عرض مشاركة واحدة

قديم 17-11-20, 08:10 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي تاريخ مؤسسة البحرية الإسلامية



 

تاريخ مؤسسة البحرية الإسلامية

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

17/11/2020

يقول المؤرخ الأميركي ويل ديورانت (ت 1402هـ/1981م) -في ’قصة الحضارة’- إنه كان للمسلمين بالأندلس "أسطول تجاري يزيد على ألف سفينة يحمل غلّات الأندلس ومصنوعاتها إلى إفريقية وآسية، وكانت السفائن القادمة من مئة ثغر وثغر تزدحم بها"!! وينقل مؤرخونا القدماء أنه كانت تعلو صفحة نهر النيل في مصر 36 ألف مركب تنقل الناس والبضائع، وكان في العراق 30 ألف سفينة بنهر دجلة وحده!!


تُرى ماذا حدث للمسلمين الذين اعتادوا ركوب سفن الصحراء -من جمال وغيرها- حتى يصحبوا أهم ربابنة وملاحي البحار في التاريخ؟! لا تبعد الإجابة عن تلك الاندفاعة الحضارية الكبرى للمسلمين نحو العالم من أجل الدعوة والتجارة، وتحدي الإمبراطوريات الكبرى وصولا إلى نيل السيادة العالمية قرونا عديدة.
إن تلك الاندفاعة الحضارية هي التي جعلت سفن جزيرة العرب ترسو على بحار بل ومحيطات عالمية أضحت عربية بالنفوذ السياسي والتأثير العِلمي والرواج الاقتصادي، وتُوَّجت مجدَها بفتح القسطنطينية بعد 29 محاولة تكسرت عزائم منفذيها مع أمواج مرافئ هذه المدينة التي أرّخ سقوطها لنظام عالمي جديد!
وهذا الموضوع الذي تقرأه هو جزء من سلسلة تاريخ مؤسسات الحضارة الإسلامية التي تنشر فصولها دوريا صفحة "تراث"، حيث نُطلّ معك على أفخمها نطاقا وأعظمها أثرا وهي مؤسسة البحرية الإسلامية، التي وصلت إلى الذروة في صناعة الأساطيل البحرية الكبرى علوم البحرية العسكرية، فكان البحارة المسلمون على دراية عميقة بأنواع السفن العسكرية، وتكتيكات المناورات الحربية، وعمليات القوات الخاصة في الإنقاذ والإنزال البحري.
كما بلغت هذه المؤسسة أوج عطائها في فنون الملاحة حين استطاع أحد ألمع ربابنتها رسم خرائط في غاية الدقة والإبهار لقارات العالم الجديد (الأميركتان الشمالية والجنوبية)، وما زالت براعة راسمها التركي المسلم تثير دهشة خبراء الخرائط الجغرافية في أبرز جامعات العالم بأميركا وأوروبا!


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


نقلة كبرى

عرف العربُ منذ أقدم العصور البحار لطبيعة الجزيرة العربية التي تُشرف من جهاتها الثلاثة على البحر الأبيض المتوسط في الشمال، والبحر الأحمر في الغرب، والبحر الهندي (بحر العرب) في الجنوب، والخليج العربي في الشرق.
ورغم ذلك كان أغلب العرب يتهيّبون البحار قبل الإسلام وبعده حتى إن الخليفة عمر بن الخطاب (ت 23هـ/655م) "لما كتب إلى [واليه على مصر] عمرو بن العاص (ت 43هـ/664م) يسأله عن البحر فقال: خلقٌ عظيم يركبه خلق ضعيف، دود على عود، فكتب إليه عمر ألا يركبه أحد طول حياته، فلما كان بعد عمر لم يزل يركب حتى كان عمر بن عبد العزيز (ت 101هـ/720م) فاتبع فيه رأي عمر وكان منع عمر لشدة شفقته على المسلمين" كما يذكر القسطلاني (ت 923هـ/1517م) في ‘إرشاد الساري‘.
على أن الخليفة عثمان بن عفان (ت 35هـ/656م) لم يكن أقل حذرًا من عمر في ركوب البحر؛ فحين أرسل إليه واليه على الشام معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ/681م) يستأذنه في غزو قبرص سنة 27هـ/649م ويهوّن عليه أمرها -كما فعل مع الخليفة عمر الذي رفض طلبه- أجابه عثمان بشروط قائلا: "فإن ركبتَ البحرَ ومعكَ امرأتك فاركبه مأذونًا لك، وإلا فلا..؛ خيّرهم (= جنوده) فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنْه"؛ كما يروي البلاذري (ت 279هـ/892م) في ‘فتوح البلدان‘.
ومنذ غزو قبرص 27هـ/649م وما تلاه من أحداث تشجع المسلمون على ركوب البحر واحتاجوا لإنشاء الأساطيل، ويُعلل ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) هذا الأمر -في ‘المقدمة‘- بقوله: "والسّبب في ذلك أنّ العرب لبداوتهم لم يكونوا مهرة في ثقافته وركوبه، والرّوم والإفرنجة لممارستهم أحواله.. مرنوا عليه وأحكموا الدّارية بثقافته، فلمّا استقرّ الملك للعرب وشمخ سلطانهم وصارت أُمم العجم.. تحت أيديهم، وتقرّبَ كُلّ ذي صنعة إليهم بمبلغ صناعته، واستخدموا من النَّوَاتية (= الملّاحين) في حاجاتهم البحريّة أمماً، وتكرّرت ممارستهم للبحر وثقافته؛ استحدثوا بُصَراء بها فشرهوا إلى الجهاد فيه، وأنشؤوا السُّفن فيه.. وشحنوا الأساطيل بالرّجال والسّلاح".
وكانت السيطرة الإسلامية على قبرص وهيمنتهم الناشئة في البحر المتوسط -على امتداد الساحل الشمالي لأفريقيا- سببًا في اتخاذ البيزنطيين قرارهم بدخول معركة بحرية فاصلة لتدمير الأسطول الإسلامي؛ فكانت معركة "ذات الصواري" 34هـ/656م التي انتصر فيها المسلمون، رغم أن البيزنطيين تجهزوا لها "في جمع لم يجتمع للروم مثله قط منذ كَانَ الإِسْلام، فخرجوا في خمسمئة مركب"؛ وفقا للطبري (ت 310هـ/922م) في تاريخه.

وعقب انكسار البيزنطيين في "ذات الصواري" انفتح الباب أمام المسلمين لبلوغ الهيمنة البحرية في البحر المتوسط؛ فبدؤوا محاولاتهم لفتح الأندلس بالسيطرة على جزر البَلْيار الأربع الواقعة قبالة ساحلها الشرقي، إذ يخبرنا خليفة بن خياط العُصْفُريّ (ت 240هـ/854م) -في تاريخه- بأنه في 89هـ/709م بعث والي المغرب الأموي موسى بن نُصير (ت 97هـ/716م) جيشا "فأتى مَيُورْقَة ومَنُورَقَة جزيرتين بين صقلية والأندلس وافتتحهما".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

طور جديد
ومع تولي أسرة الأغالبة (184-296هـ/800-909م) حكم أفريقية/تونس -بتفويض من الخليفة العباسي هارون الرشيد (ت 193هـ/809م)- حرصوا على تقوية أسطولهم العسكري فأكثروا من إنشاء السفن الحربية لفتح الجزر البيزنطية، وخاصة منذ ولاية أميرهم زيادة الله ابن الأغلب (ت 226هـ/841م) الذي يقول ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) -في ‘الكامل‘- إنه "جهّز جيشًا في أسطول البحر وكان مراكب كثيرة".
وقد مثّل فتح جزيرة صقلية 212هـ/827م ذروة قوة البحرية الإسلامية في جنوبي المتوسط، وهو الفتح الذي قاده عسكريا القاضي المالكي أسد بن الفرات (الفارسي ت 213هـ/828م) حين اختاره الأمير زيادة الله "فولَّاه على الجيش وأقرَّه على القضاء مع القيادة"؛ طبقا لابن عذاري المراكشي (ت بعد 712هـ/1312م) في ‘البيان المـُغـرب‘.
وحين أطاح الفاطميون بحكم الأغالبة نهاية القرن الثالث/التاسع الميلادي؛ استولوا على ميراثهم البحري وبنوا "دار الصناعة.. تسع أكثر من مئتيْ مركب، وفيها قبوان كبيران طويلان لآلات المراكب وعُدَدها لئلا ينالها شمس ولا مطر"! طبقا لرواية الجغرافي الأندلسي أبي عُبيد البكري (ت 487هـ/1094م) في ‘المسالك والممالك‘.
ثم ذكر البكري اتساع وتحصين ميناء المهدية العجيب؛ فقال إن "مرساها منقور في حجر صلد يسع ثلاثين مركبا، على طرفيْ المرسى برجان بينهما سلسلة من حديد، فإذا أريد إدخال سفينة فيه أرسل حراس البرجين أحد طرفيْ السلسلة حتى تدخل السفينة ثم مدُّوها كما كانت بعد ذلك؛ تحصينا لئلا تطرقها مراكب الروم"!!
ولذلك كانت أساطيل الفاطميين القوية تسبب فزعًا لنظيرتها الأوروبية؛ فالذهبي (ت 748هـ/1348م) يقول -في ‘تاريخ الإسلام‘- إنه في 323هـ/935م أمر خليفة الفاطميين المنصورُ (ت 341هـ/953م) قائدَه العسكري يعقوبَ بن إسحق (ت بعد 323هـ/935م) بالخروج "في أُسطول من المهديّة (= مدينة تونس) عدّته ثلاثون [مركبا] حربيًّا إلى ناحية إفرنجة (= إيطاليا)، ففتح مدينة جَنَوَة".


وبحلول القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي؛ كان المسلمون قد سيطروا على كبريات جزر المتوسط وأماكن مهمة من البر بجنوبي إيطاليا، وأصبحوا على مقربة من روما ذاتها. وفي وصفه مبلغ هذه الهيمنة البحرية الإسلامية؛ يقول ابن خلدون إن المسلمين "تغلّبوا على كثير من لُجّة هذا البحر..، والعساكر الإسلاميّة تُجيز (= تقطع) البحر في الأساطيل من صقلّيّة إلى البرّ الكبير المقابل لها من العُدْوة (= الضفة) الشّماليّة، فتُوقِع بملوك الإفرنج وتُثْخِنُ في ممالكهم..، وأساطيل المسلمين قد.. ملأت الأكثرَ من بسيط هذا البحر عُدّةً وعَدداً، واختلفت في طرقه سِلْماً وحربا فلم تظهر للنّصرانيّة فيه ألواح"ّ!!
بحلول مطلع القرن الخامس/العاشر الميلادي؛ كانت البحار الرئيسية في العالم القديم تخضع للهيمنة الإسلامية، إلا أن هذه السيطرة بدأ يعتريها التخلخل -وخاصة في المتوسط- حين استعاد المسيحيون أجزاء واسعة من جزيرة صقلية مع منتصف هذا القرن، ثم باندلاع شرارة الحروب الصليبية في نهايته. لكن اللافت أن جهود الدفاع البحري للأساطيل الإسلامية لم تكن بأقل مستوى -أغلب الأحيان- من عهود الهجوم والفتوح، بل إنها فاقتها أحيانا في براعة التخطيط ومهارات المناورة وصلابة الصمود.

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس