الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:31 AM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

لقد انفتح عالمه، وصار بإمكانه أن يثبت من تماثل المشكلات لا في بلدان قارتنا فحسب، بل في القارات الثلاث النامية أيضاً. بيد أن الثورة الكوبية أسرع في مسيرتها وأعمق من ثورات هذه البلدان الأخرى: فقد تحولت عام 1960 إلى ثورة اشتراكية. وسافر تشي، في نهاية العام، إلى البلدان الاشتراكية. وتأكد فيها من قيام رابطة جديدة مع البلدان التي تبني الاشتراكية كبلادنا، وخاصة تلك التي تنطلق، مثل كوريا، من شروط التخلف الصناعي واضطرت لأن تدفع ثمناً رهيباً للاعتداءات. وعندما عاد بين سنتي 1964 و 1965 إلى البلدان النامية (إلى أفريقيا على وجه التحديد) عاد ممثلاً لثورة من ثورات العالم الثالث: ثورة يذوب فيها الخطان الكبيران لتجديد هذا العصر: ثورة ترتبط بالكفاح ضد الاستعمار وتصدر عن ثورة أوكتوبر وبديهي أن هذه الأسفار كانت أكثر من مجرد تنقلات: إنها علامات مرئية لفكر سيشرحه تشي شيئاً فشيئاً وبوضوح كبير.
ولقد بدأ هذا الفكر يعبَّر عن نفسه علناً منذ الأيام الأولى، في خطابه بتاريخ 28 / 1 / 1959، مثلاً، الذي نشر تحت عنوان "الدور الاجتماعي للجيش المتمرد".
في هذا الخطاب، يشرح لنا تشي كيف بدأت في الجيش المتمرد، انطلاقاً من فشل إضراب نيسان 1958، الجهود الأولى لإعطاء الثورة عقيدة ونظرية. بيد أن هذه الاهتمامات، بطبيعة الحال، لا تتضمن أبداً أن يكون تشي باحثاً نظرياً محضاً. فهو يقول في هذا الخطاب ذاته إن من أكبر صفات الثورة التي استولت لتوها على الحكم هو أنها "حطمت جميع نظريات الصالونات". ولا ينوي مطلقاً إعاداتها إلى ما كانت عليه. إن هدفه يختلف عن هذا اختلافاً تاماً، فيكتب في الصفحات الأولى من حرب الغوار (1960): رسالتنا الحالية أن نجعل من الواقعات نظرية، وأن نبني هذه التجربة ونعممها ليستفيد منها الآخرون" هذا التعريف لا بديل له فكومة الواقعات الثورية، بالنسبة للمراقب الذي تعوزه الدقة، حتى لو كان نصيراً مندفعاً، تحتاج لأن تكون لها بنية وأن تعمَّم. إنهما مهمتان نظريتان، تصلحان لما دعاه التوسر Althusser وبحق الممارسة النظرية: يجب أن نفكر في المعطيات لنستخلص منها صورة، ويجب أيضاً أن نميز الحادث الموضعي عن التجربة القابلة للتعميم. والأعداء يعون ذلك بطبيعة الحال: فهم يقترحون بسرعة على الثورات وجهاً خالياً تماماً من الجاذبية، زاعمين أنهم يعممون الأوجه المحلية السلبية بينما يتظاهرون بأنهم لا يرون في النجاحات الجوهرية سوى واقعات عارضة أو ثانوية. إن عمل تشي، إذاً، رسالة مكافحة لا تستسلم لنظريات الصالونات بل تتجه نحو النتائج العملية وتنطلق من مادة بناء هي أيضاً عملية وعاجلة وكانت الثورة الكوبية قد أثبتت، عام 1959، وجود طريق لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية في المستعمرات الخفية الأميركية اللاتينية. وكان من ضروري شرح مضمون هذا الطريق وتقديم نتائج مثل هذه التجربة للمحاربين القادمين: ذلك هو الأمر الذي كرس له تشي جزءاً كبيراً من جهوده خلال تلك السنة الحافلة بالعمل على وجه خاص، وكان نتاجها حرب الغوار الذي أعلن عن نفسه في مقال شباط 1959، "من هو المغاور؟". وفي السنوات التالية رأى ضرورياً أن يُجعل ذلك الكتاب من شؤون الساعة. فأدخل أفكاراً جديدة إلى كتابه "حرب الغوار، طريقة". وكان يريد أن يعيد كتابته إذ كان يضم تجارب أحدث عهداً. ومع ذلك فإن هذه الكتابة "يجب أن تنتظر بالتأكيد زمناً طويلاً"، كما ذكر لينين في نهاية كتابه الدولة والثورة، لأن تشي ارتأى هو أيضاً "أن من الأفضل والأجدى أن يعيش تجربة الثورة بدلاً من أن يكتب عنها".
إن القصد الذي يدفع تشي إلى التساؤل عن نظرية الثورة في تنميتها ليس أقل قيمة عملية. لكن قبل أن نتحدث عنه، يحسن بنا أن نشير هنا إلى كتاب آخر يتعلق بحرب الغوار من جهة أخرى: هو كتاب "ذكريات عن الحرب الثورية". لم تكن الاعتبارات الفكرية وحدها هي التي دفعت تشي إلى كتابته بذلك الأسلوب النثري العجيب الذي عرف عنه، الأسلوب الجامع المألوف، بل يجب القول أيضاً إنه الفنان الذي يكتب. ونحن هنا لا "نعمم"، بل نضع اليد، والذاكرة على شيء ملموس. وإذا كان الكتاب السابق دليلاً للعمل وهيكله العظمي، فإن الذكريات هي الجسم ذاته لذلك العمل، مع كائنات بشرية بطولية أو مترددة، سامية أو حقيرة – حقيقية في أية حال. إنه أكثر الكتب التي نشرت في كوبا في هذه السنوات الأخيرة، وقعاً في النفس.
إن الكتابين اللذين يعالجان الحرب الثورية – نظريتها وممارستها، إذا صح القول – هما الكتابان الوحيدان اللذان كتبهما تشي بصفتهما كتابين بنائين. لكنهما لم يكونا كل ما كتب تشي – وقال. بالعكس: اهتم منذ البداية بالأوجه الأخرى للثورة، وعبر عن هذه الاهتمامات سواء بشكل خطب، أو بشكل مقالات أو محاولات. وعالج، في كتبه، مسائل تتعلق بالتمرد، أي بالثورة قبل أن تستلم الحكم، في أول كانون الثاني 1959، وتصدى في خطبه ومقالاته، بصورة عامة، للمشكلات التي كانت تعترض الثورة بعد تسلمها الحكم. ولم تكن هذه المشكلات، من وجهة نظر فكرية، أقل تعقيداً من سابقاتها، ويحق لنا أن نعتقد أنها أكثر تعقيداً وتتطلب من القادة دأباً كبيراً في التخمين النظري وفي التطبيق العملي المناسب. وكان هؤلاء القادة، من جهة أخرى، قد وصلوا إلى السلطة في ريعان الشباب. فلم يكن فيدل كاسترو نفسه، عام 1959 يتجاوز الثلاثين من العمر إلا قليلاًُ. وسيقدم لنا هؤلاء الرجال مشهداً غير معتاد: فبدلاً من أن يعيش هؤلاء الشباب طي الكتمان تطوراً فكرياً قلما يكون غيرهم مطلعاً عليه لحظة العمل التاريخي، سيتطورون على مرأى ومسمع من الجميع. وسينهون تكوينهم عراة الجذور. لا لأنهم وصلوا إلى السلطة دون صفات كافية – للتثبت من الصلابة التي انطلقوا بها إلى القتال. نعيد إلى الذاكرة فقط الدفاع الرائع الذي ألقاه فيدل كاسترو عام 1952. "سينصفني التاريخ"- ، بل إن هذه الصفات ستنضج في الحكم، بمجابهة المشكلات الجديدة الهائلة. وسط واقع معقد، دولي وقومي على السواء، سيكون من الواجب جلاء غوامضه واحدا بعد الآخر. فكان السؤال الأول الذي وجب إذاً أن يطرحوه على أنفسهم هو ما هي الثورة. ما هي النظرية الثورية لهذا العمل الثوري؟
قال فيدل كاسترو، عام 1953، إن المسؤول المثقف عن الهجوم على ثكنة مونكادا - وبالتالي عن الأحداث التي سيثيرها هذا الهجوم في السنوات التي أعقبته – كان جوزيه مارتي. وقال تشي غيفارا الذي كان يعلم عام 1959 أن هذه الثورة تنقش في إطار مكافحة الاستعمار المعاصرة، في خط البلدان النامية، قال في بداية 1960، في 28 كانون الثاني:
"كان مارتي المرشد المباشر لثورتنا، الرجل الذي كان يجب على الدوام أن نرجع إلى كلامه لتفسير الظاهرات التي نحياها تفسيراً صحيحاً. لأن جوزيه مارتي أكثر من كوبي: إنه أميركي. إنه ملك البلدان العشرين كلها التي تضمها قارتنا.. ويعود لنا الشرف بإحياء كلمات جوزيه مارتي، في وطنه، حيثما ولد". كان تشي يخمن دون شك بأن مارتي هو أول مفكر في العالم الثالث ويصح هذا التصريح، إذ يؤكد ما قاله كاسترو قبل ذلك بست سنوات، لثورة من ثورات البلدان النامية. بيد أن ثمة أمراً آخر في هذه الكلمات يستحق أن نعيره انتباهنا هو استخدام الماضي. قال تشي: كان مارتي مرشدنا وكان يجب الرجوع إلى كلامه.. لا لأنه أنكر هذا الكلام، بل بالعكس. وكلامه، كان يجب أن نتذكر أنه نصحنا هو ذاته بأن نفعل "في كل لحظة ما هو ضروري في كل لحظة". وكان الواقع، أخيراً، قد طرح على ثورتنا التي كانت قد وصلت إلى الحكم مشكلات لا يمكن أن تكون بالضبط هي ذاتها المشكلات التي طرحت على مارتي، يوم لم يكن قد توصل إلى أن يرى بلاده حرة سياسياً. كانت هذه المشكلات المختلفة تتطلب منا أن نتصدى لها تصدياً أصيلاً. وكانت، بالتالي تقتضي منا إضفاء النظرية على هذه المقاربة التي لم تعد تلك التي عرفها مارتي. فمنذ استلامها السلطة كانت الثورة تتأصل في تبادل مأساوي للأعمال التأديبية الأميركية الشمالية والردود الكوبية. وقد استطاع تشي أن يقول إن القانون الأول للإصلاح الزراعي كان على الأرجح التدبير الوحيد الذي اتخذ مباشرة دون أن يكون جواباً على عدوان أميركي – شمالي. وفيما بعد، بدءاً من المقاومة العنيدة التي وجهتها الولايات المتحدة لهذا القانون الذي كانت كوبا تمارس به سيادتها – والذي يكاد يكون فاتحة أعمالها - ، ستكون القرارت الكبرى التي اتخذتها الحكومة الثورية هجمات كوبية مضادة للاعتداءات الأميركية، وقد بدأت هذه الاعتداءات بشكل حملة صحفية شعواء تبعتها تصريحات رسمية حتى وصلت إلى العدوان المادي وإلى الحصار، مروراً بما سبقه من وقف مشتريات السكر ورفض تكرير النفط الذي تشتريه كوبا من خارج الدائرة الأميركية الشمالية. وفي هذه الأثناء، وجدت الثورة الكوبية في الاتحاد السوفياتي سوقاً لسكّرها، ولقيت المساندة الحازمة من الطبقات الشعبية كما لقيت في البداية التباعد المطرد ثم العداء المكشوف مما كان يدعى البرجوازية الوطنية التي ارتبط مصيرها بمصير الولايات المتحدة. ليس ثمة أي شك بأن الثورة الكوبية، إذ وُضعت أمام أحد أمرين: أن تهلك بيدي الولايات المتحدة أو أن تتأصل بسرعة، قد اختارت هذه الإمكانية الثانية. وارتفعت أصوات الناقدين الكبار في العالم أجمع أنهم كانوا يعلمون بأن الثورة شيوعية. لقد كانوا يرون، في الواقع. ما لو توفر للعالم الاجتماعي روبرت ك. مرتون لاستخدمه مثالاً على "النبوءة المنجزة ذاتياً". وعندما نتجت بفعل الولايات المتحدة قضية شراء السكر الكوبي ورفض تكرير البترول السوفياتي في كوبا، وعمدت كوبا من جانبها إلى تأميمات مصافي التكرير الأميركية الشمالية في الأرض الكوبية، قال تشي، بتاريخ 28 تموز 1960، في مؤتمر الشبيبة المنعقد في هافانا:
"... إذا سئلت ما إذا كانت هذه الثورة التي ترون ثورة شيوعية... فسأقول إن هذه الثورة، إذا ما صارت ماركسية – وأقول ماركسية – فلأنها اكتشفت أيضاً، بأساليبها الخاصة، الطرق التي أشار إليها ماركس".
إثر هذا الاكتشاف، وجواباً للإدانة التي فرضتها على كوبا منظمة الدول الأميركية، في سان جوزيه، قرأ فيدل كاسترو على الشعب الذي اجتمع في تلك المناسبة في ساحة الثورة بتاريخ 2 ايلول 1960 ما وجب أن يصير تصريح هافانا الأول. وقد عبر هذا التصريح تعبيراً مضمراً عن الصفة الاشتراكية التي أخذتها الثورة على عاتقها. بعد ذلك بما ينوف عن الشهر، في 8 تشرين الأول، نشر تشي مذكراته بعنوان "مذكرات لدراسة إيديولوجية الثورة الكوبية"، وهي دراسة عميقة للموضوع. فهل أفسدت الصفة غير المهذبة في ظاهرها التي التصقت بالثورة المبدأ اللينيني القائل: لا حركة دون نظرية ثورية؟ ويجيب تشي متسائلاً:
"يحسن القول إن النظرية الثورية، كتعبير عن حقيقة اجتماعية، تسمو على كل بيان، وبعبارة أخرى، أن الثورة يمكن أن تتم إذا فسرنا تفسيراً صحيحاً الواقع التاريخي واستخدامنا استخداماً ملائماً القوى التي تتدخل في هذا الواقع، دون أن نعرف النظرية... يجب أن يكون المرء "ماركسياً" بالبساطة ذاتها التي يكون فيها "نيوتونياً" في الفيزياء و "باستورياً" في البيولوجيا، وبما أن الواقعات الجديدة تحدد مفاهيم جديدة، فإن ذلك لا ينزع أبداً جانب الحقيقة من المفاهيم التي أنقضت... يعني هذا، ويجب أن نشير إليه مرة أخرى، أن قوانين الماركسية حاضرة في أحداث الثورة الكوبية، بصورة مستقلة عن واقعة أن قادتها يجاهرون بهذه القوانين أو يعرفونها معرفة عميقة من الناحية النظرية

 

 


   

رد مع اقتباس