عرض مشاركة واحدة

قديم 10-02-11, 07:51 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البواسل
مشرف قسم العقيدة / والإستراتيجية العسكرية

الصورة الرمزية البواسل

إحصائية العضو





البواسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

موقف الجيش السوداني الإيجابي من ثورة 1985

في العام 1985 كان السودان على موعد مع الانتفاضة الشعبية الثانية في تاريخه ضد نظام المشير جعفر النميري الذي استلم السلطة في 25 مايو/ أيار 1969 بانقلاب دبَّرته المخابرات المصرية على عهد الزعيم جمال عبدالناصر، إذ خشيت من عدوى بلدٍ إلى جوارها تمارس التعددية الحزبية وحرية التعبير والتنظيم، وتنمو فيه حركة إسلامية تحمل ذات الاسم الذي صوَّب عليه النظام الناصري همه الأكبر وعنفه الأشد (الإخوان المسلمون)، كما يتبادل الحكم فيه حزبان، أولهما على موجدة تاريخية مع مصر منذ القرن الماضي (حزب الأمة وكيان الأنصار اللذان يمثلان ميراث الثورة المهدية الجهادية التي أسقطت استعمار محمد علي باشا والي مصر التركي في القرن التاسع عشر)، والحزب الثاني كان موالياً لمصر داعياً لكيانٍ يوحِّد السودان إليها، ولكنه تطوَّر استقلالياً ليبرالياً عندما أصبح مدُّ الاستقلال في السودان قوياً لا يقاوم. لكن جاء ضُبَّاط الحُكمُ العسكري الثاني في السودان بعضاً من تيَّار الاشتراكية والفكر القومي الذي كان كاسحاً في العالم العربي حتى بعد الهزيمة المنكرة لذلك التوجُّه عشية النكبة في يونيو/ حزيران 1967، ولكنه ظلَّ فاشياً في نخبة العصر واستحوذ بالطبع طليعة مهمة من الضُباَّط السودانيين.

تقلَّب نظام جعفر النميري في عمره الممتد لعقدٍ ونصف من اشتراكي ثوري موالٍ للمعسكر الشرقي الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي ضمن معادلة الحرب الباردة إلى حكم شمولي لحزب واحد (الاتحاد الاشتراكي السوداني) لكنه منسلكٌ في المحور الغربي موالٍ للولايات المتحدة الأمريكية، ثم مع تصاعُد مد التيار الإسلامي في السودان، تحوَّل النميري إلى اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً رئيساً للقوانين محرِّماً الخمور والرِّبا، مطبقاً عقوبات الحدود، وإن لم يَرْعَ الشريعة في العدل الاجتماعي والمشيئة الحرة في التنظيم والتعبير واستقلال القضاء.


بدأت شرارة انتفاضة أبريل/نيسان 1985 في السودان بإضراب مطلبي ضمن ما عُرف بأزمة القضاة، وإذ حسَّن النظام شروط خدمتهم بدأ الأطباء إضراباً آخر رفع سقف المطالب عالياً بعد تصدِّي جهاز الأمن بقسوة لخطوتهم: أنهم مستمرون في الإضراب حتى يسقط حكم الفرد. فانحازت بقية النقابات المهنية (المهندسون، المحامون، العمَّال، اتحادات الطلاَّب والأساتذة)، انحازت كلها للإضراب الذي أصبح عصياناً مدنياً شاملاً، تعضِّده التظاهُرات التي تدفَّقت في شوارع الخرطوم، وإذ استنكف الجيش أن يوجِّه الرصاص إلى المتظاهرين تصاعد سُخطُ الرتب الوسيطة والصُغرى في القوات المسلحة ليبلغ الكبرى وليضعوا جميعاً نهاية لحكم الديكتاتور الذي استمرَّ لستة عشر عاماً.


وكما تبدأ الثورات كافة عفوية بغير تدبير كبير أو رجاء عريض في شمول الثورة وسقوط النظام الحاكم، بدأت انتفاضة أبريل/ نيسان 1985 في السودان بتنظيم ضمَّ النقابات وأحزاب المعارضة (التجمع الحزبي والنقابي)، لكن الجوار الإقليمي للسودان كله كان معادياً لاندفاع رئيس النظام لتطبيق الحدود الإسلامية، يناصره الموقف الدولي، خاصة من وَليَّة النظام الأساسية (الولايات المتحدة الأمريكية)، وإذ زجَّ النظام بآخر حلفائه في الساحة السياسية قادة الحركة الإسلامية في السجون ممَّن كانوا بعض وزرائه تعرَّى شاخصاً بغير سندٍ، ومع بزوغ فجر الإضرابات تكوَّن التنظيم الوحيد للثورة قبل ساعات من انتصارها، وإذ ظلَّ الإعلام مقموعاً طيلة العهد الشمولي الممتد إلا من تعبير الحزب الواحد، وجد الشعب السوداني في إذاعة لندن (هيئة الإذاعة البريطانية – القسم العربي) تعبيراً لا يُضاهى، أبلغ صوت الثورة لأطراف البلاد كلها وحوَّل أنظارها للخرطوم التي إذا تغيَّر مركز السلطة فيها تغيَّر في السودان كافة.

 

 


البواسل

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما

   

رد مع اقتباس