عرض مشاركة واحدة

قديم 11-11-09, 04:29 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

كسب حرب أفكار

في إطار الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية لكسب الحرب على الإرهاب، أصدر البنتاجون وثيقة جديدة أُطلق عليها اسم (خريطة الطريق للاتصالات الاستراتيجية)، وتتبنى الوثيقة الجديدة مبدأ أهمية التعامل مع المعلومات والتواصل مع الآخر بصورة أكبر من التركيز على ترويج المصالح الأمريكية بصورة مباشرة.

وجاء استحداث هذه الوثيقة في الوقت الذي يزيد فيه أعداء الولايات المتحدة من استخدام التقنيات الحديثة لتوصيل رسائلهم لكل العالم، إضافة إلى استخدام الانترنت كوسيلة لتجنيد المزيد من الإرهابيين ولجمع الأموال والتبرعات للإنفاق على خططهم الهادفة إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة.

ولم يكن إصدار هذه الوثيقة بالأمر السهل على البنتاجون، فقد تمّت كتابة عشر مسودات قبل الوصول إلى الوثيقة الحالية، وعلى عكس الرأي القديم الذي ساد الإدارة الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر، تدعو الوثيقة الجديدة إلى ضرورة التواصل مع الآخر، وخلق ثقافة جديدة، تركّز على ضرورة فهم أن الاتصالات الاستراتيجية ليست فقط هي الحرب النفسية، أو حرب المعلومات، بل هي شأن أوسع، يضم كل ما سبق.

والوثيقة الجديدة تعرض استراتيجية جديدة لوزارة الدفاع الأمريكية، تمتد إلى 15 عاماً قادمة، وتدعو إلى اتخاذ عدة خطوات، وقد تم البدء بتنفيذ البعض منها، مثل تكوين لجنة تتألف من (16) عضواً للبحث في المواضيع الهامة المطروحة، ومنها: كيفية التعامل المعلوماتي حول قضايا، مثل: قضية موانئ (دبي)، أو قضية انتشار الصواريخ الباليستية. وهناك لجنة أخرى تتكون من أربعة أعضاء: (رئيس هيئة الأركان المشتركة، ونائب وزير الدفاع للسياسات، ومساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، ومدير الاتصالات الاستراتيجية بهيئة الأركان العامة) يتولون النظر في كيفية التعامل مع هذه القضايا ومحاولة حلها.

وترمي الوثيقة الجديدة إلى تحقيق أهداف البنتاجون عن طريق ثلاث مراحل أساسية:

المرحلة الأولى: تتمثل في تحسين عملية التواصل وإيصال الأفكار الأمريكية عن طريق وسائل الإعلام، وتكثيف مزيد من الجهود من الجانب الأمريكي لتبليغ مقاصد أمريكا وإيصال صوتها إلى الخارج، حيث إن البنتاجون لم يتوصل بعد إلى الطريقة المثالية التي يستطيع من خلالها توظيف وسائل الإعلام توظيفاً كاملاً لإبلاغ مقاصده؛ فالولايات المتحدة في حاجة إلى بذل المزيد من الجهود حتى تتمكن من كسب حرب الأفكار ضد الإرهاب، ووزارة الدفاع بدأت منذ صيف عام 2004م النظر في بدائل استراتيجية عديدة حتى تم التوصّل للوثيقة الحالية.

أما المرحلة الثانية: فتتمثل في استخدام المرونة في التعامل مع كيفية إيصال الأخبار إلى الرأي العام العالمي، ودائماً ما عانت وزارة الدفاع الأمريكية من جدل حقيقي بين وحدة الشؤون العامة، وهي التي تتعامل مع وسائل الإعلام، وبين وحدة الحرب النفسية، ومؤخراً أُثير جدل كبير حول اختصاصات كلٍّ منهما.

والمرحلة الثالثة: تتلخص في إزالة كل العوائق التي من شأنها أن تعرقل الجهود التي يقوم بها البنتاجون لكسب حرب الأفكار على الإرهاب؛ فعمليات الإرهاب هي من العمليات العسكرية التي تستهدف نقاط القوة الاستراتيجية لدى العدو بقصد إضعافه، ولكن هذا التعريف لا يقتصر على الجوانب العسكرية والاستراتيجية فقط، بل يتعدى ذلك إلى المدنيين، وتوجد عدة صعوبات تقف في طريق عملية التواصل، مما يجعل مهمة موظفي البنتاجون صعبة وشبه مستحيلة على عين المكان، ولذلك، فإنهم يفضلون التخطيط لعمليات المعلومات مسبقاً بالبنتاجون، حيث يمكنهم أن يجدوا حلولاً مسبقة لكل المشاكل المنتظرة.

إن التخطيط لما سُمِّي ب (عمليات المعلومات) يتطلب وقتاً طويلاً، وهذه السياسة التي ترتكز بقدر كبير على التواصل تستحق العناء، لأنها تمكّن الجنود من معرفة مهماتهم بدقة، مما يجعل منهم عنصراً فاعلاً في حرب الأفكار ضد الإرهاب، ومن الضروري أن تتحدى هذه السياسة الصعوبات التقليدية، وأن توجد حلولاً فعّالة، تسهّل عملية التواصل وتجعلها نافعة.

وعلى سبيل المثال، يُتوقع أن تدفع وزارة الدفاع الأمريكية للمقاولين الخاصين مبلغاً قدره (300) مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، لتمويل إنتاج برامج إخبارية وترفيهية للجمهور العراقي، والهدف من هذه الجهود كما يُقال، هو التواصل مع الشعب العراقي وإلهامه، والتأثير عليه بما يحفّزه على دعم الأهداف التي ترمي إليها الحكومتان الأمريكية والعراقية معاً. وفي وسع هذه الجهود أن تثمر وتحقق نتائج قوية، فيما لو أحسن القيام بها في إطار استراتيجية أوسع للتواصل، تهدف إلى حفز العملية السياسية والمصالحة الوطنية هناك، فضلاً عن تعزيز التنمية الاقتصادية.

رؤية وزير الدفاع الأمريكي

يرى وزير الدفاع الأمريكي أن نواة استراتيجية البنتاجون القومية الدفاعية هي الموازنة بين السعي إلى انتزاع الغلبة في النزاعات الحالية، وإعداد العدة لخيارات أخرى، ودمج خبرات مكافحة الإرهاب والتعاون العسكري الأجنبي في إطار المؤسسات، والمحافظة على التقدم العسكري والاستراتيجي التكنولوجي والتقليدي، والتمسّك بالخصائص الثقافية التي كانت وراء نجاح القوات المسلحة الأمريكية، والتخلّص من تلك التي تُعيق أداءها، وليس في وسع الولايات المتحدة تبديد مخاطر الأمن القومي من طريق رفع موازنة الدفاع، فعلى وزارة الدفاع تحديد أولويات استراتيجية، واحتساب جدوى اللجوء إلى المساومات وتقويم فرص نجاحها، وكلفة هذا النجاح.

وفي رأي وزير الدفاع الأمريكي أن ما يُعرف بالحرب على الإرهاب هو امتداد حملة مواجهة بين قوى الاعتدال وقوى العنف والتطرف، وكفة التدخل العسكري المباشر راجحة في ميزان مكافحة الإرهابيين والمتطرفين، ولكن القوة العسكرية وحدها لا تعبّد الطريق إلى الانتصار أمام الولايات المتحدة، ويجب أن ترفق العمليات العسكرية بإجراءات ترسي أسس الحكم العادل، وتطلق خططاً اقتصادية، تحرّك عجلة النمو، وتذلل المشكلات التي تبعث الاستياء في الأوساط التي يجنّد فيها الإرهابيون أنصارهم.

وأغلب الظن لدى وزير الدفاع الأمريكي أن الولايات المتحدة لن تكرر تجربتي العراق وأفغانستان في القريب العاجل، وستعزف عن انتهاج سياسة قلب الأنظمة، وبناء الأمة على وقع القصف؛ فالولايات المتحدة أمام تحديات، وحريّ بها انتهاج استراتيجية تحول دون تفاقم المشكلات، ودون تحوّلها إلى أزمات كبيرة قد تستدعي تدخلاً عسكرياً من طريق تعزيز قدرات الحكومات الحليفة، الأمنية والعسكرية، للحيلولة دون اتخاذ الإرهابيين الدول (الفاشلة) ملاذاً آمناً ولجوئهم إليها.

ويعترف وزير الدفاع الأمريكي بأن بلاده أخفقت، وجهاز أمنها القومي، في الرد على تحديات طارئة رداً متوازناً؛ فالأمن القومي الأمريكي ينوء بثقل نتائج سياسات خاطئة، تواطأت في تسعينيات القرن الماضي السلطتان التشريعية والتنفيذية على ارتكابها، وقوّضت وسائل بسط نفوذ أمريكا في الخارج من طرق خفض التمويل أداء هذه الوسائل؛ فوزارة الخارجية أوقفت استخدام موظفين جدد في مكاتب الخدمات الخارجية، وانخفض عدد العاملين في وكالة التنمية الدولية الأمريكية من (15) ألف موظف دائم، في أثناء حرب فيتنام إلى أقل من (3) آلاف موظف، وشُلَّ عمل جهاز المعلومات الأمريكي وشُطر قسمين، وهمّش دوره في وزارة الخارجية. ومنذ هجمات 11 سبتمبر إلى اليوم، سعى (كولن باول) وزير الخارجية في ولاية (بوش) الأولى و (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية في ولاية (بوش) الثانية إلى بعث دور وزارة الخارجية، والعدول عن السياسات السابقة، ولا يترتب على ترجيح كفة وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأمريكية إعفاء القادة العسكريين من مهمات حفظ الأمن وإرساء الاستقرار، فبحسب (كلاوزفيتز) يفترض النصر في الحرب بلوغ غاية سياسية، أي تدمير بيت العدو، وإزالة الدمار، وإعادة بناء المنزل، ولذا، رفعت موازنة قسم العمليات الخاصة العسكرية، وزيدت معدلات التجنيد.

ويرى وزير الدفاع الأمريكي أن بلاده تواجه تحديات أمنية في العالم؛ فروسيا والصين كلتاهما زادت معدلات الإنفاق العسكري لتطوير برامج دفاع جوي وطائرات هجومية، وتضاهي قدرات بعض الأسلحة الصينية والروسية أسلحة الولايات المتحدة جودة، وحازت كوريا الشمالية السلاح النووي، وتسعى إيران إلى حيازته، وتُجمع هذه الدول وهي مجموعة أعداء الولايات المتحدة المحتملين على خلاصة واحدة مفادها تفادي الدخول في مواجهة تقليدية مباشرة مع الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من عملية تطويره وتحديثه، لا يضاهي الجيش الروسي قوة الجيش السوفيتي السابق، والنمو الديمغرافي الروسي، الذي يميل إلى الانكماش والانخفاض، يقوّض قدرات الجيش الروسي وطاقاته، وتسعى الصين إلى تطوير وسائل تقوّض النفوذ الأمريكي، وتقيّد حرية حركة الجيش الأمريكي، وتبذل بكين الأموال في تمويل حرب رقمية، وحرب مضادة للأقمار الاصطناعية الأمريكية، وفي صناعة أسلحة مضادة للصواريخ الباليستية، وصواريخ غواصات بحرية، وهذه الأسلحة قد تهدد قدرة الولايات المتحدة على حماية حلفائها على ضفة المحيط الهادي الآسيوية.

ويشير وزير الدفاع الروسي إلى أن وسائل الحرب متنوعة، ومنها: التقليدي، وغير التقليدي، وغير النظامي، وقد يلجأ العدو إلى الوسائل العسكرية هذه، في آن واحد، فقد رافق هجوم روسيا على (جورجيا) وهو هجوم عسكري تقليدي هجمات رقمية على مواقع جورجية وحملة دعائية سياسية، وفي اجتياح العراق، لجأ (صدام حسين) إلى قوات الفدائيين غير النظامية، وإلى الحرس الجمهوري، ودبابات (تي 72)؛ فحروب هذا العصر هي حروب هجينة، قد يلجأ فيها الخصم إلى (مايكروسوفت)، والتكنولوجيا السريّة، والسواطير، والانتحاريين.

ويؤكدّ وزير الدفاع الأمريكي أن خبرة الأمريكيين كبيرة وقديمة في التكيّف مع نزاعات متفاوتة المستويات، وخوضها في آن واحد؛ ففي حرب الاستقلال ( 1775 1783 1775 1783 م)، حارب (البارون فريديرك فون شتوين) أصحاب البزات الحمر في الشمال، بينما هاجمتهم عصابات على رأسها (فرنسيس ماريون) في الجنوب. وفي العراق على الرغم من أن عدد القوات الأمريكية كان نسخة مصغّرة عن نظيرها في الحرب الباردة انتهج الجيش الأمريكي خططاً فعّالة في مكافحة التمرد، ولكن كلفة المرحلة الانتقالية في حرب العراق كانت باهظة الثمن إنسانياً، ومالياً، وسياسياً، واضطر القادة العسكريون والفرق العسكرية إلى التصدّي لفجوات في طريقة عمل البنتاجون وأجهزته، كانت تحول دون ابتكارهم وسائل قتالية جديدة في أرض المعركة، وعلى هذا، يحسن تعديل بنية البنتاجون، وتفادي اضطرار الضباط اللاحقين إلى مواجهة الصعوبات نفسها.

الخلاصة

هناك ما يدعو للاعتقاد بأن في مقدور أمريكا أن تستعيد قوتها الناعمة مجدداً باستثمارها في الخير العام العالمي، أي بتوفير تلك السلع والخدمات التي طالما تطلعت إليها شعوب العالم، دون أن تتمكن من الحصول عليها، بفعل غياب الدور القيادي الأمريكي، وليست من أمثلة أفضل لهذا الخير العالمي من نشر التنمية، وتحسين الرعاية الصحية، والتصدي لخطر التغير المناخي، وفيما لو مزجت أمريكا بين قوتها العسكرية الخشنة وقوتها الاقتصادية، ووسّعت استثمارات قوتها الناعمة، وكرّست جهودها لخدمة الخير العالمي العام، فإنها سوف تستطيع توفير الإطار المطلوب لمواجهة التحديات العالمية، ولن يتوافر هذا الإطار ما لم تغير واشنطن نهج أحاديتها، وتبدي حساسية أكبر تجاه دول العالم وشعوبه، إن كانت تأمل في تحسين دور قوتها الناعمة

 

 


   

رد مع اقتباس