الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 61 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 60 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أوكرانيا: روسيا تجهّز 100 ألف جندي لهجوم محتمل في الصيف (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          حل "المسألة الشرقية".. دور الكيان الاستيطاني ومصير السيطرة الاستعمارية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 46 )           »          بلينكن يلتقي مجلس الحرب الإسرائيلي ويحذر من الهجوم على رفح (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 44 )           »          مجلس الأمن يصوت اليوم على مشروع قرار أميركي بوقف إطلاق النار في غزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح الدراســات والبـحوث والقانون > قســـــم الكـتب العســــكريــة والسياســــــــية
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


كتاب : "تاريخ بورما الخفي : العِرقية والرأسمالية وأزمة الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين"

قســـــم الكـتب العســــكريــة والسياســــــــية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 17-03-21, 08:43 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي كتاب : "تاريخ بورما الخفي : العِرقية والرأسمالية وأزمة الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين"



 

الدولة الوهمية.. القصة غير المروية للقمع الوحشي والانقلابات العسكرية في ميانمار

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

17/3/2021

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


يُقدِّم الصحافي سيباستيان سترانغيو عرضا في مجلة "فورين أفيرز" لكتاب "تاريخ بورما الخفي: العِرقية والرأسمالية وأزمة الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين" لمؤلفه ثانت مينت يو، المؤرخ البورمي والموظف بالأمم المتحدة وأحد المعارضين الدائمين للنظام في بورما.

يحكي الكتاب قصة بورما التي أصبحت ميانمار فيما بعد، والانقلابات العسكرية المتوالية وأزمة الديمقراطية في البلاد، وصولا إلى تولّي سان سو تشي حكم البلاد وحصولها على جائزة نوبل للسلام، ودخول البلاد في حقبة ازدهار نسبي. ثم يتطرَّق بعد ذلك إلى العنف الذي قامت به السلطات وأعمال الإبادة العِرقية التي نفَّذها الجيش بحق المسلمين الروهينغا، ومباركة سكوت سو تشي لهذه المذابح، وأُفول نجمها في الغرب باعتبارها رئيسة حقبة السلام في ميانمار. ويخلص الكاتب إلى أن الغرب لم يفهم أبدا حقيقة الوضع في ميانمار، ونتيجة لذلك، فإنه مع كل مرحلة جديدة تدخلها البلاد تكون توقُّعات الغرب أعلى من اللازم، حتى يتكشَّف له حجم انخداعه بالمظاهر، ويتبيَّن له مدى صعوبة الوضع على الأرض.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


قبل سنوات قليلة فحسب، كان ينظر إلى ميانمار (تسمى بورما أيضا) على أنها قصة نجاح دولي. ففي مارس/آذار 2011، بعد نصف قرن من الحكم العسكري، صعدت للحكم حكومة شبه مدنية بقيادة الجنرال السابق ثين سين، وشرعت في حملة إصلاحات سياسية واقتصادية. وخلال العام ونصف العام التاليين، أطلقت الحكومة سراح المحتجزين، ورفعت الرقابة على الصحافة، وسمحت بعودة رمز الديمقراطية، أون سان سو تشي، إلى المشهد السياسي بعد قضائها سنوات تحت الإقامة الجبرية، كما أطلقت الحكومة محادثات سلام مع أكثر من 12 من الجماعات المتمردة. واتخذت إدارة الرئيس ثين سين أيضا خطوات مهمة لضبط الاقتصاد الذي شوَّهته عقود من سياسات الاكتفاء الذاتي الاشتراكية، والعقوبات الغربية القاسية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



أون سان سو تشيوعلى صعيد السياسة الخارجية، صدَّت ميانمار الصين، الراعي المتغطرس، عن طريق وقف مشروعات بنية تحتية غير مرغوبة، وانتقلت لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب. وفي نهاية 2011، زارت وزيرة الخارجية الأميركية -آنذاك- هيلاري كلينتون مدينة يانغون. وبعد ذلك بفترة وجيزة، قام أوباما بزيارته التي تُعتبر الزيارة الأولى على الإطلاق لرئيس أميركي في المنصب، مُروِّجا لـ "قوة البداية الجديدة" في ميانمار. ومع تقدُّم عملية التحرُّر، رفعت الدول الغربية العقوبات، وعادت البلاد إلى المشهد العالمي، وتدفقت المساعدات والاستثمارات إلى الدولة، كما استضافت كوكبة من الشخصيات العالمية -من الممول والمُحسن جورج سوروس وحتى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير- الذين كانوا يتحرَّقون للمشاركة فيما بدا حينها تحوُّلا تاريخيا.

بلغ التحوُّل الديمقراطي في ميانمار ذروته في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حينما قادت سان سو تشي حزبها، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، إلى فوز ساحق في الانتخابات الوطنية. وفي مارس/آذار من العام التالي، سلَّم الرئيس ثين سين السلطة إلى الإدارة الجديدة، فيما عُدَّ أول انتقال سلمي للسلطة في ميانمار منذ عام 1960. وبدا حينها أن الدولة التي كان حالها شبيها بحال كوريا الشمالية قد تبدلت بها الأحوال لتصير على الجانب الصحيح من التاريخ.

ثم تعقَّدت الحكاية. ففي 25 أغسطس/آب، شنَّت ميليشيا تُطلق على نفسها "جيش إنقاذ روهينغا أراكان" سلسلة هجمات على نقاط تمركز عسكرية شمال ولاية راخين. وردَّ الجيش البورمي بسلسلة عمليات عسكرية شرسة، في حملة تطهير عِرقي أفضت إلى القضاء تماما على المسلمين الروهينغا في عدد من القرى. وبحلول نهاية ذلك العام، وصل عدد الروهينغا الفارين إلى بنغلاديش المجاورة إلى 700 ألف. وتحدَّث اللاجئون المرتاعونَ عن وقائع الاغتصاب، والتعذيب، والإحراق المتعمد، والقتل خارج نطاق القانون على يد الجنود البورميين ومتطوعين من البوذيين، وقبض على صحافييْن اثنيْن بورمييْن يعملان لصالح وكالة "رويترز"، بعدما كتبا عن الأعمال الوحشية، واتُّهما بانتهاك قانون الأسرار الرسمية في ميانمار. وفي وقت لاحق، خلصت لجنة تقصي حقائق من الأمم المتحدة إلى أن حملة الجيش البورمي ترقى إلى كونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعملية إبادة جماعية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


وبينما كانت فصول الأزمة الإنسانية تتكشَّف، وجَّه الكثيرون خارج ميانمار أنظارهم نحو سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل تكريما لسنوات معارضتها للدكتاتورية العسكرية في ميانمار، ينتظرون منها الحل، غير أنها رفضت إدانة أفعال الجيش، وأظهرت لا مبالاة بدت أقرب للتواطؤ. ونتيجة لذلك، انخفضت شعبية سان سو تشي التي كان ينظر إليها باعتبارها شخصية أخلاقية، وبنهاية عام 2017، دعا النقاد والصحافيون إلى سحب جائزة نوبل للسلام منها، وأزالت كلية أوكسفورد الجامعية، حيث درست أون سان سو تشي، إطارا يحمل صورتها كان مُعلَّقا بجانب مدخل الكلية لمدة 20 عاما تقريبا، كما جرَّدتها منظمة العفو الدولية من أرفع أوسمتها. وبالنسبة لمَن كانوا يُقدِّرونها سابقا، كانت النقطة الفاصلة ما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2019، حينما وقفت سو تشي أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي للدفاع عن ميانمار ضد تهم الإبادة الجماعية الموجَّهة إليها. ففي هذا المشهد كانت أحد الرموز الشهيرة عالميا بالنضال الديمقراطي السلمي تُدافع عن الجنرالات ذاتهم الذين حاربتهم منذ ثمانينيات القرن الماضي.

بالنسبة للمراقبين من خارج ميانمار، كان من الصعب استيعاب هذا المسار المُترنِّح. لكن كما ذكر المؤرخ ثانت مينت يو في كتابه المُتعمِّق "تاريخ بورما الخفي"، فإن التصورات الدولية حول ميانمار -من دولة منبوذة إلى قصة نجاح ديمقراطي ثم العودة مرة أخرى- تخبرنا عن آمال الغرب أكثر مما تُخبرنا عن حقائق بورما نفسها. في الحقيقة، يذكر ثانت مينت يو أنه من بين كل التغييرات الإيجابية التي عمّت البلاد بين عامَيْ 2011-2015، لم تُقدِّم السياسات الأكثر انفتاحا سوى القليل لمعالجة الانقسامات العِرقية والطائفية قديمة العهد، ونتيجة لذلك فإن قصة ميانمار الأخيرة تدور حول الاستمرارية بقدر ما تدور حول التغيير.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


برهبانها المتشحين بالكستنائي، ومعابدها البوذية المذهّبة، وتلالها المكسوة بالضباب، كانت دولة يسهل تصويرها بشاعرية. ففي القرن التاسع عشر، صوَّرها كُتَّاب بريطانيون على أنها أرض الأبرياء النائمة تحت طغيان الاستبداد الشرقي العاجز. عُزِّزت هذه الصورة عمدا لتحقيق مكاسب سياسية، وقد تبنَّتها الصحافة البريطانية لتبرير الإطاحة بآخر ملوك بورما، ثيبو، عام 1885.

وفي سنوات أقرب، شوَّهت فكرة اختزالية أخرى مختلفة الفهم الغربي [والعالمي]. ففي عام 1988، قمع الجيش البورمي احتجاجات واسعة مؤيدة للديمقراطية بوحشية، وقتل الآلاف من المتظاهرين. أعقب ذلك ظهور أون سان سو تشي باعتبارها رمزا للمعارضة البطولية للحكم العسكري، وفي نظر الغرب فقد اختُزلت معاناة البلاد في مسرحية أخلاقية: أحد طرفيها هم زمرة من الجنرالات الأشرار وأعوانهم، وعلى الطرف الآخر توجد سان سو تشي وتُمثِّل رمزا محبوبا تقود شعبها في نضاله نحو حقوق الإنسان والديمقراطية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


أحد أسباب طغيان هذه السردية هو أنها أكَّدت مجددا الافتراضات الأيديولوجية السائدة لدى المحللين والسياسيين في الغرب أن العالم يتحرك بقوة، رغم بعض العثرات، نحو القيم الليبرالية. وفي خضم إحباطات الربيع العربي، يلاحظ ثانت مينت يو أن تقدُّم ميانمار السلس ظاهريا كان يُمثِّل مُنشِّطا مطلوبا بشدة، وضمانا بأن التاريخ ما زال يتحرك في مساره المُقدَّر سلفا. لكن هذه الرؤية لميانمار فشلت في مراعاة ظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وأغفلت الحروب الأهلية المزمنة التي اجتاحت الأطراف الجبلية للبلاد على مدى سبعة عقود، بالإضافة إلى التوترات العِرقية والدينية التي عزَّزت تلك الحروب. كما أنها تغاضت عن التحديات التي فرضتها الفجوات الاقتصادية في البلاد، وهي نتاج مزيج بين رأسمالية المحسوبية الجشعة والسياسات الاقتصادية الفاشلة للعهد السابق.

لربما كان ثانت مينت يو، الكاتب والمؤرخ، يُقدِّم لنا الرواية الأدق بشأن تحوُّل ميانمار المُتعثِّر طوال العقد الماضي، نظرا لأنه في موضع يُخوِّله قصَّ هذه الحكاية. فجدُّه يو ثانت كان شخصية بارزة في السياسة البورمية في السنوات التي تلت حصول البلاد على استقلالها من المملكة المتحدة، عام 1948، وشغل فيما بعد منصب الأمين العام للأمم المتحدة. كان لِثانت مينت يو، الذي ألَّف ثلاثة كتب قبل ذلك عن ميانمار، ودرَّس لعدة سنوات في جامعة كامبريدج، دور بارز فيما يصفه بالقيام بدور الوساطة غير الرسمية بين القادة الغربيين وبين المجلس العسكري الحاكم في ميانمار خلال سنوات الإصلاح الأولى، قبل أن يعمل مستشارا لثين سين. وقد سمحت له هذه التجارب بتجميع سردية مترابطة حول فترة حساسة من تاريخ ميانمار، وهي سردية غنية بالنوادر والمقابلات مع الشخصيات الرئيسية.

في رواية مينت يو، فإن انفتاح ميانمار عام 2011 كان أكثر من مجرد منعطف ليبرالي. كانت إصلاحات ثين سين تُحرِّكها دوافع كثيرة مترابطة، لكن كان القاسم المشترك بينها جميعا هو الشعور المتنامي بالخزي والحرج لدى المسؤولين البورميين تجاه خلل بلادهم وضعفها. خلال السنوات الأولى من القرن الحالي كانت ميانمار هي الدولة الأفقر في آسيا، وكان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي التقديري أكثر بقليل من نصف مثيله في بنغلاديش وكمبوديا وأقل من نصف نظيره في لاوس وفيتنام، في الوقت الذي قوَّضت فيه العقوبات القاسية التي فرضتها إدارة جورج بوش الابن تدفُّق المساعدات وقضت على أهم مشروعات الأعمال التجارية، ما جعل القوة الاقتصادية تتركَّز في أيدي كبار الفاسدين وأمراء الحرب المُروِّجين للمخدرات. وأصبح المجلس العسكري الحاكم في بورما، المطرود من الاقتصاد العالمي، يعتمد بشدة على الاستثمارات الصينية والتجارة مع الصين، التي أدَّى وجودها الاقتصادي الخانق وتدفُّقات المهاجرين إلى شمال ميانمار إلى تغذية القلق الشعبي. ونتيجة لذلك، كانت الطغمة العسكرية الحاكمة تأمل، عن طريق سعيها للانفتاح السياسي المُتدرِّج بحرص، في ترسيخ صورة الإنجاز العسكري واستعادة مظهر التوازن لسياسات ميانمار الداخلية والخارجية.

يُظهِر كتاب "تاريخ بورما الخفي" لمحة عن طبيعة عملية الإصلاح وكيف كانت عرَضية وغير واضحة المعالم. وعلى الرغم من أن أكبر التغييرات حدثت بعد تولّي ثين سين الرئاسة فإن التحرُّك باتجاه الإصلاح بدأ في وقت أبكر من ذلك بكثير. وبتحديد أكثر، يُشدِّد ثانت مينت يو في كتابه على أهمية إعصار نرجس الذي ضرب البلاد في دلتا نهر إيراوادي في أواخر إبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار عام 2008، وتسبَّب في وفاة أكثر من مئة ألف شخص في ميانمار، ودمَّر أجزاء واسعة من الدلتا.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



كتاب "تاريخ بورما الخفي"كشف إعصار نرجس هشاشة الدولة البورمية وجنون العظمة لديها، وقدراتها المحدودة، وبذلك فقد هيَّأ الظروف التي يمكن لميانمار أن تبدأ فيها السعي نحو مسار جديد. يُشير ثانت مينت يو إلى أن هذا التقدُّم اعتمد على أفراد في الحكومة وفي المجتمع المدني وظَّفوا امتيازاتهم بشجاعة في المراحل الحاسمة. ومن هذه اللحظات الحاسمة ما حدث في سبتمبر/أيلول 2011، حينما علَّقت الحكومة مشروع سد مييتسون في شمال ميانمار الذي كان موضع معارضة شعبية شرسة. وبحسب تحليل ثانت مينت يو فإن رد الفعل الشعبي المُتحمِّس على قرار تعليق مشروع السد حفَّز عملية الإصلاح عن طريق إعطاء ثين سين الرصيد السياسي اللازم للمُضي قُدما في إجراءات تحرُّر أوسع.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


أدَّت السهولة الظاهرية التي جرت بها الإصلاحات إلى إغفال الكثير من المراقبين في الخارج لعمق التحديات التي تواجهها ميانمار ومدى تعقيدها. يقول ثانت مينت يو إن هذه التحديات، بما فيها التوترات الطائفية في إقليم راخين، لها جذور تعود إلى حقبة الاستعمار، عندما قامت بريطانيا، بعد السيطرة على بورما في سلسلة من الغزوات وقعت بين عامي 1824-1885، بإعادة ترتيب هرميّة الشعب الإثنية والعِرقية من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة. وكما كتب جورج أورويل في عام 1929، فإن البريطانيين كانوا "يسلبون بورما وينهبونها دون خجل يُذكر".

استدعى البريطانيون المؤسسات والأساليب من مستعمراتهم الهندية، وعن طريق ذلك، وضعوا مناطق مُتفرِّقة من بورما تحت أشكال مختلفة من الإدارة، وانحازوا إلى أقليات عِرقية بعينها على حساب الأغلبية العِرقية البورمية. كما جلب البريطانيون مئات الآلاف من المهاجرين الهنود من الراج البريطاني (الهند البريطانية)، الذين كانوا معدمين تقريبا، واستنزفوا قوت عيش البورميين. وكما يذكر ثانت مينت يو في كتابه: "ولدت بورما احتلالا عسكريا، ثم كبُرت تسلسلا هرميا عِرقيا". لقد رسم ذلك الحكم الاستعماري الظالم خطوط الصدع في العِرق والهوية التي ستغرق فيها البلاد بعد الاستقلال.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


هذه هي "القصة الخفية" التي أخذ منها الكتاب عنوانه: يصف ثانت مينت يو كيف صُممت القومية البورمية الحديثة على تصحيح الاختلالات الاستعمارية، واستعادة تراث عسكري ضائع، وتأسيس هوية البلاد العِرقية والدينية الخاصة لتكون المبدأ التنظيمي للأمة الجديدة. كانت المشكلة تكمن في أنه بعد استقلال البلاد في 1948، لم تكن لدى بورما سابقة في كونها دولة موحَّدة، وقد وصف عالم الأنثروبولوجيا البريطاني، إدموند ليتش، البلاد بأنها "من خيال صانع الخرائط"، حيث كتب في عام 1963: "لا تُعتبر بورما كما قُدِّمت على الخريطة السياسية الحديثة كيانا جغرافيا أو تاريخيا طبيعيا. إنها من صنع الدبلوماسية المسلحة والتسهيلات الإدارية للإمبريالية البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر".

ونتيجة لذلك، فإن بورما انهارت تماما منذ لحظة استقلالها وسقطت في أتون سلسلة من النزاعات بين الجيش والدولة المركزية التي يسيطر عليها العِرق البورمي، وبين المتمردين العِرقيين والجماعات الشيوعية المتمردة التي تسيطر على منطقة تمتد على طول الحدود الخارجية للبلاد. وفيما يبدو، وفَّرت هذه الأجواء من عدم الاستقرار المزمن مُبرِّرا للانقلاب العسكري في 1962، الذي أشعل رغبة المتمردين في الاستقلال والحكم الذاتي، ومنذ ذلك الحين لم تنتهِ المعركة أبدا.

في ضوء ما سبق، فإن الحكم العسكري كان عرَضا لمشكلة ميانمار بقدر ما كان سببا فيها. وكما ذكرت عالمة السياسة ماري كالاهان فإن سيطرة الجيش كانت مجرد حل -على الرغم من كونه مهلكا وله نتائج عكسية- للتحدي الأزلي للدول المُتمثِّل في بناء دولة في مناطق نائية خضعت بالكاد لأي حكم مركزي فعّال من قبل.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


بحلول عام 2011 تعمَّقت مشكلات ميانمار إلى حدٍّ أبعد من مجرد غياب الانتخابات الديمقراطية. وفي أثناء فترة الإصلاح، بدا الكثير من المراقبين وصُنَّاع السياسة الغربيين يُصدِّقون أن الخير يجلب الخير، إذ ستدفع حرية الانتخابات والسوق تحديات ميانمار الباقية نحو الحل. لكن بحسب ما كتب ثانت مينت يو في كتابه: "لم يُبذل تفكيرٌ كافٍ في الأرضية المناسبة التي قد تُحضِّر البلاد بشكل مناسب للتغيير الديمقراطي، وتجعل التغيير مستديما وقتما يأتي… كما لم يُبذل تفكيرٌ فيما إذا كانت الديمقراطية نفسها تُمثِّل فعلا الحل المبدئي الأفضل للخروج من الديكتاتورية العسكرية".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


عمليا، غذَّى الظهور المفاجئ لحرية التعبير والمنافسة السياسية "القلق القديم بشأن العِرق والدين والهوية الوطنية". كان هذا القلق مُتوطِّنا أكثر في ولاية راخين، حيث يضمر سكان الراخين البوذيون المظالم ضد الدولة البورمية، منذ الغزو البورمي لمملكة الراخين التابعة لمملكة مروق يو في نهاية القرن الثامن عشر. ألَّب الراخين القوميون أبناء قومهم ضد الروهينغا، الذين هاجر الكثير من أسلافهم من البنغال تحت الاستعمار البريطاني، الذين كان يُنظر لهم على نطاق واسع باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين يجرفون الثقافة والهوية البوذية. وللمفارقة، تشارك الكثير من البورميين العِرقيين مع سكان راخين في مخاوفهم من الروهينغا، كجزء من ارتياب أعمق مُتمثِّل في أن ميانمار كانت على شفا أن يصبح المسلمون فيها أغلبية. ضخَّم "فيسبوك" من هذه المخاوف، وأصبحت ظاهرة جلية في ميانمار منذ 2014 عملت على مضاعفة التوترات العِرقية والدينية. وفي مارس/آذار 2018 ذكرت الأمم المتحدة أن منشورات "فيسبوك" ساهمت بصورة جوهرية في زيادة حِدَّة النزاع في راخين.

منذ بداية الأزمة في ولاية راخين، لم يصدر أي رد عن أون سان سو تشي. وفي 19 سبتمبر/أيلول 2017 كسرت هذا الصمت في خطاب لها نفت فيه بشدة وجود "عمليات تطهيرية" بحق الأقلية المسلمة في البلاد. وفي شهادتها أمام المحكمة في لاهاي في نهاية 2019 قالت إن الحملة القمعية كانت ضرورية للرد على التهديد الذي تفرضه مليشيات الروهينغا، وعلى الرغم من اعتراف سان سو تشي بأن بعض الجنود ربما استخدموا القوة المفرطة أو انتهكوا القانون الإنساني الدولي، فإنها جادلت بأن ذلك يُعتبر مهمة يتعيَّن على النظام القضائي في ميانمار التعامل معها، ولا يستوجب تدخُّل المحكمة الدولية. وقد أشارت منظمة العفو الدولية فيما بعد إلى تعليقات سان سو تشي على أنها "خادعة وخطيرة".

كشفت أزمة الروهينغا عن جانب في شخصية أون سان سو تشي كان مخفيا عن الأنظار لوقت طويل. وحسبما ذكر الصحافي بيتر بوفام فإن سحر سان سو تشي كان نابعا من غيابها. كانت الطغمة العسكرية تُحاصِر أون سان سو تشي في بيت عائلتها المتداعي على بحيرة إنيا في يانغون، وكان تواصلها بالعالم الخارجي يتم من خلال اتصالات عابرة، وجعلها ذلك صفحة بيضاء بالنسبة للناس في الخارج يرسمون عليها آمالهم. أخفت سان سو تشي عن الأنظار التحيُّزات والميول التي أسرَّت بها للكثير من رفاقها من البورميين الإثنيين، كما أخفت شخصيتها التي تتسم بالاستعلاء وعدم تحمُّل النقد. وبحلول عام 2018 كان جليًّا أن المراقبين الغربيين لم يكونوا يعرفون أون سان سو تشي، وأن تصوُّراتهم عنها كانت خاطئة تماما.

كان لفشل ميانمار في حل التوترات العِرقية والدينية آثار دولية. فمبجرد أن أعادت الولايات المتحدة والدول الغربية فرض العقوبات، ولَّت أون سان سو تشي وحكومتها، على غرار ما فعله المجلس العسكري الحاكم من قبل، قِبلتهم صوب الصين. ومنذ عام 2017 استخدمت بكين ورقة "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لحماية ميانمار من التدقيق الدولي في أزمة الروهينغا، في الوقت الذي قدَّمت فيه دعما للتنمية الاقتصادية ومفاوضات السلام. وفي يناير/كانون الثاني الماضي قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بالزيارة الأولى لميانمار التي يقوم بها رئيس صيني منذ 19 عاما، وتعهَّد بتمويل مشروعات البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق. وكما هو واضح، استغلَّت الصين ابتعاد ميانمار المطَّرد عن الغرب من أجل الدفع بمشروعات تخدم مصالحها، مثل تدشين ممر بري بين الصين والمحيط الهندي بهدف تقليل الاعتماد الصيني على واردات النفط القادمة عبر مضيق ملقا.

ورغم ذلك، لا تزال مكاسب الصين في ميانمار هشة، إذ تنتشر الكراهية على المستوى الشعبي وعلى مستوى المؤسسة السياسية لاستثمارات الصين والمهاجرين القادمين منها. وبالنظر إلى عدم وجود نهاية فورية تلوح في الأفق لمشكلات ميانمار الهيكلية، فمن المُرجَّح أن يبقى الغرب مُتزمِّتا، في حين تظل الصين مُرحِّبة بلعب دور الشريك الغني المتعاطف.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

هل تبدَّدت إذن الآمال التي أطلقتها فترة الإصلاح بالكامل؟ بالنسبة إلى ثانت مين يو، فإن أي تقدُّم في المستقبل سيعتمد على حدوث تغيير هيكلي في كلٍّ من المؤسسات والمفاهيم، حيث يؤكد أن "الإستراتيجية الأساسية للدولة منذ الاستقلال التي ترى بورما باعتبارها مجموعة من الشعوب تجمعهم بالأساس اللغة والثقافة البورمية قد أثبتت فشلها، وستُثبت فشلها في كل مرة".

يقول ثانت مينت يو أيضا إنه بدلا من التحرُّر السياسي الفوري، فإن ميانمار كان عليها التركيز على تقديم "التدابير الجذرية" اللازمة لمحاربة التمييز، مثل تدشين إعلام قوي، وبناء مؤسسات للدولة تشمل الجميع، وتأسيس دولة الرفاه. كما يستنتج خلال كتابه أن ميانمار تحتاج إلى "رواية جديدة تُعزِّز تنوُّعها، وتحتفي ببيئتها الطبيعية، وتتطلع إلى طريقة جديدة للحياة". وإذا بدت هذه التوصية ضبابية وغامضة، فيعود السبب في ذلك إلى أنها تتحدث بعمق عن الكثير من تحديات ميانمار المستعصية.

تُرجِّح وجهة النظر هذه أيضا أن ميانمار ستستمر في إرباك الغرب. تقول الخلاصة التي وصل إليها ثانت مينت يو إن واشنطن والحكومات الغربية الأخرى تحتاج إلى التخلُّص من أي أمل في التحوُّل الديمقراطي المفاجئ، وتحاشي إغواء العودة إلى سياسات الماضي القائمة على الشيطنة والعزلة. وفي حين يُعَدُّ مينت يو محقا في تشديده على الحاجة إلى تشجيع السياسات التي من شأنها حل قضايا العِرق والهوية التي هي أساس أزمات ميانمار، تكمن مشكلة مثل هذه التوصية في أن هذا الالتزام الصبور سيكون أصعب في الحفاظ عليه في دولة ارتدَّت مرة أخرى لتصبح مثالا للقمع وانتهاك حقوق الإنسان. وحتى يحين الوقت الذي تستطيع فيه ميانمار تجاوز خرافات العِرق والقومية التي سادت في فترة ما قبل الاستقلال، فإن أزمة الهوية في البلاد ستستمر في حصد تكاليف بشرية مروعة.
—————————————————————————————————–

المصدر : الجزيرة نت -
هدير عبد العظيم

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع