عرض مشاركة واحدة

قديم 23-09-22, 08:34 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي سيناريوهات الحرب النووية: أين يمكن أن تستخدم روسيا سلاحها النووي؟ وكيف سترد واشنطن؟



 


سيناريوهات الحرب النووية: أين يمكن أن تستخدم روسيا سلاحها النووي؟ وكيف سترد واشنطن؟

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
The Atlantic

23/9/2022

مقدمة الترجمة:

لم يتوانَ الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" عن التهديد والتلويح باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، لا سيما في بداية غزوه للبلاد. ولم تستجب الولايات المتحدة لأيٍّ من تلك التهديدات حتى الآن فعليا، لكن متى على الولايات المتحدة اتخاذ قرار بالرد؟ وكيف سيكون شكل هذا الرد؟ حول هذا النقاش الدائر في أوساط مجتمع الاستخبارات والأمن الأميركي، أعدَّ الكاتب والمحرر "إريك شلوسِر" تحليلانشرته مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية.

نص الترجمة:

تتولَّى الدائرة الرئيسية الثانية عشرة في وزارة الدفاع الروسية مسؤولية تشغيل عشرات من المنشآت المركزية لتخزين الأسلحة النووية. وتحوي هذه المنشآت، المعروفة بمواقع "العُنصر إس" (Object S) والمُنتشِرة في شتى أنحاء الفيدرالية الروسية، الآلاف من الرؤوس الحربية النووية والقنابل الهيدروجينية، إلى جانب تشكيلة واسعة من المتفجرات النووية. وقد هدَّد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وغيره من المسؤولين الروس على مدار الأشهر الثلاثة الماضية باستخدام الأسلحة النووية في الحرب على أوكرانيا. وبحسب "بافِل بودفيغ"، مدير مشروع القوات النووية الروسية وزميل الأبحاث السابق بمعهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، تُعَدُّ الصواريخ الباليستية طويلة المدى والمنصوبة على الأرض وعلى الغوَّاصات هي الأسلحة النووية الروسية الوحيدة المتاحة للاستخدام الفوري.

أما إذا قرَّر بوتين مهاجمة أوكرانيا بأسلحة نووية "تكتيكية" ذات مدى أقصر، فإن ذلك سيتطلَّب سحبها من أحد مواقع "العنصر إس" -مثل موقع "بِلغورود-22" الذي يبعد 40 كيلومترا تقريبا عن الحدود الأوكرانية- ثمَّ نقلها إلى إحدى القواعد العسكرية. وسيستغرق الأمر ساعات لتكون الأسلحة جاهزة للاستخدام العسكري، ولتثبيت الرؤوس الحربية على صواريخ كروز أو صواريخ باليستية، ولتحميل القنابل الهيدروجينية على متن الطائرات. وستلاحظ الولايات المتحدة على الأرجح حركة هذه الأسلحة على الفور عن طريق وسائل المراقبة من الأقمار الصناعية، والكاميرات المخفية على الطرق داخل روسيا، وعملائها المحليِّين المزوَّدين بالمناظير.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لقد أوضح الرئيس الأميركي "جو بايدن" أن أي استخدام للأسلحة النووية في أوكرانيا سيكون "غير مقبول نهائيا" و"ذا عواقب وخيمة"، بيد أن إدارته ظلَّت غامضة في الحديث علنا حول ماهية تلك العواقب. وقد تحدثتُ خلال الشهر الماضي مع العديد من خبراء الأمن القومي والمسؤولين السابقين في الحكومة حول احتمالات استخدام روسيا للأسلحة النووية ضد أوكرانيا، والأهداف المحتملة، والرد الأميركي المناسب، ورغم اختلافهم حول بعض المسائل، فإنني سمعت منهم النقطة ذاتها مرارا وتكرارا، وهي أن خطر اندلاع حرب نووية اليوم أكبر من أي وقت مضى منذ أزمة الصواريخ الكوبية. كما أن القرارات التي سيلزم اتخاذها بعد ضربة نووية روسية على أوكرانيا ستكون غير مسبوقة. في عام 1945 حينما دمرت الولايات المتحدة مدينتَين يابانيتَين بالقنبلة الذرية، كانت هي القوة النووية الوحيدة في العالم، ولكن اليوم، تمتلك تسع دول أخرى السلاح النووي، ولربما تلتحق بركبها المزيد من الدول قريبا، ولذا ما انفكَّت تتزايد احتمالية تدهور الأمور إلى سيناريوهات شديدة السوء.

سيناريوهات الضربة النووية الروسية

ثمَّة سيناريوهات عديدة مُمكِنة لاستخدام روسيا للأسلحة النووية قريبا:


- تفجير فوق البحر الأسود، لا يتسبَّب في وقوع ضحايا لكنه يُظهِر العزم على تخطِّي العتبة النووية.
- توجيه ضربة للإطاحة بالقيادة الأوكرانية، في محاولة لقتل الرئيس "فولوديمير زلنسكي" ومستشاريه في خنادقهم المُحصَّنة تحت الأرض.
- شن هجوم نووي على هدف عسكري أوكراني، ربما يكون قاعدة جوية أو مستودع مؤن، ولا يتسبَّب في إلحاق الأذى بالمدنيين.
- تدمير مدينة أوكرانية، بحيث يتسبَّب في وقوع أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين ويبُث الرعب للتعجيل باستسلام سريع، وهو الهدف نفسه الذي حرَّك الهجوم النووي الأميركي على مدينتَيْ هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية.



لن يعتمد أي رد من إدارة بايدن على الطريقة التي ستستخدم بها روسيا الأسلحة النووية ضد أوكرانيا فحسب، بل والأهم أنه سيعتمد على التأثير المتوقع للرد الأميركي في طبيعة السلوك الروسي مستقبلا، وما إذا كان سيحُث بوتين على التراجع أم الإصرار أكثر على موقفه. لقد ركَّزت نقاشات الحرب الباردة حول الإستراتيجية النووية على طرق توقُّع وإدارة التصعيد المُحتمَل لنزاع عسكري نووي. وفي مطلع الستينيات من القرن الماضي، ابتكر "هِرمان كان"، الإستراتيجي البارز في مؤسسة راند ومعهد هَدْسون، تصوُّرا للمشكلة عُرِف باسم "سُلَّم التصعيد". وتضمَّنت نسخة "كان" 44 درجة على السُّلَّم، واحتل "غياب الأعمال العدائية" أسفل درجات السُّلَّم، فيما احتلت "الإبادة النووية" أعلى درجات السُّلَّم.

على سبيل المثال، قد يختار رئيس ما التصعيد من الدرجة 26، وهي "هجوم استعراضي على منطقة داخلية للعدو" (قد تكون منطقة نائية أو محدودة التأثير)*، إلى الدرجة 39، وهي "حربُ مُدُن ذات وتيرة بطيئة" (أي استهداف نووي مُتبادل من الطرفين لمُدُن البلد الآخر)*. هذا ويتنوَّع هدف كل خطوة جديدة صعودا على السُّلَّم، فقد يكون الهدف ببساطة إرسال رسالة إلى العدو أو الضغط على الخصم أو السيطرة عليه أو تدميره. في نهاية المطاف، يكمُن الهدف من صعود السُّلَّم في العودة إلى أسفله مجددا يوما ما (بنزع فتيل الأزمة إما بالعودة إلى التفاوض وإما استسلام أحد الطرفين)*.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الأوروبية)

"دوَّامة التصعيد" هي تصوُّر أحدث وأعقد للنزاع المُحتمَل بين الدول النووية، وقد ابتكره "كريستوفر ياو"، الذي شغل منصب كبير العلماء في "قيادة الضربة العالمية" التابعة للقوات الجوية الأميركية بين عامَيْ 2010-2015. وعلاوة على الجوانب الرأسية التي قدَّمها "سلم التصعيد"، فإن الدوامة تدمج معها حركة أفقية بين مختلف مجالات الحرب المعاصرة، مثل الحرب الفضائية والسيبرانية والتقليدية والنووية. ولذا تبدو دوامة الصراع وكأنها إعصار، ويحتل السيناريو الأسوأ الجزء الأوسع من الدوامة، وهو "أعلى المستويات المُطلَقة للدمار الاجتماعي الدائم".

في أكتوبر/تشرين الأول 1962، كان "سام نان" يبلغ من العمر 24 عاما وحديث التخرُّج في كلية الحقوق بجامعة "إيموري" الأميركية، وكان حاصلا لتوِّه على وظيفة في لجنة القوات المسلحة بالكونغرس. وحينما تراجع أحد زملاء "نان" عن المشاركة بجولة خارجية في قواعد حلف الناتو، تسلَّم "نان" مكان زميله، وغادر الولايات المتحدة للمرة الأولى، وانتهى به الأمر في قاعدة "رامشتاين" الجوية بألمانيا، في أوج أزمة الصواريخ الكوبية.

يتذكَّر "نان" رؤية طائرات الناتو المقاتلة واقفة بالقرب من المدارج وعلى متن كل واحدة منها قنبلة هيدروجينية في وضع الاستعداد للطيران باتجاه الاتحاد السوفيتي. فقد جلس الطيَّارون على كراسي بجانب طائراتهم، ليلا ونهارا، محاولين نيل قسط من النوم بينما انتظروا أوامر الإقلاع في أي لحظة. وكانت طائراتهم مزوَّدة بالوقود بما يكفي لمهمة واحدة ذهابا، إذ خطَّطوا للهبوط بالمظلات في أي موقع هناك بطريقة أو أخرى، بعد إلقاء القنبلة التي بحوزتهم. وتحدَّث قائد في القوات الجوية الأميركية في أوروبا مع "نان" آنذاك قائلا إنه إذا اندلعت الحرب، فسيكون على الطيَّارين تحت قيادته الإقلاع عن الأرض في غضون دقائق معدودة، حيث ستصبح قاعدة "رامشتاين" الجوية من أوائل أهداف الناتو التي سيُدمِّرها الهجوم النووي السوفيتي. هذا وأبقى القائد جهاز اللا سلكي معه طوال الوقت لإصدار أمر الإقلاع.ركت أزمة الصواريخ الكوبية انطباعا لا يُمحَى لدى "نان"، وخلال أعوامه الأربعة والعشرين التي قضاها عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي، عمل بلا كلل لتقليص خطر الحرب النووية والإرهاب النووي. وباعتباره رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، فقد أيَّد التعاون الوثيق مع موسكو بشأن المسائل النووية، ومن أجل استكمال تلك الجهود، شارك لاحقا في تأسيس منظمة غير ربحية باسم "مبادرة التهديد النووي". بيد أن كل هذا الجهد اليوم في مهب الريح بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وما يصاحبه من خطاب جدي بشأن استخدام القوة النووية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف و"سام نان" السيناتور الأميركي السابق والرئيس التنفيذي لمبادرة التهديد النووي (رويترز)

قبل الهجوم على أوكرانيا، توصَّلت الدول الخمس المسموح لها بامتلاك الأسلحة النووية بموجب معاهدة الحد من الانتشار -الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا- إلى اتفاق يقضي بأن استخدام مثل هذه الأسلحة لا يمكن تبريره إلا إذا كان تدبيرا دفاعيا للرد على هجوم نووي أو آخر تقليدي واسع النطاق. وفي يناير/كانون الثاني 2022، أصدرت هذه الدول الخمس بيانا مشتركا أكَّدت فيه مقولة الرئيس الأميركي السابق "رونالد ريغان": "لا يجب بتاتا خوض الحرب النووية، ولا يمكن أبدا الانتصار فيها". وبعد شهر واحد، خرقت روسيا الأعراف السائدة في ظل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والقائمة لأكثر من نصف قرن. فقد غزت روسيا بلدا تخلى عن أسلحته النووية، كما هدَّدت بشن هجمات نووية ضد أي طرف حاول مساعدة ذلك البلد، وارتكبت أعمالا تُصنَّف بوصفها إرهابا نوويا عن طريق قصف مباني المفاعلات النووية في تشيرنوبل وزابوريجيا.

ويدعم "نان" إستراتيجية إدارة بايدن القائمة على "الغموض المُتعَمَّد" بشأن طبيعة ردِّها في حال استخدام روسيا للسلاح النووي. بيد أنه يأمل بوجود شكل من أشكال الدبلوماسية تَتِم سِرًّا عبر قنوات خلفية، يقوم فيها شخص يحظى بتقدير مثل "روبرت جيتس"، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، بإخبار الروس بصراحة تامة مدى قسوة رد الولايات المتحدة إذا ما تخطوا العتبة النووية.

سيناريوهات الرد الأميركي

في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، أراد كلٌّ من الرئيس "جون كينيدي" والزعيم السوفيتي "نيكيتا خروشوف" تجنُّب اندلاع حرب نووية شاملة، ومع ذلك فقد أوشكا على شن واحدة بسبب سوء التفاهم والتواصل ووقوع الأخطاء. وقد لعبت دبلوماسية القنوات الخلفية دورا محوريا في إنهاء تلك الأزمة بأمان. ويؤكِّد "نان" الآن ثلاثة أمور جوهرية وأساسية لتجنُّب كارثة نووية: قادة عقلانيون، ومعلومات دقيقة، وعدم ارتكاب حماقات كبرى، ويقول إن "هذه الأمور الثلاثة كافة مشكوك حاليا بتوافرها".

وقد أوضح "نان" أنه إذا استخدمت روسيا السلاح النووي في أوكرانيا، فليس على الولايات المتحدة الرد بهجوم نووي، بل يُفضَّل عوضا عن ذلك نوع من التصعيد الأفقي، والقيام بكل شيء مُمكِن لتجنُّب تبادل الضربات النووية بين روسيا والولايات المتحدة. على سبيل المثال: إذا ضربت روسيا أوكرانيا بصاروخ كروز نووي أطلقته من سفينة، يدعو "نان" إلى إغراق تلك السفينة فورا. ومن المفترض أن يُحدِّد عدد الضحايا الأوكرانيين شدة الرد الأميركي، ويجب أن يجري أي تصعيد باستخدام الأسلحة التقليدية فقط لا غير. وقد يتم إغراق أسطول البحر الأسود الروسي ضمن الرد العسكري الأميركي، كما يُمكِن فرض حظر الطيران على أوكرانيا، حتى لو تطلَّب الأمر تدمير الوحدات المضادة للطائرات على الأراضي الروسية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
منذ بداية الغزو، هدفت التهديدات النووية الروسية إلى عرقلة الولايات المتحدة وحلفائها من دول الناتو عن تقديم الإمداد العسكري لأوكرانيا، وهي تهديدات مدعومة بالقدرات العسكرية الروسية، ففي العام الماضي، أثناء تدريب عسكري يضم 200 ألف جندي، تدرَّب الجيش الروسي على شن هجوم نووي على قوات الناتو في بولندا. ويقول "نان" إنه "كلما طال أمد هذه الحرب، ازداد الضغط على روسيا لمهاجمة خطوط الإمداد من دول الناتو إلى أوكرانيا"، كما سيرفع ذلك من خطر ارتكاب حماقات خطيرة ووقوع أخطاء فادحة. هذا ويُمكِن أن يكون وقوع هجوم روسي، عن عمد أو بغير عمد، على أيٍّ من دول الناتو بمنزلة بداية الحرب العالمية الثالثة.

في صيف عام 2016، نظَّم أفراد من فريق الأمن القومي في إدارة الرئيس "باراك أوباما" محاكاة حربية سرية تقوم فيها روسيا بغزو إحدى دول الناتو في منطقة البلطيق، ثم تستخدم سلاحا نوويا تكتيكيا منخفض التأثير ضد قوات الناتو لإنهاء النزاع بشروط ملائمة لها. وبحسب ما وصفه "فريد كابلان" في كتابه "القنبلة"، توصَّلت مجموعتان من المسؤولين في إدارة أوباما إلى استنتاجات متضاربة إلى حدٍّ كبير بشأن ما يجب على الولايات المتحدة فعله. فقد قرَّرت لجنة مديري مجلس الأمن القومي الأميركي -وتشمل موظفي مجلس الوزراء، وأعضاء من هيئة الأركان المشتركة- أن الولايات المتحدة لم يكن لديها خيار سوى الانتقام باستخدام الأسلحة النووية، إذ إن أي رد آخر من أي نوع سيُظهِر الافتقار إلى الحزم، وسيُدمِّر سمعة واشنطن ويُضعِف تحالف الناتو. بيد أنه تبيَّن صعوبة اختيار هدف مناسب لضربة نووية، ناهيك بأن ضرب قوات الغزو الروسية سيُفضي إلى وقوع ضحايا أبرياء في تلك الدولة العضوة في حلف الناتو. أما ضرب أهداف داخل روسيا فقد يؤدي إلى تصعيد الصراع إلى حرب نووية شاملة. وفي النهاية، أوصت لجنة مديري مجلس الأمن القومي الأميركي بشن هجوم نووي على بيلاروسيا، وهي الدولة التي لم تلعب دورا يُذكَر في غزو روسيا، تلك الدولة العضوة في الناتو (في المُحاكاة العسكرية) لكنها لسوء حظها حليف روسي.

أجرى أعضاء من فريق النواب في مجلس الأمن القومي الأميركي المحاكاة الحربية ذاتها، وانتهوا إلى رد أميركي مختلف. وقال "كولين كال"، الذي عمل مستشارا لجو بايدن، نائب الرئيس آنذاك، إن الرد باستخدام السلاح النووي سيكون خطأ فادحا، وفيه تضحية بالأرضية الأخلاقية. ورأى "كال" أن الأمر الأكثر تأثيرا هو الرد بهجوم تقليدي وقلب الرأي العام العالمي ضد روسيا لأنها انتهكت الحظر النووي. وهو ما اتفق عليه الآخرون، بمَن فيهم "آفريل هَينز"، التي تشغل حاليا منصب مدير الاستخبارات القومية في إدارة بايدن، كما يعمل "كال" حاليا وكيلا للشؤون السياسية بوزارة الدفاع.

في عام 2019، أجرت "وكالة الحد من التهديدات الدفاعية" محاكاة حربية مكثفة بشأن الرد الأميركي الأمثل إذا ما غزت روسيا أوكرانيا واستخدمت السلاح النووي هناك. وتُعَدُّ هذه الوكالة التابعة للبنتاغون هي الوحيدة المُكلَّفة حصرا بمواجهة وردع أسلحة الدمار الشامل. ورغم أن نتائج تلك المحاكاة الحربية لا تزال سرية، فقد قال لي أحد المشاركين فيها إنه "لم تكن أيُّ السيناريوهات ذات نهاية سعيدة". وتتشابه سيناريوهات استخدام القوة النووية تلك تشابها مدهشا مع السيناريوهات التي يُنظَر فيها حاليا. وبحسب ما قاله المشارك المذكور آنفا، فعندما يتعلَّق الأمر بالحرب النووية، فإن الرسالة الجوهرية لفيلم "ألعاب حربية" (War Games) الصادر عام 1983 تتحقَّق بحذافيرها: "الخطوة الوحيدة الرابحة هي ألَّا تلعب".

كيف تفوز بحرب خاسرة؟

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ما من أحد من خبراء الأمن القومي الذين قابلتهم اعتقد أن على الولايات المتحدة استخدام السلاح النووي في الرد على هجوم نووي روسي على أوكرانيا. وتعتقد "روز غوتمولر"، التي عملت كبيرة المفاوضين الأميركيين في معاهدة "نيو ستارت" للحد من الأسلحة مع روسيا ثم عملت فيما بعد نائب الأمين العام للناتو، أن أيَّ هجوم نووي على أوكرانيا سيلقى استنكارا عالميا، لا سيما من دول أفريقيا وأميركا الجنوبية، وهُما القارتان الخاليتان من الأسلحة النووية. كما تعتقد أن الصين، رغم دعمها الضمني لغزو أوكرانيا، ستُعارض بقوة استخدام بوتين للأسلحة النووية، وقد تدعم العقوبات ضد روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولطالما دعمت الصين "الضمانات النووية السلبية"، فقد تعهَّدت عام 2016 دون قيد أو شرط بـ"عدم استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد دول غير مسلحة نوويا أو في مناطق خالية من السلاح النووي".

إذا رصدت الولايات المتحدة سحب أسلحة نووية تكتيكية من مواقع التخزين الروسية، تعتقد "غوتمولر" أنه سيتعيَّن على إدارة بايدن توجيه تحذير شديد اللهجة إلى موسكو عبر القنوات الخلفية، ثم الإعلان عن تحرُّك تلك الأسلحة. وعلى مر السنوات، تعرَّفت "غوتمولر" على الكثير من كبار القادة الذين يراقبون ترسانة موسكو النووية، وهي تقول إنهم قد يعصون أمرا باستخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا. وإذا أطاعوا ذلك الأمر، فإن خيار "غوتمولر" المُفضَّل سيكون "ردا دبلوماسيا قويا" على الضربة النووية، وليس ردا عسكريا نوويا أو تقليديا، على أن يقترن ذلك بشكل من أشكال الحرب الهجينة. وتستطيع الولايات المتحدة شن هجوم سيبراني مُدمِّر على أنظمة القيادة والتحكُّم الروسية المرتبطة بالهجمة النووية، مما يفتح الباب أمام احتمال توالي الهجمات العسكرية.

يعتقد "سكوت ساغان"، المدير المشارك لمركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد الأميركية، أن خطر استخدام روسيا للسلاح النووي قد انخفض الشهر الماضي، مع تحوُّل القتال إلى جنوب أوكرانيا. فمن غير المحتمل أن يلوِّث بوتين بالغبار المشع منطقة يأمل في الاستيلاء عليها. أما الضربة التحذيرية، مثل تفجير سلاح نووي أعلى البحر الأسود دون التسبُّب في أضرار، فسيكون أمرا غير مُجدٍ من وجهة نظر "ساغان"، إذ يشير ذلك إلى التخبُّط وليس العزيمة، وهو استنتاج توصَّلت إليه الولايات المتحدة قبل نصف قرن مضى بشأن فائدة ضربة استعراضية يشنُّها الناتو لردع الجيش الأحمر. ويُسلِّم "ساغان" بأنه لو قُدِّر لروسيا خسارة معارك كبرى في دونباس، أو لو بدا الهجوم الأوكراني المضاد على وشك تحقيق نصر كبير، فقد يأمر بوتين فعلا باستخدام السلاح النووي لانتزاع الاستسلام أو وقف إطلاق النار من عدوِّه. وفي المقابل، وبالاستناد إلى مدى الدمار الذي سيُسبِّبه الانفجار النووي، سينصح "ساغان" بشن هجمات أميركية تقليدية على القوات الروسية في أوكرانيا، والسفن الروسية في البحر الأسود، أو حتى على أهداف عسكرية داخل روسيا، مثل القاعدة التي انطلقت منها الضربة النووية.

يختلف "ساغان" مع الصورة الشائعة للصراع العسكري على أنه أخذ ورَد، إذ يبدو تصوُّر "سُلَّم التصعيد" مستقرا أكثر من اللازم، فهو ينطوي على حرية اتخاذ قرار "الصعود أم الهبوط"، حيث يعتقد "ساغان" أن التصعيد النووي يشبه أكثر السُّلَّم المُتحرِّك: فحالما يبدأ الحركة تكون لديه قوته الدافعة ذاتيا، ويصعُب بمكان إيقافه أو (التمتُّع بحرية النزول والصعود كما في التصوُّر الأول)*. ويرى "ساغان" أن أكثر ما يُقلِقه هو ظهور أي علامة على اتخاذ بوتين خطوات حتى لو كانت أوليَّة باتجاه استخدام القوة النووية، ومن ثمَّ يقول مُحذِّرا: "لا ينبغي لنا التقليل من خطر وقوع انفجار نووي غير مقصود، حالما تخرج الأسلحة من مخازنها وتنتشر على نطاق واسع بين القوات الروسية".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تناولتُ الغداء مؤخرا مع "ويليام بِري"، وزير الدفاع السابق، في منزله بمدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا. ويبلغ "بِري" من العمر 94 عاما، وهو من آخر الإستراتيجيين العسكريين البارزين الفاعلين حتى اليوم ممن شهدوا بأنفسهم حجم الدمار في الحرب العالمية الثانية. خدم "بِري" في جيش الولايات المتحدة المحتل لليابان، وما من شيء قرأه حول تفجير طوكيو قد أعدَّه لما شهده هناك، فقد أُبيدت مدينة عظيمة عن بكرة أبيها حرقا، وعاش الناجون وسط الحطام المنصهر، معتمدين على مؤن الجيش. وفي مدينة "ناها" بمحافظة أوكيناوا، بدا الدمار أسوأ، إذ ذكر "بِري" في مذكراته أنه لم تبق بناية واحدة قائمة على الأرض، وقال في وصفه الشهير: "تحوَّلت الطبيعة الاستوائية الخلَّابة هناك إلى مساحات شاسعة من الطين والرصاص والعفن والديدان". ما رآه "بِري" في اليابان جعله شديد الاضطراب فيما يتعلق بالتهديد النووي، فقد تدمَّرت ناها وطوكيو بعشرات الآلاف من القنابل التي أُلقيت خلال شن مئات الغارات الجوية، فيما دُمِّرت هيروشيما وناغازاكي بقنبلة ذرية واحدة لكلٍّ منهما.

حصل "بِري" لاحقا على شهادات عُليا في الرياضيات، وأصبح من رُوَّاد "وادي السيليكون"، حيث تخصَّص في المراقبة بالأقمار الصناعية واستخدام التكنولوجيا الرقمية في الحرب الإلكترونية. وفي خضم أزمة الصواريخ الكوبية، سافر "بِري" إلى واشنطن العاصمة بناء على طلب من وكالة الاستخبارات الأميركية، وتفحَّص صورا التقطتها الأقمار الصناعية من كوبا باحثا عن دليل على وجود أسلحة نووية سوفيتية. وبصفته وكيل وزارة الدفاع في إدارة كارتر، لعب "بِري" دورا جوهريا في تطوير تكنولوجيا التخفِّي، ثم بصفته وزيرا للدفاع في إدارة كلينتون، قاد جهود البحث عن الأسلحة النووية والمواد الانشطارية في مواقع مختلفة بشتى أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق. وبعد مغادرته البنتاغون، عُرِف "بِري" بمواقفه المؤيدة للسِّلم، وانضم إلى "سام نان" و"هنري كيسنجر" و"جورج شولتز" عام 2008 في دعوتهم المُطالِبة بالقضاء على الأسلحة النووية، معارضين الخطط الأميركية لبناء صواريخ باليستية أرضية بعيدة المدى، وطالبوا الولايات المتحدة بإعلان رسمي بأنها لن تكون أبدا أول مَن يشن هجوما نوويا.

ألقى "بِري" خطابا في جامعة ستانفورد مؤخرا أوضح فيه مخاطر ما حدث في أوكرانيا. فالسلام الذي غُرِس في أوروبا طيلة ثمانية عقود تقريبا جرى اقتلاعه في 24 فبراير/شباط الماضي، على حد قوله، "وإذا نجح الغزو الروسي، فعلينا توقع المزيد من محاولات الغزو". إن بوتين يمارس الابتزاز والتهديد باستخدام الأسلحة النووية للهجوم وليس للدفاع، ويقول "بِري": "أخشى أننا إذا خضعنا أمام هذا التهديد الشائن، فإننا سنواجهه مجددا". وقد قابل "بِري" بوتين في عدد من المناسبات، حينما شغل الأخير منصب نائب عمدة سان بطرسبرغ، ويعتقد "بِري" أن بوتين سيستخدم الأسلحة التكتيكية في أوكرانيا في حال بدا ذلك مفيدا له. ورغم أن سياسة الفيدرالية الروسية المُعلَنة تقضي بعدم استخدام الأسلحة النووية إلا في مواجهة تهديد وجودي، فإن الإعلانات العامة الصادرة عن موسكو يجب أن تؤخذ ببعض الشك، إذ أنكر الاتحاد السوفيتي امتلاك أي قواعد صاروخية في كوبا إنكارا قاطعا، بينما كان يبنيها بالفعل. وتعهَّد علنا طيلة سنوات بألا يكون أول مَن يبادر باستخدام السلاح النووي، بينما تبنَّى سِرًّا خططا حربية تبدأ بشن هجمات نووية واسعة النطاق على قواعد الناتو ومدن أوروبا، كما أنكر الكرملين أيَّ نية لديه في غزو أوكرانيا حتى قام بغزوها بالفعل.

النووي التكتيكي يعيد تعريف الحرب النووية

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
خلال الحرب الباردة، ثبَّتت الولايات المتحدة آلاف الأسحلة النووية منخفضة التأثير في دول تابعة للناتو، وخطَّطت لاستخدامها في المعركة في حال شن الاتحاد السوفيتي غزوا. وفي سبتمبر/أيلول 1991 أصدر الرئيس "جورج بوش" الأب أوامره منفردا بسحب جميع الأسلحة التكتيكية الأميركية المتمركزة على الأرض من الخدمة وتدميرها.
وقد بعثت أوامر بوش تلك برسالة تفيد بانتهاء الحرب الباردة، وأن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر الأسلحة التكتيكية مفيدة في المعركة. فالأضرار الجانبية التي ستتسبَّب فيها، أي الأنماط غير المتوقعة لتداعيات الإشعاعات المُمِيتة، بدا أنها غير ضرورية وقد تأتي بنتائج عكسية. وقد عملت الولايات المتحدة على تطوير أسلحة تقليدية دقيقة يُمكِنها تدمير أي هدف مهم دون خرق الحظر النووي. بيد أن روسيا لم تتخلَّص أبدا من أسلحتها النووية التكتيكية، ومع تضاؤل قواتها العسكرية التقليدية، فإنها طوَّرت أسلحة نووية ذات تأثير منخفض وشديد الانخفاض، بحيث تتسبَّب في تداعيات أخف نسبيا. هذا وأدَّى أكثر من 100 "تفجير نووي سلمي" أجراه الاتحاد السوفيتي -بهدف تحصيل المعرفة حول استخدام التفجيرات النووية في مهمات عادية مثل أعمال التنقيب- إلى تسهيل تصميم الأسلحة التكتيكية ذات التأثير شديد الانخفاض.

وقع بالفعل انفجاران نوويَّيان في أوكرانيا، ضمن "برنامج الاتحاد السوفيتي رقم 7 – تفجيرات سلمية لصالح الاقتصاد القومي". وفي عام 1972، جرى تفجير نووي بزعم إغلاق بئر غاز متدفق في منجم بمدينة كراسنوغراد، وتبعد نحو 97 كيلومترا عن خاركيف، وكان لذلك الانفجار قوة بلغت ربع القوة التفجيرية للقنبلة الذرية التي دمَّرت مدينة هيروشيما. وفي عام 1979، جرى تفجير نووي آخر بزعم التخلُّص من غاز الميثان في منجم للفحم قرب قرية "يونوكومُّونارسك" في إقليم دونباس، وبلغت قوته التفجيرية 1 على 45 من القوة التفجيرية لقنبلة هيروشيما. ولم يُبلَّغ العاملون في المنجم ولا سكان القرية البالغ عددهم 8 آلاف نسمة بشأن هذا التفجير النووي.



وقد مُنِحَ عمال المنجم ذلك اليوم إجازة بغرض "تدريب للدفاع المدني"، ثم أعيدوا إلى أعمالهم المُعتادة في المنجم بعد ذلك. لو حصلت الولايات المتحدة على معلومات استخبارية بتحضير روسيا لاستخدام سلاح نووي، يعتقد "بِري" أنه يجب الإفصاح عن هذه المعلومات فورا للعامة. وإذا استخدمت روسيا سلاحا بالفعل، على الولايات المتحدة الدعوة لإدانة دولية، وإثارة الجلبة حول الأمر قدر الإمكان وشن عمل عسكري، بالاشتراك مع حلفاء الناتو أو بدونهم. كما يجب أن يكون ذلك العمل الانتقامي قويا ومُركَّزا وتقليديا، ولكن ليس نوويا. كما يجب أن يقتصر على أوكرانيا فقط، وحبذا لو اقتصر على أهداف مرتبطة بالهجوم النووي. وقد قال "بِري": "عليك الصعود قليلا على سُلَّم التصعيد، بقدر يحفظ لك القدرة على الإفلات بفعلتك، على أن يظل لك تأثير قوي ومناسب". لكن لو ردَّ بوتين باستخدام سلاح نووي آخر، "فعليك أن تُشمِّر عن ساعدك في المرة الثانية"، وربما تضطر لتدمير القوات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو ما تستطيع الولايات المتحدة فعله بسهولة باستخدام الأسلحة التقليدية، وهو ما يأخذك أعلى السُّلَّم نحو سيناريوهات أشد على حد قول "بِري".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
حذَّر "بِري" طيلة سنوات من تنامي الخطر النووي. وللأسف، فقد أكَّد غزو أوكرانيا توقعاته، فهو يعلم أن احتمالات حرب نووية شاملة كانت أعلى بكثير خلال أزمة الصواريخ الكوبية، بيد أنه يعلم أيضا أن احتمال استخدام سلاح نووي يُعَدُّ أعلى حاليا (نظرا لسهولة استخدام السلاح النووي التكتيكي اليوم)*. ولا يتوقع "بِري" أن تُدمِّر روسيا قاعدة جوية أوكرانية بسلاح تكتيكي، بيد أنه لن يكون متفاجئا لو حدث ذلك. كما يأمل ألا تستخدم الولايات المتحدة الردع النووي وتكون ضحية ابتزاز نووي، فمن شأن ذلك تشجيع دول أخرى على امتلاك أسلحة نووية وتهديد جيرانها.

يستطيع بوتين اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان الهجوم النووي سيقع في أوكرانيا، ومتى سيكون ذلك وأين؛ بيد أنه لا يستطيع السيطرة على ما سيحدث لاحقا، فعواقب ذلك الاختيار، وسلسلة الأحداث التي ستتكشف لاحقا، مجهولة للجميع. وقد شكَّلت إدارة بايدن "فريق النمر" من مسؤولي الأمن القومي لإجراء محاكاة حربية حول ما يمكن فعله لو استخدمت روسيا سلاحا نوويا. وشيء واحد يتضح لنا وضوح الشمس، بعد كل نقاشاتي مع خبراء في هذا المجال: علينا أن نكون مستعدين لاتخاذ قرارات صعبة، ذات نتائج غير مؤكَّدة، وهي قرارات لم يكُن ينبغي لأحد أبدا أن يتخذها.
—————————————————————————————-
هذا المقال مترجم عن The Atlantic


ترجمة: هدير عبد العظيم .

المصدر : الجزيرة نت


 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس