عرض مشاركة واحدة

قديم 19-03-09, 09:27 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

أعمال الجاسوسية خلال الحرب:
لجأت القوات الأمريكية والبريطانية في الحرب العراقية إلى وسيلة الجاسوسية بغرض اختراق استحكامات المدن للتعرّف على مواقع وطبيعة دفاعاتها وأماكن الحشود العسكرية والمباني التي يوجد بها القادة العراقيون، فما هي كلمة القانون بالنسبة لهذه الوسيلة الحربية؟
القانون الدولي لا يحظر استخدام الجواسيس كوسيلةٍ من وسائل الحرب، فيجوز لأي طرفٍ من أطراف الحرب أن يجمع المعلومات المتعلقة بجيوش الأعداء ودولتهم، فقد صرحت المادة (24) من لائحة لاهاي للحرب البرية، بأن اتخاذ التدابير الضرورية للحصول على معلومات عن العدو وأقاليمه يعتبر أمراً مشروعاً. وبالرغم من مشروعية الجاسوسية في قوانين الحرب الدولية، وبالرغم من أن الجاسوس الحربي قد لا يختلف من بعض الوجوه عن بقية المقاتلين، فإنه طبقاً للقوانين الوطنية للدول المحاربة لا يتمتع بالحماية التي يتمتع بها المقاتلون، فإذا سقط الجاسوس الحربي في يد الأعداء مثلاً، فإنه لا يعامل معاملة أسرى الحرب، وإنما يعامل معاملة المجرمين، وتوقع عليه عقوبة التجسس، التي غالباً ما تكون الإعدام.
وقد عرّفت المادة (29) من لائحة لاهاي الجاسوس بقولها: "يعتبر الشخص جاسوساً حربياً، إذا قام أو حاول القيام بجمع معلومات في منطقة العمليات الحربية لإحدى الدول المحاربة بطريقة خفية، أو باتخاذ مظهر خادع لا يطابق الواقع، وكان يقصد من وراء ذلك توصيل هذه المعلومات إلى الدولة الأخرى المعادية".
فالشخص الذي يجمع المعلومات متخفياً عن الأعين، أو يجمعها وهو يرتدي زي الرعاة مثلاً، حتى يوهم الأعداء بخلاف الواقع، يعتبر جاسوساً حربياً إذا انطبقت عليه بقية الشروط الأخرى، وعلى ذلك، إذا عمد أحد المقاتلين إلى جمع معلومات سرية في منطقة العمليات الحربية للأعداء بطريقة علنية وهو غير متخفٍ، أو كان مرتدياً لزيه العسكري، فإنه لا يعتبر جاسوساً من الناحية القانونية، حتى وإن كان يقصد فعلاً إيصال هذه المعلومات إلى الطرف الآخر المعادي.
4 الوقوع في الأسر الحربي:
تمكنت الدول المشاركة في مؤتمر جنيف الذي انعقد في أغسطس عام 1949م، من إبرام أربع اتفاقيات دولية، اختصت الثالثة منها بمعاملة أسرى الحرب. ويلاحظ على هذه الاتفاقية أنها جاءت أكثر شمولية من غيرها، حيث ضمت بين دفتيها ما يقارب المائة وخمسين مادة، كما أنها راعت في نصوصها كافة الجوانب الإنسانية المتصلة بمعاملة الأسير. وتعتبر أحكام هذه الاتفاقية مكملةً لما جاء في الفصل الثاني من لائحة لاهاي للحرب البرية لسنة 1907م، أما بروتوكول جنيف الأول الذي تم التوقيع عليه في 12 ديسمبر سنة 1977م، فيعتبر مكملاً لاتفاقية جنيف لسنة 1949م الخاصة بمعاملة أسرى الحرب.
ويعتبر أسير حرب كل شخص يقع في يد العدو في أي وقت تكون فيه حالة الحرب قائمة، ويؤدي فعل الأسر إلى تحويل صفة الأسير من مقاتل (
combatant) إلى غير مقاتل، فيصبح بذلك خارج دائرة القتال (hors de combat) فلا يصح قتله أو مهاجمته. ونظام الأسر الحربي ليس القصد منه القبض على مقاتلي العدو ورجاله لمعاقبتهم على أفعالهم الحربية، وإنما فقط إخراجهم من دائرة القتال بقصد إضعاف المركز الحربي لدولتهم. ولذا وجب أن تتفق معاملة الأسرى وهذه الغاية بالذات، وتسأل الدولة الآسرة مسؤولية دولية عن تطبيق الأحكام الخاصة بالأمر في تعاملها مع الأسير.


ومن مشاهداتنا ليوميات الحرب رأينا حالات لوقوع أسرى لدى الطرفين المتحاربين، ولقد شدّ انتباهنا بصفة خاصة اتهام أمريكا للعراق بتعريض الأسرى الذين سقطوا في يده للإهانة والاحتقار عن طريق عرضهم في بعض القنوات التلفزيونية الفضائية، وتوعّدت أمريكا بتقديم المسؤولين عن ذلك للمحاكمة أمام المحاكم الجنائية الدولية بعد نهاية الحرب، فما هو حكم القانون بالنسبة لهذه المسألة، وعلى الأخص في ضوء ما سلكه كل فريق في مواجهة الأسرى الذي وقعوا في يده؟
ونبدأ بالجانب العراقي، حيث أننا رأينا في المشهد الأول بضعة من الأسرى الأمريكيين بينهم سيدة مقاتلة وقد أحاط بهم عدد من الضباط العراقيين الذين وجهوا إلى كل واحد منهم عدداً من الأسئلة التي كان القصد منها معرفة اسم الأسير وجنسيته وسنه والفرقة التي يتبع لها، ثم رأينا في مشهد آخر طيارين أمريكيين سقطا في يد القوات العراقية، وقد وجّهت لهما الأسئلة نفسها، وكان بيد كل منهما كأس من الشاي يحتسيه بهدوء مع قطع من البسكويت أثناء الاستجواب. وفي المشهدين، لم نلاحظ أي اعتداء أو إهانة وجّهت إلى هؤلاء الأسرى الأمريكيين، باستثناء سؤال واحد وجّه لبعضهم وما كان يجب توجيهه وفقاً لقوانين الحرب الدولية، والسؤال هو: لماذا جئت هنا .. هل جئت لقتل العراقيين؟ وكان الرد: لقد جئت إلى هنا لأنني أُمرت بذلك.
وبالرجوع إلى اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م، نجد أن تعامل الجيش العراقي مع أسرى الحرب تم بمهنية عالية، خلافاً لما كان يتوقعه الكثيرون، فطبقاً لأحكام تلك الاتفاقية يجب على القوة الآسرة، حال وقوع الأسير في قبضتها، أن تتخذ بعض الإجراءات الأولية لإتمام عملية الأسر، وأول هذه الإجراءات هو استجوابه للوقوف على حقيقة أمره، ويدخل في هذا الاستجواب قانوناً: معرفة اسمه، واسم عائلته، ورتبته العسكرية، وتاريخ ميلاده، ورقمه الشخصي في الجيش أو في الفرقة التابع لها أو رقمه المتسلسل. وقد نصت المادة (17) من اتفاقية جنيف المذكورة على حق الأسير في عدم إعطاء أية معلومات أخرى، إذا سئل خلاف ما ذكر.
أما عن الجانب الأمريكي، فقد رأينا في أحد المشاهد، خلال المعارك التي دارت حول ميناء أم قصر وشبه جزيرة الفاو، سقوط أسرى عراقيين في يد القوات الأمريكية والبريطانية، كانوا يجرونهم ويسحبونهم بعنف إلى الشاحنات بغرض ترحيلهم إلى الخطوط الخلفية و رؤوسهم مطأطأة إلى أسفل، وأحياناً يضعون عليها أكياس القمامة الفارغة وهم مكتوفو الأيدي، وفي أحد المشاهد قام أحد الجنود الأمريكيين بضرب الذين أُجبروا على الركوع، بكعب البندقية على رأسه حتى تدفق منه الدم وسال على الأرض، وفي مشهدٍ آخر نزع أحد الجنود الأمريكيين البزة العسكرية وعليها علامة الرتبة من أحد الأسرى بقوة وفي شيء من الغلظة، علماً بأن قوانين الحرب الدولية لا تجيز تجريد الأسير من رتبته العسكرية.
ومما تقدم، يتضح بأن القوات الأمريكية والبريطانية على العكس هي التي يجب أن تسأل عن إساءة معاملة أسرى الحرب أمام المحاكم الجنائية الدولية بعد انتهاء الحرب، بل وأن تسأل بالأساس عن الحرب بكاملها لكونها حرباً عدوانية (
aggression) لا يسندها القانون، وبالنسبة لمسألة الأسرى تحديداً، فإنه لا يجوز وفقاً لاتفاقية جنيف السابق ذكرها عند الاستجواب، إخضاع الأسير للتعذيب البدني أو النفسي، أو لأي شكلٍ آخر من أشكال الإكراه، ويجب عدم تهديده أو إهانته أو تعريفه لأية معاملة مزرية أو غير لائقة، فقد نصّت المادة (13) من هذه الاتفاقية على وجوب حماية الأسرى في كل الأوقات ضد الأفعال التي يقصد بها إرهابهم أو إهانتهم، أو تحقيرهم. أما المادة (14) فقد نصت على أن لأسرى الحرب الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال.

 

 


   

رد مع اقتباس