الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:29 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي حرب العصابات



 



إهداء
نهدي هذا الكتاب إلى ذكرى كاميلو سيانفويغوس[1]. كان مفروضاً أن يعيد قراءته ويُجري فيه التصحيحات اللازمة، إلا أن القدر لم يتح له ذلك. ويمكن اعتبار هذه السطور تكريماً من الجيش الثائر[2] إلى رائده الكبير، إلى أعظم قائد مغاور[3] أنجنبته هذه الثورة، إلى الثوري الناصع، إلى الصديق الأخ.
كان كاميلو رفيق مئة قتال، كان موضع ثقة فيدل في اللحظات العصبية من الحرب، كان المناضل المفعم نكراناً للذات، الذي أتخذ الفداء دوماً أداة لإسقاط طبعه وتصليب طباع الجنود. أعتقد أنه كان قميناً أن يوافق على هذا الكتاب الوجيز الذي جمعت فيه تجاربنا في حرب الغوار[4]، لأنها نتاج الحياة ذاتها. إلا أنه كان خليقاً أن يرفد هذه الصفحات بالحيوية العميقة التي يفيض بها خلقه وذكاؤه وإقدامه، تلك الصفات التي لا تبلغ مثل هذا الكمال إلا في نفر من شخصيات التاريخ.
بيد أنه لا ينبغي للمرء أن يتصور كاميلو كبطل أسطوري، يحقق مآثر خارقة بحافز من عبقريته وحدها. يجب النظر إليه كفيض من الشعب الذي صنعه، على نحو ما يصنع أبطاله وشهداءه وقادته، في الأصطفاء العظيم إبان النضال وظروفه القاسية.
لا ادري هل كان كاميلو يعرف قولة دانتون بصدد الحركات الثورية: "الإقدام، ثم الإقدام، الإقدام أبداً!". على أية حال، كان كاميلو قد مارسها في أعماله بعد أن قرنها بالضرورات الخاصة بالمغاور، وهي تحليل الوضع بدقة وسرعة، وملكة التنبؤ بالمسائل التي يطرحها المستقبل.
وإذا كانت هذه السطور بمثابة تكريم شخصي وتكريم شعب بأسره لبطلنا في آن، فهي لا تستهدف أن تروي سيرته وتقص مآثره، إلا أنني أقول إن كاميلو كان رجل ألف مأثرة، كان يرسلها بصورة طبيعية، إذ كان، إلى جرأته واحترامه للشعب، يجمع شخصيته الخاصة، ذلك العنصر الذي كثيراً ما يُنسى ويُنكر شأنه، والذي كان كاميلو يطبع به كل ما يخصه. إنها الاصالة الثمينة التي قلما تجد رجالاً يدمغون بها كل عمل من أعمالهم. لقد قالها فيدل مرة: لم تأته ثقافته من الكتب، بل كان له ذكاء الشعب الفطري، فاختاره الشعب بين ألف رجل ليرفعه إلى المكانة الممتازة التي تبوّأها بفضل إقدام وصلابة وذكاء واجتهاد لا مثيل لها.
كان كاميلو يمارس الصدق ديناً، وقد نذر نفسه له: الصدق تجاه فيدل الذي يجسد بشخصه إرادة الشعب، والصدق تجاه الشعب ذاته. كانت هاتان العاطفتان لا تنفصمان لدى هذا المغاور الغلاّب، تتلاحمان تلاحم فيدل والشعب.
حرّي بنا أن نتساءل: من الذي أزال كيانه الجسماني من الوجود؟ لأن حياة أمثاله تتمادى في الشعب ولا تنتهي إلا عندما يقرر الشعب ذلك.
إن العدو هو الذي قتله، لأنه كان يبغي موته، لأنه ليس ثمة طائرات مضمونة، لأن ملاحيها لا يستطيعون اكتساب كل الخبرة اللازمة، ولأنه وهو مثقل بالأعمال، كان يريد الوصول إلى لا هابانا[5] بأسرع وقت... وإن ما قتله هو طبعه أيضاً، لم يكن كاميلو يرزن الخطر، كان يستخدمه اللإلهاء، يداعبه، ويثيره كما تثار ثيران الحلبة، يجتذبه ويداوره. ففي عقليته الغوارية لم تكن هناك عثرة تستطيع إيقاف أو تشويه الخط الذي ارتسمه لنفسه.
ذهب عندما كان شعب بأسره قد عرفه وأعجب به وأحبه. كان من الممكن أن يحدث ذلك في وقت أبكر وكانت سيرته عندئذ لن تعدو سيرة أي قائد مغاور. قال فيدل: سوف يجيء كثير من مثال كاميلو، ويمكنني الإضافة أنه ظهر كثير من مثل كاميلو، وقد انتهت حياتهم قبل أن يتموا ذات الدورة الرائعة التي أدخلتهم في التاريخ. إن كاميلو، والكاميلويين الآخرين (الذين لم يحققوا أنفسهم، والقادمين)، هم البرهان على قوة الشعب، والتعبير الأسمى عما يمكن أن تنجبه أمة شاكية السلاح دفاعاً عن أصفى مثلها العليا وعن إيمانها في إنجاز أنبل غاياتها.
لن نثبِّته لنحبسه في قالب، ففي ذلك قتله. لندعه هكذا، على هيئة ملامح، دون تحديد دقيق لفكرانه[6] الاجتماعي والاقتصادي الذي لم يكن محدداً تماماً. ولنتذكر فقط أنه لم يوجد في هذه الحرب التحررية جندي يضارع كاميلو. ثوري مكتمل، رجل شعبي، صنّاع في هذه الثورة التي صنعتها الأمة الكوبية لنفسها، لم يكن عقله ليتصور أقل هنة من الإعياء أو القنوط. إن كاميلو المغاور هو موضوع دائم للتخيل كل يوم. إنه الذي فعل هذا أو ذاك من الأعمال، "شيئاً من كاميلو"، إنه الذي طبع الثورة الكوبية بسمته الدقيقة التي لا تَمحي، والذي يبقى حاضراً في قلوب كل من لم يحققوا أنفسهم والقادمين.
إن كاميلو، في تجدده المستمر الخالد، هو صورة الشعب.

- تشي غيفارا -







مدخل
إنقضى عام على كتابة هذه المقدمة. ومن نافلة القول إنه لو قدر لي أن أكتبها اليوم لفعلت بشكل آخر. فموت تشي غيفارا في الظروف المثيرة التي نعرف، يكاد يضفي على كل شيء معنى جديداً كل الجدة، وبالتالي على بعض هذه السطور البائسة. وأولها، مثلاً، لحظة، أتصوره فيها يقرأ هذه الصفحات بانتقاده اللاذع الذي عرف عنه عل الدوام، أو السطور التي تتحدث عن رحيله عن كوبا، وقد كتبت عندما كان الأعداء ينشرون عن هذا الرحيل الإشاعات المتجنية، واليوم نعرف أنه في تشرين الثاني 1966 بدأ يكتب يوميّته الأخيرة، في الغوار البولفي. لقد سمع العالم، في ربيع 1967، رسالته الرائعة إلى مؤتمر القارات الثلاث التي سحقت، في جملة ما سحقت، تلك الافتراءات، وأكدت بعد نظرته، وعمق فكره وتلاحمه وشجاعته العجيبة.


 

 


 

   

رد مع اقتباس