الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:40 PM

  رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

Ismail, ********s, T. 2 p240

كما قام في ديار عكا وصفد حاكم طموح وقدير ومتحفز هو الشيخ ظاهر بن عمر بن أبي زيدان، المعروف بظاهر العمر، تسلم تلك الديار من والي صيدا بشير باشا في أول عهده بالولاية عام ،1706 وأخذ يرقب، بعين حذرة ويقظة، ما يجري في شمال بلاده وجنوبها. ففي مصر حاكم يحلم بالتوسع شمالاً، نحو بلاد الشام، ويطمح للتعاون مع حاكم قدير في فلسطين يسهل له دخول تلك البلاد، هو علي بك الكبير وقائده محمد بك أبو الذهب، وفي جبل عامل مشايخ عانوا الكثير من الظلم العثماني المتحالف مع أمراء آل معن ومن بعدهم آل شهاب، فأضحوا تواقين للتحالف مع قوة تساندهم وتعزز قوتهم وتشد أزرهم، وهكذا التقى في ساحة فلسطين وعلى امتدادها شمالاً حتى صيدا، ثلاث قوى تكمل بعضها، هي قوة المصريين والصفديين والعامليين، وقد بلغ هذا التحالف أوجه عام 1771 مما حدا بدراغون Conféderation النائب التجاري للجالية الفرنسية بصيدا، الى تسميته بـ"اتحاد كونفدرالي" Conféderation بين مصر والشيخ ظاهر العمر والمتاولة ضد السلطان، وذلك في رسالة بعث بها الى الدوق ديغويون D'Aiguillon وزير الدولة الفرنسية بتاريخ 2 أيار 1771.
Ismail, ********s, T. 2 p169

إلا أن التحالف بين العامليين والشيخ ظاهر العمر لم يكن سهلاً في بدايته، فقد سبقه صراع مسلح بين شيخ مشايخ العامليين ناصيف النصار والشيخ ظاهر، حيث تقاتلا في معارك عدة أهمها معركة تربيخا عام 1750 التي هزم فيها ظاهر، وانتهت الحرب بين الفريقين بمعاهدة تحالف ودفاع وقعت بينهما في عكا عام 1767 "وحلفا اليمين على السيف والمصحف أن يكونا وشعباهما متضامنين متصافيين ما دامت الأرض والسماء"، وكان هذا التحالف قد تم بناء لوساطة بين المتخاصمين قام بها الأمراء الشهابيون وحلفاؤهم المشايخ الجنبلاطيون، وكانوا على علاقة حسنة بالفريقين في ذلك الحين. يحدثنا عن ذلك قنصل فرنسا في صيدا "كليرامبو" Clairambault في رسالة بعث بها الى وزير الدولة الفرنسية "الدوق دي براسلان" Duc De Braslin بتاريخ 23 نيسان 1767 يقول فيها "الشيخ ناصيف النصار هو اليوم شيخ مشايخ المتاولة الذين يقيمون من صيدا حتى أرض عكا، وهو يحمي الشيخ عثمان ابن الشيخ ظاهر العمر، الذي لجأ إليه - وكان الشيخ عثمان قد خرج عن طاعة أبيه فلجأ الى الشيخ ناصيف - وبما أن الحرب في هذه البلاد تهدأ ثم تتجدد كل ثلاثة أشهر، فإنها تنتهي بخراب أحوال الفلاحين، وبإعطاء المبرر لمشايخهم لتأجيل دفع الضرائب والمستلزمات المالية للوالي. وقد وصل الى هنا - أي الى صيدا - الأمير إسماعيل - أمير وادي التيم - وثلاثة من مشايخ الدروز هم الشيخ علي جنبلاط والشيخ عبد السلام العماد والشيخ كليب النكدي، وهؤلاء يعاضدون الشيخ ناصيف. فعملوا على إحلال الوفاق بينه وبين الشيخ ظاهر العمر".
Ismail, ********s, T2 p150 - 151

ولا يغربن عن بالنا أن هذا الوفاق قد تم في عهد الأمير منصور الشهابي الذي كان كما قيل عنه "لين العريكة لا يخلو من جبانة قليلة". فعمل على إحلال الوفاق محل الخصام بينه وبين العامليين طيلة مدة ولايته، حتى أضحوا يوالونه حقاً.
وما إن تم الوفاق بين الشيخين ناصيف النصار شيخ مشايخ جبل عامل والشيخ ظاهر العمر حاكم صفد وعكا، حتى انقلب هذا الوفاق الى تحالف وطيد، نظراً للعداوة التي كانا يكنانها كلاهما للعثمانيين والشهابيين، وهكذا، ما إن انتهت ولاية الأمير منصور، وخلفه في الحكم ابن أخيه الأمير يوسف، حتى انتفض العامليون مجدداً ضد حكم الوالي العثماني درويش باشا (والي صيدا) وذلك عام ،1771 فرفضوا دفع الأموال الأميرية وطردوا عمال الوالي من ديارهم، وأظهروا البغضاء للأمير يوسف الشهابي حليف هذا الأخير، فأقدموا على مهاجمة بلدة مرجعيون وقرى الحولة وهي، في ذلك الحين، من أعمال خاله الأمير اسماعيل أمير وادي التيم، فجهز الأمير يوسف لقتالهم جيشاً قدّر بعشرين ألف مقاتل من مشاة وخيالة، وأرسل الى خاله ليلاقيه بمن عنده من المقاتلين، ثم نهض من عاصمته دير القمر باتجاه صيدا حيث عسكر عند جسر الأولي، فبات ليلته هناك، وانطلق في اليوم التالي الى "جباع الحلاوي" حيث تحشد آل نمر وأنصارهم من آل الصغير وآل صعب، فلما عرف هؤلاء بضخامة الجيش الذي جاء به الأمير لقتالهم، تفرقوا ورحلوا عن البلاد من دون قتال، بينما وصل الأمير الى "جباع" فأحرقها كما أحرق جميع قرى إقليم التفاح.
واتصل العامليون بالشيخ ظاهر العمر، حليفهم، يطلبون منه العون والنجدة، وكانوا قد ناصروه مناصرة فعالة في معركة سبق وجرت، في آب من العام نفسه ،1771 ضد عثمان باشا الصادق والي دمشق، عند بحيرة الحولة، انتهت بهزيمة الوالي وسحق جيشه، وانتصار الشيخ ظاهر وحلفائه العامليين، فكتب بدوره الى الأمير اسماعيل أمير وادي التيم يتوسطه لكي ينصح ابن اخته الأمير يوسف بإحلال الصلح بينه وبين العامليين، وأرسل الأمير اسماعيل كتاب الشيخ ظاهر الى الأمير يوسف وطلب منه باسمه الشخصي، أن يتوقف عن مطاردة العامليين وإرهاقهم تجاوباً مع وساطة الشيخ ظاهر، ولكن الأمير يوسف رفض قبول الوساطة، كما أنه لم ينتظر وصول خاله الأمير اسماعيل الذي طلب منه البقاء في مركزه من دون قتال حتى وصوله، فانطلق بجيشه الى كفررمان فأحرقها، ثم الى النبطية (تشرين الأول 1771) حيث كان العامليون قد استقروا بعد أن جمعوا فلول مقاتليهم فبلغت نحو أربعة آلاف مقاتل، وانضم اليهم حليفهم الشيخ ظاهر العمر الذي أغاظه عدم قبول الأمير يوسف لوساطته، وعزم الجميع على ملاقاة المهاجمين، وما إن وصلت طلائع جيش الأمير يوسف الى النبطية حتى بادرها العامليون ورجال الشيخ ظاهر بالقتال، ويرى بعض المؤرخين أن الشيخ علي جنبلاط، الذي كان في صفوف الأمير مع رجاله، كان ميالاً للتفاهم مع العامليين ومصالحتهم، فلم ترقه هذه الحرب، وانكفأ برجاله، مما أدى الى تضعضع صفوف الجيش الشهابي ثم هزيمته، وانقض العامليون مع حلفائهم ساعتئذ على الجيش المنهزم فأوقعوا في صفوفه، حسب بعض المؤرخين، نحو ألف وخمسمئة قتيل، ولم ينقذ جيش الأمير يوسف إلا وصول خاله الأمير اسماعيل بجيشه، ولكن الأمير يوسف ظل يتقهقر بجيشه حتى دخل إمارته، وخاف درويش باشا والي صيدا من لقاء العامليين وحلفائهم ففر من المدينة، وقاد الشيخ ظاهر العمر الهجوم باتجاه الشمال، وكان ذلك طموحاً قديماً لديه، فدخل صيدا فاتحاً حيث مكث فيها مدة، ثم عيّن عليها متسلّماً من قبله هو أحمد آغا الدنكزلي، وغادرها الى فلسطين. وحكم العامليون صيدا في هذه الفترة، وأقاموا فيها يتحرشون بإمارة الأمير يوسف، واستقرت العداوة بين الأمير يوسف وحلفائه العثمانيين من جهة، والشيخ ظاهر وحلفائه العامليين من جهة أخرى، ولم يكن ممكناً أن تسمح السلطنة للشيخ ظاهر وحلفائه بهذا الانتصار، فأرسل عثمان باشا والي دمشق يطلب من الأمير يوسف تجهيز جيش لمقاتلتهم، وكتب الى خليل باشا والي القدس ومعه الجزار أن يرافقه في هذه الحملة، وأمدهما بكل ما يلزمهما من معدات القتال، فتجمع للأمير يوسف نحو عشرين ألف مقاتل ضربوا حصاراً حول صيدا مدة أسبوع كامل كاد الدنكزلي في نهايته أن يسلم المدينة، لولا أن الشيخ ظاهر أوفد سفناً مسكوبية حربية (استأجرها لهذا الغرض) فأطلقت مدافعها على الجيش المحاصر، مما اضطره الى فك الحصار عن المدينة.

 

 


   

رد مع اقتباس