عرض مشاركة واحدة

قديم 11-01-24, 07:44 AM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

إسرائيلي بنكهة أميركيّة

في القدرة المذهلة على أن تجمع الشر من أطرافه
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نتنياهو (يمين) وبايدن (رويترز)

"يَا لَيْتَ لِي فِي الْبَرِّيَّةِ مَبِيتَ مُسَافِرِينَ، فَأَتْرُكَ شَعْبِي وَأَنْطَلِقَ مِنْ عِنْدِهِمْ، لأَنَّهُمْ جَمِيعا زُنَاةٌ، جَمَاعَةُ خَائِنِينَ"
سفر إرميا 9:2

في الولايات المتحدة، كان بنيامين قد استكمل حالة الأمركة، فاستبدل باسمه العبري اسما أميركيا، ليصبح بن ناتاي. وبعد تخرجه في كلية الأعمال بدرجة ماجستير، خاض سلسلة مرهقة من الاختبارات والمقابلات، ليُعيَّن من قِبل مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) التي كانت تُمثِّل وظيفة أحلامه. كانت مجموعة "BCG"، التي تأسست قبل ذلك الوقت بثلاثة عشر عاما فقط، في طريقها لتصبح واحدة من الشركات الاستشارية الرائدة، ولقد حصلت على شهرتها ونجاحها لنهجها الجريء في الاستثمار والحذر في الإدارة. ناسبت هذه الطريقة بيبي، الذي راح يمارسها إلى اليوم في نمط إدارته السياسيّة ومخاطراته الاستثمارية مع شركائه من أصحاب المال والأعمال.
حين كتب يوني في إحدى رسائله عام 1963 إلى أخيه عن مصير الإسرائيلي الذي ينتقل إلى العيش في الولايات المتحدة الأميركية، قال: "أمران يمكن أن يحدثا للإسرائيلي في أميركا: إما أن يتحول إلى أميركي خالص، وإما أن يتحول إلى صهيونيّ متحمّس بدمه وروحه أكثر مما كان في السابق". لم تكن خياراته حاصرة لجميع الاحتمالات، فقد وجد أخوه بنيامين طريقا ثالثة لم تخطر على بال يوني؛ صار إسرائيليا متعصّبا ولكن بعقلية أميركيّة.
رحَّب العاملون على الدعاية الصهيونيّة من الشبيبة الأميركية بانضمام نتنياهو إليهم، فنشط في أول الأمر في الصحف اليهودية المحليّة، وفي تقديم محاضرات في معابد بوسطن والاتحادات اليهودية حول أوضاع الكيان. لكن ذلك لم يكن ليرضيه، فالفتى الذي نشأ تحت سقف أستاذ التاريخ كان يؤمن بأن تغذية المجتمع بالأفكار جهد مُضاع، ما لم تجد طريقها إلى نخبة المجتمع والساسة، فحضَّ زملاءه على العمل على مستوى ولاية ماساتشوستس، وتوفير صالات أكبر، وعقد اجتماعات بين أعضاء اتحاد الطلاب الإسرائيليين والساسة وأعضاء الكونغرس. كان بنيامين يشيد لنفسه مكانة وسط أصوات الدعاية الإسرائيلية في الولايات المتحدة، بلغته الإنجليزية ومهاراته الخطابيّة، وجراءته في الحديث عن الكيان بحماسة من وضع سلاحه للتوّ عن عاتقه في سبيل كيانه. سينتزع الفتى الجموح بخطبه ثناءً طالما ضنَّ به والدهُ عليه، حين قال له "إنه يرى فيه ظِلالا من جده الحاخام".
وفي أوائل عام 1975، وصل قنصل إسرائيلي جديد إلى بوسطن. كوليت أفيتال التي انتزعت بمواهبها في الإعلام والعلاقات العامة مكانة في السلك الدبلوماسي الذي يسيطر عليه ذكور اليهود، وكانت أول دبلوماسية إسرائيلية تتنبه لمواهب الفتى البالغ من العمر خمسة وعشرين عاما، الذي يتشدّق بلهجة الأميركان، ويحكي بقلب صهيونيٍّ خالص. رتبت أفيتال لأول لقاء تلفزيوني رسميّ لبنيامين على محطات التلفزيون المحلية. بعد إلقائه للمحاضرة وانتهاء التصوير سلمت له المحطة ظرفا، فيه خمسة وعشرون دولارا، كان ذلك أول عهد نتنياهو ببيع الكلام. لم تكن تعرف أفيتال أنها برسمها لخط الانطلاقة لذلك الشاب وضعت خطا لنهاية مستقبلها في السلك الدبلوماسي، فبعد 22 عاما، سيصل نتنياهو إلى رئاسة الوزراء وسيُحيلها إلى التقاعد وهي السفيرة المخضرمة، بسبب موقفها الداعم لاتفاقية أوسلو.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


كوليت أفيتال الدبلوماسية التي قدمت نتنياهو للعالم بوصفه متحدثا باسم إسرائيل (رويترز)


تواترت أسفار بنيامين بين الولايات محاضرا وخطيبا، وبينما كان يبني حضوره الإعلامي، كان يغرسُ بذور فشل زواجه الأول من ميريام وايزمان، التي تعرّف عليها سنوات خدمته في الجيش، وكانت تسكن قرب دارهم في القدس. من بين زوجات نتنياهو الثلاث، بدت "ميكي"، كما اشتهرت، هي الخيار الأفضل لبنيامين، كان هذا شبه إجماع بين المقربين لبيبي. فقد أحبّها والداه، وكانت تقاسمه عقيدته السياسيّة، والأهم من كل ذلك كانت هي المرساة التي أمسكت بقارب بنيامين ومنعته الإبحار في ظلمات الحزن بعد مقتل أخيه يوني. وحين نشط بنيامين في العمل الطلابي، فتحت ميريام بيتهما للطلاب الإسرائيليين. بدت ميريام أشبه النساء بأمّه. خلّف غياب بنيامين المتكرر فتورا في العلاقة بين الزوجين، وفي أوائل عام 1978، اكتشفت ميريام، التي كانت في ذلك الوقت حاملا بطفلهما الأول، خيانة زوجها لها. أصرت على الطلاق، وحين لاح شبح الفقد لبنيامين مرة أخرى، تحول إلى طفل كبير، يستجدي ويتوسّل لميريام أن تسامحه وتواصل معه، لكنه في الوقت نفسه استمر في لقاء عشيقته.
يعيشُ نتنياهو فكرة الاستحقاق الدائم، فيريد لمرساة الأمان التي تمثلها ميريام أن تبقى معلقة بقاربه، حتى لو اشتهى الإبحار للصيد وقضاء مغامرات أخرى. لقد كان بنيامين يبحث عن الحب اللامشروط الذي يغمره بالأمان ولا يمنعه من نزواته، شعر بذلك الحب مرة واحدة مع أخيه، وبقي بعد فقده يبحث عنه في النساء.
يبقى حضور النساء لافتا في حياة نتنياهو، فهو الرجل الذي لا يتردد في التخلص من علاقاته الاجتماعية والسياسيّة متى جفّ نفعها، لكنه طالما تشبث بالنساء في حياته. سيتزوج لاحقا من عشيقته فلور كيتس التي هدمت بيته الأول، وهي طالبة بريطانية ألمانية تعرف عليها في مكتبة كلية هارفارد للأعمال، حيث كانت فلور تحضّر لشهادة الماجستير. لم تكن فلور كميريام يهوديّة، ولكنها اعتنقت اليهوديّة حين بدا لها أنه شرط من شروط بنيامين للزواج منها.
في 29 أبريل/نيسان 1978، ولدت ميريام لبنيامين ابنته البكر نوا في أحد مستشفيات بوسطن، وسمحت لزوجها الخائن بالزيارة بعد ساعات قليلة من الولادة ليرى ابنته، ولم تمنعه قط من رؤيتها أو زيارتها. لكن زوجته الثالثة سارة بن أرتزي ستكون أكثر تسلطا، فتُعيد تشكيل حياته الاجتماعية، وتحد من تواصله مع ابنته.


عود على بدء

إعادة تدوير قمامة الأفكار من أجل صناعة عدو
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

برنارد لويس (يسار) كان مصدر إلهام لنتنياهو (المكتب الإعلامي للحكومة الإسرائيلية)

عاد نتنياهو إلى إسرائيل كسيف الخاطر مبعثر الهم، وعاش في منزل والديه في القدس. صورة نموذجية للفشل الحياتيّ في الثقافة الأميركية، رجل ثلاثينيّ منفصل عن زوجته الحامل، وعاطلٌ عن العمل، ويسكن مع والديه. بمساعدة من أقربائه الموسرين في أميركا، وتبرعات من الدوائر اليهودية، سيؤسس الشاب العاطل معهدا باسم أخيه القتيل لمكافحة الإرهاب ويصبح مديرا له على مدى عامين.
سيعقد المعهد مؤتمرين عن الإرهاب، ويصدر كتابا من 276 صفحة. عند تصفح فهرس الكتاب، سنجد اسم نتنياهو مع أبيه بن صهيون ووزير الخارجية الأميركي جورج شولتز يحددون حدود الإرهاب وتعريفه، وسيضع المستشرق العتيد والصهيوني الراحل برنارد لويس مصطلح "الإرهاب الإسلامي" لأول مرة، ولكن لضمان الحيادية الأكاديميّة التي مَرَدَ عليها سيختم عنوان ورقته بعلامة استفهام لضمان النزاهة العلميّة، ليصبح عنوان ورقته "الإرهاب الإسلامي؟"، ويضع بنيامين عنوانا للكتاب: "الإرهاب، كيف ينتصر الغرب". لم يكن هذا الكتاب كومةَ ورق لفظها مؤتمر عابر، كما هي عادة المؤتمرات، وإنما ترسانة فكرية لتهيئة عقود من الحروب التي ستخوضها الولايات المتحدة ضد الشرق المسلم. تلقفت الصحف الأميركية خبر إصدار الكتاب، وخصصت له "نيويورك تايمز" صفحة مراجعة، وقرأه الرئيس الأميركي رونالد ريغان على متن طائرة الرئاسة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



كتاب "الإرهاب، كيف ينتصر الغرب" لبنيامين نتنياهو (مواقع التواصل)


حين يضع الساسة كتبا في فترة خدمتهم، فهم لا يؤلفون الكتب، وإنما يقترحون خطط عمل. في 1993 سيستقل نتنياهو بتأليف كتاب يضع فيه خلاصة فكره. قد يكون بنيامين قارئا نهما، "وأكثر القيادات الإسرائيلية انغماسا في التاريخ" كما يقول عنه البروفسور أفنير بنزكين المتخصص في التاريخ اليهودي، ولكنه لم يكن قط منتجا للأفكار. يستطيع بحسّه التجاريّ تقدير القوّة الدعائيّة لبعض الأفكار، فيعتنقها ويصوغ حولها هالة من الأساطير. في كتابه "مكان تحت الشمس"، الذي كتبه بعد أن قضى عقدا من الزمن في أروقة الأمم المتحدة وتجمعات الساسة في واشنطن ونيويورك، سيهديه ذكاؤه إلى استثمار مقولة لبرنارد لويس صديق والده، والضيف الدائم لمنزلهم، في مقالة له عن جذور الغضب الإسلامي المنشورة في 1990، عن كون الاختلاف بين الإسلام والغرب خلافا أصليا وليسَ عرضيا، بل هو "صدام بين الحضارات". أدرك بنيامين استعصاء البقاء الإسرائيلي كجملة معترضة في نص إسلامي خالص. لا بد لهذا الكيان الذي يعاني من احتباس جغرافي ألا يكتفي بإيجاد علاقة نسب تصله بقوّة تضمن بقاءه، وإنما بإيجاد علاقة تجعله جزءا من تلك القوّة الضامنة. لهذا وضع بنيامين في كتابه نموذجا من صراع الحضارات بين الإسلام والغرب، وسيأتي بعده صاموئيل هنتنغتون لينضج النظرية في كتابه الشهير "صراع الحضارات"، الذي نُشر في العام الذي وصل فيه نتنياهو إلى رئاسة الوزراء.
يجعل بنيامين الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل في قلب صدام الحضارات، حيث تُمثِّل إسرائيل الجبهة المتقدمة أمام الزحف الإسلامي نحو الغرب، ويُمثِّل نضال الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه فصلا من إرهاب الحضارة الإسلاميّة الذي سيمتد ليمسَّ الغرب لولا صمود إسرائيل. في لقاء له مع وزيرة الخارجية البلجيكية يقول نتنياهو: "إن إسرائيل هي العامل الأقوى في الشرق الأوسط الذي يمنع الإسلام المتطرف، فهي لا تمنع هجمات داعش في أوروبا فحسب، وإنما تمنع انهيار منطقة كاملة مجاورة لإسرائيل لولاها لاحتلها هؤلاء الإسلاميون المتطرفون". لا يُلقي نتنياهو بالا لتنوّع الطيف الإسلامي، فهذا التنوع لا يخدم دعايته، ولذلك نجده يسوّي في دعاياته بين ياسر عرفات وأسامة بن لادن، وبين داعش وحماس. وليست هذه التسوية وليدة اللحظة كما يظن البعض، بل هي في قاموس خطابات نتنياهو منذ ظهور داعش. في خطاب له عام 2014 في الأمم المتحدة قال: "إن حماس وداعش فرعان من شجرة واحدة".


خبير إرهاب.. خبير تسويق!

فن أن تبيع الأفكار في قنوات التسوق المنزلي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نتنياهو يروج في كتابه أن العرب يريدون إبادة إسرائيل (شترستوك)

حين بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان في 6 يونيو/حزيران 1982، كان الرائد عمر بارليف، في قاعدة ماتكال المؤقتة في الدامور بالقرب من مهبط الطائرات جنوب بيروت، يمسك قبعته خشية أن تعصف بها رياح المروحيّة التي تستعد للهبوط. وحين استوت الطائرة على المدرج، نزل منها بيبي رفقة أميركيين يرتديان بدلات أنيقة. نظر بيبي إلى عمر مبتسما: "مرحبا عمر"، ولكن عمر لم يرد عليه، فصرخ مرة أخرى: "مرحبا عمر!". رد عمر في استياء: "مرحبا؟ ماذا؟ لماذا لست في هيئة أخيك يوني؟ لماذا لم تستلم سلاحك وبزّتك العسكريّة بعد؟!".
كان من الطبيعي في أوقات الحروب أن توقف "سايريت ماتكال" عملياتها مؤقتا، وينضم جنودها إلى وحدات المشاة. لكن عمر لم يكن يعرف أن بنيامين ترك البزة العسكريّة إلى الأبد، وجاء هذه المرة في مهمة يحسنها كل الإحسان؛ لقد كان لسان إسرائيل في الغرب، وخبيرا إعلاميا في الإرهاب، مبتكرا مهنة سيعيش عليها كثيرٌ من متقاعدي الأنظمة والمنشقين عن الحركات السياسيّة، تُعرفُ بـ"خبير الجماعات الإسلامية".
يقدم نتنياهو الصراع العربيّ بصيغة صفريّة في كتابه، فالعرب يريدون إبادة اليهود في فلسطين، وهذا الوترُ الذي لن يبرح نتنياهو العزف عليه لمعرفته بصداه في نفوس الغربِ الذي يفزع من ذكرى الإبادة، وليسوق مجتمعه الداخلي بسوط الخوف. يرى نتنياهو في المسلمين استثناء تاريخيا، ونمطا فريدا بين شعوب العالم فيما يتعلق بعقلية الصراع، فكتبَ مرة: "إن الشعوب حين تُخيَّر بين الأيديولوجيا والنجاة، تختار النجاة. هذا ما فعلته كوبا على سبيل المثال حين خيّرتها أميركا بين الشيوعية والنجاة. لكنّ الإسلاميين حين تعرض عليهم هذين الخيارين، يختارون الأيديولوجيا. ولهذا توجد فكرة الانتحاريين بينهم".
لا يوجد حل للسلام مع الفلسطينيين في قاموس نتنياهو، بلهَ أن يكون قابلا لحل الدولتين، فالسلامُ كما يفهمه نتنياهو هو منحُ فرصة للفلسطينيين للتقوّي والإعداد لمعركة قادمة. في مقدمة كتبها نتنياهو للترجمة العربية لكتابه "مكان تحت الشمس"، يستدعي نتنياهو التاريخ بطريقة فظّة ليستدل على استحالة السلام مع العرب، قائلا: "معاهدة السلام مع إسرائيل هي لا شيء أكثر من اتفاقية سلام مؤقتة، كمعاهدة صلح الحديبية التي عقدها النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] مع قريش في مكة، فقد طرح محمد تلك المعاهدة التي عقدها مع قريش جانبا عندما استطاع أن يحشد قوة كافية لإجبار قريش على الخضوع له".
منحت إدارة معهد يوناتان لدراسات الإرهاب نتنياهو لقب الخبير في الإرهاب، الذي سيستثمره أحسن استثمار، ولكنها لم تقدم له اكتفاء ماليا في وقتها، فراح يبحث عن عمل وسط اقتصادٍ شبه اشتراكيّ تملكه الدولة، ليعثر أخيرا على وظيفة في شركة لصنع الأثاث 1980. بوصولك إلى هذا السطر، أظنك -عزيزي القارئ- قادرا على تخمين الوظيفة التي حصل عليها في شركة ريم للأثاث. صحيح، مدير تسويق. لم تطب الحياة في إسرائيل لحبيبته التي قطعت نصف الكوكب لتعيش معه، فلما لم تجده جادا في الارتباط، قررت العودة إلى بوسطن في 1981.
كان مدير بيبي من المديرين الذين ينظرون في عيون موظفيهم، فعرف معاناته، وسمح له أن يسافر ويقضي أسبوعا كل شهر مع محبوبته الغضبى. بعد أشهرٍ من الأسفار، استسلم بيبي ووافق على الزواج، فتزوجا في مايو/أيار 1981، وعادت معه إلى القدس. في العام التالي سيتذكره صديقُ والده، موشيه أرينز عضو حزب الليكود في الكنيست، الذي عُيِّن حديثا سفيرا في الولايات المتحدة، في بحثه عن رجل علاقات عامة ووجه إعلاميّ. استُدعي بنيامين إلى بهو فندق في القدس، لإجراء مقابلة لوظيفة نائب رئيس البعثة في السفارة الإسرائيلية. أُجريت المقابلة باللغة الإنجليزيّة، ونجح فيها نتنياهو، الذي عاد ركضا ليخبر زوجته بعودتهم إلى أميركا. قبل اعتماده موظفا في السفارة، تخلى بنيامين عن جنسيته الأميركية، كما يقتضي قانون الولايات المتحدة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



نتنياهو يتوسط أرييل شارون (يمين) وصديقُ والده موشيه أرينز عضو حزب الليكود في الكنيست (الفرنسية)


كرّس نتنياهو سنواته الأولى في استثمار علاقات أبيه وجدّه في الولايات المتحدة مع الطبقة السياسيّة، وعلاقات أقاربه التجارية مع أصحاب المال، فتعرّف على فريد ترامب، الذي سيغدو ابنه الرئيس المفاجأة في البيت الأبيض بعد ذلك بنيف وثلاثين سنة، وأقبل على دوائر الحاخام المؤثّر مناحيم شنيرسون الذي كان قِبلة لقادة الكيان واللوبي الصهيوني، وكان يرى إسرائيل رأس حربة للحضارة الغربيّة. سيردد نتنياهو بعد عقود وصية ونبوءة الحاخام له في قاعة الأمم المتحدة، حين قال له: "سوف تخدم في بيتٍ من الظلام، ولكن تذكر أن أشد الأماكن ظلمة تُرى فيها الشمعة الواحدة بوضوح".
لم يكن نتنياهو متدينا قط، فهو كأبيه علمانيّ السلوك، توراتيّ الأفكار، يرون في المحكيّة الدينيّة رافعة لمجدهم الدنيوي، لا طريقا لخلاصهم الأخروي، ولذلك يتمسكون بها. ولكن عيشه في حمأة الثقافة الأميركيّة ربما أفقده الإحساس بهذا التناقض، ففي أحد المطاعم التقى بواحد من النخبة اليهودية الدينيّة في نيويورك، وكعادته في الإفطار طلب لحم الخنزير المقدد مع البيض، ولم يستطع قراءة ملامح الاستنكار لدى ضيفه حتى وبخته فلور على سوء أدبه في حضرة ضيفه المتديّن. تدور علاقة نتنياهو بالحاخامات على المنفعة الدنيويّة لا الالتزام الديني، فعلمانيّته ونمط حياته لم يؤثر على قدراته في إقناعهم بأنه رجلهم داخل الحكومة، والأقدر على رعاية أحلامهم التوراتيّة. في المقابل، يوفر له الحاخامات رؤوس الأموال، وأصوات أتباعهم.
سيركز بنيامين جهوده في التقرّب من الجمهوريين، الذين كانوا في محيطه منذ دراسته، فقد زاملَ ميت رومني، رجل الأعمال الجمهوري وحاكم ولاية ماساتشوستس، والمرشح الجمهوري للرئاسة في 2012، في شركة بوسطن للاستشارات. أما الديموقراطيون، فكان يراهم امتدادا لحزب مباي واليسار الإسرائيلي الذي يحمل لهم ضغينة وحقدا موروثين. كان الزمن مواتيا للعلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة؛ بعد فوز الجمهوريين، ووصول ريغان إلى السلطة الذي قال خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية: "إن الثورة الإسلامية في إيران زادت من قيمة إسرائيل باعتبارها الأصل الإستراتيجي الوحيد المتبقي في المنطقة الذي يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه حقا".
أقبل نتنياهو على الإعلام الأميركي بشهية مفتوحة للنجوميّة، وعمل بجدٍّ على تحسين مهاراته التلفزيونية، وأخذ دروسا مع مدربين محترفين، وقضى عطلات نهاية الأسبوع يحضّر ويتدرّب لمقابلاته في المنزل بمساعدة زوجته وبكاميرات مستأجرة. سيتقن في هذه التدريبات طريقة التركيز بنظره على عدسة الكاميرا واستقبالها بالجانب الأيسر من وجهه، لكي يُخفي الندبة التي في الشق الأيمن من شفته. تدرب على إلقاء جمل مقتضبة وممتلئة، وحفظ أسماء المذيعين الرئيسيين عن ظهر قلب، حتى إنه تعلم سر مكياج الرجال، وكان مكانه المفضل هو برنامج "Nightline" على قناة "ABC" الأميركية.


يتبع....

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس