عرض مشاركة واحدة

قديم 19-03-09, 09:28 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

5 حصار وضرب المدن والحصون:
قبل أن نتكلم عن حصار وضرب المدن والحصون، نبحث ظاهرة كررها في أكثر من مرة بعض جنود الجيش العراقي، وهي الجنوح إلى التسليم للقوات الأمريكية أو البريطانية، وما أن تتقدم تلك القوات نحوهم حتى يفاجئونها بإطلاق النار عليها، ولاشك أن هذا التصرّف يعدّ انتهاكاً خطيراً يستوجب العقاب وفقاً لقوانين الحرب الدولية، فطبقاً للمادة (35) من لائحة لاهاي للحرب البرية لا يجوز لأي مقاتل أن يقوم بهجوم.
أما عن حصار وضرب المدن والحصون، فنعرِّف أولاً المقصود بالحصار، فنقول: إن الحصار هو تطويق مدينة أو قرية أو قلعة أو أي موقع آخر حصين لحمل العدو الموجود فيها على التسليم. والحصار قد لا يتخذ شكل التطويق في جميع الحالات، وإنما قد يكفي لفرضه أحياناً أن يتم إغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى هذه المناطق المذكورة، ومنع دخول أي فردٍ فيها أو خروجه منها. والحصار هو أحد أنظمة الحرب البرية في الاستيلاء على المدن والمواقع المقاومة، وقد أجازت قوانين الحرب البرية ضد النظام من قديم.
ويعتبر ضرب المدن والحصون المدافع عنها أيضاً من الوسائل المشرعة في الحرب البرية، ومع ذلك، فضرب المدن والحصون لا يكون مشروعاً إلاّ إذا تحققت فيه بعض الشروط، ومن أهم تلك الشروط حماية بعض المباني والمنشآت، فعند البدء بالهجوم أو الضرب، يتعين على قائد القوة المهاجمة اتخاذ كافة الخطوات الضرورية لتفادي إصابة بعض المباني والمنشآت إصابة مباشرة أو مقصودة. وقد حددت هذه المباني والمنشآت المادة (27) من لائحة لاهاي للحرب البرية، والمادة الرابعة من اتفاقية لاهاي لسنة 1954م، الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح. وطبقاً لهاتين المادتين، فإن المباني والمنشآت هي: دور العبادة، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، والمنشآت العلمية والثقافية والفنية والخيرية، ودور الآثار، والأماكن التاريخية، والمتاحف. وقد أضافت المادة (60) من بروتوكول جنيف الأول سنة 1977م مناطق أخرى إلى تلك المباني والمنشآت، هي المناطق المنزوعة السلاح (
demilitarizedzones) أياً كان الغرض من إنشائها.
وقد أسرفت القوات الأمريكية في ضرب عدد من تلك المباني والمنشآت، فضلاً عن تدمير بعض المنازل الموجودة بأحياء يقطنها سكان مدنيون، وأمام احتجاج السلطات العراقية وقطاع كبير من الرأي العام العالمي، دافعت القوات الأمريكية عن هذا التصرّف بحجة أن السلطات العراقية تنشر جنودها وتقيم منصات إطلاق صواريخها ومدافعها داخل هذه المباني والمنشآت أو وسط هؤلاء السكان المدنيين، مما يعطيها الحق في ضرب هذه الأهداف باعتبارها أهدافاً عسكرية لصعوبة التفريق فيها بين المقاتلين والمدنيين، والسؤال هو: هل هذه الحجة يؤيدها قانون الحرب؟
وفقاً لقانون الحرب، تستمر تلك الحماية طالما بقيت هذه المباني والمنشآت بمنأى عن أي استخدامٍ في الأغراض العسكرية أو الحربية، فإذا ثبت للقوات المهاجمة بأن أحد هذه المباني أو المنشآت يُستخدم في أغراض عسكرية أو حربية، فإن الحماية المقررة لها تسقط فوراً، وبالتالي يصبح من الجائز للقوات المهاجمة أن توجّّه نيرانها نحوها، ويظهر ذلك الجواز في الحكم الشرطي (
proviso) الذي ورد في المادة (27) من لائحة لاهاي للحرب البرية.
وقد شهدت الحرب العالمية الأولى احتراماً من المتحاربين لتلك المباني والمنشآت، فلم يمسسها التدمير إلاّ في حدود ضيقة، وحتى ضمن هذه الحدود، كان القصف ناتجاً بالأساس عن حالات ادعت فيها القوات المهاجمة بتمركز قوات معادية في بعض هذه الأبنية المحمية، فألمانيا مثلاً قامت بتدمير عدد من أبراج الكنائس الفرنسية للحجة نفسها. أما أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد تجاهلت القوات المحاربة هذا الخطر، ويرجع السبب في ذلك إلى ما اعتادت عليه الدول المتحاربة من نصب بطاريات المدافع في أو بالقرب من الأبنية المحمية، حتى تنال قسطاً من الحماية المسبوغة على تلك الأبنية.
ثالثاً: مرحلة ما بعد الحرب
ما إن أشرفت الحرب على نهايتها، حتى نشطت الولايات المتحدة الأمريكية في تجميع قوى المعارضة لنظام صدام حسين، وتحديد شكل الحكومة الجديدة على أساس أن تكون "حكومة فيدرالية ديمقراطية". وقد ذهبت أمريكا أبعد من ذلك حين عيّنت "جاي غارنر" الصهيوني العالمي الذي يحمل الجنسية الأمريكية، على رأس تلك الحكومة الجديدة المقترحة، وبعد القضاء على كل مقاومات الجيش العراقي وفرض السيطرة على كامل الإقليم، تلكأت القوات الأمريكية والبريطانية عن عمد في ممارسة سلطات الاحتلال، حمايةً للشعب وانفلات الأمن، تحقيقاً لبعض أجندتها السرية الأخرى غير المعلنة. فما حكم القانون بالنسبة لهاتين الحالتين المذكورتين؟
أسباب الحرب (
causa belli) على العراق حسب تصريحات الحكومتين الأمريكية والبريطانية هي: الإطاحة بنظام صدام حسين، وتحرير شعب العراق، ونزع أسلحة الدمار الشامل. والمفروض أن تنسحب القوات الأمريكية والبريطانية من العراق حال تحقق تلك الأسباب الثلاثة التي دعت إلى شن الحرب، ما لم تكن هناك أجندة أخرى سرية تستلزم بقاء تلك القوات الأجنبية بالعراق بعد الفراغ من مهمتها المعلنة، لقد تحقق من هذه الأسباب حتى الآن أهم سببين، وهما: سقوط النظام، وتحرير الشعب، وحتى بالنسبة للسبب الثالث، وهو نزع أسلحة الدمار الشامل، فقد ثبت حتى هذه اللحظة عدم امتلاك العراق لأي أسلحة من هذا النوع. فلو أن الحكومة العراقية كانت تملك هذه الأسلحة لما ترددت ولو لبرهة في استعمالها حين أصبح لا خيار أمامها سوى البقاء والاستمرار أو الموت والزوال إلى الأبد.
تنص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على وجوب أن تمتنع الدول الأعضاء في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالفعل ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة؛ فحتى لو سلمنا بمشروعية الحرب التي شنتها أمريكا وبريطانيا على العراق، فإنه لا يجوز لهاتين الدولتين استخدام القوة الحربية ضد سلامة أراضي العراق أو استقلاله السياسي. فيجب أن يكون احتلالهما للعراق احتلالاً مؤقتاً (
interim) وفقاً لنظام الاحتلال الحربي المنصوص عليه في القانون الدولي. فقد نصت المادة (42) من لائحة لاهاي للحرب البرية على أن الإقليم يعتبر محتلاً عندما يتم إخضاعه بالفعل بواسطة جيش معاد. ولما كان الاحتلال وضعاً مؤقتاً، فإنه يجب أن ينتهي بإعادة الإقليم المحتل إلى الدولة التي تملكه بعد انتهاء الحرب مباشرة.
والاحتلال الحربي كسلطة فعلية مؤقتة يجب ألا يؤثر على السيادة الإقليمية (
territorialsovereignty) ولا على الاستقلال السياسي للشعب العراقي، فبالرغم من قيام الاحتلال، فإن الدولة مالكة الإقليم تحتفظ بسيادتها على الإقليم المحتل، كما أن الشعب يملك وحده تشكيل حكومته الجديدة وتحديد نظامها السياسي، وكنا ننتظر، لو أن الأمور سارت حسب مقتضيات القانون، أن تبقى القوات الأمريكية والبريطانية في العراق كسلطات احتلال للمدة الكافية فقط للتفتيش على أسلحة الدمار الشامل المزعومة، ولكن في مدة زمنية محددة، ويترك للشعب العراقي وحده اختيار حكومته الجديدة دون تدخل من أحد. ولذا، فإن ما قامت به أمريكا وبريطانيا حالياً من تدخلٍ سافر في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وحشدٍ للعناصر المعارضة للنظام القديم، وترشيحٍ لحاكم للبلاد من جنسية أمريكية، وتحديدٍ لملامح النظام السياسي المنتظر، هو خرق صريح لقوانين الحرب الدولية، ويراه كل مراقب على أنه خطوة تمهد لخطوات أخرى استراتيجية في المنطقة على جانبٍ كبير من الخطورة.
لقد انهار نظام صدام حسين، وتوقفت الحرب، ومع ذلك لازلنا نسمع في كل من أمريكا وبريطانيا وفي بعض الدول الغربية الأخرى نقاشاً يدور حول الكيفية التي سوف يتم من خلالها تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء، وحملات لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل بالعرق. إن برنامج النفط مقابل الغذاء كان جزءاً من عقوبات دولية فرضت على حكومة عراقية لم تعد موجودة. وكان من المنطقي أن توقف هذه العقوبات وأن تتصرف الحكومة العراقية الجديدة في نفطها بحرية ودون أية قيود أياً كانت، أما عن أسلحة الدمار الشامل، فقد خاضت القوات الأمريكية والبريطانية الحرب من أجل انتزاعها وتدميرها، ويمكنها الآن بعد أن صمت دوي المدافع، وهدير الطائرات أن تبحث عنها وتدمرها حيث كانت، فليست هذه قضية الحكومة العراقية الجديدة ولا أظنها تعارض ذلك.
تنص المادة (43) من لائحة لاهاي للحرب البرية من جهة أخرى على أنه "حالما تفلح قوات الاحتلال في فرض سيطرتها على الإقليم المحتل، يقع عليها واجب اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن واستتباب النظام، فلا يجوز لها أن تسمح باستباحة الأرواح أو سلب ونهب الأموال أو الاعتداء على السكان والإساءة إليهم بأي شكل من الأشكال"، فهل تقيدت القوات الأمريكية والبريطانية بهذا النص؟
لقد شاهدنا وشاهد العالم معنا في معظم القنوات الفضائية كيف أن الجنود الأمريكيين والبريطانيين وقفوا موقف المتفرّج من عمليات النهب والسلب للبنوك والمتاحف والمحال التجارية والمنازل وكل المرافق الحكومية، وقد أمعن بعض هؤلاء الناس في عمليات التخريب إلى الحد الذي أشعلوا فيه النار في كثير من تلك المرافق والمنشآت الحكومية بما فيها المصرف المركزي نفسه. وتعد من بين الخسارات الجسيمة التي لا تعوض سرقة المقتنيات الأثرية بالمتاحف والكتب القيّمة والمخطوطات النادرة بالمكتبات العامة.
ونحن نرى بأن قوات الاحتلال الأمريكية البريطانية تعتبر مسؤولة مسؤولية قانونية كاملة عن ضياع تلك الملكيات الثقافية، فقد نصت المادة الرابعة من اتفاقية لاهاي لسنة 1954م، الخاصة بحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح، على أن "يتعهد الأطراف بالامتناع عن القيام بأي عمل حربي موجه ضد الملكية الثقافية .. وبحظر ومنع ووقف أية عمليات سرقة أو نهب أو احتلال لأية ملكية ثقافية، وكذلك بوقف أية أعمال تخريب موجهة ضد هذه الملكية الثقافية".
وتعرِّف الفقرة (أ) من المادة الأولى من الاتفاقية المذكورة الملكية الثقافية بأنها: "الملكية المنقولة أو الثابتة التي تعتبر ذات أهمية عظيمة للموروث الثقافي لكل شعب، من ذلك: الآثار المعمارية أو الفنية أو التاريخية، سواء أكانت دينية أو غير دينية، والأماكن الأثرية، ومجموعة الأبنية التي تعتبر في مجملها ذات أهمية تاريخية أو فنية، والأعمال الفنية، والمخطوطات، والكتب، والأشياء الأخرى ذات الأهمية الفنية أو التاريخية أو الأثرية، وكذلك المجموعات العلمية ومجموعات الكتب أو الوثائق أو النسخ المأخوذة من الملكية الثقافية التي تم تعريفها على النحو السابق". ويدخل في مفهوم الملكية الثقافية أيضاً "المباني التي يكون الغرض الأساسي والجوهري منها هو حفظ أو عرض الملكية الثقافية .. كالمتاحف، والمكتبات الكبيرة، ودور الوثائق، والمخابئ التي يقصد منها في وقت النزاع المسلح حماية الملكية الثقافية".
ونعيد طرح السؤال من جديد: هل تقيّدت القوات الأمريكية والبريطانية بهذا النص؟ والإجابة: لا تعليق !! لأن العالم بأسره كان يشاهد على شاشات التلفزيون كيف وقفت القوات الأمريكية والبريطانية موقف المتفرج فيما اللصوص ينهبون بقايا حضارة عريقة ترجع لآلاف السنين
أولاً: المصادر:
(1) 1907
Hague Convention IV Respecting the lawsand Customs of War on Land.
(2) 1949
Geneva Convention III Relative to theTreatment of Prisoners of War.
(3) 1949
Geneva Convention IV Relative to theProtection of Civilian Persons in Time of War.
(4) 1954
Hague Convention forthe Protection of Cultural Property in the event of Armed Conflict.
(5) 1977
Geneva Protect I Additional to the Geneva Convention of 12 August 1949, andrelating to the Protection of Victims of International ArmedConflicts.
ثانياً: المراجع:
(1) د. حسب الرسول الشيخ الفزاري: قوانين الحرب الدولية: دراسة في القانون الدولي في زمن الحرب، الرياض، 1412ه 1992م.
(2) مفهوم سيادة الدولة في ظل التغيرات الدولية المعاصرة، د. حسب الرسول الشيخ الفزاري، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (68) ذو الحجة 22ه، الموافق مارس 2002م، ص 64 69.
(3) الاتجاهات الجديدة في القانون الدولي العام، د. حسب الرسول الشيخ الفزاري، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (61)، صفر 1421ه، الموافق مايو 2000م، ص 62 68.

 

 


   

رد مع اقتباس