الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 6 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2404 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 60 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أوكرانيا: روسيا تجهّز 100 ألف جندي لهجوم محتمل في الصيف (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح التــاريخ العسكــري و القيادة > قســـــم التــاريخ العـســــكــري
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


جريمة في العقار 24

قســـــم التــاريخ العـســــكــري


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 29-09-21, 05:55 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي جريمة في العقار 24



 

جريمة في العقار 24

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

29/9/2021


"في أول الأمر حاولت بريطانيا أن تكتسب حب مصر بالقوة، فتزوجت منها عن طريق الغزو، فلم تسعد الزوجة، ولم يسعد الزوج، وكانت ثورة وطلاق، وفي المرة الثانية تدخَّل دعاة التفاهم وقالوا: فلنصالح الزوج مع الزوجة… ونحن نقول للإنجليز: نحن حلفاؤكم لا لأننا كنا سنؤيد الإنجليز لو لم يحاربوا من أجل الحق، بل لأن زواجنا بهم زواج كاثوليكي، أي لا طلاق فيه".
(أمين عثمان باشا في وصفه علاقة مصر ببريطانيا المحتلة)
في سبتمبر/أيلول 1882، انهزم الجيش المصري الوطني الذي قاده لأول مرة في تاريخ البلاد حتى القرن التاسع عشر الميلادي ضابط مصري فلاح هو أحمد عرابي. لقد قاد عرابي الجيش لإصلاح المنظومة السياسية الحاكمة في مصر، ودعم البرلمان المنتخب، ودافع عن تمثيل الشعب ومصالحه، وسعى لتحسين حياة الموظفين المصريين والفلاحين وتخليصهم من ظلم المحاكم المختلطة التي أنشأها الخديوي إسماعيل بضغط من دائنيه الفرنسيين والبريطانيين والنمساويين والطليان وغيرهم.
وبفضل الجيش المصري الذي التحم مع الثورة المصرية، تخلَّصت البلاد من الخديوي إسماعيل عام 1879، وبفضله أيضا نجحت الثورة العرابية في سبتمبر/أيلول 1881 ضد الخديوي توفيق في تصحيح المسار السياسي والدستوري في البلاد، لكن ما كان لتوفيق، ومن قبله والده إسماعيل، أن يرضى بسلطة الشعب، ومن ثمَّ فإنه طلب تدخُّل البريطانيين الذين استغلوا هذه الفرصة للقضاء على عرابي والجيش المصري الوطني في معارك الإسكندرية والتل الكبير، وبعدها، نُفي عرابي ورفاقه من زعماء السلاح إلى جزيرة سيلان (سريلانكا) نحو عشرين عاما، وأنشأ الإنجليز على أعينهم جيشا جديدا مختلفا كليا عما سبقه جعلوا قيادته العليا كلها من البريطانيين، كما نقلوا تبعية البوليس المصري إلى المفتش العام البريطاني.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كانت مخاوف مصطفى كامل حول خطورة التغلغل البريطاني في الحياة المصرية حقيقية، إذ سرعان ما نشأت فئة من المصريين الذين تربوا في أحضان المُستعمِر.لم تقتصر السيطرة البريطانية على الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية في مصر، بل تعدتها إلى مفاصل الحياة الأخرى كافة، ولطالما اشتكى مصطفى كامل باشا زعيم الحركة الوطنية المصرية من هذه التدخلات وآثارها الخطيرة على مستقبل البلاد، ففي مقال نشره في جريدة "ريتينج" الألمانية بتاريخ 9 مارس/آذار 1898، أكَّد كامل أن "الإنجليز هم القابضون على الحياة المادية والأدبية في البلاد، وفي أيديهم معاول وأشرَاك، ينسفون بالأولى الحياة الأدبية، ويصطادون بالثانية مجهودات الأمة، فإنهم قد أكثروا من المدرسين الإنجليز ليُلقِّنوا العلم لقوم لغتهم العربية باللغة الإنجليزية، ولينسفوا ما بقي من مكارم إسلامية، وأخلاق أهلية، وإحساسات وطنية"[1].
كانت مخاوف مصطفى كامل حول خطورة التغلغل البريطاني في الحياة المصرية حقيقية، إذ سرعان ما نشأت فئة من المصريين الذين تربوا في أحضان المُستعمِر ومدارسه وجامعاته، وآمنوا بمبادئه ودافعوا عنها أكثر مما دافعوا عن بلدهم، صحيح أن هذه الفئة كانت قلة مقارنة بالشعور الوطني العارم الذي ساد مصر والمصريين جراء ظلم الإنجليز؛ لكن هذه القلة بلغت أرقى المناصب، وأصبحت أعين المحتل وأياديه.
من بين هذه الفئة برز اسم عرفه المصريون جيدا آنذاك هو أمين عثمان باشا الذي تولى العديد من المناصب، وافتخر علانية بعلاقته بالإنجليز وصداقته معهم، بل إنه كان يرى ضرورة بقاء مصر في ظلهم إلى أبد الآبدين مُشبِّها العلاقة المصرية-البريطانية بـ"الزواج الكاثوليكي" الذي لا انفصام له، ومن ثمَّ أتت نهاية عزيز عثمان قاسية مخضبة بالدماء في وسط القاهرة. فمَن هو أمين عثمان باشا؟ وكيف برز اسم أنور السادات الرئيس المصري الأسبق في قضية اغتياله؟ وما أسباب هذا الاغتيال؟


كيف تصنع عميلا؟

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
في كتابه "استعمار مصر" يضع "تيموثي ميتشل" يده على الأدوات التي استخدمها المحتل البريطاني لتركيع المصريين، والمحاولات الجادة من قِبَل الكُتَّاب الوطنيين لتشريح عِلَل المجتمع آنذاك وبيان طرق مواجهتها. ويقول ميتشل إنه "خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر تضاعف عدد المقاهي والبارات، وصالات القمار (في مصر) إلى ثلاثة أضعاف"[2]، ويوضِّح أن رواد هذه المقاهي والبارات كان جُلُّهم من أبناء الطبقات الفقيرة، و"كان التعليم المدرسي بين الفقراء لا يزال غير كافٍ، وإذا تعلَّم أي شخص فإن الكُتب المتاحة له تحتوي على صور أكثر من الكلام، وتمتلئ بقصص بذيئة مثل قصة الفلاح والثلاث نساء، وقد طُبع أحد تلك الكُتب ست طبعات في أقل من شهر"[3].
في المقابل، استهدف الإنجليز أبناء الطبقات الأرستقراطية وعملوا على جذبهم في مدارسهم وكلياتهم التي راحوا يُشيِّدونها في ربوع مصر من الإسكندرية إلى أسوان، وعلى رأسها كلية فيكتوريا بالإسكندرية التي أسَّسها المندوب السامي البريطاني في مصر اللورد كرومر عام 1902، وقرَّر أن يكون التعليم فيها بالإنجليزية فقط، وأن يُقصى المنهج الديني كلية منها طوال سنوات الدراسة. ويرصد جرجس سلامة في كتابه المهم "أثر الاحتلال البريطاني في التعليم القومي" خطط الإدارة الإنجليزية في ظل كرومر والقسيس دنلوب الذي سيطر على وزارة المعارف (التعليم) آنذاك قائلا: "هدف الاحتلال إلى خلق التميز الطبقي فحاول أن يؤكد ثُنائية التعليم، وميَّز التعليم العام عن التعليم الشعبي وفرَّق بينهما بشكل كبير، فساعد على تكوين طبقتين متميزتين متباينتين في الثقافة والميول لا تكاد إحداهما تؤمن بالأخرى أو تقوم بالتفاهم الجدي معها، كما شجَّع الاستعمار المدارس الأجنبية التي نجحت في خلق طبقة ثالثة تتسم بالأرستقراطية في ثقافتها الأجنبية عن البلاد، فلم تستطع أن تلتقي مع أية طبقة من الطبقتين السالفتين في الثقافة والاعتزاز بالقيم الموروثة والتراث المشترك"[4].


أمين عثمان والتبعية للمحتل

نجح الاحتلال بالفعل في خلق أتباع وأنصار له في الطبقتين السياسية والثقافية على السواء، فنشأت فئة منفصمة تماما عن هموم الشعب المصري وآلامه في ظل الاحتلال البريطاني، وكان من هؤلاء أمين عثمان الذي نشأ في ظل الثقافة الإنجليزية في مصر وفي إنجلترا أيضا.
وُلد أمين عثمان في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1898، في حي محرم بك في الإسكندرية، وكان والده سكرتيرا عاما في بلدية الإسكندرية، وقد تلقَّى تعليمه الثانوي في كلية فيكتوريا، وبعد حصوله على الثانوية سنة 1918، حصل على البكالوريوس في التشريع من جامعة أكسفورد البريطانية عام 1923، ثم حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة باريس عام 1926، وعاد إلى مصر وتقلَّد مناصب مرموقة بها، إذ عُيِّن مفتشا بوزارة المالية عام 1927، ثم اختاره وزير المالية مكرم عبيد باشا عام 1930 ليكون سكرتيرا أول بمكتبه حتى عُيِّن رسميا وزيرا للمالية عام 1942.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أمين عثمانطوال هذه الفترة، وطَّد أمين عثمان علاقاته بالإنجليز، لا سيما وقد تزوج من البريطانية الليدي "كاترين غريغوري"، وعندما عُيِّن السير مايلز لامبسون مندوبا ساميا بريطانيا في الفترة بين عامَيْ 1934-1936، قبل أن يصبح سفيرا لبريطانيا في القاهرة فيما بعد، أصبح أمين عثمان من أقرب الموظفين المصريين إليه، حتى إنه عُيِّن سكرتيرا عاما لهيئة المفاوضات الرسمية بين بريطانيا ومصر. وقد أظهر أمين عثمان نشاطا ودبلوماسية فائقة في أمور المفاوضات التي أراد من ورائها المصريون برئاسة النحاس باشا رئيس الوزراء الاتفاق على الاستقلال وتقييد وضع القوات البريطانية في مصر، وهي الاتفاقية التي وُقِّعت في 26 أغسطس/آب 1936.
كان أمين عثمان في أثناء هذه المفاوضات وقبل التوقيع النهائي على المعاهدة المصرية البريطانية، وكما يقول المؤرخ خالد عزب: "مواليا صريحا للإنجليز، راعيا لمصالحهم، مُتحدِّثا بلسانهم، حتى وصفوه بأنه المفاوض لحساب السفارة البريطانية، كما أنه كان وسيطا أساسيا بين الوفد والإنجليز، فكان يُظهر للإنجليز وجهة نظر الوفد على أنها نصائح منه، ونتيجة لذلك نال أمين عثمان رتبة الباشوية في 15 فبراير/شباط عام 1937، كما منحته بريطانيا وسام الإمبراطورية من رتبة فارس، ومنحه بعض المصريين لقب ابن لامبسون نظرا لعلاقته الوثيقة بالسفير الإنجليزي"[5].
ولكن حين تولى علي ماهر باشا رئاسة الوزراء عام 1939، صدر قرار ملكي بإحالة أمين عثمان وكيل وزارة المالية حينها إلى المعاش، وقد أوضح علي ماهر باشا أن مجلس الوزراء أحاله للمعاش بسبب عدم رضاه عن موقفه من مفاوضات معاهدة 1936، ولأن الوزراء ارتابوا في صِلته بالإنجليز، فخَشُوا بأسه نتيجة هذه الصِّلات. أما السبب الأهم فهو أن أمين عثمان لم يُراعِ مهام وظيفته ولم يُتمها لانشغاله معظم وقته خارج الوزارة، إذ عمل وسيطا لدى لامبسون[6].
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أوضح علي ماهر باشا أن مجلس الوزراء أحال أمين عثمان للمعاش بسبب عدم رضاه عن موقفه من مفاوضات معاهدة 1936.رغم إقالته، ظلَّ أمين عثمان يتولى العديد من المناصب الإدارية في بعض الشركات والبنوك حتى قرَّر الإنجليز تعيينه وزيرا للمالية عام 1943، قبل إقالته مجددا في أكتوبر/تشرين الأول عام 1944 مع رحيل وزارة النحاس التي فرضها الإنجليز بالدبابات على الملك فاروق في حادث 4 فبراير/شباط الشهير سنة 1942. وقد كان أمين عثمان حلقة الوصل بين الملك والإنجليز والنحاس، فكافؤوه بمنصب وزير المالية في تلك الوزارة. لكن اللافت أن أمين عثمان ارتكب خطيئتين آنذاك، الأولى حين أسَّس "رابطة النهضة" التي ضمَّت خريجي كلية فيكتوريا التي تخرج فيها، واتخذ لها مقرا في 24 شارع عدلي بالقاهرة، وأرسى مبادئها المُعادية للروح الوطنية المصرية، والثانية حين تبرَّع للإنجليز بمبلغ ضخم يُقدَّر بـ100 ألف جنيه مصري أثناء الحرب العالمية الثانية دون إذن من الحكومة المصرية، تعبيرا عن الصداقة المصرية البريطانية، حسب وصفه.
وفي 7 فبراير/شباط 1940، قدَّم الاحتفال الذي أقامته جمعية خريجي كلية فيكتوريا في فندق الكونتننتال بالقاهرة فرصة واضحة لأمين عثمان لإبداء رأيه علانية في علاقة مصر ببريطانيا، وكانت حياته في نهاية المطاف هي الثمن الذي دفعه نظير تلك الكلمات، وكان مما جاء في خطبته: "السياسة البريطانية جربت طرق الغزل الثلاث مع مصر، ففي أول الأمر حاولت بريطانيا أن تكتسب حب مصر بالقوة، فتزوجت منها عن طريق الغزو، فلم تسعد الزوجة، ولم يسعد الزوج، وكانت ثورة وطلاق، وفي المرة الثانية تدخَّل دعاة التفاهم وقالوا: فلنصالح الزوج مع الزوج.. ونحن نقول للإنجليز: نحن حلفاؤكم لا لأننا كنا سنؤيد الإنجليز لو لم يحاربوا من أجل الحق، بل لأن زواجنا بهم زواج كاثوليكي، أي لا طلاق فيه"[7].


الجمعية السرية واغتيال أمين عثمان

هكذا اختار أمين عثمان تشبيه مصر بأنها امرأة في علاقة زوجية أبدية مع الإنجليز، وأنها لا تستطيع الاستغناء عنهم أبدا، وكان هذا الوصف على ما يبدو أحد الأسباب الرئيسية لاغتياله واتهامه بالعمالة العلنية فيما بعد. ففي ذلك التوقيت، كان الوطنيون المصريون قد أنشأوا جمعيات سرية لمقاومة الاحتلال البريطاني وكل أعوانه، لا سيما من أرباب حكومات القصر مثل علي ماهر وأخيه أحمد ماهر الذي اغتيل عام 1945، وحتى مصطفى النحاس باشا ووزارته التي انحازت للإنجليز وقبلت تعيينها بقوة السلاح رغما عن الملك فاروق في حادث 4 فبراير/شباط 1942.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رأى حسين توفيق أن المعارضة غير المسلحة للإنجليز "كلام فارغ"، وأنه لا سبيل إلى إخراج الإنجليز إلا بالمقاومة المسلحة.كانت "الجمعية السرية" أو "جماعة الشباب" إحدى هذه الجمعيات السرية المسلحة التي أنشأها حسين توفيق أحد طلبة جامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول) أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1942، وقد رأى حسين توفيق أن المعارضة غير المسلحة للإنجليز "كلام فارغ"، وأنه لا سبيل إلى إخراج الإنجليز إلا بالمقاومة المسلحة. تكوَّنت الجمعية من 26 عضوا عاملا أساسيا كلهم من طلاب أو خريجي جامعة القاهرة، واتسعت عملياتهم العسكرية لاغتيال الضباط الإنجليز لتشمل جميع أنحاء القاهرة[8].
الجدير بالذكر هُنا أن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات اشترك في هذه الجمعية وهو ابن السادسة والعشرين. كان السادات قد اعتُقل في القاهرة سنة 1942 وهو ضابط برتبة يوزباشي (نقيب) بتهمة الانضمام لجماعة عزيز المصري رئيس أركان الجيش المصري الذي أيَّد دول المحور وألمانيا ضد بريطانيا خلال الحرب العالمية، لكنه استطاع الهرب من معتقله حاملا في صدره قدرا كبيرا من الكراهية للإنجليز كما يقول في مذكراته "البحث عن الذات": "بمجرد أن عاد إليَّ كياني مواطنا حرا طليقا كان أول عمل قمت به هو تكوين الجمعية السرية، فكيف تتحرَّر الذات دون أن يتحرَّر الوطن، كان ذلك في سبتمبر سنة 45… وتعرَّفت على شاب اسمه حسين توفيق اتضح أنه كان يمارس قتل الجنود الإنجليز في المعادي"[9].
بغض النظر عمَّا إن كان السادات هو مَن كوَّن هذه الجمعية السرية أم كانت تابعة لحسين توفيق (وهذا هو الأرجح بحسب اعترافات المتهمين في قضية أمين عثمان)، فإن مهمة السادات باعتباره ضابطا سابقا هاربا من المعتقل تمثَّلت في تدريب أعضاء الجمعية السرية على السلاح. وقد اعتنق السادات أفكار الجمعية التي نقم جميع أعضائها على أمين عثمان و"رابطة النهضة" التي أنشأها. ويقول السادات: "كان (لرابطة النهضة التي أنشأها أمين عثمان) ستة مبادئ أساسية ينصُّ المبدأ الثاني منها على أننا مرتبطون بإنجلترا ارتباطا حتميا، فقد أعلن أن مصر وإنجلترا قد تزوَّجا زواجا كاثوليكيا، فحتّى لو تركتنا هي يتحتم علينا ألا نتركها. هذا التصريح كان بمنزلة حكم الإعدام عليه"[10].
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
انضم بعض أعضاء الجمعية السرية إلى رابطة النهضة بغرض التجسُّس على أمين عثمان ومتابعة تحرُّكاته، واتفق الجميع على تنفيذ عملية الاغتيال أثناء دخوله إلى مقر الرابطة في 24 شارع عدلي يوم السبت 6 يناير/كانون الثاني 1946، كما اتفقوا أن يكون حسين توفيق مُنفِّذ العملية، وقد أمدَّه السادات بقنبلتين يدويتين استطاع تأمينهما من أحد زملائه القدامى من سلاح الطيران. وما إن وصلت سيارة أمين عثمان مقر الرابطة، ونزل منها مُترجِّلا، وكان المصعد الكهربائي في مدخل العقار مُعطَّلا فقرَّر الصعود على السلم، حينها نادى عليه من الخلف حسين توفيق: "يا أمين باشا.. يا أمين باشا"، وحين التفت إليه، أطلق حسين نحوه ثلاث طلقات نارية اضطرته للجلوس على السلم والاستغاثة، وخرج حسين توفيق مُسرِعا وسط حشود من الناس التي بدأت في تتبُّعه لولا أنه ألقى قنبلة من القنبلتين اليدويتين اللتين أعطاهما له السادات، فانفجرت في أول الشارع فخاف الناس، وتمكَّن من الفرار واختفى في زحام وسط القاهرة[11].
حاول الإنجليز ورجال الوفد، وعلى رأسهم النحاس باشا وفؤاد سراج الدين وغيرهم، تجهيز المتطلبات اللازمة كافة لإسعاف أمين عثمان، كما أوفد اللورد "كيلرن" السفير البريطاني آنذاك ياوره الخاص للوقوف على حالة أمين عثمان الذي نُقل إلى مستشفى الدكتور "عبد الوهاب مورو" الذي أشرف على علاجه، لكن أمين عثمان قضى نحبه في منتصف تلك الليلة[12].
كان أحد شهود العيان من المارة قد رأى الحادث كاملا، فضلا عن عشرات ممَّن تتبَّعوا حسين توفيق، وقد استطاعوا الإدلاء بأوصافه إلى النيابة التي عاينت مقر الواقعة، وأدرك البوليس من أوصاف شهود العيان أن مرتكب العملية هو حسين توفيق، وكانوا يعرفونه من قبل لنشاطه في استهداف الإنجليز، فأُلقي القبض عليه، وتحت الضغط والترويع اعترف حسين توفيق على نفسه وعلى أعضاء الجمعية كافة بمَن فيهم أنور السادات ومحمد إبراهيم كامل ابن خالة حسين توفيق، ذلك الشاب الذي أُعجب به السادات فتشكَّلت من وقتها صداقة بينهما، حتى عيَّنه في عهده وزيرا لخارجية مصر.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أُلقي القبض على أعضاء الجمعية السرية كافة، وضُبطت الأسلحة الخاصة بهم، وقد حاول السادات التواصل في الحبس مع أعضاء الجمعية لتغيير أقوالهم، واستطاع بالفعل إقناع البعض (ومنهم محمد إبراهيم كامل) فانتهت المحاكمة بأحكام مُخفَّفة نسبيا، حيث حُكم على حسين توفيق بالسجن لمدة عشر سنوات، وأُنزلت عقوبات تتراوح ما بين خمس سنوات وسنتين على آخرين، كما حُكم ببراءة بعض مَن استطاعوا الثبات على آرائهم بنفي التهم عن أنفسهم، وكان منهم السادات ومحمد إبراهيم كامل بعد 31 شهرا قضوها في الحبس على ذمة هذه القضية. هذا وكان السادات نزيلا في الزنزانة 54 التي خصَّص لها خواطر طويلة في مذكراته.
أُغلقت قضية اغتيال أمين عثمان باشا في أغسطس/آب عام 1948، بعد سلسلة من حوادث الاغتيال السياسي في مصر استهدفت الساسة وأصحاب المناصب الرفيعة الذين باعوا مصر رخيصة للاحتلال، من أمثال بطرس غالي باشا وأحمد ماهر باشا والنقراشي باشا وصولا إلى أمين عثمان، واللافت أن معظم مَن نفَّذ هذه الاغتيالات شباب اتَّقدت حماستهم وحميتهم لوطنهم، ومنهم أنور السادات الرئيس المصري الأسبق الذي -لعجائب المقادير- لقي حتفه هو الآخر مُغتالا على يد معارضيه.
__________________________________________________ ______

المصادر:

أوراق مصطفى كامل ص282.
استعمار مصر ص200.
السابق ص201.
جرجس سلامة: أثر الاحتلال البريطاني في التعليم القومي ص92.
خالد عزب: الاغتيالات السياسية في مصر ص249.
لطفي عثمان: المحاكمة الكبرى في قضية الاغتيالات ص132.
خالد عزب: السابق ص251.
مذكرات وسيم خالد ص106، 107.
السادات: البحث عن الذات ص70.
السابق ص72.
جريدة الأهرام، 6 يناير 1946م.
نبيل عبد الحميد ويواقيم مرقص: اغتيال أمين عثمان ص136، 137.

المصدر : الجزيرة نت - محمود خالد

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع