عرض مشاركة واحدة

قديم 26-02-09, 01:55 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الحرب والدفاع وتدخل الحكومة في الاقتصاد

إن حاجة القوات المسلحة إلى الإمدادات العسكرية والنقص الحاد للسلع في القطاع المدني الناجم عن زيادة الطلب في أثناء الحرب؛ إضافة إلى الفوضى التي قد تعم الأسواق تقود الحكومات، بصرف النظر عن نظامها الاقتصادي، إلى التدخل في الاقتصاد، فتعمد إلى توزيع الموارد والبضائع بقرارات إدارية متجاوزة آلية السوق عندما تدعو الضرورة.

وتؤكد هذا الاتجاه تجربة الحربين العالميتين، وكذلك تجربة بعض الحروب الإقليمية التي طال أمدها؛ ذلك أن تدخل الدولة لمعالجة النقص في سلعة معينة قد يؤدي إلى اضطراب في مجالات أخرى من الاقتصاد مما يدعوها إلى تدخل أكبر وهكذا، ونتيجة لهذا التدخل تجد الدولة نفسها ملزمة، بحكم الضرورة، برفض الحرية الاقتصادية والأخذ بمبدأ التوجيه الإداري للموارد والسلع وإخضاع الإنتاج والاستهلاك المدنيين للأغراض الحربية.

وفي العادة تفرض الحكومات في أثناء الحرب رقابتها على جميع مناحي الاقتصاد وتراوح طرق الرقابة بين الإدارة الحكومية المباشرة للصناعات الخاصة والمصادرة التامة وتقييد النشاط بمنح الرخص الرسمية والاحتكار الحكومي لشراء بعض السلع الخاصة، إضافة إلى تثبيت الأسعار وفرض الرقابة التموينية المشددة. وقد تضطر الحكومات أحياناً إلى تقنين بعض المواد الأساسية والسلع الاستهلاكية الأخرى فتعمل على توزيعها بموجب البطاقة التموينية.

كما تلجأ الحكومات أحياناً أخرى إلى إجبار أصحاب المؤسسات على تغيير إنتاجهم من الإنتاج المدني إلى العسكري أو توسيع نشاطهم وزيادة «ورديات» العمل، وفي حالة الضرورة القصوى تقوم الحكومة بتشغيل المؤسسات من قبل أفراد القوات المسلحة بإشراف أصحابها. ولكي تتمكن الحكومات من التدخل في الاقتصاد على هذا النحو مع تقليص حرية النقابات وأرباب العمل تلجأ غالباً إلى فرض قوانين الطوارئ والحصول من «البرلمانات» على صلاحيات إضافية طارئة تمكنها من قيادة المجتمع برمته باتجاه الأهداف الحربية، وفي الوقت نفسه تسن الحكومات قوانين لزيادة جباية الضرائب لتمويل العمليات الحربية، فتتجمع نتيجة لذلك نسب كبيرة من الدخل القومي بيد الحكومة.

وفي مراحل الإعداد للحروب تلجأ الحكومات إلى بناء مصانع الظل مباشرة أو إلى إلزام مؤسسات القطاع الخاص ببنائها. ومصانع الظل هي المصانع المصممة بطريقة تجعل من الممكن تحويلها من إنتاج السلع المدنية إلى الإنتاج الحربي، ومثل هذه المصانع مفيدة جداً للدول التي تعيش حالة حرب دائمة ؛ كما هي الحال في الدول العربية التي فرض عليها العدوان الإسرائيلي المستمر ضرورة تخصيص معظم مواردها وتوجيه غالبية نشاطها الاقتصادي لأغراض الدفاع، كما أن كثيراً من الدول المتحاربة تفرض ضرائب مؤقتة إضافية يعمل بها في الحرب كضريبة المجهود الحربي في سورية التي تمثل إضافة قدرها 30% من مبلغ الضريبة الأصلية تجبى سنوياً مع الضريبة المترتبة على الدخل، وغالباً ما يفيد تدخل الدولة بصوره المختلفة في تحقيق زيادة الإنتاج أو وقف تناقصه وفي زيادة إيرادات الخزينة لتمويل العمليات الحربية، مما يجنب الاقتصاد الوقوع في التضخم الجامح.

فقد أكدت تجربة الحرب العالمية الأولى جدوى تدخل الدولة في كل من إنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية في الحياة الاقتصادية؛ إذ خرجت الدولتان من الحرب في حالة اقتصادية مقبولة في حين لم تنجح ألمانية في تخطيط اقتصادها الوطني لأغراض الحرب، مما قاد إلى انهيارها اقتصادياً وهزيمتها عسكرياً. أما في الحرب العالمية الثانية فقد تغير الأمر، إذ ركزت كل من إنكلترة والولايات المتحدة في بداية دخول كل منهما الحرب على الصناعات العسكرية، وتوجيه الاقتصاد لأغراض الجبهة، في حين كانت ألمانية تركز اهتماماتها على حماية الإنتاج المدني والاكتفاء بالحد الأدنى من الإنتاج العسكري معتمدة على نحو رئيسي إنتاجها العسكري المخزن في سنوات ما قبل الحرب. وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها ألمانية في السنوات الأخيرة للحرب، بعد هزيمتها في ستالينغراد وتزايد القصف الاستراتيجي من قبل قوات الحلفاء، لم تستطع تدارك ما أهملته في بداية الحرب مما أثر في نتيجتها.
تجارة السلاح الدولية

تعد تجارة السلاح من التجارات الرائجة جداً وقد تطورت تطوراً كبيراً وبلغت أرقاماً خيالية. لقد كان من المتوقع أن ينفق العالم غير الشيوعي نحو مئة مليار دولار على المعدات العسكرية في العقد من 1965 إلى 1974 فيتم تحويل ما قيمته 30 مليار دولار دولياً عن طريق التجارة أو المساعدات العسكرية؛ وهذه الأسلحة المصدرة تتجه نحو الدول الحديثة الاستقلال الموالية سياسياً للمعسكر الغربي.

في حين تجاوزت صادرات الأسلحة التقليدية وحدها من 68 دولة فقط في العقد من 1981 إلى 1990 مبلغ 346 مليار دولار بأسعار1985 الثابتة. وجاء الاتحاد السوفييتي في مقدمة الدول المصدرة للسلاح في هذا العقد إذ تجاوزت صادراته من الأسلحة 121 مليار دولار وتلته الولايات المتحدة الأمريكية متجاوزة مبلغ 111 مليار دولار بأسعار 1985 الثابتة أيضاً.

ويلاحظ أن صادرات روسيا قد تراجعت في عام 1990 بنسبة كبيرة عما كانت عليه في الأعوام السابقة، في حين حافظت أرقام صادرات الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية على مستواها تقريباً مع تراجع طفيف في عام 1990. وتقتصر صادرات الأسلحة المشمولة في هذه الإحصائية على الأسلحة التقليدية ولا تشمل الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية أو عناصر إنتاج الأسلحة النووية أو الرؤوس الجاهزة التي تدخل، إن وجدت، في إطار تجارة الأسلحة السرية.

ليست تجارة الأسلحة عملية تبادل اقتصادي بالمعنى الخالص للكلمة، إنما هي إضافة إلى خاصيتها التجارية، تعبير عن مواقف سياسية، إذ تقتصر صادرات أي دولة من السلاح على الدول التي تعدها حليفة؛ و يكفي النظر إلى قائمة الدول المستوردة للسلاح من أي دولة مصدرة له للتأكد من كون تصدير السلاح عملية سياسية إلى جانب كونها عملاً اقتصادياً.

غير أن الجانب الاقتصادي مرشح للقيام بدور أكبر بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الاستقطاب الدولي، لأن احتياجات الدول المصنعة للسلاح ستكون أقل من طاقات مصانعها الإنتاجية بكثير، كما أن عدم حاجتها إلى دول تابعة سيدفعها إلى تصدير الأسلحة إلى الدول الراغبة في اقتنائها من أجل توفير فرص عمل لقوة العمل المتوافرة لديها.

وبسبب الطابع السياسي لتجارة الأسلحة وتقييد التصدير من قبل الحكومات المصنعة تحرص جميع الدول على دخول مجال صناعة الأسلحة والذخائر كلما أتيحت لها الفرصة. وكثيراً ما تقيد الدول المصدرة للسلاح استعماله بأغراض معينة، أو تمنع تزويد الدول المستوردة بقطع التبديل اللازمة ومواد الصيانة والتشغيل، إذا خالفت شروط البيع أو إذا تغيرت أنظمتها السياسية ومواقفها فتتحول الأسلحة المستوردة إلى مجرد «خردة» لا تصلح للاستعمال، كما حدث في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كانت تعتمد في عهد الشاه على السلاح الأمريكي ثم تحولت بعد الثورة إلى الصين وكورية ومصادر أخرى.

ويجمع خبراء القانون الدولي في الدول الصناعية المتقدمة على ضرورة فرض رقابة دقيقة وسيطرة فعالة على تجارة الأسلحة، بحجة منع وقوع السلاح في أيدي «أطراف غير مسؤولة» مما قد يهدد الأمن والسلام. غير أن الدافع الحقيقي لمثل هذه الرقابة والسيطرة يكمن في عدم تمكين الدول والحكومات غير الموالية من الحصول على الأسلحة حتى يمكن «تأديبها» من قبل الدول الإقليمية التابعة أو المتحالفة التي تقوم بدور الشرطي كما هي الحال في الصراع العربي الإسرائيلي؛ إذ تزود الدول الغربية إسرائيل بالأسلحة المتطورة في حين تمنع بيعها للدول العربية من أجل المحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي كمّاً ونوعاً، ولكي تبقى الدول الرأسمالية الصناعية مسيطرة على مقدرات المنطقة وقادرة على تهديد أمن أي دولة تحاول شق عصا الطاعة أو تنحو إلى بسط سيطرتها على مواردها الطبيعية بما يضمن مصلحتها الوطنية. ويمكن التأكيد أن تجارة الأسلحة لا تتم بمعزل عن السيطرة بل تعد هذه التجارة أحد المجالات المسيطر عليها على نحو كبير في التجارة الدولية.

إذ تأسست لهذه الغاية لجنة التنسيق للسيطرة المتعددة الجوانب على تصدير الأسلحة الكوكوم cocom وهي لجنة طوعية تشارك فيها سبع عشرة دولة ومقرها في باريس تشرف على تصدير السلاح إلى مختلف الدول، وتراقبه كما تشرف على التشريعات الخاصة بتصديره في كل دولة. وأخيراً فقد تدخلت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في عملية الإشراف والرقابة على تصدير الأسلحة وأصدرت المؤسستان الدوليتان قرارات بحظر تصدير السلاح إلى مناطق محددة من العالم أو تقييده بحجة حماية السلام العالمي، وإن كانت ملامح السيطرة على قرارات الهيئات الدولية وتوجيهها لمصلحة أطراف معينة غير بعيدة عن الواقع، كما هي الحال في حظر تصدير السلاح إلى بلدان معينة بسبب عدم تنفيذها قرارات مجلس الأمن الدولي أو بدعوى عدوانها على الدول المجاورة في حين يتم تزويد إسرائيل بترسانات ضخمة من الأسلحة من مختلف المصادر على الرغم من حروبها المستمرة على البلدان العربية واستمرار احتلالها أراضي من دولتين عربيتين إضافة إلى اغتصابها كامل التراب الفلسطيني وتمردها المستمر على قرارات الشرعية الدولية.
اقتصاد الحرب و«عسكرة» الاقتصاد

تعد عسكرة الاقتصاد ظاهرة قديمة في العالم وقد تمثلت في البداية بتعبئة الموارد البشرية، وهي القوة الوحيدة المنتجة في ذلك الوقت وبتوجيه هذه الموارد لأغراض الحرب في صورة غزوات وحملات عسكرية. ومنذ بداية القرن العشرين، وبعد أن تم استعمار معظم مناطق العالم بدأت الأقطار الصناعية بتوجيه اقتصادها نحو بناء الصناعات الحربية بهدف تدعيم دورها في اقتسام المستعمرات وإعادة اقتسامها من أجل إيجاد أسواق جديدة لمنتجاتها، والبحث عن مصادر المواد الأولية، وفي الوقت نفسه كانت هذه البلدان تبحث عن مجالات لاستثمار فوائضها النقدية ودعم نموها الاقتصادي.

وهكذا بدأت عسكرة الاقتصاد الوطني بهدف دعم نمو الإنتاج المدني وتوسيعه ولكن مع توسع الإنتاج الحربي وتركيز قسم متزايد من قوة العمل في الصناعات العسكرية، بدأ علماء الاقتصاد يرون في العسكرة وسيلة لمواجهة الأزمات الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة لمواجهة البطالة.

ففي سبعينات القرن العشرين كان يعمل في الصناعات الحربية والخدمات التابعة لها أكثر من 30 مليون شخص في الدول الرأسمالية الصناعية ومجموعة البلدان التابعة لها ولم يكن عدد العاملين في دول المعسكر الاشتراكي والدول التابعة لها، أقل من هذا العدد إضافة إلى عدد القوات المسلحة الذي يصل إلى أكثر من عشرة ملايين شخص في كل من المعسكرين. وتتبدّى عسكرة الاقتصاد الوطني إضافة إلى ذلك في زيادة النفقات العسكرية والتوسع في القواعد العسكرية خارج الحدود على الأخص في زيادة مشتريات الدول الصناعية من الإنتاج الحربي وتخزينه أو تقديمه مساعدات عسكرية للدول الحليفة. لقد ارتفعت مشتريات الحكومة الأمريكية العسكرية من 29.4 مليار دولار عام 1963 إلى 44.6 مليار دولار عام 1967 ومازالت تتزايد سنة بعد أخرى. كما تخصّص الحكومات في الدول الصناعية مبالغ كبيرة للإنفاق على معاهد الدراسات العسكرية واقتصادات الحروب، وتقود عسكرة الاقتصاد إلى مزيد من علاقات المصلحة بين احتكارات صناعة الأسلحة والقادة العسكريين، إذ يعمل هؤلاء القادة لمصلحة احتكارات السلاح سواء في زيادة الطلبيات العسكرية أو بافتعال النزاعات العسكرية للتأثير في الحكومات لزيادة الإنفاق العسكري.

ولأن الصناعات الحربية تعمل عادة، بناء على طلبات مسبقة ووفقاً لمواصفات محددة، فإن أسعارها لا تتحدد وفقاً للعبة السوق ولا بالقيمة الاجتماعية بل تتحدد وفقاً لآلية الأسعار الاحتكارية وبالاتفاق المباشر مع القادة العسكريين وبالتالي فإنها تحقق معدلات ربح عالية ولا تعاني من أي مخاطرة في الإنتاج سوى مخاطرة وقف الطلبيات في حالة الانفراج الدولي وحل النزاعات بالطرق السلمية؛ لذلك فإن عسكرة الاقتصاد وزيادة دور الإنتاج الحربي في مجمل الناتج القومي الإجمالي هما عاملا ضغط كبيران على الحكومات من أجل الدخول في نزاعات عسكرية مسلحة لاستمرار تشغيل هذه الصناعات وعدم تعريض أعداد كبيرة من العاملين فيها إلى خطر البطالة.

وفي ظل توازن الرعب النووي وخطر اندلاع حرب نووية تدمر العالم، تميل الحكومات في الدول الصناعية والاحتكارات العالمية المصنعة للسلاح إلى تشجيع الحروب المحلية من أجل إيجاد سوق لتصريف منتجاتها وزيادة أرباحها. كما أن عسكرة الاقتصاد عقبة كبيرة في طريق الحد من التسلح وفي طريق الانفراج الدولي. وما لم يُحوّل قسم متزايد من مصانع الأسلحة للأغراض المدنية وفقاً لخطة مدروسة فمن المشكوك فيه أن يتحقق السلام في العالم.

وتعد حالة الاقتصاد الإسرائيلي أكبر شاهد على ذلك، فالصناعات الحربية الإسرائيلية تؤلف نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإسرائيلي، ويعمل فيها عدد متزايد من العمال، ولهذا فهي تضغط دائماً على الدوائر الحاكمة في إسرائيل لإشعال الحروب مع جاراتها أو لتحريض الدول الأخرى على الحرب؛ لتجد أسواقاً لصادراتها من السلاح، إذ تؤلف صادرات الأسلحة الإسرائيلية بنداً رئيساً في قائمة السلع المصدرة.

الصراع العربي الصهيوني واقتصاد الحرب والدفاع

السياسة تعبير عن المصالح الاقتصادية، فكل دولة وكل فئة داخل الدولة تتخذ مواقفها السياسية من مختلف القضايا في ضوء ما يلائم مصلحتها الاقتصادية. والحروب تعبر بلغة مختلفة عن مواقف سياسية، وهكذا فالعلاقة وثيقة بين الحرب والاقتصاد. فالحروب الاستعمارية بمختلف أنواعها كانت بغرض المكاسب الاقتصادية، وعندما تشعر أي دولة معتدية أن تكاليف الحرب أكثر مما تدره عليها من أرباح اقتصادية تحجم عنها وتجد لنفسها مخرجاً منها في النهاية، ولكن لا بد من التفريق بين حروب التحرير والحروب الدفاعية التي تكون مفروضة بفعل العدوان الخارجي والاحتلال والمساس بالسيادة الوطنية، والحروب العدوانية والاستعمارية التي يهدف مفجروها إلى تحقيق المكاسب والأرباح الاقتصادية.

فالأولى بخلاف الثانية ليست خاضعة لحسابات الربح والخسارة أو على الأقل فإن حساباتها مختلفة تنطلق من حساب الوجود أو اللاوجود، فهذه الحروب مفروضة ويجب الإعداد لها اقتصادياً وسياسياً دفاعاً عن الوجود القومي والحضاري كما هي حال الحروب العربية الإسرائيلية فهي عدوان امبريالي على الأرض العربية بداية من فلسطين، ومن ثم في سورية ومصر والأردن ولبنان؛ لتحقيق مزيد من التوسع والكسب وفرض الهيمنة على الموارد والأسواق العربية تبعاً لحاجات العدو الصهيوني والقوى الامبريالية التي تقف وراءه وتدعمه في عدوانه.

وما دامت الحرب الإسرائيلية على الأرض العربية رابحة بالمقاييس الاقتصادية سواء لإسرائيل أو للقوى الداعمة لها، فإنها ستستمر في المحافظة على الأراضي المحتلة من جهة والعمل على احتلال أراض جديدة من جهة ثانية. أما عندما يصبح الاحتلال والعدوان عبئاً اقتصادياً على العدو الصهيوني وعلى القوى التي تقف وراءه لابد أن يتغير الموقف، وستعمد الأطراف المعتدية والداعمة له إلى البحث عن تسوية تحاول من خلالها الحصول على أكبر مكاسب ممكنة في ضوء نسبة القوى الفاعلة على الساحة.

وتدخل في الحساب كل عناصر الربح والخسارة ومنها تكاليف الاستمرار في العدوان أو التوسع وكذلك الأرباح الناجمة عن إقرار السلام في المنطقة؛ سواء ما تعلق منها باختصار تكاليف الحرب أو ما تعلق منها بالفرص الاستثمارية وتوسيع الأسواق للسلع المدنية؛ أو أرباح البناء وإعادة الإعمار وغيرها. والحساب لا يجري من منظور العدو الصهيوني وحسب بل من منظور القوى الداعمة له؛ إذ تشمل تكاليف المساعدات العسكرية التي تتحملها تلك القوى والخسائر الناجمة عن المقاطعة التي تصيب شركاتها إضافة إلى مشاعر الغضب التي تنتاب الشارع العربي بسبب الانحياز الغربي للعدو الصهيوني؛ وما يسببه من أضرار اقتصادية تلحق بالاقتصادات الغربية.

والمهم للاقتصاد العربي في مواجهة العدوان الصهيوني أن يدعم عوامل قوته المتمثلة في توافر مصادر مالية كبيرة وقوة عمل غزيرة إضافة إلى التنوع المناخي وسعة السوق العربية وضخامة الموارد الطبيعية التي توفر للأمة العربية مركزاً تفاوضياً قوياً مع القوى الاقتصادية الكبرى وعامل ضغط كبير عليها، إذا أحسن استخدام هذه العوامل، كما يجب أن يعمل على إضعاف قوة العدو لتتحول حربه العدوانية إلى عبءٍ اقتصادي لا عليه وحسب بل على داعميه أيضاً.

وتعد المقاطعة العربية للشركات المتعاملة مع العدو الصهيوني سلاحاً قوياً على الرغم من بعض الضرر الذي يمكن أن تلحقه بالاقتصاد العربي نفسه أحياناً. كما تعد المساعي والضغوط العربية لتقليص المساعدات الخارجية المقدمة إلى إسرائيل وسيلة أخرى فعالة لكسب المعركة في مصلحة الحق العربي.

ويسبب العدوان الصهيوني على الأمة العربية نزفاً مستمراً وتحويلاً لاهتمامات الأمة العربية إلى أغراض الدفاع والإنفاق العسكري بدلاً من التوجه نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ففي عام 1990 بلغت ميزانية الدفاع في ثمانية عشر بلداً عربياً تتوافر عنها معلومات كافية أكثر من 50 مليار دولار أي ما يعادل 12.5% من مجمل الناتج المحلي في هذه البلدان؛ كما بلغ فيها مجموع القوات المسلحة العاملة للعام نفسه مليونين ومئة وخمسة عشر ألف شخص؛ في حين بلغت ميزانية الحرب في الكيان الصهيوني للعام نفسه 6.16 مليار دولار إضافة إلى المساعدات العسكرية التي يتلقاها الكيان الصهيوني من الولايات المتحدة الأمريكية التي تصل إلى نحو ملياري دولار أي ما يعادل 16% من مجموع الناتج القومي. ويلاحظ أن إسرائيل كانت تخصص مبالغ أكبر ونسبة مئوية أعلى من دخلها القومي لأغراض الحرب إذ بلغ إنفاقها الحربي عام 1982 أكثر من 8.242 مليار دولار إضافة إلى المبالغ الإضافية التي أنفقتها لتغطية تكاليف حرب لبنان والمقدرة بنحو 1.5- 2 مليار دولار وفي عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين كانت إسرائيل تخصص بين 30 - 25% من الدخل القومي لتمويل عملياتها الحربية.

غير أن انعكاس النفقات الحربية في إسرائيل مختلف عن انعكاس الإنفاق الدفاعي في البلدان العربية، فالاقتصاد الإسرائيلي موجه أصلاً باتجاه اقتصاد الحرب من حيث بنية الصناعات واستقبال المهاجرين الشبان من كل بلدان العالم لدعم القوة البشرية العسكرية، ولذلك فإن الاقتصاد الإسرائيلي هو في حالة تعبئة مستمرة ومهيأ لخوض الحروب الخاطفة وتوجيه ضربات سريعة إلى الاقتصادات العربية والتحصينات في جبهات القتال.

إن عسكرة الاقتصاد في الكيان الصهيوني ظاهرة واضحة بكل المقاييس سواء من حيث نسبة الإنتاج الحربي من الناتج القومي أو من حيث نسبة الصادرات العسكرية إلى مجمل الصادرات أو من حيث نسبة عدد العاملين في القوات المسلحة وإنتاج الأسلحة والخدمات المرتبطة بالإنتاج الحربي إلى مجموع القوة البشرية.

ويتحمل الاقتصاد الإسرائيلي أعلى عبء إنفاق عسكري في العالم، إذ يصيب الفرد الواحد من النفقات الحربية ما يقرب من 1500 دولار سنوياً، كما يبلغ عدد العاملين في القوة العسكرية أكثر من خمسين شخصاً لكل ألف شخص من السكان؛ ولكن ما يخفف من وطأة هذا العبء إلى حد ما الإنتاج الحربي المحلي والصادرات العسكرية الإسرائيلية من هذا الإنتاج خلافاً لما هي عليه الحال في البلدان العربية إذ ليس للصناعات الحربية فيها دور يذكر وتعتمد هذه البلدان على استيراد الأسلحة والذخائر، فقد بلغت مستوردات البلدان العربية من الأسلحة التقليدية في عقد الثمانينات ما يزيد على 91 مليار دولار أمريكي بأسعار 1985 الثابتة في حين لم تستورد إسرائيل سوى ما قيمته أقل من 7.5 مليار دولار في المدة نفسها، وفي هذه المدة صدرت إسرائيل ما قيمته 2.563 مليار دولار في حين لم تصدر البلدان العربية مجتمعة سوى 2.614 مليار دولار فقط بأسعار 1985 الثابتة.

يتضح مما سبق أن نفقات الدفاع عبء كبير على الاقتصادات العربية سواء بتخصيص نسب متزايدة من الدخل القومي العربي لأغراض الدفاع أو بتحويل قسم كبير من هذا الدخل لشراء السلاح من الدول الأجنبية المصنعة، إضافة إلى تخصيص عدد كبير من قوة العمل للأعمال العسكرية وحرمان الإنتاج القومي منها؛ في حين يمثل الإنفاق الحربي الإسرائيلي، بنسبته العالية جداً من الدخل القومي، نوعاً من عسكرة الاقتصاد، فالأعمال الحربية الإسرائيلية تعتمد بدرجة كبيرة على الإنتاج المحلي في المركب الصناعي العسكري الإسرائيلي الذي يدير صناعة حربية متطورة مثل الصناعات الجوية الإسرائيلية والصناعات العسكرية الإسرائيلية إضافة إلى مؤسسة رافايل للأبحاث وتطوير الإنتاج الحربي. كما أن الصناعات الحربية الإسرائيلية تسهم إسهاماً كبيراً في توازن الميزان التجاري إذ تزيد الصادرات العسكرية على 25% من قيمة إجمالي الصادرات وتستوعب هذه الصناعات أكثر من 25% من قوة العمل إضافة إلى أنها عامل تحريض رئيسي للصناعات المدنية ويمكن القول إن التطور الصناعي الذي حدث في إسرائيل مدين برمته للإنتاج الحربي.

الاقتصاد العربي السوري والدفاع

تؤلف نفقات الدفاع، بسبب التهديد المستمر للمصالح الوطنية السورية والقومية العربية من جانب العدو الصهيوني، عبئاً كبيراً على الاقتصاد السوري سواء من حيث تخصيص نسبة عالية من قوة العمل لأغراض الدفاع، إذ تصل هذه النسبة في أوقات توقف المعارك (سورية في حالة حرب دائمة مع العدو الصهيوني منذ عام 1948) إلى أكثر من 12% وتصل في حالة اندلاع المعارك أو في حالة التعبئة العامة إلى أكثر من 25%، أو من حيث تخصيص قسم كبير من موارد الموازنة لأغراض الدفاع. تؤلف نفقات الدفاع نحو 50% من النفقات الجارية سنوياً، وكانت في عقد الثمانينات تؤلف 17.3% من الدخل القومي السنوي وسطياً.

وبموازنة نفقات الدفاع التي تحملتها سورية مع الاستثمارات التي استطاعت توجيهها لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومنها حصيلة المساعدات العربية والاقتراض الخارجي يتبين أن الجهد التنموي في سورية يتأثر كثيراً بأعباء الدفاع التي تشكل اقتطاعاً متزايداً من موازنة التنمية والتطوير. لقد كانت نفقات الدفاع في عام 1971 تعادل 42% فقط من الإنفاق الإنمائي غير أنها لم تنِ تتزايد وتمتص مبالغ أكبر من مخصصات التنمية حتى تجاوزت 70% منها بحلول عام 1986، وبدءاً من عام 1990 أصبحت نفقات الدفاع تزيد كثيراً على المبالغ التي يمكن لسورية تخصيصها للإنفاق الإنمائي. وتصبح نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنفاق الإنمائي أعلى بكثير إذا أعيدت الحسابات على أساس سعر صرف واحد للدولار فمعظم الإنفاق العسكري يتجه نحو استيراد الأسلحة والمعدات والذخائر من الخارج وتحسب قيمته بالسعر الرسمي للدولار الذي يعادل أقل من 25% من سعره الفعلي الذي تُقوَّم به النفقات الاستثمارية مما يعني فعلاً ارتفاع نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنمائي.

يفرض الصراع العربي الإسرائيلي على البلدان العربية، ولاسيما دول المواجهة منها وفي مقدمتها سورية التي تتحمل العبء الرئيس في الصراع مع الصهيونية، نمط حياة وتنمية تغلب عليه التضحية بمستوى رفاهية عال للمحافظة على السيادة والكرامة. وفي مواجهة اقتصاد حرب قائم على العسكرة والتوسع الإسرائيلي تضطر سورية إلى إقامة اقتصاد دفاع يخصص القسم الأعظم من موارده لشراء الأسلحة وبناء جيش عامل واحتياطي كبير لمواجهة العدوان والمحافظة على الأرض والكرامة. فالعدو الصهيوني مدعوماً من القوى الامبريالية ورأس المال الصهيوني العالمي، يخطط لاقتصاد عسكري توسعي يضمن تغطية النفقات العسكرية المحلية وتصدير جزء متزايد من الإنتاج الحربي لدعم اقتصاد الرفاهية، كما يعتمد على المساعدات الخارجية عسكرية كانت أم مدنية تأتيه من القوى التي يدافع عن مصالحها ويسعى إلى حماية مواقعها؛ في حين تضطر سورية إلى بناء اقتصاد دفاعي تخصص معظم موارده لإعالة جيش كبير وتزويده بالأسلحة المستوردة على حساب الإنفاق التنموي؛ مما يقود إلى تقليص اقتصاد الرفاهية وانخفاض مستوى المعيشة. ولا تفي المساعدات العربية إذا وجدت لتعويض جزء يسير من الإنفاق العسكري الكبير الذي تتحمله سورية بحكم موقعها الجغرافي وموقفها القومي.

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس