في قرع طبول الحرب.. أين مصلحة كييف وواشنطن؟
10/2/2022
من استعراض عسكري سابق في كييف (مواقع التواصل الاجتماعي)
قبل أيام، اعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أنّ التحرك العسكري الروسي ضد أوكرانيا "يمكن أن يحدث في أي لحظة"، كاشفاً أنّ روسيا جهزت القدرات اللازمة للعملية، وأنّ بلاده في المقابل قد كثفت جهودها لإعداد الردّ المناسب بالتعاون مع الحلفاء.
إضافة إلى ذلك، نقلت وسائل إعلام غربية عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، توقعها أن تكثّف موسكو استعداداتها لـ "غزو واسع النطاق"، معتبرة أن موسكو "جهّزت نحو 70% من القوة اللازمة لتنفيذ هذه العملية"، مستندة في ذلك على صوَرٍ ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية، نُشرت قبل أيام، لتقول بعد نشرها، إن روسيا جمعت كل ما تحتاجه للقيام بـ"أكبر عملية عسكرية في أوروبا منذ عام 1945".
وكالة الاستخبارات لم تحدّد ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد اتخذ قرار الانتقال إلى الهجوم أم لا حتى اللحظة، لكنّ مسؤولين أميركيين نقلوا عن الوكالة أيضاً أنّ النزاع قد تكون كلفته البشرية كبيرة، وقد يتسبّب بمقتل آلاف المدنيين والعسكريين من الطرفين، مع احتمال تدفق مئات آلاف اللاجئين صوب بولندا.
وقبل هذا الكلام بأيام، رجّح أيضاً المبعوث الخاص لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى أوكرانيا (السفير السابق لدى حلف شمال الأطلسي "الناتو") كيرت فولكر، في حديث خاصة لموقع إيطالي، أن تبدأ العمليات العسكرية بحلول التاسع من فبراير/شباط أو بعده بقليل، متوقعاً ألا تصل القوات الروسية إلى العاصمة كييف، لكنّها ربّما تغزو أوكرانيا من 4 اتجاهات: من الحدود الجنوبية، ومن شمال شبه جزيرة القرم إلى الشرق، وذلك لتحاول ربطها بإقليم دونباس، وكذلك من البحر.
هذه الاتهامات تراها موسكو "ممنهجة"، وتعتبر أنها لا تخلو من "المبالغة والتضخيم"، وذلك لأهداف سياسية تخصّ الشأن الأوكراني الداخلي وعلاقة كييف بالولايات المتحدة والغرب عموماً.
تكشف أوساط مقرّبة من دوائر القرار الروسي أن أوكرانيا تحاول بمساعدة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا أيضاً، "إقناع المجتمع الدولي من خلال أفعالها وتصريحاتها، بحتمية غزو روسي لأراضيها". لكنّها تؤكد أنّ هذا الادعاء "لم يبدأ بأي شكل من الأشكال" حتى هذه اللحظة.
في نظر هذه الأوساط، فإنّ كييف حتى تستطيع الحفاظ على هذا التوتر واستثماره جيداً، حدّد سياسيون غربيون بارزون قريبون من الاتحاد الأوروبي ومن واشنطن "تواريخ مفترضة لبدء هذا التدخل الروسي المزعوم"، وتزامناً مع ذلك "سارعت أنقرة في عرض برنامج من أجل إدارة وساطة وجولات تفاوض بين روسيا وأوكرانيا".
هذا التصعيد في التوتر ترى موسكو أن واشنطن "تكفّلت في تأجيجه" من خلال بثّ صور بواسطة الأقمار الصناعية، فاستخدمتها من أجل "تعزيز أجواء الحرب"، وإلقاء الضوء على الوجود العسكري الروسي على الحدود الغربية لروسيا نفسها، بغية "الإيحاء بأن التهديد بات وشيكاً جداً".
أمّا إستراتيجية الإعلام الرسمية في كييف، فقامت على "شيطنة روسيا"، وتمثيلها كطرف في الصراع داخل إقليم دونباس، وهي بحسب أوساط الكرملين "واحدة من السياسات التي تُمارس لبثّ الكراهية ضد روسيا بين دول الاتحاد الأوروبي والجوار الأوروبي"، في محاولة لـ "دمج أوكرانيا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
وتعزو تلك الأوساط الروسية، اهتمام أوكرانيا بتصعيد الصراع في الجنوب الشرقي لحدودها، إلى رغبة كييف في "تكوين رأي عام دولي" تستطيع الاستفادة منه في مراجعة صيغة حلّ النزاع في إقليم دونباس، وتستثمره في رفض تنفيذ الالتزامات التي قطعتها على نفسها ضمن اتفاقيات مينسك الأولى والثانية، والفقرة التوضيحية.
وتمّ التوصل لهذه الاتفاقيات في عامي 2014 و2015 في العاصمة البيلاروسية مينسك. وتضمنت 13 بنداً وفقرة توضيحية، أهمها الوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وانسحاب التشكيلات المسلحة والمعدات العسكرية، ونزع السلاح غير الشرعي لكل الجماعات، مع تنظيم عمليات تبادل الأسرى وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وكذلك منح سكان منطقتي دونيتسك ولوغانسك، الحق في تحديد اللغة التي يتم التعامل بها محلياً، ومشاركة الحكومات المحلية في تعيين رؤساء المدعين العامين والمحاكم في بعض المناطق، فضلاً عن موافقة السلطات المركزية الأوكرانية، على استمرار التعاون العابر للحدود بين المنطقتين ومناطق روسيا المحاذية لها.
الأوساط الروسية تبدي أسفها في المقابل لما وصلت إليه أوكرانيا نتيجة هذا النزاع، فترى أن استمرار هذا التوتر في العلاقات بينها وبين كييف "يؤدي شيئاً فشيئاً إلى تقويض الاقتصاد الأوكراني"، الذي يقارب الوصول إلى "نقطة اللاعودة".
كما تشير إلى أنّه خلال العام الماضي، سجلت كييف انهياراً حاداً في سعر صرف عملتها الوطنية، مما أدى إلى تدهور البيئة الاستثمارية في البلاد، وهذا يجعل السلطات الأوكرانية، بحسب موسكو، "أكثر عرضة لتأثيرات الغرب"، الذي لن يتوقف عن مواصلة سياسة تعزيز وجوده العسكري في الأراضي الأوكرانية المحاذية للحدود الروسية، أي على حدود منافستها السياسية الرئيسية.
عماد الشدياق
صحفي متخصص بالعلاقات الدولية
في قرع طبول الحرب.. أين مصلحة كييف وواشنطن؟
