رغم أنها تعدها موالية لها.. لماذا تكثف القوات الروسية القصف على خاركيف شرقي أوكرانيا؟

[الباسل]

رغم أنها تعدها موالية لها.. لماذا تكثف القوات الروسية القصف على خاركيف شرقي أوكرانيا؟

المشهد في خاركيف تحول -حسب شهود عيان- إلى مأساة، تدفع عشرات الآلاف من سكانها إلى الهرب نحو مناطق "أكثر أمنا"، لتمتد قافلة النزوح من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في أوكرانيا.

مبنى مدني في خاركيف بعد تعرضه لقصف القوات الروسية (الأناضول)

3/3/2022

كييف- نصيب الأسد من عمليات القصف الروسي خلال الأيام الماضية نالته مدينة خاركيف وضواحيها (شرقي أوكرانيا)، وهي عمليات لم تستثن استخدام القنابل الفراغية والعنقودية.
قصف استهدف مواقع عسكرية، شملت حواجز حدودية حول المدينة، وفي مختلف أرجاء منطقة خاركيف بشكل عام، وكذلك سكن طلاب مدرسة الدبابات ومصنع للدبابات، بما فيه من ذخائر بكميات ضخمة، إضافة إلى مقرات حكومية تابعة لجهاز أمن الدولة الأوكراني (إس بي أو).

لكن القصف شمل أيضا مبنى إدارة منطقة خاركيف، ومبنى الجامعة الوطنية، وكلاهما يطل على ساحة الحرية (وسط المدينة)، كما لم يستثن الاستهداف المباشر أيضا المباني السكنية، البعيدة تماما عن "البنية التحتية العسكرية"، كما يؤكد الأوكرانيون تفنيدا لمزاعم الروس.

ما أهمية خاركيف؟

مدينة خاركيف أكبر مدن المنطقة الشرقية، ومساحتها تقدر بنحو 31.4 ألف كيلومتر مربع في شرق أوكرانيا على الحدود مع روسيا، وشمال إقليم دونباس الانفصالي، الذي اعترفت موسكو قبل أيام "باستقلاله".
تشتهر المدينة على مستوى العالم -خاصة بين الطلاب- بكثرة جامعاتها ومعاهدها المختلفة، لكنها تضم أيضا مصانع ضخمة للصناعات الدفاعية والثقيلة، من دبابات ومدرعات وجرارات وغيرها، وعلى رأسها مصنع "ماليشيفا".
نشأت المدينة على أنها حصن عام 1654، وبذلك تعد من أقدم مدن أوكرانيا التي تضم مئات المتاحف والنصب التذكارية؛ كما كانت في الفترة بين 1919 و1934 عاصمة لأوكرانيا قبل كييف.
يزيد عدد سكانها على المليون، في حين يصل عدد السكان في كامل منطقة خاركيف إلى نحو 2.7 مليون، وتعد قبلة رئيسية لعشرات الآلاف من الطلاب الأجانب في أوكرانيا.

مقر للشرطة في خاركيف تعرض للقصف (الأناضول)


"موالية" ومستهدفة

حتى الأمس القريب، كانت المدينة بالنسبة لروسيا حدودية و"موالية وروسية الهوى"، وإذا صحت هذه النظرية فإن تساؤلات عدة تطرح حول الأسباب التي تدفع روسيا لاستخدام القوة ضدها.
خاركيف شهدت حراكا انفصاليا كبيرا عام 2014، مثل ذلك الذي دار واستمر في منطقتي دونيتسك ولوغانسك بإقليم دونباس، لكن حراكها وُئد سريعا وبالقوة، خاصة بعد أن تولى محافظها السابق أرسين أفاكوف منصب وزير الداخلية آنذاك.
وقبل بداية الحرب الروسية الراهنة على أوكرانيا، لمّح الرئيس الأوكراني إلى أن خاركيف قد تكون مستهدفة أكثر من غيرها بأي حرب قد تشنها موسكو على بلاده.
ويبدو أن سلطات أوكرانيا تحسبت بالفعل لهذا السيناريو، فدفعت بتعزيزات كبيرة إلى تلك المنطقة، شملت محيط خاركيف، ومعظم شوارعها الداخلية.

سكان بخاركيف يصطفون للحصول على الطعام وسط الحرب الروسية على مدينتهم (رويترز)


انتقام بعد فشل التوغل

كثير يخوضون في تحليلات واستنتاجات قد تفسر هذا التركيز في عمليات القصف على خاركيف وضواحيها، ويكاد يجمع معظمهم على أن المدينة "أفشلت توقعات الروس".
صحفي الحروب يوري بوتوسوف يقول "ظن الروس أن خاركيف ستكون سهلة عليهم، وأن التوغل والسيطرة عليها سيستغرق ساعات، لكنهم صدموا بحجم المقاومة العسكرية والشعبية فيها، فلجؤوا بعد أيام من القتال والخسائر الكبيرة إلى عمليات انتقام يجيدونها باتباع سياسة الأرض المحروقة، وبعض النظر عن التداعيات الإنسانية قبل غيرها".
ويضيف أن "معارك خاركيف أثبتت كذب ادعاءات موسكو حول "حماية التاريخ المشترك والرعايا"، وأسقطت روسيا والعالم الروسي في أعين معظم الأوكرانيين كدولة جوار شقيقة، حتى في صفوف من تقول إنهم رعاياها"، على حد قوله.
وعلى صعيد آخر، يرى بوتوسوف أن "تلك المعارك أربكت أيضا تقدم الروس على جبهات رئيسية أخرى، منها جبهات القتال حول كييف".

كثير من سكان خاركيف غادروها إلى مناطق أكثر أمنا (الأناضول)


نزوح وأوضاع إنسانية صعبة

المشهد في خاركيف تحول -حسب شهود عيان- إلى مأساة، تدفع عشرات الآلاف من سكانها إلى الهرب نحو مناطق "أكثر أمنا"، لتمتد قافلة النزوح من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في أوكرانيا.
نزوح يشمل أيضا عشرات الآلاف من الطلاب، الذين تناقلت مواقع محلية صورا لهم وهم يتجهون سيرا على الأقدام نحو خارج المنطقة، لتعذر العثور على مواصلات كافية لهذا الغرض.
وبعض مناطق خاركيف وأحياء المدينة تحولت إلى جسد مقطع الأوصال، مما قد ينذر بمعاناة إنسانية قريبة يوما بعد يوم، جراء استمرار المعارك، وإغلاق كثير من المحلات التجارية والصيدليات أو فراغها.

المصدر : الجزيرة نت