الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:48 AM

  رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 


الثورة،
19 شباط 1959




-2-
حرب الغوار: وسيلة[94]
لقد استخدمت حرب الغوار عدداً لا يحصى من المرات، في ظروف تاريخية مختلفة، لنيل أهداف شتى. وقد استخدمت في حروب التحرر الشعبية في السنوات الأخيرة، إذ سلكت الطلائع الشعبية في حروبها التحررية طريق استخدام النضال المسلح غير النظامي لمقارعة عدو متفوق عليها عسكرياً. كانت آسيا وأفريقيا وأمريكا دائماً مسرح حروب الغوار، حيثما يسعى الشعب لتولي سلطة الدولة في نضاله ضد استغلال الاقطاع والاستعمار القديم والحديث. وفي أوروبا، تعتبر الجيوش الوطنية النظامية وجيوش حلفائها حرب الغوار وسيلة متممة.
لقد شُنّت حرب الغوار في أمريكا في ظروف مختلفة. كان سيزار أوغستو ساندينو[95] مثالاً أخيراً، غير مباشر عنها، عندما قاتل حملة جيش الولايات المتحدة في سيكوفيا من نيكاراغوا. وكانت حرب كوبا الثورية آخر الأمثلة، فأصبحت حرب الغوار منذ ذلك الحين موضوعاً للنقاش النظري في صفوف الأحزاب السياسية التقدمية في هذه القارة. وقد أصبحت معرفة ما إذا كان استخدام حرب الغوار ممكناً ومؤاتياً موضوعاً يحتدم له النقاش.
وسوف أحاول في هذا المقال أن أعرض أراءنا عن حرب الغوار وأن أشرح كيف يستخدم هذا التكتيك استخداماً صحيحاً.

ثلاث مجلوبات أساسية:
يجب أن نوضح في المقام الأول أن هذا الشكل من النضال هو وسيلة، وسيلة تستخدم لبلوغ هدف هو تولي سلطة الدولة. أنه هدف ضروري ولا مناص منه للثوريين كافة. لذا يجب علينا، عندما نحلل الظروف الملموسة في بلدان مختلفة من أمريكا، أن نقتصر على المعنى الضيق لعبارة "حرب الغوار"، أعني على اعتبارها وسيلة للفوز بسلطة الدولة.
قد يثار هذا السؤال فوراً: هل حرب الغوار هي الشكل الوحيد لتولي سلطة الدولة في أمريكا؟ هل هي الشكل الرئيسي، أم هل هي مجرد شكل من أشكال النضال؟ وسوف يسأل بعضهم أخيراً: هل يمكن تطبيق المثال الذي ضربته كوبا، على الحقائق القائمة في جهات أخرى من هذه القارة؟ كثيراً ما يكال بعض النقد، إبَّان النقاش، إلى الذين يؤيدون حرب الغوار، فيؤخذ عليهم أنهم نسوا النضال الجماهيري، وكأن نضال الجماهير وحرب الغوار شكلان متضادان. أننا نرفض ما في هذا التأكيد من دس. أن حرب الغوار هي نوع من الحرب الشعبية، نوع من النضال الجماهيري. ولا تعني محاولة المضي في هذا الشكل من الحرب دون تأييد السكان المحليين إلاَّ الهزيمة المؤكدة. المغاورون هم طلائع الشعب المسلحة، المقاتلة، العاملة في منطقة معينة من بلد معين. أنهم يستهدفون شن سلسلة من الأعمال القتالية، في سبيل – الهدف الاستراتيجي الوحيد الممكن – الاستيلاء على سلطة الدولة. أنهم يحظون بتأييد جماهير العمال والفلاحين في المنطقة التي يعملون فيها، أو حتى في البلد قاطبة ولا يمكن شن أية حرب غوار بدون توفر هذه الشروط المسبقة.
"أننا نرى، في الوضع الراهن في أمريكا، أن الثورة الكوبية قد رفدت الحركة الثورية فيها بثلاثة اسهامات أساسية، وهي:
أولاً: ان القوى الشعبية تستطيع أن تنتصر على الجيش الرجعي.
ثانياً: أنه لا ينبغي لنا الانتظار حتى تنضج الظروف الثورية كافة، إذ يمكن للبؤرة الثورية أن تفجر هذه الظروف الثورية.
ثالثاً: "إن ميدان النضال المسلح، في الأنحاء المتخلفة من أمريكا، ينبغي له على العموم، أن يكون في الريف". (من كتاب "حرب الغوار" لغيفارا).
تلك هي اسهامات الثورة الكوبية في تطوير النضال الثوري في أمريكا، وهي يمكن أن يبلغها أي بلد في القارة إذا ما أمكن خوض حرب الغوار فيه.

قيادة الطبقة العاملة عامل ضروري:
لقد أشار بيان هافانا الثاني إلى ما يلي: "يتضافر في بلداننا ظرفان هما الصناعة المتخلفة والنظام الزراعي ذو الطابع الاقطاعي. لذا فمهما كانت ظروف العمال المعايشة في المدن قاسية، فإن سكان الأرياف يعانون ظروفاً أشد هولاً واضطهاداً واستغلالاً منها. غير أنهم، ما عدا استثناءات قليلة، يشكلون الأكثرية المطلقة، وأحياناً أكثر من 70% من السكان في أمريكا اللاتينية.
"وإذا ما استُثني مُلاَّك الأرض الذين كثيراً ما يقطنون المدن، فأن سائر هذه الكتلة الكبيرة تكسب عيشها بالعمل كأجراء[96] في المزارع لقاء أضأل الأجور، أو أنها تزرع الأرض بشروط استغلال لا تتميز عن شروط القرون الوسطى.
"تلك هي الظروف التي حتمت أن يؤلف سكان الريف الفقراء قوة ثورية كامنة هائلة.
"إن الجيوش قد انشئت وجهزت لتقوم بالحرب النظامية. وهي القوة التي تعتمدها الطبقات المستغلة لتثبيت سلطتها. فإذا ما واجهت هذه الجيوش حرباً غير نظامية يخوضها الفلاحون مستندين إلى الأرض التي يقطنونها، أضحت عاجزة عجزاً مطلقاً، وفقدان 10 رجال لقاء كل مجاهد ثوري يصرع. ويستفحل في صفوفها انهيار الروح المعنوية عندما يقض مضاجعها جيش غير مرئي لا يغلب، ولا يترك لها فرصة استخدام خططها التكتيكية العسكرية الأكاديمية وجعجعتها الحربية، هذه الأمور التي طالما فاخرت بها في قمع العمال والطلاب في المدن.
"تأتي قوى جديدة باستمرار لترفد النضال الأصلي الذي شنته وحدات مقاتلة صغيرة، وتطفق الحركة الجماهيرية تزداد جرأة، وينهار النظام القديم شيئاً فشيئاً شر انهيار. وتلك هي الساعة التي تحسم فيها الطبقة العاملة والجماهير المدنية المعركة.
"ما الذي يجعل هذه الوحدات لا تغلب، منذ لحظة القتال الأولى، ومهما أوتي أعداؤها من تعداد وقوة وموارد؟ أنه تأييد الشعب، فبوسعها أن تعول على تأييد جماهيري متزايد أبداً.
"غير أن الفلاحين يشكلون طبقة تحتاج إلى القيادة الثورية السياسية من جانب الطبقة العاملة والمثقفين الثوريين، نظراً للجهل الذي أبقيت فيه والعزلة التي تعيش فيها. ولا تستطيع هذه الطبقة أن تشن النضال وتظفر بدون ذلك.
"لا تستطيع البرجوازية الوطنية، في الظروف التاريخية الراهنة في أمريكا اللاتينية، أن تقود النضال ضد الإقطاع وضد البروليتاريا. وقد أثبتت التجربة أن هذه الطبقة في بلداننا -حتى عندما اصطدمت مصالحها بمصالح البروليتاريا اليانكي- لم تستطع مكافحة الاستعمار، وقد انتابها الشلل خوفاً من الثورة الاجتماعية، وأرعبها صخب الجماهير المستثمَرة". (من بيان هافانا الثاني).

الثورة في أمريكا لا مفر منها:
تمثل هذه الموضوعات جوهر هذا البيان الثوري الخاص بأمريكا. وثمة ما يكملها في فقرات أخرى من البيان: "بوسع الظروف الذاتية في كل بلد، أي عوامل الوعي، والتنظيم، والقيادة، أن تسارع أو تؤجل الثورة، تبعاً لحالة نمو هذه العوامل. ومع نضوج الظروف الموضوعية عاجلاً أو آجلاً، في كل حقبة تاريخية، يتم اكتساب الوعي، وبلوغ التنظيم، وبزوغ القيادة، وانبلاج الثورة.
"لا يتوقف على الثوريين أن يحدث ذلك سليماً أو أن يولد بعد مخاض أليم. انه أمر يتعلق بالقوى الرجعية في المجتمع القديم. أنه يتعلق بمقاومتها مولد المجتمع الجديد الذي تنتجه تناقضات المجتمع القديم. دور الثورة في التاريخ كدور الطبيب الذي يساعد في مولد الحياة الجديدة. لا تستخدم الثورة العنف إلاَّ عند الضرورة، ولكنها تستخدمه بلا تردد كما اقتضاها المخاض ذلك. أنه المخاض الذي يحمل، إلى الجماهير المستعبدة والمستثمَرة الأمل في حياة أفضل.
"لا مناص من الثورة في بلدان عديدة من أمريكا اللاتينية. لم تحتم ارادة أحد هذا الواقع. لقد حتمته ظروف الاستغلال المرعبة التي يعانيها الإنسان في أمريكا، ويحتمه نمو الوعي الثوري لدى الجماهير، وأزمة البروليتاريا العالمية، وحركة النضال الشاملة للشعوب المستعبدة في العالم". (من بيان هافانا الثاني).
سوف نحلل مسألة حرب الغوار في أمريكا من هذه الزاوية.
أننا نرى أن حرب الغوار هي شكل من أشكال النضال لبلوغ هدف معين. المسألة الأولى في هذا الصدد هي تحليل وايجاد ما إذا كان الاستيلاء على سلطة الدولة ممكناً في قارتنا الأمريكية بوسائل غير النضال المسلح.

التاريخ لا يقبل الأخطاء:
يمكن خوض النضالات السلمية عن طريق الحركات الجماهيرية. وفي الظروف الخاصة حيث تكون هناك أزمة، تستطيع هذه النضالات أن ترغم حكومة ما على المساومة. انها تتيح لقوى الشعب أن تستولي على سلطة الدولة وتقيم دكتاتورية البروليتاريا. كل هذا صحيح إذا تكلمنا من الناحية النظرية. ولكننا إذا رحنا نحلل هذه المسألة على ضوء الوضع القائم في أمريكا، كانت النتيجة الحتمية أن ثمة في كل مكان من هذه القارة ظروفاً موضوعية ترغم الجماهير على مقاومة حكومات البرجوازية وملاك الأرض بأعمال عنيفة، وأن بلداناً عديدة أخرى تعاني أزمة في الحكم، فتكون الظروف الذاتية هي الأخرى حاضرة هناك. انها جريمة ولا ريب أن لا يقدموا على استلام سلطة الدولة في البلدان التي تتحقق فيها هذه الشروط كافة. وفي البلدان التي لا تتوفر فيها الشروط الآنفة يمكن طبعاً اختيار مسالك مختلفة، وينبغي الوصول إلى قرارات مناسبة في كل بلد على أساس التحليل النظري. الشيء الوحيد الذي لا يسمح به التاريخ لمحللي ومنفذي السياسات البروليتارية هو ارتكابهم أخطاء في أحكامهم. ليست المؤهلات لدور الحزب السياسي الطليعي كالمؤهلات لنيل شهادة جامعية. ينبغي لمثل هذا الحزب أن يقود الطبقة العاملة في النضال من أجل سلطة الدولة، وأن يعرف كيف يهديها إلى تسلم السلطة، فيقود النضال إلى الظفر بأسرع ما يمكن. هذه مهمة أحزابنا الثورية كافة. ولاجتناب الأخطاء، ينبغي أن يكون التحليل عميقاً وشاملاً.


 

 


   

رد مع اقتباس