الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:33 AM

  رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

أجل، لقد كان غيفارا رائداً لانتصارات الشعوب، وكان صانعاً لهذه الانتصارات في الوقت نفسه. وإن هذا الإخلاص الذي كان ينطوي عليه لمثله الأعلى، وللهدف السامي الذي كرس نفسه من أجله، هو الذي حمله على مغادرة كوبا، بعد ما تحقق الظفر فيها للشعب، كيما يذهب مرة أخرى إلى "ما وراء الحدود" إلى ميادين جديدة للنضال يواصل الرسالة التي يحملها. ولذا كان غيفارا قدوة، قدوة للثورة في كل مكان، قدوة لطلائع الشعوب المناضلة في كل صقع من أجل حقها في الحياة، من أجل مكانها اللائق تحت الشمس، من أجل غدها المشرق السعيد...
وإن هذه القدوة الرائعة، هذه القدوة التي هي ملء الأبصار والأسماع والأفئدة، هذه القدوة التي وضعها الثوار في كل مكان، في أميركا اللاتينية وفي آسيا وإفريقيا، نصب أعينهم، هي بالضبط ما سعى المستعمرون وأجراؤهم، ولا يزالون يسعون، للقضاء عليها. فمنذ غادر غيفارا كوبا جعلت المخبرات الأميركية كلها البحث عنه والسعي للقضاء عليه، وكان العملاء في منظمة الشعوب الأميركية الخاضعة لإشرافها أدوات التنفيذ في هذه المؤامرة الإجرامية. وإذا هم نجحوا أخيراً، بفعل المصادقات والخيانة، في القضاء على جسد غيفارا، فإنهم لن ينجحوا قط في القضاء على روحه، على عمله، على القدوة التي صنعها من أجل الآخرين.
لقد كانوا يخافونه.. كانوا يخافونه حياً، وهو لا يبرحون يخافون الآن، بعدما توصلوا إلى حذف جسده. ولقد أشارت جميع الأدلة إلى أن غيفارا وقع أسيراً، بعدما أصيب بجروح بليغة، وبعدما تعطلت بندقيته من جراء إصابتها بطلق ناري، في معركة جرت بين بضعة ثوار بوليفيين وقوات نظامية تفوق الألف وخمسمائة جندي في عددها. وما كان يمكن ليغيفارا، كما يقول كاسترو، أن يستسلم حياً.. لكن رفاقه القلائل حين شاهدوه جريحاً، استماتوا في المقاومة وفي الدفاع عنه، فاستمرت المعركة بين هؤلاء الرجال الستة عشر وقوات الجيش النظامي البوليفي قرابة ست ساعات، وهو شيء لا يمكن أن يحدث في حرب الأنصار مطلقاً. لكن غيفارا جرح جروحاً بليغة بحيث لا يستطيع الانسحاب، وتعطلت بندقيته بحيث لا يستطيع أن يضع حداً لحياته بنفسه. بيد أن الحكومة الدكتاتورية في بوليفيا، التي أسرته حياً، قد أجهزت عليه، وبعدما أجهزت عليه رفضت أن تسلم جثته لأخيه، كما رفضت أن تطلع كائناً ما عليها، أو على مكان وجودها. لقد دفنوه في مكان مجهول، ولعلهم أحرقوا الجثة وذروا رمادها في الرياح، حتى يزيلوا من الوجود كل أثر له، فيما يعتقدون، فلا يتحول قبره، في المستقبل، إلى محجة للثوريين في كل مكان، إلى هيكل يقصده الناس الشرفاء من أنحاء المعمورة الأربع، كي يعبروا عن جلهم وتقديرهم واحترامهم للثائر الراحل، وعن حقدهم على القتلة وإدانتهم لهم.
إن المستعمرين وأذنابهم، هؤلاء يعرفون بغريزتهم أن التاريخ قد أصدر حكمه عليهم مسبقاً على حد تعبير فيدل كاسترو، يخافون غيفارا حتى بعد وفاته، فهم يريدون أن يحرموا الحركة الثورية – وبالخاصة في أميركا اللاتينية – من الرمز، يريدون أن يطفئوا الشعلة، ويحسبون أنهم بذلك يضربون الحركة الثورية ويزعزعونها.
ألا بئس ما يحسبون وما يخططون! إن الثوريين هم على الدوام أفضل الناس تأهباً لجميع الظروف وجميع التقلبات وجميع النكسات الممكنة. ولقد تميز تاريخ جميع الثورات وجميع الشعوب الثورية، في كل مكان وفي كل العصور، ببعض الضربات الأليمة، وبعض النكسات اليسيرة، لكن الثوريين الحقيقيين كانوا يتغلبون دائماً على هذه النكسات وتلك الضربات، ويواصلون الطريق بعزيمة أشد، وبتصميم أعظم على إحراز النصر. وإن الثوريين بالضبط هم أكثر الناس معرفة وتقديراً لقيمة المبادىء الخليقة وقيمة القدوة الحسنة، وهم بالضبط أرسخ الناس إيماناً بأعمال الرجال الحقيقيين ومبادئهم، وأعظم إدراكاً لما تتصف به حياة البشر الحكيمة من زوال وما تتصف به أفكارهم وسلوكهم وقدرتهم من خلود... ذلك أن القدوة هي التي ألهمت الشعوب طوال التاريخ وأرشدتها.
ويقول فيدل كاسترو بالنص الواحد: "من ذا يستطيع أن ينكر شدة الضربة التي تعرضت لها الحركة الثورية من جراء موت تشي، ومن جراء انعدام إمكانية الاعتماد على خبرته، وعلى إلهامه وعلى قوة سمعته التي كان الرجعيون يرتعشون منها ذعراً! إنها ضربة شديدة، ضربة بالغة القسوة. لكننا على يقين مع ذلك من أنه أشد قناعة من أي إنسان آخر بأن حياة البشر الحكمية ليست الشيء الأهم، بل إن سلوكهم هو الذي يأتي في المرتبة الأولى.. وهذا وحده هو ما يفسر ازدراءه المطلق للخطر، وهو الشيء الوحيد الذي يتلاءم مع شخصيته ومع عمله..."
ولذا فإن الحركة الثورية، انطلاقاً من هذه الحقيقة، ستعرف كيف تحول هذه القدرة إلى قوة لا تقهر، وكيف تستلهمها لتسير قدماً إلى الأمام، دونما تردد، وبصلابة أشد وعزيمة أمضى.
لا، لم يمت غيفارا، بل هو حي في أفئدة جميع الثوريين، جميع الناس الطيبين، جميع الناس الشرفاء في سائر أنحاء العالم، وإن صرخته لتدوي في أسماع الجميع، هادرة، شاحذة الهمم، وحافزة إلى العمل المستمر:
"لا يهمني أين ومتى سأموت، لكنه يهمني أن يبقى الثوار قائمين، يملأون ضجيجاً حتى لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين؟


 

 


   

رد مع اقتباس