الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:43 AM

  رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 


4 – الصحة
إن إحدى المسائل الخطيرة التي تواجه الغوارة هي افتقارها إلى ما تدفع به كل الطوارىء التي تنشأ إبان وجودها، ولا سيما الجراح والأمراض، وما أكثرها في حرب الغوار. يؤدي الطبيب وظيفة بالغة الأهمية، فهو لا ينقذ الأرواح وحسب (كثيراً ما لا تكون وظيفته العملية ههنا ذات بال، نظراً لضآلة العتاد الذي يتوفر له عامة)، بل يضطلع أيضاً باستنهاض معنويات المريض، ويشعره أن بجانبه من يعنى بتخفيف آلامه والسهر عليه حتى زوال الخطر.
يتعلق تنظيم المشافي بالمرحلة التي بلغها الغوار، ويمكن تعداد ثلاثة أنماط أساسية من مؤسسات الإشفاء، يوافق كل منها إحدى المراحل.
لدينا في ترتيب التطور التاريخي مرحلة بداوة أولى، حيث يتنقل الطبيب، إن وجد، مع رفاقه باستمرار. إنه رجل في عدادهم، يؤدي كافة وظائف المغاور الأخرى، بما فيها وظيفة المقاتل. ويضطلع بمهمة مضنية ومقنطة أحياناً، إذ يعالج حالات يفتقر فيها إلى الدواء الذي يسمح له بانقاذ حياة بشرية. إنها المرحلة التي يتمتع فيها الطبيب بأعظم التأثير على الفرقة، وأعظم الأهمية بالنسبة لمعنوياتها. إنه يؤدي في هذه المرحلة مِهانته أداءً كاملاً، ويحمل في حقيبته المعوزة كل العون الذي يمكن أن يقدمه للناس. فإن قرص الأسبيرين البسيط يستحوذ الأهمية لدى الإنسان المتألم، إذا ما قدمته يد الصديق الذي يتحسس آلام الرجل ويشاطره إياها. يجب أن يندمج الطبيب تماماً بالمثل العليا للثورة، في هذه المرحلة الأولى، لأن كلامه سوف ينفذ أعمق من أي فرد سواه في الفرقة.
يمكن وصف المرحلة التالية بمرحلة نصف بدوية. إنها مرحلة المعسكرات التي تعرِّج الغوارة عليها، والبيوت الصديقة، الامينة تماماً، التي يمكن ترك العتاد فيها، وحتى الرفاق. فقد أخذت الفرقة تنحو منحى التحضر. إن مهمة الطبيب في هذه المرحلة أقل مشقة. ويمكنه أن يحوز في حقيبته تجهيزاً جراحياً للمعالجة الضرورية الأولى، وأن تتوفر له حقيبة أخرى، أهم شأناً، تودع في بيت صديق، للعمليات الأقل إلحاحاً. ويمكن ترك المرضى والجرحى ليعنى بهم الفلاحون الذين يسهرون عليهم برعاية، كما يمكن تخزين مزيد من الأدوية المصنفة تصنيفاً جيداً، في حرز أمين. ويمكن في هذه المرحلة نصف البدوية، وفي المناطق التي تثبت منعتها، إقامة مشافي في بعض البيوت، ليترك فيها المرضى والجرحى.
لا يمكن بناء تنظيم مشفوي حقيقي إلاَّ في المرحلة الثالثة، عندما تحرز الغوارة أخيراً مناطق لا يستطيع العدو الدخول إليها. وفي المرحلة الأكثر تقدماً، يمكن اعتماد ثلاث فئات من المراكز، حسب الإمكانات المتوفرة. الفئة الأولى على مستوى خط القتال، تتألف من الطبيب الذي هو مقاتل أيضاً، وهو أحب الرجال إلى الفرقة، ولا يحتاج أن تكون معلوماته عميقة جداً. إني أؤكد هذه النقطة لأن عمل الطبيب في هذه اللحظات هو قبل كل شيء عمل ترويح وتهيئة نفسية للمريض أو الجريح. أما العمل الطبي الحقيقي، فيتم في المشافي القائمة في المؤخرة. لا يجوز التضحية بجرَّاح كُفء في خطوط النار.
عندما يسقط رجل في الخط الأمامي، يحمله النقَّالون – إن وجدوا – إلى أول مركز. وإلاَّ، فيتولى رفاقه ذلك بأنفسهم. ينطوي نقل الجرحى في المنطقة الجبلية على مداراة بالغة الدقة. وربما كان نقل الجريح أصعب بسبب آلامه أكثر مما هو بسبب الجرح ذاته مهما كان بليغاً. ويمكن إجراء النقل بطرق مختلفة، تبعاً لأوصاف الأرض. لا يمكن السير إلاَّ رتلاً أحادياً في الأراضي الوعرة الشَجِرة، التي هي المثلى لحرب الغوار، وأفضل نقالة تكون شبكة نوم معلقة بعصا طويلة.
وينبغي أن يتناوب الرجال كثيراً، لأن أكتافهم سوف تؤلمهم ألماً عظيماً وسرعان ما يملُّون حمل ثقل كبير وبالغ الرقة. وعندما يجتاز الجريح هذا المأزق الأول، يصل وإضبارته إلى مركز يوجد فيه جرَّاحون وأخصائيون (تبعاً لإمكانات الفرقة طبعاً) يؤمنون كل العمليات الهامة.
أمَّا الفئة الثالثة، فهي المشافي المقامة مع أجود وسائل الترفيه الممكنة، للبحث في أسباب الأمراض التي يمكن أن تصيب سكان المنطقة وفي آثارها. توافق هذه المشافي حياة تامة التحضر وهي ليست مراكز عمليات ونقاهة وحسب، لكنها أيضاً منشآت متصلة بالسكان المدنيين، يقوم فيها خبراء صحيون بدورهم التوجيهي. كما ينبغي إنشاء مستوصفات تقوم بالرقابة الطبية على كل فرد. ويمكن بحسب إمكانات تموين المنظمة المدنية، أن تتوفر لمشافي الفئة الثالثة هذه تجهيزات تتيح لها التشخيص المخبري والشعاعي.
المعاونون الطبيون مفيدون جداً، إلى جانب الطبيب. إنهم فتيان في أغلب الأحيان، وهم أصحاب رسالة إلى حد ما، وتتوفر لديهم بعض المعلومات، وقوة جسمية كافية، لكنهم غير مسلحين، إما بسبب عقيدتهم الشخصية، أو – وهذا هو الأغلب – لأن السلاح غير كاف للجميع. يتولى هؤلاء المعاونون مسؤولية الأدوية والنقَّالات والشبكات بمجموعها، وعليهم أن يعنوا بالجرحى في كل قتال.
إن عمال الارتباط المتصلون بمنظمات الصحة الموجودة في مؤخرة خطوط العدو، هم الذين يؤمَّنون الأدوية اللازمة، حتى لو أمكن الحصول عليها أحياناً بوسائل أخرى بواسطة الصليب الأحمر الدولي. بَيْدَ أنه لا يجوز التعويل على هذا الاحتمال الأخير، سيما في بدء النضال. لذا يجب تنظيم جملة قادرة على نقل الأدوية ذات الضرورة الملحة بسرعة، وعلى تلبية حاجات المشافي العسكرية والمدنية على السواء. كما ينبغي، بالإضافة، إقامة الصلات مع أطباء القصبات المجاورة، الخليقين باجراء إحدى العمليات، عندما تعوز طبيب الغوارة الوسائل أو الكفاءة لإجرائها بنفسه.
يستلزم هذا النمط من الحرب فئات مختلفة من الأطباء: الطبيب المقاتل، رفيق الرجال، وهو نموذج طبيب المرحلة الأولى. وتتضاءل وظيفته بقدر ما يغدو عمل الغوارة أكثر تعقيداً وبقدر ما يمكن بناء سلسلة من الهيئات الملحقة بها، فيغدو الجرَّاحون العامون عندئذ أفضل المجنّدين في الجيش الثائر. والأمثل وجود اختصاصي في التخدير، حتى لو كانت العمليات تجرى اعتماداً على اللارغاكتيل أو البانتوتال الصودي، اللذين هما أسهل إعطاءً للمريض من المخدرات الغازية وأسهل توفيراً وحفظاً. وبالإضافة إلى الجراحين العامين، فإن المجبَّرين مفيدون جداً، لأن طبيعة الأرض الجبلية تسبب كسوراً كثيرة. كما ينبغي للطبيب أن يعالج جماهير الفلاحين أيضاً، إذ أن أمراض جيوش المغاوير هي، بعامة، سهلة التشخيص، أما الأمراض الناجمة عن سوء التغذية، فهي أصعب علاجاً بكثير.
ويمكن في مرحلة أكثر تقدماً بكثير، أن يتاح استخدام المخَبريين، إذا ما توفرت مشاف جيدة، بغية القيام بعمل أكثر كمالاً. ينبغي استدعاء قطاعات الاختصاص كافة عند الحاجة إليها، وكثيراً ما تُلبى هذه الدعوة. ويجب استدعاء أطباء الأسنان، ويوضح لهم أن عليهم الالتحاق مزودين بأجهزة ميدان بسيطة.





5 – التخريب
التخريب سلاح لا يُقَّدر ثمنه لدى الشعوب التي تخوض حرب الغوار. يتعلق تنظيمه مباشرة بالمنظمة المدنية السرية، إذ أن التخريبات لا تتم إلاَّ خارج المناطق التي يشرف عليها الجيش الثوري. غير أنه ينبغي وضع هذه المنظمة مباشرة تحت إمرة أركان حرب الغوار، وهي المخوَّلة تحديد الصناعات والمواصلات والأهداف التي يفضل إصابتها.
لا يمت التخريب بصلة إلى الإرهاب. فالإرهاب والاغتيال الفردي طرق تختلف عن التخريب اختلافاً مطلقاً. نحن على يقين صادق من أن الإرهاب سلاح سلبي لا يعطي الآثار المرغوبة أبداً وإطلاقاً. ويمكن أن يبعد الشعب عن حركة ثورية، في حين يتسبب لدى ممارسيه بخسائر بشرية لا تتناسب مع النتائج الحاصلة. غير أنه يمكن اللجوء، بالمقابل، إلى اغتيالات فردية، ولكن في بضع حالات خاصة جداً، مثلاً لإزالة أحد رؤساء القمع. ولكنه لا يجوز في أية حال استخدام عتاد بشري متخصص لإزالة قاتل صغير يمكن أن يتسبب موته في القضاء على كل العناصر الثوريين الذين اشتركوا في مقتله، بالإضافة إلى ضحايا الانتقام اللاحق.
ثمة نمطان ضروريان من التخريب: التخريب على النطاق الوطني، ضد أهداف معينة، والتخريب على مقربة من خطوط القتال. يجب أن يستهدف التخريب على النطاق الوطني بصورة أساسية تدمير المواصلات. يمكن تدمير كل نوع من المواصلات بطريقة مختلفة، بيد أنها عرضة للإصابة كلها. يسهل تدمير أعمدة البرق والهاتف بنشرها حتى ما قبل آخرها، بحيث أنها تظهر ليلاً بمظهر سليم، ثم يسقط أحدها فجأة، فيجرّ سائرها في سقوطه، مسبباً تعطيلاً واسعاً.
كما يمكن تخريب الجسور بنسفها بالديناميت. وإذا لم يتوفر الديناميت، يمكن تدمير الجسور الحديدية بحِمْلاج اكسجيني ايدروجيني. يجب قطع الجائز الرئيسي والجائز الأعلى اللذين يحملان الجسر الحديدي. ومتى تمَّ قطع هذين الجائزين بالحملاج، يعمل مثل ذلك من الطرف الآخر أيضاً. هكذا ينقلب الجسر على جنبه، فيلتوي ثم يهوي. إنها أنجع وسيلة لتدمير جسر فلزي بلا ديناميت. يجب تدمير السكك الحديدية والطرقات أيضاً، وكذلك الكهاريز. ويمكن أحياناً بث الألغام في القطارات. يتعلق ذلك دائماً بقوة الغوارة.
كذلك يسمح عتاد ملائم بتدمير الصناعات الحيوية في كل منطقة عندما تأزف الساعة. ينبغي أن تؤلف مسألة التخريب موضوع خطة شاملة، فلا يجوز تدمير مجال عمل إلاَّ في اللحظة الحاسمة، لأن تدميراً كهذا يستتبع نزوحاً جماهيرياً بين العمال ويؤدي للمجاعة. يجب القضاء على الصناعات التي تخص شخصيات العهد، وبذل الجهد لإقناع العمال بضرورة ذلك، إلاّ إذا أدى القضاء عليها إلى عواقب اجتماعية فائقة الخطورة.
إننا نلح على أهمية تخريب طرق المواصلات. إن المواصلة السريعة هي السلاح الأكبر لدى جيش العدو ضد الثائرين، في الأرض غير الوعرة. لذا يتوجب علينا أن نحاول تدمير هذا السلاح باستمرار بنسف جسور السكك الحديدية والكهاريز والأعمدة الكهربائية والهواتف وحتى أنابيب المياه، وبكلمة، تدمير كل ما لا يستغنى عنه في الحياة الحديثة.
التخريب ضروري أيضاً قرب خطوط القتال، على النحو ذاته، لكن بإقدام وتفان وتواتر أعظم بكثير. يمكن التعويل في هذه الحالة على عون فائق القيمة، هو الذي تقدمه الدوريات الجوَّالة التابعة للغوارة، والتي يمكنها هبوط المناطق المعنية ومساعدة أعضاء المنظمة المدنية في أداء مهمتهم. وهنا أيضاً يستهدف التخريب المواصلات قبل كل شيء. ينبغي تصفية كافة المعامل ومراكز الإنتاج القمينة بتزويد العدو بما يلزمه لمتابعة هجومه على القوى الشعبية.
يجب الاستيلاء على مخزونات العدو، وقَطْع تموينه، وإذا لزم الأمر، يجب إخافة مُلاَّك الأراضي الذين يودون بيعه منتجات زراعتهم وحيواناتهم، وإحراق السيارات التي تتجول على الطرق واستخدامها لسد الطرق. ولدى كل عمل تخريبي، وفي نقاط معينة، على بعد كبير أو صغير من موضع إجراء العمل، يجب إحداث مناوشات متكررة مع العدو، باستخدام طريقة الضرب والهروب على الدوام. لا ضرورة لإبداء مقاومة كبيرة. يكفي مجرد إراءة العدو أنه حيثما يحصل تخريب، ثمة قوى غوارية على أهبة القتال، لإجباره بذلك على ألاَّ يتنقل إلاَّ متألباً محترزاً.
وهكذا يتم إنزال الشلل شيئاً فشيئاً بكل المدن القريبة من مناطق نشاط الغوار.





 

 


   

رد مع اقتباس