عرض مشاركة واحدة

قديم 20-04-09, 08:38 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

كيف تشهد مبادئ الحرب تغييرات؟

في الحقيقة لم تشهد مبادئ الحرب تغييرًا حتى كتابة هذه السطور، ولكن هناك شعور بضرورة تغييرها، فقد ظلت مبادئ الحرب على حالها تقريبًا منذ عصر نابليون. والسؤال المطروح هو: كيف إذن يمكن تغييرها؟ فإذا ما شبّهنا فن الحرب بأرقام الرسم على لوحة زيتية، يكون من الضروري تغييرها لتلبية متطلبات المبدع العسكري، فمن وجهة النظر الجمالية أو الإبداعية تتراءى مبادئ الحرب كأرقام على لوحة قماش تساعد في توجيه المبتدئين العسكريين على تعلّم فن الحرب.

ومبادئ الحرب تتغيّر بتغيّر شكل ومضمون الحرب، ولابد من تغييرها إذا ما أُريد لها أن تساهم في تعليم سلك الضباط على أساليب وطرق الحرب الجديدة، ومبادئ الحرب طريقة تعليمية تقدم حلولاً جاهزة لمعضلات عملية في الحرب، ولكنها قد تحدّ من إبداع الرجل العسكري المحنّك أو الخلاّق، فهذا المبدع يعمل وفق لوحة يرسمها لنفسه تحتوي على ألوان إضافية غير تلك الموجودة على لوحة القماش، وفي القرن التاسع عشر ساد اعتقاد واسع بندرة الموهوبين العسكريين، أما في العصر الحالي فقد ابتُكر نظام الأركان العامة لجعل الموهبة العسكرية مسؤولية جماعية.

ووفق مثال اللوحة الزيتية السابق، يصبح القادة والأركان هم من يكتبون الأرقام مع بعضهم البعض، وبتوظيف الأركان العامة لعملية التخطيط التي تقع ضمن نطاق عملهم يصممون ميدان المعركة أو اللوحة الزيتية العسكرية فيرسمونه حركة تلو أخرى وفق العمل العسكري. وهكذا يُعبَّر عن نوايا القائد من خلال
مبادئ الحرب بالتطبيق العملي.

وكما أشار (كلاوزفيتز) لن يقف العدو مكتوف الأيدي كاللوحة السلبية، وإنما هو كائن حي مفعم بالنشاط والإرادة والمقاومة، ولذلك فإن معظم فنون العمل العسكري تشبه قطعة القماش الكبيرة التي يغطي بها الرسام لوحاته وتتناثر عليها الألوان، ولكن نظرًا لأن مبادئ الحرب تُلقّن للجميع فإنها تعمل على تماسك العمل، وغالبًا ما يُفقد هذا التماسك بتغيير مبادئ الحرب فيأخذنا تغييرها على حين غرة.

ويتطلب الفن العسكري وسيلة للتعبير وأخرى للعمل،
الأولى: هي العدو الذي ينشط في مقاومة إرادة الفنان في القيام بأعماله الإبداعية،
والثانية: هي الأدوات التي يستخدمها الفنان العسكري وتتضمن المعدات والتنظيم، فينتج عن تفاعل هاتين الوسيلتين مؤثرات إبداعية، فالرسام لا يستطيع التعبير عن سحابة بيضاء على لوحته إلاّ بالألوان والفرشاة، والقائد العسكري الموهوب في حرب العصابات ومكافحة التمرّد يتجنب المقاومة النشطة.

وعندما تتغير وسيلتا التعبير والعمل، يتغير الفن العسكري تغيُّرًا أساسيًا، فتتغير بذلك مبادئ الحرب، وفي التشبيه السابق، لم تعد الأرقام تتناسب مع اللوحة أو تتناسق معها، فتتغير اللوحة نفسها وتتغير الأدوات التي سوف ترسمها.

وفي فن الحرب أصبح ذلك أمرًا معقّدًا وجدليًا، حيث أصبحت إحدى أداتي التعبير تسعى لمقاومة الوسيلة الأخرى وتصير أكثر فاعلية منها، فقد أصبحت الدبابات وسفن القتال أكثر تدريعًا، وأصبحت المدافع أكثر قوة، والطائرات أكثر سرعة، وأحدثت هذه التحوّلات ثورة في الشؤون العسكرية؛ وقد يتساءل البعض عن أسباب هذه الثورة. ومن الأمور الواضحة للعيان أن تلك الثورة عادة ما تمضي قدمًا لعدة سنوات دون الانتباه إليها، حتى تحدث هزيمة ساحقة فنتلمسها، ومن النماذج المأساوية على ذلك الحرب العالمية الأولى.

فإذا كان بوسعك أن تتخيل مجموعة من المشتغلين بالكيمياء القديمة في العصور الوسطى في مختبر فيزيائي حديث، يمكنك أن تدرك حجم التغييرات الواسعة في المفاهيم التي واجهت الجيوش المتحاربة، فتلك الجيوش التي كانت تتشبث بمبادئ حرب تمت صياغتها منذ عصر نابليون، وتتسلح بأحدث مخرجات التقنية الحديثة التي أفرزتها الثورة الصناعية جعلت من الفن العسكري تعبيرًا لا يمكن تخيّله من المذابح المتبادلة بين الطرفين.

ويُعزى انهيار الجيوش الأوروبية بشكل مباشر لحركتها وفق مبدأ الحشد؛ فحسب ما ورد في كتابات (جوميني)، تحاول الجيوش تحقيق الحسم عن طريق الحشد في ميدان المعركة، ولكن بظهور الحرب الشاملة المزوّدة بأسلحة الثورة الصناعية، أصبح من العسير تطبيق ذلك المبدأ،
فأولاً: تغري قوة الفتك التي تتميز بها الأسلحة الجديدة على التدمير،
وثانيًا: يجعل الحشد الجيوش لقمة سائغة للعدو باكتشافها وتحديد مواقعها،
وثالثاً: يصعب توفير الإمداد والتموين للجيوش كبيرة الحجم لمدة طويلة، بل ويعيق كبر الحجم عمليات المناورة، فلم تكن الحرب العالمية الأولى بمثابة فشل في الخيال فحسب، وإنما فشل في القيادة المؤسسية أيضًا.

وباختصار شديد، ينبغي على قادة المؤسسات الكبرى كالمؤسسة العسكرية أن يقدموا التوجيه والحماية والنظام للقوات العسكرية، فالنظام يغرس الاستقرار المؤسسي بتطبيق الأعراف السائدة وأنماط السلوك وطرق حل المشكلات.

وفي المؤسسة العسكرية تقوم العقيدة العسكرية التي تُعدُّ مبادئ الحرب جزءًا لا يتجزأ منها بهذا الدور البارز، وتحدث الأفكار الجديدة تأثيرًا مضادًا. وتعتبر هذه الأفكار الجديدة كالاقتراح بإجراء تعديلات جديدة على مبادئ الحرب التي أثبتت نجاحًا مجرد بدعة خطيرة، ويؤثر ذلك على المؤسسة العسكرية بثلاث طرق هي: أولاً: يتولّد عن الأفكار الجديدة طرق جديدة في التفكير تؤدي إلى انقسامات فكرية في أوساط الرأي العام الذي كان متماسكًا قبلها؛ وثانيًا: تثير الشكوك حول معتقداتها الراسخة، ويتمخض عن ذلك شعور بعدم الولاء للمؤسسة؛ وثالثًا: أن الأفكار الجديدة تخلق شعورًا بعدم الاستقرار المهني وفقدان الثقة. ولهذه الأسباب مجتمعة، يرفض أعضاء التنظيم إجراء التغيير. فلم يكن القادة الذين زجّوا بقواتهم في تلك المفرمة الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من تسعين عامًا أغبياء، وإنما واجهوا مشكلة تتكرر لنا اليوم هي: عدم الإقدام على إجراء التغيير. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه فيما يتعلق بكيفية تغيير مبادئ الحرب يتمحور في الأساس حول: كيف نبادر بذلك التغيير.
مبادئ الحرب كأداة من أدوات التغيير
ينبغي إعادة النظر في مبادئ الحرب في طليعة التحوُّلات العسكرية للقرن الحادي والعشرين، وأقترح التغييرات التالية كنقطة بداية فحسب في مناظرة قادمة:

 

 


   

رد مع اقتباس