضمير تجاه من سقطوا في الحرب من أقاربهم وجيرانهم ومعارفهم، وأنهم ربما قصَّروا ولم يفعلوا ما فيه الكفاية من أجل إنقاذهم. يُضاف إلى ما سبق أن الحرب تخلِّف للبعض عاهات جسدية دائمة تجعله عبئاً معنوياً على من يحيط به من أهله وذويه.
الفصل الخامس: سرقة الذاكرة واستعادتها

يتناول المؤلف في هذا الفصل آثار الحرب على بعض الجماعات العرقية التي تتعرّض لحروب الإبادة، فيشير في بدايته إلى أولى عمليات الإبادة الجماعية التي تمت في القرن العشرين ممثّلة فيما تعرّض له (الأرمن) وهم شعب قديم ورد ذكره في تاريخ الإغريق والفرس في القرن السادس ق.م، حسب قول المؤلف من حرب إبادة على أيدي الأتراك عام 1915م، حيث عمدت الامبراطورية العثمانية آنذاك إلى تهجير مليوني أرمني عنوة، فدفعتهم في اتجاه الصحراء السورية ليموتوا في العراء، وذلك خشية من أن يقوموا بثورة وطنية ضد الأتراك؛ ما أدى إلى مقتل مليون وهجرة ربع مليون منهم إلى أمريكا أعقاب الحرب العالمية الأولى.

ورغم مرور ما يقرب من مئة عام على مأساة (الأرمن) التي ينكرها الأتراك فإنها كغيرها من المآسي البشرية تطل برأسها مجدداً من بين ركام المقابر البشرية التي يعجّ بها العالم، إذ إن هذه المقابر عادت لتقضَّ مضاجع الجناة بعد عشرات السنين.
وفي كثير من بقاع العالم التي شهدت حروباً وحشية، أُبيدت فيها جماعات كبيرة من الناس تتم عمليات نبش القبور الجماعية لتعيد إلى الذاكرة حقائق قد طمست في حينها، وتعيد في الوقت نفسه كتابة التاريخ كما يجب أن يكتب، حدث ذلك في كمبوديا، والسلفادور، ومدينة سربرنيتشا في البوسنة، كما حدث في العراق إبان حرب تحرير الكويت (مقابر الأكراد)، وبعد الغزو الأمريكي للعراق.

ويشير المؤلف إلى أن استعادة الذاكرة المفقودة من خلال التعرُّف على المقابر الجماعية قد يؤدي إلى تحديد القتلة وضحاياهم، بما يترتب عل ذلك من التوبة الجماعية والاعتراف بالخطأ، مثلما حدث في جنوب أفريقيا بواسطة (لجنة الحقيقة والتصالح) التي ترتب عليها الاعتراف بحق المواطنين السود في جنوب أفريقيا، وجعلت الضحايا يستردون كرامتهم وهويتهم. ويستدرك المؤلف بأن المشهد السابق قليل الحدوث، إذ الأغلب هو أن يُسمح لمن اقترفوا جرائم الحرب من القادة بأن يتواروا عن الأنظار، وأن من يدفع الثمن هم من نفّذوا عمليات القتل بالوكالة عن قادهم.

وعلى الرغم مما تحدثه عمليات نبش القبور من أثر نفسي مؤلم على أهالي القتلى والمفقودين، بما تستحضره من ذكريات مؤلمة ومشاهد مفجعة عدّد المؤلف نماذج كثيرة لها في العراق، والبوسنة، والأرجنتين "... لكنها في نفس الوقت تنزل السكنية في القلوب، ذلك لأن استعادة رفاة ابن أو زوج مفقود، تخفف من وطأة الفاجعة، وتمكّن المفجوع من السير قدماً في الحياة". (ص 175).
كذلك تعدّ أشرطة (الفيديو) التي تسجّل جرائم الحرب ومآسيها إحدى الوسائل الهامة للاحتفاظ بالذاكرة واستعادتها وقتما يشاء أصحابها، لتظل حيّة في العقول والقلوب. والغريب أن قادة الحرب وأمراء ها هم الذين يسجّلون تلك الأشرطة بأنفسهم؛ ومن الأمثلة التي يذكرها المؤلف لذلك، مجموعة أشرطة الفيديو التي استخدمتها الشرطة السريّة العراقية في العهد السابق لتسجيل عمليات الإعدام التي قامت بتنفيذها، والتي تعكس الانهيار التام للمبادئ والأعراف الأخلاقية، حيث كان القتلى يقيدون إلى أعمدة ثم تُطلق عليهم النار بغزارة، فضلاً عن إزهاق أرواح أطفال ونساء وأناس لا يحملون السلاح. وقد تم تهريب هذه الأشرطة إلى خارج العراق قبل الغزو الأمريكي عبر المعارض العراقي (كنان مكية) ولجنة حقوق الإنسان وظهرت بصورة أوضح بعد الغزو، لتقف شاهداً للإخبار عن حقيقة ما حدث، وتميط اللثام عن الجرائم التي يرتكبها مثيرو الحرب.
الفصل السادس : القضية

لابد لكل حرب من (قضية) تثار من أجلها، وهذه القضية قد تكون حقيقية تجعل الشعب مؤمناً بها، فخوراً بخوض الحرب من أجلها، وقد تكون (مفبركة)، أو (مصطنعة)، أو (مزيفة) عبر وسائل الإعلام والمراسلين العسكريين وغيرهم لكسب الرأي العام من خلال ما يتم نشره من صور وقصص مصممة بأساليب تستهوي أبناء الشعب وتداعب مشاعرهم. وقد خصص المؤلف هذا الفصل لطرح العديد من الأساليب التي يتم من خلالها استهواء الشعب وكسب تأييده للقضية التي أُثيرت من أجلها الحرب، ومنها:
تشويه الحقائق التي تحدث في ساحات القتال، وإبراز الجوانب التي تضع قواتنا في صورة جذّابة تبرز تفوقها العسكري والتكنولوجي، في الوقت الذي يتم فيه عن عمد إخفاء أعداد القتلى والمصابين لكلا الطرفين، سواء كانوا من المقاتلين أو المدنيين الأبرياء النساء والأطفال والشيوخ الذين تحصدهم النيران بلا ذنب أو جريرة.

تمجيد القتلى الذين سقطوا من قواتنا في الحرب، وإضفاء هالة من القداسة عليهم سواء أكانوا شهداء حقيقيين أم وهميين وتحمليل العدو مسؤولية قتلهم؛ ويشير المؤلف في هذا الصدد إلى القداسة التي أضفتها الحكومة الأمريكية على قتلى أحداث سبتمبر 2001م، لتسويق سياسة (الحرب على الإرهاب) التي تفتقر في رأي المؤلف إلى وضوح الرؤيا أو الإطار المحدد، الذي يجعلها تقبل التفكير أو النقاش، حيث وظَّفت قضية قتلى البرجين بصورة تجعل الشعب الأمريكي يشعر بأنه مهدد، ومن ثم فعليه تأييد (الحرب على الإرهاب) وفق الصورة والكيفية التي يراها مروّجو تلك الحرب دونما تفكير أو نقاش.

استثارة الرأي العام ضد العدو، وتأجيج مشاعر الكراهية والبغض له، ولو بترويج الشائعات والأكاذيب ضده، ومن الأمثلة التي طرحها المؤلف لذلك ما أُشيع عن قيام القوات العراقية عند احتلالها للكويت عام 1990م بإخراج الأطفال الرضّع من الحضّانات ووضعهم بلا شفقة على أرضيات المستشفيات ليواجهوا الموت المحتوم؛ فقد تبيّن حسب قول المؤلف بعد دخول القوات المتحالفة للكويت وإخراج العراقيين منها أن الرواية لا أساس لها من الصحة.

ويشير هذا الأسلوب إلى أن مخططي الحرب يوجدون ضحية أو يختلقونها ويحمّلون العدو مسؤولية موتها، لتكون تلك الضحية قضية القضايا، أو القضية المحورية التي تحشد الرأي العام الداخلي والخارجي لتأييد الحرب ضد العدو، أياً كانت الصورة التي تتم بها.

تغليف القضية التي تثار من أجلها الحرب بهالات من الدين والخلق والمبادئ الإنسانية حتى تتصف بالمصداقية وتستقطب الرأي العام وتلقى تأييده. ويذكر المؤلف أن رجال الدول العلمانية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الذين يجنحون إلى شنّ الحروب، يلجأون إلى التحالف مع رجال الدين ليروجوا بين الناس أن أولئك القادة (العلمانيين) ينفذون المشيئة الإلهية بتلك الحرب!
ومن النماذج التي يطرحها المولف لتغليف قضية الحرب بهالة من الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية قضية حرب (تحرير العراق) التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً، حيث يوقن أن إشعال تلك الحرب كان من أجل الحصول على البترول بأرخص الأسعار، ولكن إعلان ذلك السبب الحقيقي لن يجعل الشعب الأمريكي يدعم تلك الحرب أو يؤيدها.

البحث عن مبررات ولو كاذبة لتبرير ما يتم اقترافه من جرائم، أو الزعم بأن تلك الجرائم جاءت رداً على جرائم أبشع منها اقترفها العدو. ومن الأمثلة التي يوردها لهذا الأسلوب ما أثير بشأن اشتعال الحرب في (سراييفوا)، حيث زعم المسلمون أن الصرب قصفوا السوق الرئيسة في (سراييفوا)، بينما زعم الصرب أن المسلمين هم الذين أطلقوا القذائف على إخوانهم في السوق لتبرير الحرب واستمالة الرأي العام العالمي والحصول على الدعم الدولي لقضيتهم.

وينهي المؤلف هذا الفصل بالإشارة إلى أن اكتشافنا بعد نهاية الحرب أن (القضية) التي حاربنا من أجلها قد أخضعت للتزييف والتضليل والتزوير، لا يجعلنا نتخلى عن تلك القضية، ما لم يتخلَّ الطرف الآخر عن قضيته التي قد تكون عادلة تماماً وذلك لأن الخوف من العدو، وعدم الثقة في أفعاله، يظل هو الدافع لسلوك المجتمع بعد الحرب. ويستدل المولف لذلك بما كان يتم في البلقان بعد اتفاقية (دايتون 1995م)، حيث ظلت سلوكيات ومشاعر وقناعات الصرب البوسنيين ضد المسلمين البوسنيين كما كانت عليه قبل إبرام الاتفاقية من العداء والكراهية.
الفصل السابع : (ايروس وثناتوس)

يتناول المؤلف في هذا الفصل الأخير من كتابه تأثير الحرب على ما يدور داخل النفس البشرية من صراع بين غريزتي: (حب الحياة والتعلّق لها) وهي ما أطلق عليه (سيجموند فرويد): (ايروس) (والنزعة إلى الفناء أو الرغبة في الموت) وهي ما أطلق عليها (فرويد): (ثناتوس).

ويرى المؤلف أنه على الرغم من التناقض التام بين هاتين الرغبتين، فإن الحرب تثيرهما داخل النفس البشرية بقوة، حيث تفرض على الإنسان بدافع انتمائه وولائه القومي والعرقي والطبقي الإقدام، والتضحية بالنفس، وإنكار الذات، وعدم الخوف من الموت، بل والرغبة فيه من أجل الوطن والأهل والواجب؛ كما تبعث (الحرب) في الوقت نفسه حالة من التواصل مع الآخرين، ومحبتهم، والتعلق بهم والرغبة في الحياة معهم، وهنا تلتقي النزعتان: (ايروس وثناتوس).

ويذهب المؤلف إلى أن افتقار الإنسان إلى محبة الآخرين والارتباط بهم، تجعله يعيش في عزلة ووحدة تفقده إنسانيته، وقد يكون ذلك دافعاً لإثارة الحروب وإشعالها، أو تأييدها والمشاركة فيها. وعندما يشارك أولئك المفتقرين إلى المحبة في الحرب، فإنهم يشعرون باللذة من خلال تحكُّمهم في حياة الآخرين، ومن ثم فإنهم يميلون إلى ترويع العزّل والضعفاء، ويستبيحون حرماتهم، وغالباً ما يكون هذا الضعف من قِبَل (أمراء الحرب) و (رجال الميليشيا) الذين يتجنبون المعارك الحقيقية ويعوزهم التدريب والانضباط العسكري، وينظرون إلى الحرب باعتبارها وسيلة للتحكُّم في حياة الآخرين فحسب.

وقد تكون النزعة إلى تدمير الذات أو الرغبة في الموت (ثناتوس) لدى البعض مرضاً نفسياً يدفع صاحبه إلى المشاركة في الحرب، حيث يزعم المؤلف أن هناك حالة مرضية تسمى (نيكروفيليا) أو (الافتنان اللاإرادي بالموت)، تنتاب الذين يمارسون الإرهاب، والذين يفجّرون أنفسهم؛ وتختبئ خلف شعارات مثل المروءة أو الواجب؛ وهذه الظاهرة تلازم أولئك الذين ليس لديهم ما يعيشون من أجله أو أي أمل في المستقبل، ولذلك يجدون في الحرب البيئة التي تزيل مشاعر الاحتقان النفسي التي يعانون منها.

وقد تأتي تلك النزعة كنتيجة لحالة الهيجان والإثارة التي تصيب الإنسان عند المشاركة في الحرب، وقد تعود إلى كثرة ما يراه المقاتل من جثث القتلى حوله، والذين ربما كانوا رفاقه في السلاح أو بعض أقربائه أو جيرانه، ما يجعله راغباً في الموت أغلب الأحيان.

ويذهب المؤلف إلى أن الصراع بين (ايروس وثناتوس) قد يؤدي إلى (تشويه الشخصية الإنسانية)، وذلك لأننا يجب أن نكبت مشاعر المحبة والوفاء ونطلق العنان لغرائزنا البدائية والهمجية التي تستثيرها الحرب، بما تتيح لنا القيام به من أعمال القتال والتدمير المتعمد للآخرين، باعتبارها السبيل الوحيد لحماية الذات والإبقاء عليها.

وتتجلى مظاهر (تشويه الشخصية الإنسانية) في حالة التوتّر العصبي، والخوف، والترقّب، وإطلاق النيران بصورة عشوائية على النساء والأطفال، والقيام بأعمال السلب والنهب... إلى غير ذلك من السلوكيات التي تعكس عدم الانضباط، وتحوّل الجنود إلى قتلة أصابهم جنون القوة وتملكتهم نشوة الحرية المطلقة في التحكّم في رقاب الناس، ويزول الستار الرقيق بين التحضُّر والبربرية، حيث يذوب الفرد في خضم هيجان جماعي.

وعلى الرغم من إحساس المقاتل بالنشوة والانتصار بقتل أعدائه، إلاّ أن هذا المشهد المقيت يترك آثاره على الذين مارسوه فيما بعد، حيث تظل صور القتلى وجثثهم تلاحق ذاكرة قاتليهم، فضلاً عن رفاقهم وأقاربهم، ولهذا فإن كثيراً ممن شاركوا في الحروب من المحاربين القدماء يصبحون فريسة للهواجس التي تقضّ مضاجعهم، وخصوصاً من فقدوا عضواً من أعضائهم، حيث يشعرون بالوحدة ويجدون صعوبة في الاندماج في المجتمع بعد عودتهم، بل إن بعضهم يحاول الانتحار بعد نهاية الحرب نتيجة الشعور بكراهية الذات التي تنتابهم على ما اقترفوه من عنف في الحرب. ويختتم المؤلف كتابه بكلمة شكر وتقدير لكل من علّمه وشجعه على نشر مؤلَّفه.
تقويم الكتاب

وأختتم هذا العرض بالقول: ربما كان بعض الآراء والأفكار التي طرحها المؤلف لحقيقة الحرب وآثارها مثير من وجهة نظري للجدل والنقاش، وتدعو إلى الاختلاف، ويعود ذلك في ظني إلى أن المؤلف قد نظر إلى حقيقة الحرب وآثارها من زاوية واحدة دون سواها، وعمّم ما توصّل إليه من قناعات على ظاهرة الحرب بعامة؛ وهو منهج تعوزه الدقّة والموضوعية؛ بيد أن اختلافنا مع المؤلف في بعض ما طرحه من رؤى وقناعات لا يمنعنا من التأكيد على أننا أمام كتاب متميّز في موضوعه، ومع كاتب مثير في آرائه وأفكاره، ومع رؤية غير تقليدية لحقيقة الحرب وآثارها، وهذا ما يجعله كتاباً جديراً بالقراءة والاهتمام

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
وآثارها, الحرب:, حقيقتها

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع