اندلعت الشرارة الحقيقية للحرب يوم 13 أبريل/نيسان 1975 عندما أطلق مجهولون -في حادث غامض- نارا أودت بحياة عنصرين من الكتائب في عين الرمانة بضواحي
بيروت، كان أحدهما يعمل مرافقا لرئيس الحزب بيار جميل.
وردا على ذلك، أطلقت مليشيات حزب الكتائب النار على حافلة كانت تقل فلسطينيين أثناء عودتهم إلى مخيم تل الزعتر من مهرجان سياسي في مخيم شاتيلا غربي بيروت، أقامته الجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين-القيادة العامة، ما أدى إلى مقتل 27 فلسطينيا من ركاب الحافلة.
ومع انتشار هذا الخبر الذي عُرف بـ"حادثة البوسطة"، اندلعت الاشتباكات بين المليشيات الفلسطينية والكتائبية في أنحاء المدينة.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، عُثر على 4 جثامين لأعضاء من حزب الكتائب في بيروت، فقتلت المليشيات المسيحية المئات من الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين بناء على بطاقات الهوية (التي كانت آنذاك تُدّون مذهب حاملها) فيما عرف لاحقا بـ"السبت الأسود".
وفي 18 يناير/كانون الثاني 1976، اقتحمت المليشيات المسيحية منطقة الكرنتينا ذات الأغلبية المسلمة -وكان يسكنها أكراد وسوريون وفلسطينيون- فقتلت حوالي 1500 منهم، وردت المليشيات الفلسطينية بقتل مئات المسيحيين في منطقة الدامور.
أدت هاتان الحادثتان إلى هجرة جماعية للمسلمين والمسيحيين. وانقسمت
بيروت إلى منطقتين عرفتا بـ"المنطقة الشرقية" وأغلب سكانها مسيحيون لكنها محاطة بمخيمات الفلسطينيين، و"المنطقة الغربية" التي كانت مختلطة لكن أكثرية أهلها مسلمون، وسُمي الخط الفاصل بين المنطقتين "
الخط الأخضر".
وفي يونيو/حزيران 1976، طالب الرئيس اللبناني سليمان فرنجية
سوريا بالتدخل لحماية المسيحيين. فدخلت القوات السورية ومكّنت المليشيات المسيحية من اقتحام دفاعات مخيم تل الزعتر وقتلت أعدادا كبيرة من الفلسطينيين، مما أثار غضب العالم العربي ضد
سوريا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول وافقت سوريا على اقتراح قمة
جامعة الدول العربية في
الرياضبإعطائها حق الاحتفاظ بـ40 ألف جندي على الأراضي اللبنانية باسم "قوات الردع العربية"، وكانت مهمتها فك الاشتباكات واسترجاع الأمن.
في هذه الفترة نجحت سوريا في إرساء تحالف بين الأحزاب والتيارات المسيحية اليمينية بقيادة بشير الجميل واستمرت الاشتباكات.
وفي 14 مارس/آذار 1978 غزت القوات الإسرائيلية ما يقارب 10% من
جنوب لبنان حتى نهر الليطاني بحجة إزالة قواعد
منظمة التحرير الفلسطينية، وإنشاء منطقة عازلة بعرض عشرة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، وذلك في أعقاب العملية التي نفذتها المناضلة الفلسطينية دلال المغربي يوم 11 مارس/آذار على حافلتين إسرائيليتين قرب تل أبيب، مما أسفر عن مقتل 37 إسرائيليا.
وفي 19 من الشهر نفسه، أصدر
مجلس الأمن القرار رقم 425 الذي طالب فيه
إسرائيلبالانسحاب من لبنان، وأنشأ بموجبه قوات
اليونيفيل المنوط بها حفظ الأمن في الجنوب. وبحلول مايو/أيار انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان باستثناء "منطقة أمنية" تراوح عرضها ما بين 4 كيلومترات و12 كيلومترا على طول الحدود الجنوبية.
وفي 13 يونيو/حزيران 1978 وعلى إثر مقتل عضو بارز في حزب الكتائب على أيدي قوات المردة، أرسل بشير الجميل قواته بقيادة
سمير جعجع لاختطاف طوني فرنجية قائد مليشيات المردة وابن الرئيس سليمان فرنجية لإجباره على تسليم المسؤولين عن مقتل العضو الكتائبي.
إلا أن العملية انتهت بمقتل طوني فرنجية وعائلته ومقاتليه فيما عُرف بـ"مجزرة أهدن". وعلى إثرها أنهى
سليمان فرنجية ارتباط المردة بالجبهة اللبنانية.
وفي 7 يوليو/تموز 1980، أرسل الجميّل أيضا قواته للقضاء على مليشيا نمور الأحرار بقيادة داني شمعون فوقعت "مجزرة الصفرا" وهرب شمعون إلى بيروت الغربية.
أصبح بشير الجميّل المسيطر الوحيد على بيروت الشرقية، فاندلعت المعارك بينه وبين القوات السورية فيما عُرف بـ"حرب المائة يوم"، وأثناءها استغاث الجميّل بإسرائيل التي أرسلت طائراتها الحربية وأسقطت مروحيتين سوريتين.
في يناير/كانون الثاني 1982، قابل
بشير الجميل وزير الدفاع الإسرائيلي
أرييل شارون على متن سفينة قبالة السواحل اللبنانية، وناقشا خطة تقضي بمحاصرة القوات الإسرائيلية لبيروت الغربية واقتحام مليشيات القوات اللبنانية والقضاء على
منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي 3 يونيو/حزيران حاولت منظمة
أبو نضال (المنشقة عن
حركة فتح الفلسطينية) اغتيال السفير الإسرائيلي في
لندن، فاتخذت إسرائيل من العملية ذريعة لاجتياح لبنان، وبدأت بقصف مواقع تابعة لمنظمة التحرير ببيروت ما أدى إلى مقتل 100 فلسطيني.
ردت فتح بإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، وفي 6 يونيو/حزيران بدأت إسرائيل بالغزو البري للمناطق الجنوبية اللبنانية، وبحلول 15 يونيو/حزيران وصلت قوّاتها إلى بيروت.
وفي 12 أغسطس/آب من العام نفسه نجح
فيليب حبيب مبعوث
الولايات المتحدة إلى المنطقة في إبرام هدنة تقضي بخروج منظمة التحرير من لبنان وانسحاب القوات الإسرائيلية.
وفي 23 أغسطس/آب انتُخِب بشير الجميل رئيسا للجمهورية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وفي 11 سبتمبر/أيلول قابل الجميل رئيس الوزراء الإسرائيلي
مناحيم بيغين في إسرائيل ووعده باتخاذ خطوات لبدء علاقات دبلوماسية بين لبنان وإسرائيل.
وقبل أيام من الموعد المحدد لتسلمه الرئاسة، اغتيل الجميل في 24 سبتمبر/سبتمبر 1982؛ فاقتحمت القوات اللبنانية مُخيّميْ
صبرا وشاتيلا وقتلت ما يقارب 3500 فلسطيني بمساعدة
الجيش الإسرائيلي.
وفي 22 سبتمبر/أيلول انتخب البرلمان
أمين الجميل خلفا لأخيه في رئاسة الجمهورية. وفي 17 مايو/أيار 1983 وقع الجميّل وإسرائيل اتفاقا ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان بشرط انسحاب القوات السورية.
ونص الاتفاق على أن "حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل قد انتهت ولم يعد لها وجود"، لكن هذا الاتفاق سقط بتمرد عسكري وشعبي رافض لما سُمي بـ"اتفاق العار والمذلّة".
وفي أغسطس/آب 1983 انسحبت
إسرائيل من جبل الشوف، واندلعت معارك دامية بين المسيحيين والدروز انتهت بانسحاب المقاتلين المسحيين إلى بيروت الشرقية. وفي 1983-1984 استهدِفت المصالح الأميركية في لبنان، وقُتل نحو 350 جنديا أميركيا في تفجيرات مختلفة.
وبانسحاب القوات المتعددة الجنسيات من لبنان، سيطرت
حركة أمل الشيعية على بيروت الغربية، ففي أبريل/نيسان 1985 هاجمت حركة "أفواج المقاومة اللبنانية" (أمل) والحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي -بدعم من سوريا- القوى السنية القريبة من الفلسطينيين (تنظيم المرابطون).
وفي مايو/أيار هاجمت
حركة أمل الفلسطينيين في مخيميْ صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، فاشتعلت "حرب المخيمات" ما بين 1985-1986.