عرض مشاركة واحدة

قديم 11-11-09, 04:28 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي القوة الذكية في الفكر الأمريكي



 

القوة الذكية في الفكر الأمريكي

د. شريف علي محمد

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شعار النازية على العلم الأمريكيالمقصود بالقوة الذكية هي تلك القوة التي تجمع ما بين القوتين: الناعمة، والخشنة؛ فبالقوة الناعمة يمكن تحقيق الأهداف المرجوة عن طريق الترغيب والجذب، لا الإكراه أو الشراء. وتشمل الموارد التي تتألف منها القوة الناعمة لدولة ما: ثقافتها القادرة على جذب الآخرين، وقيمها، حين لا تشوهها الانحرافات والسلوكيات الملتوية، فضلاً عن سياساتها الرشيدة.

وفي أمريكا، مثّلت عبارة (القوة الذكية) إضافة إلى كتاب المصطلحات الدبلوماسية في أعقاب غزو العراق عام 2003م، لكن لا جديد في ذلك، لأن مهمة الدبلوماسيين كانت تنحصر دائماً في استخدام عبارات مهذبة وجذّابة في الحديث، كي يحققوا بها ما يريدونه، فإذا لم يتمكنوا من تحقيق غاياتهم من خلال الكلام، فإنهم لا يتورعون عن اختلاق المشكلات من أجل تحقيقها.

وللتوفيق بين القوة الناعمة والقوة الخشنة، يمكن اللجوء إلى القوة الذكية، أي الربط بين التسامح والشدة؛ فبالقوة الناعمة تكون أمريكا قادرة على ما تريد عن طريق الإغراء بدلاً من القسر، وبالعلاقة مع الحلفاء، والمساعدات الاقتصادية، والتبادل الثقافي مع الدول الأخرى، وخلق رأي عام مواتٍ لها، والاعتماد على الشرعية وخلق المصداقية بالخارج. وقد ارتبط بذلك بروز التعبير عن العامل الثقافي، ونشر الثقافة الأمريكية، ودعم التحالف مع الأوروبيين، والاعتماد على المعتدلين، مع (التلويح الدائم) بإمكان استعمال القوة.

ولقد قال الرئيس الأمريكي (أوباما) في خطاب تنصيبه: "إن قوتنا تنمو من خلال استخدامنا الحصيف لها، وإن منشأ أمننا هو عدالة هدفنا وحسن قدوتنا وكبح جماحنا". وقبل أسبوع واحد من التنصيب، قالت وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) أثناء جلسة استماع الكونجرس التي عقدت للمصادقة على توليها لمنصبها الجديد: "ليس في وسع أمريكا الانفراد بحل أكثر المعضلات العالمية ضغطاً، وليس في مستطاع العالم حل المعضلات نفسها بعيداً عن الدور الأمريكي، وهذا ما يلزمنا باستخدام مايسمى بالقوة الذكية المؤلفة من مجموعة من الأدوات التي لاتزال رهن تصرفنا".

صحيح أن الرئيس (أوباما) تولى مهامه في ظروف دولية مضطربة، صعبة المراس، شهدت فيها سمعة أمريكا وصورتها تراجعاً دولياً خطيراً، ولكن، لنذكر أن ظروفاً مماثلة كانت قد سادت في عام 1970م أثناء حرب فيتنام، استقطبت فيها أمريكا كراهية الجزء الغالب من العالم، لكن مع مرور الزمن وتغير السياسات، تمكّنت أمريكا من تحسين صورتها، واستعادة دور قوتها الناعمة، وهذا ما يمكن تكراره ثانية في ظل الإدارة الجديدة.
ويأمل الرئيس الأمريكي (أوباما) في فتح صفحة جديدة مع العالم، وذلك بعد أن تضرّرت صورة الولايات المتحدة في الخارج كثيراً بسبب سياسات الرئيس (جورج بوش الابن)، التي اعتمدت على عسكرة السياسة الخارجية، عبر اعتمادها على الخيار العسكري بدلاً من القوة الناعمة في معالجة الأزمات على الصعيد الدولي.
وتشير استطلاعات الرأي العام العالمي إلى تراجع خطير لقوة أمريكا وقدرتها على جذب الشعوب في كل من أوروبا وأمريكا اللاتينية، وبخاصة شعوب العالم الإسلامي، ولما كان سهلاً على أية دولة أن تغيّر سياساتها أكثر من أن تغيّر ثقافتها، فإن في وسع (أوباما) أن ينتهج من السياسات ما يساعده على استعادة بعض ما خسرته أمريكا من قوتها الناعمة.

يجدر بالذكر أن وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) قد أجاد الحديث عن ضرورة استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقوة الناعمة، إن أرادت حقاً خدمة مصالحها القومية. وربما تتخذ القوة الناعمة هذه أشكالاً شتى، إلاّ أنها تعني بالدرجة الأولى استخدام الثقافة والقيم والأفكار، لاجتذاب الشعوب الأخرى، وكسب قلوبها وعقولها، بدلاً من قهرها بواسطة القوة العسكرية والتهديدات الاقتصادية.
وعقب نهاية الحرب الباردة مباشرة، كانت الولايات المتحدة قد دمّرت ترسانة قوتها الناعمة، مما يلزمها الآن بإعادة بنائها من الصفر تقريباً، وعلى سبيل المثال، تشير استطلاعات الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط، إلى انعدام الثقة في نوايا أمريكا تجاه دول المنطقة، بينما يسيطر القلق من أن تكون واشنطن عازمة على فرض هيبتها العسكرية عليها.

وفي معرض بحث هذه القضية، صدرت دراستان في الفترة الأخيرة، الأولى: عن مركز السياسة العالمية بعنوان: (تغيير المسار: مقترحات تغيير تسليح السياسة الخارجية الأمريكية)، تتناول كيفية تحويل دفة السياسة الخارجية وتخليصها من الطابع الهجومي الذي طغى عليها، أما الثانية: فهي صادرة عن الأكاديمية الأمريكية للدبلوماسية بعنوان: (ميزانية الشؤون الخارجية للمستقبل إصلاح خدمة مجوّفة).

والتوصيات التي خرجت بها الدراستان تتشابه إلى حدٍ كبير، فكلتاهما تحذّر من مخاطر عدم الالتفات إلى الوسائل الدبلوماسية الأمريكية، وتنبّه لضرورة تفعيل الدور الدبلوماسي للولايات المتحدة عبر وزارة الخارجية الأمريكية، والدبلوماسية العامة، والمساعدات الاقتصادية، وعمليات إعادة البناء، وعمليات التدريب.
ونتيجة للانخفاض في الميزانية الدبلوماسية، تراجعت الحركة الدبلوماسية الأمريكية وبرامج الدعم والمساعدات الخارجية التي تقود قاطرة السياسة الخارجية بشكل كبير، وأصبحت تعاني من نقص خطير في الكوادر البشرية، والنشاط القنصلي، وبرامج التنمية، والدبلوماسية العامة، بعد أن وضع البيت الأبيض البنتاجون على رأس سلّم صناعة القرار المتعلق بشؤون الأمن القومي الأمريكي، وهو ما اعترف به وزير الدفاع الأمريكي في خطاب له في نوفمبر 2007م، من أن تمويل برامج الشؤون الخارجية غير العسكرية لايزال ضئيلاً، مقارنة بحجم الإنفاق على الجيش الأمريكي، وقال إنه من الضروري زيادة الميزانيات المخصصة للأدوات المدنية للأمن القومي.

وكان لتلك السياسة التي تعتمد بصورة أكبر على القوة العسكرية على حساب العمل الدبلوماسي كثير من الآثار السلبية التي لم تقتصر على تراجع مكانة وصورة الولايات المتحدة عالمياً، فكثيرون خارج واشنطن ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها قوة لا تقيم وزناً للقانون الدولي بعد أن كانت نموذجاً رائداً للعالم أجمع في الحرية، هذا فضلاً عن الخسائر على الداخل الأمريكي، لاسيما الاقتصادية، ناهيك عن البشرية؛ فخلال فترتي الرئيس (بوش) زادت ميزانية الدفاع بصورة تقترب من المستوى الذي كانت عليه إبان الحرب العالمية الثانية.
كما أضرّت هذه السياسة التي تقوم على مبدأ الهجوم وليس الدفاع بالمصالح القومية الأمريكية، حيث غرق الجيش الأمريكي في المستنقع العراقي، ولم ينعم الأمريكيون بالأمن المفترض أن يشعروا به، كما أعلن أقطاب المحافظين الجدد الذين تبنّوا النهج العسكري والقوة على الصعيد الخارجي.

ولا تقتصر آثار عسكرة السياسة الخارجية على الصعيد الخارجي فقط، بل كان لها جملة من الآثار على الداخل الأمريكي، لاسيما القطاع الاقتصادي الذي يحمل كثيراً من أعباء تلك السياسة القائمة على العسكرة.
ولهذا، أوصت الدراسات الرئيس الأمريكي الجديد باعتماد سياسة خارجية عالمية تقوض دور وزارة الدفاع، وتبدأ هذه السياسة بسحب القوات الأمريكية من العراق، والاعتماد على أجهزة المخابرات وأجهزة فرض القانون لمواجهة الأخطار الإرهابية، وتحويل الإمكانات العسكرية من العمليات القتالية إلى عمليات حفظ الأمن والاستقرار.

وتقترح الدراسة على وزير الدفاع خفض ميزانية البنتاجون بنسبة (20%) على مدار السنوات الأربع القادمة، والتي يمكن اقتطاعها من الميزانية المخصصة للحرب الأمريكية في العراق، وبرامج الصواريخ الباليستية الدفاعية، وتقليل دور البنتاجون القيادي في الحرب على الإرهاب، فضلاً عن الاستعانة بقوة قتالية صغيرة الحجم لمواجهة أية أخطار مستقبلية.

وفي مقابل ذلك، تدعو الدراسة إلى إعادة بناء وزارة الخارجية، وذلك عن طريق زيادة أعداد الدبلوماسيين في الخارج، والاهتمام بمهارات الكادر الدبلوماسي، والتوسّع في عمليات تدريبهم وإكسابهم لغات مختلفة، ومضاعفة ميزانيات مساعدات التنمية لمكافحة الفقر، والاهتمام بالدبلوماسية العامة.

وتشير الدراسة إلى أن ميزانية الخارجية تقلّصت كثيراً في تسعينيات القرن الماضي، مستشهدة بذلك بتوقّف الوكالة الأمريكية للإعلام، المهتمة بشؤون الدبلوماسية العامة، وخفض أعداد الموظفين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بسبب نقص التمويل، وذلك طوال العقود الثلاثة الماضية، حيث انخفضت من (4300) موظف عام 1975م إلى (2200) عام 2007م.
ولكن الدراسة تشير إلى أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كانت تحظى بوجود أكبر في الخارج إبان الحرب الباردة مما هي عليه اليوم؛ فالقائمون على الوكالة يشكّلون أحد الأذرع القوية للقوة الناعمة التي تملكها الإدارة الأمريكية، فوكالة التنمية هي الوجه الأكثر وضوحاً لواشنطن في عديد من دول العالم، ويمتد تأثيرها إلى داخل المجتمع المدني الذي تتفاعل معه يومياً، فيما يميل السفراء والملحقون العسكريون التابعون لوزارتي الخارجية والدفاع، إلى البقاء في عواصم العالم.

وعلى الرغم من أن ميزانية وزارة الخارجية زادت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلاّ أن معظم هذه الزيادات ذهبت لتدعم وزارة الدفاع في حرب العراق، والحرب على الإرهاب، حتى أن الميزانية المطلوبة للخارجية للعام 2007 2008 2007 2008 م كانت (36) مليار دولار فقط، وهي أقل من الميزانية التي تخصصها وزارة الدفاع لبرنامج الرعاية الصحية للجنود.
ولهذا، توصي الدراسة التي وضعها (14) دبلوماسياً سابقاً في الأكاديمية الأمريكية للدبلوماسية بالإسراع في إعادة بناء الكادر الدبلوماسي الأمريكي في الخارج، وزيادة عدد الدبلوماسيين والمتخصصين في عمليات التنمية بحوالي النصف خلال الخمسة أعوام المقبلة، بتكلفة تصل إلى (3) مليارات دولار إضافية، بخلاف الميزانية المحددة لذلك بالفعل.

واقترحت الدراسة تحويل الميزانية المخصصة للبنتاجون، المتعلقة ببرامج المساعدة الأمنية، والتي تصل إلى (800) مليون دولار، إلى وزارة الخارجية، كما توصي بزيادة عدد الموظفين الدبلوماسيين بنحو (4735) ألفاً في الفترة من 2010 2014 2010 2014 م، أي أن يصل حجم النمو إلى (46%)، متزامناً مع زيادة عمليات التدريب، وإعداد الموظفين الدبلوماسيين، وهو مايتطلب زيادة قدرها ملياري دولار سنوياً في الميزانية.
وخلصت الدراسة إلى أهمية تعزيز العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بين الولايات المتحدة ودول العالم، ومع المنظمات الدولية، وتوسيع برامج الدبلوماسية العامة، وبخاصة عمليات التبادل الثقافي والأكاديمي، فضلاً عن زيادة التمويل، لكي يتمكن السفراء الأمريكيون من التعامل مع الطوارئ الإنسانية والسياسية التي تساعد في بعض الأحيان على تحسين وجه أمريكا.

وقد استنتجت لجنة دراسة القوة الناعمة ب (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) أن صورة أمريكا ونفوذها قد تراجعا عالمياً خلال السنوات الأخيرة الماضية، وأنه على أمريكا أن تبدأ بالتحوّل من تصدير الخوف إلى إلهام شعوب العالم بالتفاؤل والأمل. ولم تكن تلك اللجنة هي الوحيدة التي انفردت بالتوصّل إلى ذلك الاستنتاج، فقد دعا وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) إلى ضرورة أن تخصص أمريكا المزيد من المال والجهد لأدوات القوة الناعمة، بما فيها النشاط الدبلوماسي والمساعدات الاقتصادية والاتصالات، طالما أنه ليس في مقدور القوة العسكرية وحدها حماية المصالح القومية الأمريكية. وأشار (جيتس) إلى أن الجيش الأمريكي ينفق ما يقارب نصف تريليون دولار سنوياً عدا عن حربي العراق وأفغانستان على عملياته، قياساً إلى (36) مليار دولار سنوياً فحسب، هي كل الميزانية المخصصة لوزارة الخارجية، وورد على لسانه قوله: "إنني هنا للدفاع عن تعزيز قوتنا الناعمة، ودمجها بمستوى أفضل وأكثر فاعلية، في قوتنا الخشنة".

والحق أن تأثيرات وتداعيات هجمات 11 سبتمبر، قد انحرفت بأمريكا عن مسارها وتقاليدها في استخدام قوتها الناعمة. وعلى رغم صحة القول إن الإرهاب لايزال مهدداً جدياً، فإن المغالاة في الاستجابة لخطره، ألحقت ضرراً بأمريكا ومصالحها أكبر مما فعل الإرهابيون، ويستدعي إنجاح الجهود الأمريكية المبذولة ضد الإرهاب إيجاد استراتيجية وأدوات أفضل للعمل ضده من (الحرب على الإرهاب)، وفي وسع التزام أمريكا بنشر ما فيه خير العالم كافة ما يوفّر ذلك البديل المطلوب.

 

 


 

   

رد مع اقتباس