عرض مشاركة واحدة

قديم 19-03-09, 09:24 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي الحرب الأمريكية البريطانية ضد العراق



 

الحرب الأمريكية البريطانية ضد العراق في المنظور القانوني
بقلم د. حسب الرسول الشيخ الفزاري
كبير المستشارين القانونيين بالإدارة القانونية
بالشؤون الصحية


تعد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العراق من أكثر حروب العصر الحديث إثارة للمشكلات القانونية، حتى إنه يمكن القول إن هذه الحرب كانت حرباً قانونية قبل أن تكون عسكرية. ورغم أن الحرب القانونية سبقت العمليات العسكرية وحاصرتها بعد ذلك، فإن العمليات العسكرية توقفت والحرب القانونية ما تزال مستعرة، ولربما استمرت كذلك لأزمنة أخرى طويلة لا يعلم مداها إلاّ الله. وترجع هذه الظاهرة في رأينا إلى ما انطوت عليه تلك الحرب من تعقيدات استراتيجية، وما لامسته من قضايا سياسية واقتصادية شائكة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وحتى نضع هذه الحرب في المنظور القانوني السليم الذي يتلاءم مع كل مرحلةٍ من مراحلها، نقسّم هذا البحث إلى ثلاثة عناوين رئيسة، هي: مرحلة ما قبل الحرب، ومرحلة الحرب، ومرحلة ما بعد الحرب.

أولاً: مرحلة ما قبل الحرب
في أعقاب الحرب التي شنها مجلس الأمن لتحرير الكويت في يناير عام 1991م، خضعت دولة العراق للإجراءات والتدابير المنصوص عليها في المادة الحادية والأربعين من الميثاق بسبب عدم تنفيذها لجانبٍ من مقررات الأمم المتحدة كموضوع أسرى الحرب الكويتيين، وإزالة أسلحة الدمار الشامل ولقد كانت تلك المقررات أساس شروط الصلح ووقف الحرب. ومن الإجراءات والتدابير التي فرضت على العراق بموجب المادة المذكورة تعيين مفتشين تابعين لمجلس الأمن تنحصر مهمتهم في التأكد من امتلاك العراق أو عدم امتلاكه لأسلحة دمار شامل، أو حتى لقدرات علمية وتكنولوجية تمكّنه من إنتاج أسلحة دمار شامل، وذلك على أساس أن تلك الأسلحة محرّمة دولياً. وهي تنقسم إلى ثلاث فصائل: نووية وبيولوجية وكيميائية.
وكانت تجربة المفتشين بالعراق تجربةً مثيرةً اكتنفتها مشاعر العداء وانعدام الثقة بين الطرفين، إلى الحد الذي اتهمت فيه السلطات العراقية المفتشين بأنهم جواسيس يعملون لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، فقامت بطردهم وطالبت بتعيين مفتشين من جنسيات أخرى غير الجنسية الأمريكية. وبسبب تمسك كل طرفٍ بموقفه، خرج المفتشون من العراق لاستحالة إتمام مهمتهم إزاء رفض العراق التعاون معهم. واستمر الحال هكذا لبضع سنين، إلى أن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م التي دقت نواقيس الخطر، ونبّهت الأمريكيين هذه المرة إلى أن الإرهاب الدولي لم يعد مقصوراً كما كان الاعتقاد آنذاك على دول ما وراء البحار (
Over-seas)، وإنما بات يسدد ضرباته القوية في عقر دارهم، بل ولمبنى قيادة الجيش الأمريكي ذاته (The Pentagon) وتدمير جانب كبير منه.
وبسبب هذا الحادث الكارثي المرعب، سارعت أمريكا إلى بناء استراتيجية أمنية جديدة تجاه ما يعرف بشبكة الإرهاب الدولي، ويأتي في مقدمتها تنظيم القاعدة الذي يترأسه ويديره (أسامة بن لادن) بمعاونة حكومة طالبان بأفغانستان، وارتكزت هذه الاستراتيجية الأمنية الجديدة على مبدأ "الهجوم خير وسيلة للدفاع"، فقامت القوات الأمريكية بمعاونة بعض الدول الحليفة استناداً إلى هذا المبدأ، بمهاجمة أفغانستان والإطاحة بحكومة طالبان وتشتيت شمل "القاعدة"، فانتشر أفرادها وقادتها يلتمسون الملاجئ الآمنة لهم في كهوف وشعاب الجبال، وهي لا تزال تطاردهم، وهم مازالوا يستهدفونها بتفجيرات صغيرة هنا وهناك، أو بضربات متفرقة من قنّاصتها المنتشرين في بعض أنحاء أفغانستان وباكستان المجاورة لها.
وأمريكا الآن مقتنعة بأنها لم تكسر شوكة "القاعدة" فحسب، وإنما كسرت كذلك ظهرها، ولكن ما أرّقها ويؤرقها إلى الآن، وهو المغزى أو الرسالة الحقيقية التي يتعيّن فهمها جيداً لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. لقد تمكّن عددٌ قليل ومحدود من الانتحاريين، الذين حملوا رؤوسهم على أيديهم، من الارتطام بطائراتهم بمبانٍ شاهقة، فأحدثوا ذلك الدمار المخيف وقضوا على آلاف البشر في ثوانٍ معدودات، فكيف يكون الحال لو أنهم استخدموا في ذلك الهجوم أسلحةً نووية، أو بيولوجية، أو كيميائية!! بدأ هذا الهاجس الأمني ينمو ويتعاظم بمرور الوقت لدى القادة الأمريكيين، فهم يعلمون بأن هناك أنظمة شمولية تطمح في بناء برامج التسلح النووي، أو البيولوجي، أو الكيميائي. ولهذه الأنظمة عداء تقليدي لأمريكا. ونذكر منها العراق وإيران وسوريا؛ فليس ببعيد إذن أن تقوم هذه الأنظمة إن عاجلاً أو آجلاً، بوضع مثل تلك الأسلحة الفتّاكة في يد الإرهاب الدولي لاستخدامها ضد أهدافٍ أمريكية، هكذا كانوا يفكرون، وهكذا كانوا في سباقٍ مع الزمن.
لقد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشرارة الأولى التي انطلقت منها نيران الحرب على العراق، بوصفها الدولة التي توفّر للمسؤولين الأمريكيين مبررات جاهزة ومقنعة، أو على الأقل تبدو مقنعة في نظر الرأي العام الأمريكي. فمن جهة، أضحى من المؤكد لدى الجميع أن العراق لم يتوصل فقط إلى صنع أسلحة كيميائية، وإنما كذلك استخدمها في إبادة ما يقارب عشرة آلاف من أفراد شعبه من الأكراد بمدينة "حلبجة". أما من الجهة الأخرى، فكانت الولايات المتحدة ترجح بقوة، ولكن دون دليل، بأن للعراق صلة ما بتنظيم القاعدة، وبالتالي بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومن الأدلة الظرفية التي استندت إليها أمريكا في هذا الترجيح، قضاء محمد عطا زعيم الفريق الذي نفّذ عمليات الحادي عشر من سبتمبر حوالي شهرين بالمخابرات العراقية ببغداد قبل أن ينتقل منها إلى ألمانيا، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ الضربة. ولعل مازاد من شكوك، بل ومن رعب أمريكا حرب الجمرة الخبيثة (
Anthrax) التي قامت بشنّها بوسائل البريد جهة غير معلومة بطريقة غامضة محيّرة. ولم تكن السلطات الأمريكية تملك أي دليل على أن العراق وراء هذه الحرب السرية، إلاّ أنها مع ذلك أطلقت دعاوى مدوية للعالم أجمع بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ولابد لمجلس الأمن من التحرّك السريع لانتزاع تلك الأسلحة، وكانت تلك حرب أخرى دبلوماسية شرسة، أرادت أمريكا من خلالها تدمير قدرات العراق العسكرية من أسلحة الدمار الشامل أو من الأسلحة الأخرى التقليدية، وأرادت كذلك وهذا هو المهم تحقيق أجندة أخرى سرية تنطوي على جوانب استراتيجية في غاية الخطورة والتأثير العميق على المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية، بل وعلى أوروبا نفسها، التي هبّت مذعورة لدى هذا الخطر الأمريكي القادم قبل فوات الأوان.
في تلك الحرب الدبلوماسية الشرسة، كان واضحاً منذ البداية أن أمريكا تريد من مجلس الأمن إصدار قرار موقوت بمدة محددة، بحيث إذا لم يعلن العراق خلالها امتلاكه لأسلحة دمار شامل أو لبرنامج خاص بها، فتكون أمريكا مفوضة نظاماً من قِبَل مجلس الأمن باستخدام القوة ضد العراق لنزع أسلحته تلك تلقائياً، ودون الرجوع إليه لاستصدار قرار آخر بالحرب. غير أن كلاً من فرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، عارضت هذا التوجيه وقررت بأنه في جميع الحالات يجب أن يكون قرار الحرب ضد العراق صادراً من مجلس الأمن.

 

 


 

   

رد مع اقتباس