عرض مشاركة واحدة

قديم 10-02-11, 07:55 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البواسل
مشرف قسم العقيدة / والإستراتيجية العسكرية

الصورة الرمزية البواسل

إحصائية العضو





البواسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

العالم العربي والاستجابة الثورية

لقد فتح انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية باباً واسعاً للتأمُّل وأشرع منافذ كثيفة للحوار، خاصة في العالم العربي، وانبثقت الأسئلة المشروعة: فقد بدأ عهد النهضة العربي منذ قرنٍ تقريباً، إذ حمل نابليون المطبعة إلى مصر وانتبه محمد علي باشا من بعد لضرورة التحديث فتوالت البعثات المصرية إلى فرنسا، والتأم أول برلمانٍ منذ قرنٍ وتكوَّن جيش حديث منظم. ثم حمل جمال الدين الأفغاني أنفاس الإحياء الإسلامي يما عبَّر عنه المفكر الإسلامي الجزائري ”مالك بن نبي“ ببعث الدور الاجتماعي للأنبياء لأوَّل مرَّة بعد قرون الجمود، ليواصل العمل الإمام محمد عبده مؤسِّساً للإسلام المستنير وتحرير المرأة والحُكم الدستوري. كما غشيت فيوض الفكر الاشتراكي القومي العالم العربي ورُفعت شعارات ”الوحدة والحرية والاشتراكية“، لكن الثورة جاءت من الجوار الإيراني بقيادة إمام شيعي ولم يحقق العالم العربي أي من نداءاته الكبيرة، إذ تمكن الاستبداد يخنق الحرية، وجُرِّبت الوحدة العربية على كل مستوىً ولم تنجح، وما تزال الاشتراكية حلماً بعيد المنال، إذ تُحكمُ التبعية للغرب حلقاتها الخانقة.


أما ومضة الأمل التي لمعت للحظة بعد انتصار أكتوبر/ تشرين الأول 1973، لم تلبث أن خمدت بمشروع الصُلح المصري المنفرد مع إسرائيل، الذي انقسم حوله العالم العربي وأعاد إلى الشعوب والنُخب العربية غيوم اليأس والإحباط التي خيَّمت بعد النكبة في 1967.

كذلك الأطروحة الأخرى الإسلامية التي بدأت بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 بوصفها أوَّل محاولة لتنظيم أفكار ومشاعر الإحياء الإسلامي، وقد انتهت بالاضطهاد المستمر الذي أعمل آلة الدولة الحديثة القاهرة المرعبة، انتهت إلى ما يُشبه الفراغ تمهِّد الطريق إلى فكر اعتزالي جهادي يَسِمُ المجتمع بالكُفر ويُنكرُ كلَّ كسب الحداثة.


ورغم أن العالم العربي قد تنفَّس في مناخٍ صحِّي من الوحدة والاستنصار عشية حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 فاصطفَّت دول البترول مع دول المواجهة لتمنع النفط عن الغرب وتهيِّئ لتأسيس منظمة ”الأوبك“ ثم تتأمَّل إمكاناتها البشرية الممتدَّة في رقعة منبسطة هي قلب العالم، تتحدَّث شعوبها الكبيرة لغة واحدة في ظاهرة فريدة لا مثيل لها في العالم، ولتنبثق من روح أكتوبر فكرة التخطيط الاستراتيجي المتكامل الذي يوحِّد العرب فيقوموا ناهضين بما هيَّأ العصر من ثورة التكنولوجيا ولتبرُزَ أمَّة جديدة تناهض دول النهضة الآسيوية الحديثة التي بلغت أفق العصر الصناعي في سنواتٍ وجيزة لا سيما اليابان، وقد كانت جميعاً أمماً متخلِّفة شحيحة الموارد المادية بما لا يُقاس لحالة أمَّة العرب.


لكن النهضة العربية لا تمضي دون أن تستدعي بقوة لا تقهر أفكار ومشاعر الصراع الحضاري الأزلي، أو الحدث الأخطر في العصر الحديث بتعبير فيلسوف التاريخ ”أرنولد توينبي“: لو تأمَّلنا العصر الحديث فإن أهم أحداثه ليست في حرب عالمية أو اغتيال سياسي أو كارثة طبيعية ولكن هو لقاء الحضارة الغربية المسيحية بالحضارة الإسلامية. وإذ يستدعي الصراع الحضاري آلياته التي وصفها مالك بن نبي في نظريته ”الصراع الفكري في البلدان المستعمرة“، والتي ترصد أي مظاهر للنهضة وتدرسها وتمحِّصها من قبل المراصد الغربية منذ أوَّل الاستعمار والاستشراق، ثم لتفرِّق الظاهرة الصحية من محتواها أو تحرِّف اتجاها أو لتحلَّ الفكرة في الوثن أو لتخدِّر روَّادها بالذكريات التي تبجِّل التاريخ وتغفل عن الحاضر الماثل أو تمرِّغ سمعة أولئك الروَّاد بالتراب وتحطم معنوياتهم بالقهر واليأس. لقد استدعت لحظة اليقظة التي أعقبت انتصار حرب أكتوبر/تشرين الأول كل ذلك، لا سيما إلهامها الأخطر الذي يهدِّد دولة إسرائيل عندما أفصح العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز عن أمنيته الصلاة في المسجد الأقصى.


أما القضية المركزية الأهم في العالم العربي والإسلامي وتجلياتها في المسألة الفلسطينية وثورتها ومنظمتها، فقد واجهت محنتها الثانية في العالم العربي بعد محنة ”أيلول الأسود“ في الأردن، واجهت الحصار الإسرائيلي والخروج من لبنان عام 1982 كأنها منفردة تدافع وحدها عن وجودها، لم يسعفها المد القريب الذي وفَّرته ثورة إيران، إذ أبطلت خطة الصُلح المنفرد مع إسرائيل الذي كان يعوِّل على نفط إيران تعويضاً عن نفط سيناء، قاضية بضربة واحدة على أكبر حليف للصهيونية في المنطقة، أحال السفارة الإسرائيلية إلى مكتبٍ لمنظمة التحرير الفلسطينية واستقبل مرشدها الإمام الخُميني ”رمز الثورة الفلسطينية“ ياسر عرفات فجر الثورة تعبيراً صريحاً عن وضع فلسطين في قمة أجندة الدولة الجديدة.


لكن التجاوب الذي لقيته الثورة الإيرانية في العالم العربي لا سيما لدى النُخب أهل الانتماءات الفكرية السابقة القومية والاشتراكية، أثار خوفاً وغيرة لدى الأنظمة العربية فسرعان ما ساءت العلاقة مع المنظمة الفلسطينية، ثم واجهت الأنظمة العربية أفقاً مغلقاً يزداد انغلاقاً، ورغم التبايُنات الجوهرية بين الأنظمة العربية من الملكية إلى الثورية، ومع تاريخ حافل للصراع والخصومة، فقد طوَّرت آليات الصراع الحضاري العلاقات المتقاطعة في مناخ التتبيع الشامل إلى تحالف يكاد يضم الأنظمة كافة في وجه نظام الثورة الإيرانية، فالتجربة العربية القومية الأولى التي بدأها الرئيس جمال عبدالناصر ومثلت رأس الرمح في القضية الفلسطينية صالحت إسرائيل في عهد الوريث الأول، ابن الثورة أنور السادات، وتكفَّل النظام البعثي العراقي بقيادة الرئيس صدَّام حسين بفتح الأفق عبر الحرب مع النظام الإيراني الثوري أصالة عن نفسه المُحرجة ووكالة عن الأنظمة العربية المرعوبة، قبل أن تكرَّ الأحداث وفق السُنة التاريخية التي ترتد بالفوضى إلى ذات البيت الذي أشعلها في بيوت الآخرين، فانقلب الغرب والعرب في حلفٍ آخر على نظام صدَّام بعد غزو الكويت في 1990، وليستمر سجالٌ مرير لم ينختم حتى في العام 2004 بسقوط النظام البعثي.

 

 


البواسل

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما

   

رد مع اقتباس