الدراسة والتكوين العلمي
تلقى الزبيدي التعليم الأساسي في مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (
الأونروا) بمخيم جنين، وفي أواخر الثمانينيات درس المسرح والتمثيل على يد آرنا مير خميس، وهي ناشطة إسرائيلية تزوجت بفلسطيني ودعمت القضية الفلسطينية، وانتقلت مع نجلها جوليانو إلى جنين، وأسست مشروع "مسرح الحجر" لتدريس المسرح لأطفال المخيم.
وكانت والدة زكريا راعية المشروع، فخصصت الطابق العلوي من منزلها لبناء مسرح "ستون" الذي شكل زكريا وشقيقه الأكبر داود نواة فرقة التمثيل فيه.
انقطع زكريا عن المدرسة بسبب الاعتقالات المتكررة في صباه، ولكنه حرص في تلك الأوقات على تثقيف نفسه في موضوعات مثل العلوم السياسية وعلم الاجتماع، كما أتقن اللغة العبرية، وبعد الإفراج عنه التحق بجامعة القدس المفتوحة، وحصل منها على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع.
انضم إلى جامعة بير زيت في مايو/أيار 2017 لمتابعة الدراسات العليا، والتحق بقسم الدراسات العربية المعاصرة لنيل درجة الماجستير، واختار موضوعا من وحي تجربته النضالية، حمل عنوان "الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية من عام 1968 إلى 2018″، وتقمص زكريا فيها شخصية التنين التي يكون لها الغلبة على الصياد، بحسب إحدى الأساطير القديمة.
وفي فبراير/شباط 2019 اعتقلته سلطات الاحتلال، ولكنه تمكن في المعتقل من اجتياز ما تبقى من مساقات، وإتمام الفصول المتبقية من الرسالة، وفي يوليو/تموز 2022 اجتاز مرحلة الماجستير بنجاح، إذ عُقدت لجنة في جامعة بير زيت ونوقشت رسالته في غيابه.
تاريخ عائلي مقاوم للاحتلال
ينتمي زكريا الزبيدي لعائلة مناضلة، فقد ذكر في أطروحة الماجستير أن جديه لأبيه وأمه انخرطا في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، فأصيب الأول في إحدى المعارك واعتقل الثاني (محمد جهجاه) في سجن شطة وكان محكوما بالسجن مدى الحياة.
واستطاع جهجاه الفرار من السجن مع جماعة من رفاقه عام 1959، وتابع النضال من
فلسطين، ثم الأردن بعد إجباره على الهجرة، وطاردته الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (
الموساد) حتى اغتالته في ألمانيا.
ويُنسب إلى والد زكريا صناعة أول مسدس محلي، وبسبب توجهه النضالي اعتقل أول مرة عام 1969 لمدة عام واحد، ثم أُعيد اعتقاله عام 1982، واعتقل عام 1988، وبقي قيد الاعتقال حتى عام 1992، وكان حينذاك مصابا بسرطان الدماغ، ولم يلبث أن توفي، ولم تتح لزكريا فرصة وداع والده إذ كان معتقلا لدى سلطات الاحتلال.
أما والدته فكانت تساعد عناصر المقاومة في تنظيف السلاح، وقد توفيت جرّاء إصابتها برصاص قناص إسرائيلي عام 2002، أثناء حصار قوات الاحتلال مخيم جنين، إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ودفنت عن طريق
اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إذ لم يتمكن زكريا وإخوته من دفنها أو مرافقتها إلى مثواها الأخير، بسبب المعارك المحتدمة في المخيم، وكان كل ما حصلوا عليه نظرة وداع أخيرة أثناء عبور السيارة التي أقلّت جثمانها إلى المقبرة.
وهدم الاحتلال بيت العائلة 3 مرات، وتعرض زكريا الزبيدي وجميع أشقائه لاعتقالات متكررة، فأخوه جبريل سجن مرارا، وقضى أكثر من 13 عاما في المعتقلات الإسرائيلية، وأمضى شقيقه يحيى 17 عاما من عمره في السجون، وبقي طه رهن الاعتقال عامين، شملت 4 مرات من الاعتقال الإداري، وأمضى داود 16 عاما في
سجون الاحتلال.
وفي عام 2002 ارتقى شقيقه طه شهيدا، وقصف البيت الذي كان فيه فتفحم جثمانه، وفي عام 2022 استشهد شقيقه داود في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال في مخيم جنين، ولاحقا في سبتمبر/أيلول 2024 استشهد محمد، ابن زكريا البالغ من العمر 21 عاما، بقصف إسرائيلي استهدف مركبة كان يستقلها مع آخرين.
ولم يتمكن زكريا من دفن أي من أحبائه، أو ممارسة طقوس العزاء تجاههم، إذ كان دوما إما رهن الاعتقال أو مطارَدا من قبل قوات الاحتلال.
مساره النضالي
بدأت خطوات الزبيدي نحو مباشرة العمل المقاوم للاحتلال حين كان في 13 من عمره، ففي مايو/أيار 1988 أصيب بعيار ناري في قدمه أثناء مظاهرة انطلقت أمام مدرسته، وتركت له الإصابة ضررا دائما، وفي تلك الفترة أخذ اهتمامه بمقاومة الاحتلال يزداد، وسرعان ما انضم لحركة فتح بتشجيع من والده.
وفي عام 1989 اعتقل 6 أشهر وبمجرد إطلاق سراحه استأنف رحلة النضال، لكن سرعان ما أُعيد اعتقاله، ففي عام 1990 حكم عليه بالسجن 4 سنوات ونصف السنة، بتهمة إلقاء عبوات حارقة على
الجيش الإسرائيلي.
وعانى أثناء الاعتقال من تكرار نقله بين السجون، فقد تنقل بين سجون طبرية وتلموند و
عسقلان و
بئر السبع والفارعة ومجدو وعتليت وعناتا، حتى استقر في سجن جنين المركزي.
وكانت حياته في السجن حافلة بالتعليم والتثقيف الحزبي، وشمل ذلك نشأة حركة فتح ومبادئها وأساليبها وطرق الكفاح المسلح الذي يتعارض مع الاتجاه الذي أخذ يغزو التوجه الرسمي للحركة في تلك الأيام، وهو الدعوة للسلام مع المحتل، أو "الاستسلام" على حد وصف الزبيدي.
وقد جعلته التوجهات الرسمية الجديدة يشعر "بتناقض بين عقلية الثائر الذي يدرس الثقافة الثورية القائمة على أن الكفاح المسلح هو إستراتيجية وليس تكتيكا"، وبين ما كان يصلهم في السجن من أخبار عن المرحلة المقبلة التي لا مكان فيها للمقاومة المسلحة.
وفي 24 مايو/أيار 1994، كان ما تبقى من محكوميته 5 أشهر عندما أفرج عنه مع العديد من الأسرى الفلسطينيين بموجب
اتفاق أوسلولعام 1993، وتم ترحيلهم إلى أريحا حيث فُرضت عليهم الإقامة الجبرية، وبدأ آنذاك عمله في
الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
