عرض مشاركة واحدة

قديم 25-02-09, 07:12 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

الفرع الثاني

الإعداد للحرب التقليدية

تمهيد:

يعتبر الإعداد للحرب التقليدية أمرا معقدا بالمقارنة للإعداد لحرب العصابات مثلا، صحيح أن الإعداد لحرب العصابات يعتبر أمرا شاقا وخطرا إلا أن هناك فرقا كبيرا بين التعقيد والخطورة.
ويرجع التعقيد الذي يصاحب الإعداد للحرب التقليدية إلى تعدد الجوانب التي لابد من تهيئة إيقاعها لينضبط مع إيقاع الحرب التي نخطط لها. فهناك الجبهة الداخلية، والجبهة السياسية، والجبهة الإعلامية، والجبهة الاقتصادية، ولابد من إعداد كل هذه الجبهات باعتبار أنها في مجموعها تشكل الجبهة العامة للحرب التقليدية.
وسنتناول فيما يلي إعداد كل جبهة من هذه الجبهات في مبحث مستقل.


المبحث الأول

إعداد الجبهة الداخلية

والجبهة الداخلية هي ذلك الشق المدني من الدولة وينتظم في هذا الشق كافة الأفراد المدنيين الذين يعملون في الأعمال غير العسكرية. وقديما لم يكن لإعداد هؤلاء الأفراد أهمية تذكر، إذ لم يكن لهم في الحرب ناقة ولا جمل رغم أن الملوك في ذلك الوقت كانوا يمثلون السلطتين المدنية والعسكرية معا.
وقد تطور الأمر إلى النقيض من ذلك بعد انفصال السلطتين المدنية والعسكرية، خصوصا وأن السيطرة في أغلب الأحوال كانت للأولى ( المدنية ) لا للثانية (العسكرية ).
فحينما كان الملك يتولى وحده السلطتين معا، وكانت الحرب لا تقوم - في حقيقة أمرها- إلا من أجل المليك المفدى، لم يكن مهما إلا إعداد النبلاء المقربين وأتباعهم المحاربين الذين كان حشدهم يتم على أسس شخصية. وعوامل محلية قلما تجاوزتها أهداف الحرب نفسها.
وأما حين انفصلت السلطتان، وبدأت الأماني الشعبية تفرض نفسها على أهداف الحرب، فلم يعد من الممكن خوض الحروب إلا بعد إعداد الشعب لها إعدادا يؤهله لأن يكون أمينا على ظهر الطلائع العسكرية المحاربة في الميدان لتكون هذه الطلائع بدورها أمينة على أمانيه الشعبية المستهدفة من الحرب. ولهذا صار من الواجب إعداد الجبهة الداخلية وهو الأمر الذي يتحقق بثلاثة أمور هي:
1 - بلورة الأماني الشعبية.
2 - إعداد الغرف اللازمة لإدارة العمليات المدنية.
3 - تكوين فصائل المقاومة الشعبية والدفاع المدني.
ونشير فيما يلي إلى معنى كل أمر من هذه الأمور.
أولا : بلورة الأماني الشعبية

ويقصد بذلك، تحديد هذه الأماني، وتبويبها تبويبا زمنيا يتناسب والإمكانيات القائمة والمنتظرة ثم ضبط انفراج هذه الأماني ليتوازى انفراجها مع الإمكانيات المتاحة بالفعل وذلك تجنبا لإضاعة الممكن في طلب المستحيل.
فالملاحظ دوما أن الأماني الشعبية تتجاوز في حدودها العليا القدرات الواقعية للخطة التي تستلهم فيها الأماني الشعبية، ولا غرو فالأماني الشعبية تتغذى من العوامل العاطفية أكثر مما تتغذى من العوامل الواقعية، ولا ضير، فهذا أساس الأمل واستمراره لدى الشعوب. إلا أن الضير كل الضير أن نخلط بين الواقع والمأمول إذ يؤدي بنا ذلك لا إلى أن نفقد واقعنا فقط بل وإلى أن نفقد آمالنا كذلك. ولهذا يعمد القادة الملهمون إلى المكافأة بين الأماني الشعبية والقدرات الواقعية لدولتهم تجنبا للخلط بين الواقع والمأمول، أو الحقيقة وأشباه الخيال.
ثانيا: إعداد غرف العمليات المدنية

وتنقسم هذه الغرف نوعيا إلى قسمين: غرفة رئيسية ترتبط ارتباطا مباشرا بكل من قيادة القوات المسلحة والقيادة السياسية العليا. ومجموعة أخرى من الغرف بكل وزارة ومرفق، ومحافظة ومدينة، وتخضع هذه الغرف جميعا للغرفة الرئيسية الأولى بالأسلوب التدريجي المعروف.
وبالطبع يوجد لكل غرفة من هذه الغرف غرفة أخرى تبادلية تستخدم عند اللزوم.
وتقوم هذه الغرف كل في مكانها بالسيطرة على فصائل المقاومة الشعبية، وتوجيه الدفاع المدني ليستطيع حماية المنشآت الحيوية، مثل منشآت الري والصرف والمياه والمجاري والكهرباء والسكك الحديدية، فضلا عن المعاونة على استمرار هذه المنشآت فيما لو تعطلت بفعل فاعل.
ثالثا: تكوين فصائل المقاومة الشعبية والدفاع المدني

وتتكون فصائل المقاومة الشعبية ممن فاتهم أو لم يصبهم الدور الالتحاق بالقوات النظامية، حيث يلحق هؤلاء الأفراد بتنظيمات شبه عسكرية تتولى تدريبهم على أعمال المقاومة الشعبية مثل: مقاومة الهابطين بالمظلات، والكشف عن الجواسيس والعملاء، وتقدم المعاونة للقوات النظامية .
وأما فصائل الدفاع المدني فتتكون من كل القادرين على أعمال الدفاع المدني المتعلقة بإنشاء المخابئ، وإطفاء الحرائق، وإسعاف الجرحى، وقيادة المواطنين عند الغارات، بل وحتى حياكة الملابس العسكرية المطلوبة للمحاربين.


المبحث الثاني

إعداد الجبهة السياسية

فالحرب الناجحة محصلة أمرين: إعداد سياسي جيد، وخطة عسكرية متقنة. ويعتمد الإعداد السياسي أول ما يعتمد على تهذيب أهداف الحرب لتكون متوافقة مع القانون الدولي العام، فهذا التوافق بين أهداف الحرب وبين القانون الدولي العام هو الأساس الذي تستند إليه الدول المحاربة حين تنادي بحقها في الحرب، كما أنه طريقها الواسع للحصول على تأييد الغالبية العظمى من دول العالم، فكما أنه لا قيمة لحق لا تحميه القوة، فإنه لا قيمة لقوة تتجه إلى غير حق، ولا يغرنا في هذا تقلب بعض الغاشمين في بعض البلاد فمثل هذا مصيره إلى زوال، إذ لا يصح إلا الصحيح ولو بعد حين.
وبعد أن تثق الدول في مشروعية أهدافها، فإنها تتجه إلى المحافل الدولية حيث تقوم بعرض قضيتها هناك، قاصدة بذلك إظهار مالها من حق، وما عليه عدوها من باطل، إذ بذلك تزداد قوتها بازدياد المؤيدين، وتنقص قوة عدوها بانصراف المشايعين.
وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل الإعداد السياسي للحرب، فيها تحفز الدولة المحاربة كل الهمم الدولية حتى تمارس الضغط المطلوب على العدو قبل وبعد المعركة معه. وبقدر ما تنجح الدولة في عرض قضيتها، وفي كسب المؤيدين لها، بقدر ما ستجني - فيما بعد - ثمارا طيبة للحرب التي ستخوضها.
ولا تكتفي- الدول في مجال الإعداد السياسي للحرب -بتلقي البركات من غالبية الدول، بل إنها تقوم بعد ذلك بتصنيف هذه الدول لتخرج من بينها الدول التي تتعدى مرحلة التأييد الرسمي إلى مرحلة التحالف. فلكل دولة حلفاؤها، سواء تدنى هؤلاء الحلفاء إلى مرحلة التأييد الشعبي والرسمي، أم ارتفعوا إلى مرحلة الاشتراك في العمليات العسكرية.
والدول الماهرة هي التي تعد هؤلاء الحلفاء بأسلوب مدروس ليكونوا سندها وعمقها حين يبدأ القتال.
وليست هناك وسيلة واحدة لإعداد كل هؤلاء المتحالفين فدول التأييد الرسمي والشعبي لابد لها من عدد كاف من الديبلوماسيين والإعلاميين المهرة الذين يعرفون طريقهم لتنمية واستثمار هذا التأييد، وأما دول العمق المكاني والتسليحي والاقتصادي، فلابد لها من لجان متخصصة تعرف كيف تسيل الماء في القنوات الجافة، وأما الحلفاء المقاتلون فيتم التنسيق معهم على أعلى مستويات التنسيق حتى نضمن لأنفسنا إيقاعا موافقا في العمليات العسكرية يخدم في نهاية الأمر هدفنا الاستراتيجي العام .

المبحث الثالث

إعداد الجبهة الاقتصادية

وقد تعاظمت أهمية هذه الجبهة بظهور الدول التدخلية واضطرار - حتى الدول اللاتدخلية - إلى التدخل في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لضمان حل المشكلة الاقتصادية (نسبة الكثافة السكانية إلى نسبة الموارد الاستراتيجية) والمشكلة الاجتماعية (نسبة التكافل الاجتماعي المطلوب إلى نسبة العمالة المنتجة).
ويعبر عن إعداد الجبهة الاقتصادية بتحويل الاقتصاد من مدني إلى حربي، ويتم ذلك بوسائل عدة منها توجيه معظم الموارد للمجهود الحربي بما يعينه ذلك من تعطيل جزئي لبعض الخطط الاقتصادية المدنية. وكذلك توجيه السياسات المالية والسعرية والنقدية والادخارية لتخدم من الإنتاج إلى الإنتاج الحربي المباشر، وكذا الحد من الاستهلاك وبناء المخزون الاستراتيجي اللازم.
وبالإضافة إلى هذا يتم وضع الوسائل الاقتصادية اللازمة لتجاوز أثر الحرب على الميزان التجاري نظرا لما سيصاحب الحرب من انخفاض في الصادرات وزيادة في الواردات. وأثرها على النفوس العاملة، نظرا لما سيصاحب الحرب من امتصاص جانب كبير من العمالة والخبرات والمهارات لصالح الأغراض العسكرية، وأثرها على الدخل العام، لما سيصاحب الحرب من تأثير عل قطاع الخدمات من نقل ومواصلات وسياحة.. إلخ ..


المبحث الرابع

إعداد الجبهة الإعلامية

والتأكيد على أهمية هذه الجبهة وأنها أحد ركائز الحرب الناجحة، قد صار من نافلة القول الآن.
وأول الطريق لإعداد هذه الجبهة هو إعداد الكوادر الإعلامية الحرفية، فهذه الكوادر المؤهلة والواعية هي العنصر الحي الذي يحيل الأجهزة والسياسات الإعلامية إلى واقع حي مثر.
ثم يأتي بعد ذلك دور الأجهزة الإعلامية، وهي على نوعين رئيسيين: أجهزة الكلمة المقروءة، وأجهزة الكلمة المسموعة.
ويتم التعبير عن الكلمة المقروءة بوسائل عدة تنقلب من البسيط إلى المركب حين ننتقل من حيز النشرات والكتيبات إلى حيز الكتب والصحف والمجلات المحلية والعالمية.
وأما التعبير عن الكلمة المسموعة فيتم بطرق عدة من مثل: الإذاعة، مرئية وغير مرئية، والأفلام التسجيلية التي تبثها قوافل الاستعلامات مصحوبة بشرح سياسي واف، والندوات والمحاضرات واللقاءات السياسية التي تنظمها وسائل الثقافة الجماهيرية والتثقيف السياسي، وأخيرا فهناك المسرح السياسي أو الوطني الذي يتعاظم دوره في زمن الحرب خصوصا إذا كان مرتكزا على أصول دينية كالمسرح الإسلامي في مصر وبعض البلاد الإسلامية.
وتعتبر هذه الأجهزة المختلفة وسيلة مماثلة للأجهزة الديبلوماسية ولكن في المجال الإعلامي، فإنه إذا كان مجال الديبلوماسية هو الأشخاص الرسميون وأصحاب القرار فإن مجال الأجهزة الإعلامية هو قطاعات الرأي العام والمراكز المؤثرة على صناع القرار، فالمعنى واحد وإن اختلف المجال.
ولا قيمة لهذه الأجهزة ما لم تتبع سياسة إعلامية ناجحة، لا تلتزم، إن التزمت، إلا بالواقعية، وعرض الحقائق، فلم يعد ممكنا إخفاء الحقيقة الآن كما أن الناس لم يعودوا يقبلون التلون بأذواق النفعيين الذين يجيدون فن الإعلان لا الإعلام.
وحين تقوم الدولة على استكفاء الكوادر الإعلامية، والأجهزة التعبيرية، والسياسات السليمة، فإنها تضمن لمقاتليها، إذ يحاربون، ظهرا محميا من الإشاعات الفتاكة والآراء الهدامة التي تبثها أجهزة الحرب النفسية المعادية طوال فترة الحرب.


فصل خاص


في الحرب النووية

تمهيد

يرى بعض المحللين أن الحرب النووية لا تعد حربا بالمعنى الفلسفي للحرب، ويصدرون في ذلك عن أن الحرب عمل منظم بطبيعته، بينما الحرب النووية ليست إلا نوعا من الفوضى ليس إلا.
ولعل مما يؤيد هذا الرأي، أن الأساس الفكري لاستخدام الأسلحة النووية الشاملة - فيما لو استخدمت - لن يكون إلا الجنون في حالة الهجوم، أو التشفي والانتقام في حالة الرد بالهجوم المضاد. إذ لا يعقل أن يكون استخدام مثل هذه الأسلحة نوعا من السياسة بوسائل أخرى!!..
ولا يخل بهذا الرأي ظهور الأسلحة النووية التكتيكية، إذ ما زلنا ننظر بعين الشك والريبة إلى إمكانية استخدام هذه الأسلحة بأسلوب العمليات التقليدية (هجوم ويلحق به المعارك التصادمية والمطاردة والتعزيز، ودفاع ويلحق به القتال داخل الحصار والقتال بقصد التخلص والارتداد لإعادة التجميع)، وقنبلتا هيروشيما ونجازاكي أصدق شاهد على ما نقول.
كما لا يثنينا عن تأييد هذا الرأي، ما تعارفت عليه الجيوش الحديثة من تدريب قواتها على أساليب الوقاية من الأسلحة النووية، إذ غاية ما نسلم به مع هذه الأدلة المناهضة هو اعتبار الحرب النووية - خصوصا في صورتها الشاملة - نوعا من الحرب التهديدية ليس إلا.
ولعل تأييدنا لمن ينكرون على الصدام النووي صفة الحرب، هو الذي دفعنا إلى دراسة هذه الحرب - إذا جاز تسميتها حربا- في فصل خاص نكتفي فيه بالإشارة إلى المبدأين اللذين يحكمان هذه الحرب، ألا وهما الصدقية، والقدرة على توجيه الضربة الثانية.
ونتناول فيما يلي كلا من هذين المبدأين:
أولا : مبدأ القابلية للتصديق

وأساس هذا المبدأ ما ذكرناه من أن الحرب النووية ليست إلا حربا تهديدية تخاض بالتهديد الجدي لا بالتنفيذ الفعلي. ولهذا فلا يتصور أن تحسم هذه الحرب إلا بأسلوب واحد هو إقناع العدو- ليس فقط بامتلاكنا للمتفجرات النووية - وإنما كذلك بامتلاكنا للوسائط اللازمة لنقل هذه المتفجرات إلى الأهداف المختارة، ولن يتحقق هذا الاقتناع لدى العدو إلا إذا كانت الشواهد كلها تدل على صدق ما نهدد به. فعند هذا القدر من التصديق تحسم الحرب، وتؤتي ثمارها المرجوة، بالرغم من أنها ستبقى في إطارها المرجو لها ألا وهو إطار اللاتنفيذ.
ثانيا: مبدأ القدرة على الضربة التالية

وإذا اعتبرنا أن المبدأ الأول « القابلية للتصديق » هو أساس الهجوم في الحرب النووية، فإن هذا المبدأ « اعتقاد العدو بقدرتنا على توجيه الضربة التالية » هو أساس الدفاع في هذه الحرب.
فالمبدأ المكافئ للمبدأ الأول، يتحقق بإحساس العدو بقدرتنا على رد ضربته بضربة مماثلة في القوة ومضادة في الاتجاه. فعند هذا القدر من القناعة يتحقق التوازن المطلوب للرعب النووي لدى الطرفين، وتخرج بالتالي الوسائل النووية من حلبة التأثير في الصراع السياسي بينهما.


خاتمة

وبعد.. فقد كانت تلك رسالتنا عن المبادئ العامة للحوب التقليدية، وقد توخينا فيها التأصيل مادام مفيدا، والإيجاز مادام كافيا. كما كان حسبنا من هذه الرسالة أن نحيط إحاطة ثقافية بالقواعد الأصولية للحروب وكيفية الإعداد لها، ولهذا فقد راعينا في هذه الإحاطة الثقافية اجتناب التفصيلات الفنية إلا بالقدر الذي نحتاجه لشرح قاعدة أصولية، بل لقد استبعدنا - أحيانا - بعض النظريات الأساسية ما دامت ستجرنا إلى تفصيلات تزيد عن حاجة هذه الدراسة كثيرا، وكان من هذا الذي استبعدناه ما يلي:
1 - نظريات الأمن، وقد استبعدناها عند الحديث عن الحرب التقليدية، نظرا لتعدد هذه النظريات واحتياجها لدراسة خاصة مستقلة توضح النظريات المختلفة للأمن من مثل: نظرية الضمانات الدولية، نظرية الاعتماد على الحلفاء الأقوياء، نظرية الحدود الآمنة، نظرية القوة الرادعة.
2 - الاستراتيجيات المختلفة للعمليات الفعلية من مثل: إستراتيجية المناورة المباشرة، والتي تعتمد على البدء بالتمهيد النيراني المدمر، ثم التقدم لاكتساح الدفاعات مع التوقف بعد إقامة رؤوس الكبارى، وبعد كل استيلاء على خط دفاعي لتأمين الأوضاع، وصد وتدمير الضربات المضادة في مناطق قتل محددة سلفا، ثم تطوير الهجوم لمرحلة تالية، وهكذا.
ويقابل هذه الاستراتيجية استراتيجية الاقتراب غير المباشر التي تعتمد على اختراق قطاعات محدودة بثلاثي (الطائرة - الدبابة - المشاة الميكانيكية)، وتطوير هذا الخرق في العمق التعبوي بقطع خطوط المواصلات، وبث الاضطراب في القيادات الخلفية، ومراكز الشئون الإدارية.
وإلى جوار هاتين الاستراتيجيتين هناك استراتيجية السلاح الحاسم، والتي تعتمد على سلاح معين بصفة أساسية في حسم المعركة، وقد كان هذا السلاح الحاسم في أول الأمر هو السلاح البحري، ثم حل محله فيما بعد السلاح الجوي، وبالاعتماد على هذا السلاح يتم دفع الخطوط الجوية دائما للأمام، ثم تتولى هذه الخطوط بدورها التمهيد لاستيلاء القوات الأخرى على الخطوط التالية، ثم تبدأ عملية دفع جديدة للخط الجوي، وهكذا.
3 - ومن ناحية أخرى فقد استبعدنا بعض التفريعات الفنية، من مثل عناصر الصدم والسيطرة والشئون الفنية في التكتيك، ومن مثل كيفية التجهيز الفني لمسرح العمليات سواء في جانبه الإيجابي المتمثل في تجهيز المسرح لخدمة قواتنا، أو في جانبه السلبي المتمثل في إعداد الوسائل الكفيلة بالحيلولة دون استفادة العدو من تجهيزاته لمسرح العمليات، ومن مثل أنواع الأسلحة النووية وأنواع الوسائط الحاملة لها سواء في الهجوم أو في الشبكات المضادة.
وقد كان أساس استبعادنا لهذه التفريعات الفنية هو احتياجها لدراسة تفصيلية تجاوز الغرض المنشود، فضلا عن أنها تفوق طاقتنا في الوقت الحاضر، وإن كان أملنا كبيرا في العودة لهذه التفريعات بدراسة تفصيلية إن لم يكفنا غيرنا مشقة الكتابة فيها بالطبع.
وبقيت كلمة أخيرة.. أننا مطالبون بالأخذ بكل أسباب القوة، ولكننا مطالبون كذلك بأن نستيقن بأن النصر من عند الله.
أقول ذلك مهما ظن الدهريون أنهم قادرون على ما يريدون.
{وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله}
صدق الله العظيم
ا لزخرف / 84

 

 


   

رد مع اقتباس