عرض مشاركة واحدة

قديم 07-06-20, 04:16 AM

  رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي دور المؤسسة العسكرية في مواجهة كورونا.. اليابان نموذجا



 

دور المؤسسة العسكرية في مواجهة كورونا.. اليابان نموذجا
6/6/2020

اليابان وانطلاقا من إرثها الثقيل المحمل بنتائج الحرب العالمية الثانية، والذي أنتج "الدستور السلمي" [1] برعاية المحتل الحليف الأميركي، تمكنت بعقلية "الأيكيدو" الاستيعابية، من وضع البنية التأسيسية لقوات مسلحة محترفة تحتل بجدارة المرتبة الخامسة عالمياً، استنادا إلى الكفاءة وليس الإحصاءات الفارغة (حيث تنهار الجيوش الكرتونية، بأعدادها الوهمية ومعداتها المتهالكة، أمام أول استحقاق جدي).

إن قوات الدفاع الذاتي اليابانية تملك قدرات هائلة تمكنها من التعامل مع الأوضاع المستجدة، ومن ضمنها الأوبئة المعدية، وأفرادها بمختلف رتبهم مدربون مهيؤون لتبعات صدمات مماثلة لجريمتي هيروشيما وناكازاكي، والزلازل الطبيعية المدمرة، والهزات الأرضية المرعبة، وكذلك التسونامي المتكرر، أي معالجة ما بعد الكارثة. ولهذا تمتلك المعدات الثقيلة وتجهيزات الحماية الشخصية اللازمة للعمل داخل أي بيئة مصابة.

وتحظى القوات البرية اليابانية بمؤسسات طبية ضخمة وقدرات بحثية يمكن تطبيقها على العلاجات التكتيكية والبحث عن لقاحات وعقاقير مسكنة بالتعاون والتكامل مع المؤسسات الخاصة. كما تمتلك القدرات اللوجيستية التي تمكنها من نقل القوة البشرية والمعدات والمستشفيات الميدانية المتكاملة لمختلف الجزر اليابانية في فترات زمنية قياسية (48 ساعة كحد أقصى). ومن الجدير ذكره أن اليابان أنشأت في العام 1973 "كلية الطب – الدفاع الوطني" [2] مقرها الرئيسي في محافظة سايتاما، وتضم مستشفى جامعي متكامل ومركز أبحاث حديث ومدرسة للتمريض.

موقع اليابان الجغرافي المجاور لبؤرة الوباء، حيث الفاصل الوحيد هو مياه البحر، ألقى على عاتق السلطات اليابانية مسؤوليات جسيمة لحماية مواطنيها، وألقى العبء الأكبر على قوات الدفاع الذاتي اليابانية [3]، والتي كانت أول من تعامل مع تبعات الوباء القادم من الصين بناءً على توجيهات مكتب رئيس الوزراء شينزو آبي. وذلك بعيداً عن البلاغات العسكرية الشعبوية السائدة في الانظمة الديكتاتورية، بل بتوجيهات حكومية رصينة يضبطها الالتزام اللفظي العسكري.

استفادت وزارة الدفاع اليابانية من خبراتها الصحية السابقة لخدمة وطنها هذه المرة، فقد شاركت أطقمها الطبية في بعثات الأمم المتحدة لأنغولا وكمبوديا وموزامبيق ورواندا والسلفادور وتيمور الشرقية، وفي عالمنا العربي تمركز اللواء الطبي الياباني في محافظة السماوة العراقية، وتخدم وحدة من قوات السلام في مرتفعات الجولان السورية.

بذلك كانت قطاعات اللواء الطبي وكوادره البشرية هي السند التي اتكلت عليه السلطات الصحية [5] في محاولاتها لاحتواء أضرار الوباء، الواقعة لا محالة، بسبب طبيعته المتخفية والمضللة والمموهة. فكورونا الجديد، يشبه الأنفلونزا العادية، وقد يستوطن الجسم البشري لأسابيع قبل أن تظهر أعراضه المرضية، وما زال علاجه في صيغة المجهول، فيما الفيروس يطوّر نماذجه، محيراً العلماء في سعيهم لإيجاد ترياق له.

طلائع هجوم الكورونا وصلت إلى الأراضي اليابانية يوم 14 كانون الثاني 2020، حيث تم تسجيل أول إصابة مؤكدة. بعدها تكاثرت الحالات المرضية، والتي كان جلها من القادمين من مدينة ووهان الصينية. ومن الجدير ذكره هنا هو أن ووهان ليست مجرد سوق لاستهلاك وبيع الحيوانات البرية، بل هي مدينة إستراتيجية ذات بنية صناعية، وتضم مراكز بحثية تابعة للجيش الصيني، وتتمتع بموقع حيوي لخطوط المواصلات التي تربط مختلف الحواضر الصينية، ومطارها الدولي بمواصفات عالمية، ويحظى بمكانة عالية على صعيد التجارة العالمية.

خلال اسبوعين وقبل انقضاء الشهر الأول من العام، أعلن وزير الدفاع كونو تارو في 31 كانون ثاني أن وزارته قد تعاقدت مع القطاع الخاص لاستخدام السفينة هاكيو [6] كمركز حجر مؤقت للمواطنين اليابانين العائدين من مختلف المدن الصينية العُرضة للوباء عبر رحلات تجارية مباشرة (تشارتر). لكن مع ضخامة عدد العائدين اضطرت السلطات اليابانية لاستضافتهم في فنادق مدنية استأجرتها وزارة الصحة على البر الياباني. ومن هنا كان على وزارة الدفاع التعامل مع الوضع الجديد، فتم تخصيص أربعين عنصراً من الوحدات الطبية العسكرية لرعاية العائدين.

الضربة الأقسى لجهود الاحتواء اليابانية حلت مع تواتر الأنباء عن رسو السفينة السياحية "دايمنت برينسيس" الموبوءة في خليج طوكيو يوم السادس من شباط. استنفرت وزارة الدفاع بأقصى طاقاتها للتعامل مع الخطر الشديد المستجد. فتم اللجوء إلى السفينة المساعدة هاكيو من جديد، وهذه المرة تم تحويلها من مكان حجر مفترض، إلى قاعدة لوجستية عائمة متمركزة قرب السفينة المصابةفي المرحلة الأولى انطلقت قوة طبية مكونة من خمسة أطباء وخمسة عشر ممرض وعشرين عنصراً من الطواقم الصحية العسكرية نحو السفينة المنكوبة حاملين الغذاء والماء للطاقم والركاب. وفوراً بدأت رعاية واحد وستين إصابة مرضية مؤكدة، والكشف على جميع الموجودين تدريجياً.

في العاشر من شباط تفاقمت الإصابات على متن "دايموند برينسيس"، فبدأ نقل الحالات المستعصية إلى المستشفيات المتخصصة اليابانية ووصل عدد الحالات المؤكدة إلى مئة وخمس وثلاثون. لمواجهة هذه الطفرة الوبائية، دعمت وزارة الدفاع اليابانية وحدتها العاملة بثلاثة صيادلة واثنان وستون عنصراً من الطواقم الصحية. في نفس الوقت وعلى شاطئ خليج طوكيو، تم استحداث قاعدة في ثلاثة أبنية محروسة، تضم سبعين عنصراً، لتوفير الدعم والإسناد الطبي، لكل من السفينة الموبوءة وسفينة الإمداد اللوجستي.

كان أمام القوة العاملة اليابانية في هذه المهمة المحددة، العديد من التحديات:
1- معالجة المصابين موضعياً، وإرسالهم إلى المستشفيات تدريجياً.
2- المحافظة على الحماية الصحية للركاب والطواقم الأصحاء، ومنع وصول الفايروس إليهم.
3- المحافظة على التوازن النفسي لجميع الموجودين في آتون الكورونا، من مدنيين وبحارة وعسكريين.
4- نظراً لطول مدة الحجر الصحي، نفذت الأدوية اليومية للركاب ذوي الأمراض المزمنة، فكان لا بد من تزويدهم باحتياجاتهم من نفس الدواء، أو تركيبات صيدلانية بديلة.
5- تنظيم الوصول اليومي للمؤن الغذائية والمياه إلى السفينة المنكوبة.
6- حماية أفرادها المعرضين بدورهم لخطر الإصابة بالفايروس (سجلت الحالة الأولى لإصابة أفراد "قوة المهمة" في 12 آذار، وذلك ضمن الطاقم الأرضي لفريق العمل. بعد ذلك للأسف تفاقمت الإصابات ضمن الفريق العامل على متن السفن).

وفي ذروة التصدي لثغرة "الدايموند برينسيس" الوبائية، وتفادياً لنكسة تصيب الكيان الياباني، وصل عديد "قوة المهمة الطبية" في محيط خليج طوكيو إلى مائتين وأربعين عنصراً. استكملت مهمتهم في السادس من آذار بالإجلاء التام لجميع المتواجدين على السفينة المنكوبة، وعودة السياح الأجانب إلى ديارهم. وفي التاسع من آذار فرضت السلطات اليابانية حظر دخول العديد من مواطني الدول المعرضة لخطر كوفيد 19 إلى أراضيها. لتصبح اليابان في شبه عزلة عن العالم.

من دراسة هذه التجربة اليابانية نعود لاستلهام العبر من تجربة حكم ديمقراطي استعان بالانضباط العسكري في مواجهة الخطر الجرثومي الوبائي، إن كان هذا التفشي المُعدي من نتاج ضرر الإنسان بالطبيعة، مما أوجب ردها التأديبي، أو كجزء من الترسانة الحربية البيولوجية للدول التوسعية (وربما قد سرب بسبب خطأ ما وليس مقصوداً). لقد كان الضوء الأخضر لوزارة الدفاع اليابانية لأخذ زمام المبادرة لمواجهة الخطر المحدق العالمي صادراً عن مقام رئاسة الوزراء ضمن المعايير الحكومية والضوابط القانونية والإجراءات البرلمانية.

إن أداء قوات الدفاع الذاتي اليابانية هو نموذج لأداء العسكر في ظل حكومة مدنية منتخبة، حيث أن أمن الوطن وحماية المواطنين هما هدف من بناء جيش قوي لصيانة دولة ذات سيادة، وليس تحقيق طموحات مجموعة من الأفراد تبتغي تسلق السلم الاجتماعي وتسلم الحكم لتحقيق شعارات براقة، تنخدع بها الجماهير المسحوقة، تُخفي في ظل وهجها مآرب شخصية، لتحقيق مصالح ضيقة، تضيع معها وبها الأوطان وحقوقها.
================================================== ===========================
المصادر:

[1] Postwar Constitution Sengo Kenpo 1947
[2] National Defense Medical College Bōei Ika Daigakkō
[3] Japanese Self Defense Forces Jieitai
[4] The Ministry of Defense Bōei-shō
[5] The Ministry of Health, Labor and Welfare Kōsei-rōdō-shō
[6] Hakuo
[7] Diamond Princess cruise ship.

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس