عرض مشاركة واحدة

قديم 25-02-09, 07:07 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

ثانيا – المبادئ الثانوية للاستراتيجية

وللاستراتيجية مبادئ أخرى، يثور الجدل أحيانا حول الاعتراف بأهميتها الاستراتيجية، إلا أن الذي يعنينا هنا، أن نؤكد أنه لا قيمة لهذه المبادئ الأخرى بمفردها، فهي لا تعني شيئا بدون المبادئ الرئيسية التي سبق الإشارة إليها.
ومن هذه المبـادئ « البساطـة » والتي تتطلب من القـائد - إذا توافرت له عدة خطط سليمة - أن يختار أبسطها، فكلما اتسمت الخطة بالبساطة، قلت الأخطاء التي لابد أن تصاحب كل حرب.
فالقادة المهرة يعرفون أن الحرب التقليدية بطبيعتها غنية بالمشاكل، سواء أكانت هذه المشاكل إدارية تتعلق بمتطلبات الإعاشة والإمداد بالذخيرة والعتاد والوقود واستعواضهم، أو مشاكل قتالية تتعلق بوصول القوات إلى المحلات المختارة في إطار من السرية والأمن، ثم قدرتها على تنفيذ المهام الموكلة إليها بنجاح، سواء كانت هذه المهام معدة من قبل، أم متغيرة وفقا للمواقف المتحددة للقتال وليست هذه المشاكل وحدها بالأمر اليسير لكي يضيف إليها القائد خطة معقدة.
ومن المبادئ الأخرى كذلك « التعاون » فطابع الحرب التقليدية وخصوصا الحديثة منها، هو التعاون بين الأسلحة المختلفة في تقسيماتها الرئيسية إلى برية وبحرية وجوية ودفاع جوي، أو في تقسيمات الأسلحة الفرعية التابعة لكل قسم من الأقسام السابقة.
ولم يعد ممكنا في الوقت الحاضر كسب الحرب إلا إذا عملت القوات المسلحة كلها بنغمة واحدة، وبإيقاع واحد سواء في البر، أو في البحر، أو في الجو.
ولا يكفي التعاون وحده لتحـقيق الغرض المنشود إلا إذا صاحبه تنسيق دقيـق كذلك، فقد كان سـر نـجاح الألمـان - مثلا - في الحرب العالمية الثانية، هو قدرتهم على التنسيق بين طاقم (قاذفة القنابل - الدبابة- المشاة الميكانيكية).
ويتطلب تحقيق التنسيق بنجاح وصول المعلومات الصحيحة باستمرار، ذلك أن التنسيق بين القوات قي الجيوش الحديثة يتم في مركز القيادة العليا، ومن على الخرائط المبسوطة، نظرا لاتساع مسارح العمليات في الوقت الحاضر.
كما أنه لضمان نجاح التعاون والتنسيق بالمفهومين السابقين، لابد من توافر وسائل الاتصال الكافية، رئيسية وتبادلية، وعلى أن تتميز جميعها بالكفاءة والتنوع فضلا عن سريتها بالطبع.
ومن المبادئ الأخرى للاستراتيجية كذلك « توحيد القيادة ». فالتحركات الاستراتيجية تتم في كثير من الأحيان بناء على معلومات ظنية الثبوت أو الدلالة، حيث تتعلق هذه المعلومات بتصميم العدو، ومكان قواته، ومواعيد تحركها، وحجم هذه التحركات، ولا يتم اتخاذ القرارات المناسبة لهذه المعلومات إلا على بساط الافتراض، مما يتطلب عزما وحسما شديدين.
ولا ضير في توحيد القيادة، مادام القائد مختارا من بين أقرانه لبعد نظره، وصوابية حكمه، وسلامة بصيرته وعقله اللماح، وشخصيته الفذة.
فالقيادة وفق هذه الميزات أفضل بكثير من مجالس الحرب، التي تتألف من أنداد، يستطيع كل منهم عند اللزوم أن يحمل زميله مغبة النتائج التي غالباً ما تكون كارثة، فالعدو غالبا ما يعقبهم من اتخاذ القرار بعد أن تطول مناقشاتهم.

* * *
ويتبقى لدينا بعد ذلك من المبادئ الأخرى للاستراتيجية أربعة مبادئ على جانب كبير من الأهمية، وهذه المبادئ هي: الاقتصاد في القوة، والمحافظة على الهدف، وضمان الشئون الإدارية، وارتفاع الروح المعنوية.
ويعني مبدأ « الاقتصاد في القوة »، الاكتفاء عند دفع القوات للاشتباك الفعلي بالقدر الملائم منها للظروف، مع الاحتفاظ بالقوات المتبقية دون دفع، فبعد حشد القوات للنقط الحاسمة من مسرح العمليات، لا يشترط دفع هذه القوات جميعها، وإنما يتقيد الدفع الفعلي لهذه القوات بمبدأ الاقتصاد في القوة.
وتعتبر مراعاة هذا المبدأ ضمانة هامة لتحقيق المرونة في التنفيذ، وتحقيق القدرة على مواجهة المواقف الطارئة.
وأما مبدأ « المحافظة على الهدف » فيعني التزام - القادة كل في موقعه بالهدف المحدد له في الخطة، حيث لا يصح أن يلهيه عن هذا الهدف وقائع الحرب مهما كانت، أو مغريات التنكب مهما عظمت.
وليس معنى ذلك أن هذا المبدأ يعني الجمود التام، أو التنكر لمعطيات الواقع أثناء القتال، فللقادة أن يتصرفوا عند التنفيذ بمرونة وذكاء، على أن يراعوا دائما مع تعدد الحركة ثبات الهدف، أو كما قال القائد الروماني الشهير رومونوس: « لا يهم ما دامت كل الطرق توصل إلى روما ».
وأما عن « الشئون الإدارية »، فقد تناسبت أهميتها طرديا مع تعاظم الاحتياجات القتالية في الحرب الحديثة، فالجند، لا يستمرون في القتال بمعدة خاوية، أو خزنة فارغة، كما أنهم لا يتنقلون بعربات خالية من الوقود، فضلا عن أنهم لا يقاتلون بدبابة لم يتم إصلاحها أو طائرة لم تتحقق صيانتها.
ونحن سنسلم أكثر بأهمية الشئون الإدارية، إذا عرفت أن كل المشاكل السابقة ليست إلا قليلا من كثير، وغيضاً من فيض من مشاكل الشئون الادارية، تلك المشاكل التي تمتد لتشمل كل ما يساعد على تحلي الجنود بالرغبة المتجددة للقتال، بالغة ما بلغت احتياجاتهم الإدارية في هذا الشأن، حتى لو تعلقت بعلاج مرضاهم، وإخلاء جرحاهم، أو حتى الترفيه عن الأصحاء منهم، ولهذا ذاع القول المأثور: « إن الصحراء جنة رجال التكتيك ونار رجال الشئون الإدارية ».
وأما « الروح المعنوية »، فقد كان أحسن ما قيل فيها: « أن السلاح بالرجل ». فالجندي الشجاع تتجنبه الطلقة، ويرتعش أمامه السونكي. وكم من حروب كانت الروح المعنوية أساس الهزيمة فيها.
وليست هناك وسيلة واحدة لرفع الروح المعنوية، فهناك وسائل متعددة، أهمها بث الإيمان بين الجنود، واختيار قادة العمليات من بين القادة الصالحين والمعروفين بالحرفية اللازمة لكسب الحرب، وكذا التأكيد الدائم على استمرار الاستعداد العالي للقوات ورئاستها، وكذا على الاحتفاظ دائما باللياقة البدنية العالية.
والروح المعنوية في المجال الاستراتيجي، تتوقف في كذلك على محبة الجنود لقائدهم الأعلى، وتمتع الأخير بثقتهم فيه، وذلك إنما يكون باحتفاظه الدائم بوضوح الرؤية أثناء الحرب.




المبحث الثاني

التكتيك

تحدثنا من قبل عن المبادئ الاستراتيجية، وتبين مما قلناه أن الاستراتيجية ترتبط بتحرك القوات وأوضاعها قبل المعركة، وبالتأمل، لا يخفى أن الغرض من تطبيق مبادئ الاستراتيجية هو إجبار العدو على القتال في الوضع الذي لا يلائمه عند الاتصال به بهدف الفوز بالنصر في مواجهته.
لكن إحراز هذا النصر لن يتأتى بتطبيق المبادئ الاستراتيجية وحدها، بل يجب أن يتوج التطبيق المبدع لهذه المبادئ الاستراتيجية بنجاح تكتيكي كذلك، إذ لا تغني الاستراتيجية الناجحة عن اتباع التكتيكات السليمة داخل المعارك المختلفة التي تنظمها الحرب، فالتكتيك الفاشل لن تجدي معه الاستراتيجية المنتهجة مهما كانت درجة تفوقها.
ويقصد بالتكتيك في مجالنا هذا: القواعد التي تستخدم لتحقيق التأليف الصحيح بين النار والحركة بغرض إحراز قوة الصدم المطلوبة، وكذا الاستفادة التامة من الخصائص الفنية للسلاح المستخدم.
ولا يؤثر في بقائنا في نطاق تطبيق القواعد التكتيكية أن تكون الوحدة المستخدمة من النطاق التعبوي، فمبادئ التكتيك التي ستمر بنا بعد حين تشمل ما دون الاستراتيجية ولو كان تعبويا.
وللتكتيك عنصران رئيسيان هما: النار، والحركة. وينتظم هذين العنصرين مبادئ عامة هي بعينها مبادئ الاستراتيجية وإن تبلورت لتلائم المجال التكتيكي بالطبع. وفضلا عن هذه المبادئ العامة فهناك مبادئ خاصة لكل عنصر من عنصري التكتيك.
وسنتناول في القسمين التاليين مبادئ كل عنصر من عنصري التكتيك، أي مبادئ النيران ومبادئ الحركة.
القسم الأول:

مبادئ النيران

ويعتبر استخدام النيران في المعارك التقليدية الحديثة هو الأساس، ويستثنى من ذلك حالات قليلة قد ستخدم فيها السلاح الأبيض. ويتوقف النجاح التكتيكي كثيرا على التخطيط الدقيق للنيران.
ويكون التخطيط النيراني دقيقا ومحكما إذا ما روعي فيه المبادئ العامة التالية:
أولا الحشد:

ويقصد بالحشد في هذا المجال تجميع أكبر قدر ممكن لمصادر النيران في المراكز الرئيسية للمعركة التكتيكية.. ويتطلب تحقيق هذا الحشد مراعاة التأليف الصحيح بين السلاح المتيسر والمحلات المختارة له بعناية، وهذا بالطبع مع مراعاة التنسيق الكامل مع المستوى الاستراتيجي والمستويات التكتيكية الأخرى.
ثانيا - المفاجأة :

فلا قيمة لهذا الحشد إذا أتى بطريقة يتوقعها العدو، ويعد لها الوسائل المضادة المناسبة، فلابد لكي نجني الثمرة المرجوة من أن نحرم العدو من الوقت الكافي والاستعداد المناسب لمواجهة التخطيط النيراني المعد ولن يتحقق هذا إلا بمفاجأته بالنيران.
ثالثا - الدقة والمرونة

فلن يكلل الحشد، ولن تتوج المفاجأة بالنجاح، إلا إذا كانت النيران معهما دقيقة ومرنة، خصوصا وأن التقدم العلمي الهائل قد أدى إلى ضمان سقوط النيران في البقعة المطلوبة بالضبط، كما أنه أدى كذلك إلى تحقيق القدرة على المناورة بالنيران بالطريقة المطلوبة تماما.
رابعا - الاستمرار:

فقد تتوافر للقائد المحلي كل العوامل السابقة، إلا أن ذخيرته تنفذ دون أن تكون هناك خطط موضوعة لضمان استعراضها واستمرارها، وهنا يتكفل العدو غالبا بحل هذا الأشكال.

القسم الثاني:

مبادئ الحركة


وتتحرك القوات في الميدان تحركات متعددة، إلا أن هذه التحركات مهما تعددت لا تخرج عن إطارين هما: التحرك للهجوم، والتحرك للدفاع.
ولكل من الهجوم والدفاع مزايا معروفة تكتيكيا، فالمهاجم يتمتع باختيار وقت ومكان المعركة، بينما المدافع يتمتع في مواجهة ذلك بميزتين رئيسيتين هما: دراسة الأرض، وتجهيزها هندسيا، وقد يتمتع المدافع إلى جوار ذلك بميزات أخرى قد لا تتوافر في كل معركة ونعني بذلك دعم الشعب، والميل الغريزي للجند نحو الوله بتراب الأرض، وكذا الموانع الطبيعية الصعبة.
هذا، وليس من الميسور الجزم مسبقا بتفوق الشكلين السابقين في المجال التكتيكي، فالفصل في ذلك ليس مطلقا ومجردا، وإنما هو يتم بناء على عوامل فنية كثيرة، يدرس القادة المهرة معطياتهم، ثم يحددون على أثرها الشكل الذي يرونه محققا أقصى القوة لقواتهم على أرض الواقع.
وعلى أية حال فسنتناول فيما يلي كلا من الدفاع والهجوم.

أولا - ا لهجوم:

وللهجوم أشكال ثابتة، ومعروفة، هي: الالتفاف، والتطويق، والاقتحام بالمواجهة.
ويتوقف اختيار الشكل المناسب منها على عوامل فنية كثيرة، أهمها: الظروف الطبوغرافية، ونظم دفاعات العدو، وأسلوبه في العمل، فضلا عن الموعد المطلوب تحقيق الهجوم فيه ليلا أم نهارا.
ويقصد بالالتفاف: التقدم على أجناب العدو ومؤخرته المباشرة، مع معاونة ذلك بهجوم تثبيتي (ثانوي) آخر على المواجهة.
ولا يختلف التطويق عن الالتفاف إلا في عمق المدى، فالتطويق لا يتم على الأجناب والمؤخرة مباشرة، وإنما يتم بعيدا عنهما، كما قد لا يكون هناك تعاون مباشر دائما بين قوات الأجناب وقوات المواجهة في مجال التطويق.
وقد يتم الالتفاف بجناح واحد على جنب واحد وهنا يسمى بالالتفاف المفرد، وقد يتم بجناح واحد على كل جنب من الجنبين وهنا يسمى بالمزدوج، كما قد يكون الالتفاف بجناحين على كل جنب من الجنبين وهنا يسمى بالمركب، ونفس الشيء تماما بالنسبة للتطويق.
وأما الاقتحام بالمواجهة فيقصد به أحد شكلين: إما الهجوم على مواجهة واسعة، وإما الهجوم على مواجهة ضيقة واختراقها ثم الاتجاه إلى خلف أجناب العدو وإلى مؤخرته، وفي هذه الحالة تكون تسميته الدقيقة هي الاختراق بالمواجهة.
ويتم اختيار الشكل الأول (الاقتحام بالمواجهة) إذا أريد إجبار العدو على توزيع مجهوده، وتضليله على اتجاه المجهود الرئيسي للضربة. بينما يتم اختيار الشكل الثاني (الاختراق بالمواجهة) في حالة ما إذا كانت أجناب العدو قوية ومحمية بدرجة مناسبة، بينما تكون دفاعات الوسط ضعيفة إما لعدم حمايتها بدرجة كافية، وإما لوقوعها بين فواصل الوحدات.
وأيا ما كان الشكل المتخذ للهجوم، فإن القادة المهرة لا يهملون فيه السرية، وإحماء القوات للقتال بحسم وعزيمة، وكذا المحافظة على القوة الدافعة للهجوم، والمبدأ الأخير ليس بالأمر الهين لما يتطلبه من استعواض مستمر لكميات في الذخيرة والعتاد تتعاظم بتعاظم مواجهة المعركة وعقمها.
وقد يلحق بالهجوم شكلان آخران يسمى أولهما بالمعركة التصادمية، وهي تنشأ من فجاءة القوات المتضادة كل منها بالأخرى. والنجاح في هذا الشكل للخصم العنيد المصمم، الذي يسرع بالفتح المناسب في تشكيل المعركة، وبعد أن يكون قد أخذ حذره واحتياطه من قبل بدفع مفارز متقدمة أثناء السير مهمتها التنبيه إلى العدو وأوضاعه فور ظهوره، ثم تعطيله حتى تسرع القوة الرئيسية بالفتح للمعركة.
وثاني هذين الشكلين يسمى بالمطاردة وتعزيز الأراضي المكتسبة، ويؤتى هذا النوع ثماره بالمحافظة المستمرة على الاتصال بفلول العدو المنسحبة، لما يعنيه هذا الاتصال من استمرار الضغط على العدو، وحرمانه من أية فرصة لتجميع قواته أو التقاط أنفاسه.
وفي الختام، يجدر التنويه إلى أن التنفيذ العملي لأي من أشكال الهجوم السابقة يصاحبه اختيارات كثيرة، سواء في نقطة الفتح للهجوم، والتي قد تكون من الاتصال القريب أو من العمق، وهذا يتوقف بدوره على طبيعة دفاعات العدو (مجهزة أو غير مجهزة)، ونوع دفاعه (ثابت - متحرك) وشكل دفاعه (خطي –صندوقي –دائري)، كما يتوقف كذلك على مسرح المعركة، هل هو صحراوي أم يقع في المدن؟ وهل أي منهما به موانع أو بدون موانع؟ وكذا تتوقف نقطة الفتح للهجوم على وقت المعركة، هل هو ليلا أم نهارا؟.
وهناك كذلك اختبارات أخرى تتعلق بنوع القوات المستخدمة لتحقيق شكل الهجوم، والغالب الآن - استجابة لمعطيات معركة الأسلحة المشتركة - أن يتم التنسيق بين كافة أنواع القوات، سواء البحرية، أم البرية، أم الجوية وبالأفرع المناسبة من كل منها بالطبع.
وبالإضافة إلى هذه الاختبارات، فهناك أيضا الاختبارات التي تتعلق بالأنساق التي تدفع للمعركة، وأسلوب دفعها.
وللهجوم الليلي اختيارات خاصة تتعلق بدرجة الصخب المسموح بها، فهل يكون صاخبا؟ وفي هذه الحالة يبدأ بالتمهيد النيراني المناسب بالأسلحة الثقيلة وبالأضاءة المناسبة، أم يكون صامتا؟ وهنا لا تستخدم نيران الأسلحة الثقيلة ولا تضاء أرض المعركة إلا بعد اكتشاف العدو للهجوم، أم يكون جامعا بين النوعين السابقين بحيث يكون صامتا/ صاخبا؟ وهنا لا يصدر القائد أوامره بصخب الهجوم إلا بعد مرور قواته، المناطق الأكثر تعرضا لنيران العدو.
وغني عن البيان أنه لا يتصور أن يبدأ الهجوم - صاخبا ثم ينقلب صامتا كما يظهر بأدنى تأمل.

ثانيا - الدفاع:

ولا يعني الدفاع قط التخلي عن المبادئ الصحيحة لاستخدام القوات، بل ولا يعني حتى مجرد ترك المبادأة. فالدفاع لا يعني فقط سوى الانتظار، وفرق بين الانتظار والسلبية الظاهرة، والقادة المهرة يعرفون ذلك، ولهذا تجدهم ما أن يتعين الدفاع شكلا للمعركة المرتقبة، إلا ويعمدون إلى المبادرة بانتخاب المحلات المختارة، وتوزيع القوات عليها توزيعا مناسبا ثم موالاة التبصر بأحوال العدو، والترقب له حتى يقع في الفخ المنصوب له، وهنا تجد المدافعين وقد عمدوا فورا إلى الهجوم المضاد المعد له من قبل، ثم يستمرون في المحافظة على هذا الهجوم حتى يتحقق لهم الحسم.
أما لماذا يتعين الدفاع كأمر حتمي أحيانا؟ فدون ذلك أسباب متعددة منها: تعذر القيام بالهجوم، أو عدم ضمان نتائجه، أو كون دفاعات العدو قوية ومتفوقة بحيث لا يكون مناسبا مهاجمته إلا بعد تكبيده خسائر كبيرة في معركة دفاعية ناجحة، كما قد يتحتم الدفاع أحيانا عند توفير القوات لحشدها في الاتجاهات الرئيسية أو عند الاحتفاظ بإحدى الهيئات الحاكمة.
هذا، وللدفاع شكلان رئيسيان، دفاع ثابت، ودفاع متحرك، ويتميز الأخير بوجود احتياطات تكتيكية تتولى الدخول مع العدو المقتحم في معركة تصادمية، أو تتولى القيام بالهجوم المضاد عليه في أماكن معدة له بعناية من قبل.
وأما الشكل الذي تقبع فيه القوات في وضعها الدفاعي، فقد يكون خطيا، وفيه تكون القوات في الغالب على خطين أمامي وخلفي، وقد يكون صندوقيا، وفيه تتخذ القوات وضعها على شكل مستطيل، كما قد يكون دائريا تقبع فيه القوات في شكل دائري يتيح لها الدفاع في جميع الاتجاهات.

* * *
ومع أي من هذه الأشكال قد يكون التجهيز الهندسي قويا ومجهزا، أو على عجل وغير مجهز، والغالب الآن نظرا لميوعة العمليات العسكرية وسرعة إيقاعها أن يبدأ المدافع معركته من دفاعات مجهزة ثم تتداخل القوات بعد ذلك ويضطر كل منها إلى اتخاذ مواقف دفاعية كثيرة وسريعة لا تسمح سرعتها غالبا بأي تجهيز.
وجدير بالختام أن نشير فيه إلى أن هناك حالتين تلحقان بالدفاع ألا وهما القتال داخل الحصار، والقتال بقصد التخلص من المعركة والانسحاب.
ولكل من هاتين الحالتين خواص مميزة، ويجمع بينهما أن النجاح فيهما مكتوب للقوات المدربة تدريبا عاليا، والممهدة نفسيا للعمل في أحلك الظروف.

 

 


   

رد مع اقتباس