عرض مشاركة واحدة

قديم 10-02-11, 07:53 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
البواسل
مشرف قسم العقيدة / والإستراتيجية العسكرية

الصورة الرمزية البواسل

إحصائية العضو





البواسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

أوروبا الشرقية والموعد مع الثورات

في أخريات العام 1989 وأوائل العام 1990، كان العالم على موعدٍ مع التاريخ، وكانت أوروبا الشرقية تدقُ أبواب الثورة بعد قرون من خمودها الأتم في تلك القارة، وبعد عقود من استقرار العالم كله وفق النظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية. كان الزعيم الشيوعي للاتحاد السوفيتي العظيم ”يوري غورباتشوف“ قد بدأ عهد المراجعة والشفافية الشاملة الـ”بيريسترويكا“ لنظام ثورة 1917 في روسيا وفلسفتها الماركسية اللينينية، تحضُّه وقائع أزمة اقتصادية محيطة وتحفِّزه ثقافته ووعيه بالعالم للتمرُّد على العوائق الفكرية والتنظيمية وعلى البيروقراطية الجامدة التي كبَّلت بلاده الكبيرة لنصف قرنٍ، وخلَّفتها بائسة وراء جوارها القريب في أوروبا الغربية الناهضة لمشارف ثورتها الصناعية الثانية، تغزو الفضاء وتطوِّر أبحاثها في الجينات ويعبر أسطولها الجوي القارات وتفجِّر شرائح السيليكون لتحيل العالم كله لقرية الاتصالات الوثيقة الكثيفة.


أما الكسب الفكري لأوروبا الغربية وتجليها الأعظم في الساحل الأطلنطي المقابل (الولايات الأمريكية)، فقد تبلور في نهاية العقد الأخير من الألفية الثانية إنجازات تضارع الإنجاز المادي، بل هي التي تمده بالإلهام الذي ضمن توالي تجدُّده وتطوُّره أمام المشكلات والأزمات، يكاد كله يتلخَّص في كلمة ”الحرية والتحرُّر“. فمنذُ ثورة 1968 في فرنسا التي أحدثت تحوُّلاً عميقاً في المسار الروحي والفكري الفرنسي، والذي امتدَّ بإشعاعه من المناهج الأكاديمية البحتة والبحث العلمي إلى الفلسفة والجمال وأطر الفنِّ والأدب وسائر توجُّهات المجتمع من الفرد إلى الأسرة إلى التنظيمات والجماعة الوطنية، لكنه اندلع لأوَّل الأمر ينشُدُ حرية أوسع وأعمق للإنسان ممَّا حملت كلمات الثورة الفرنسية الأولى (حرية، إخاء، مساواة) قبل قرنٍ ونصف.


ومهما تكن أوروبا الغربية قوية حرَّة ذات الطاقة لا تنضب عن التجديد، لم يكن الجدار الحديدي الذي أحاطت به الأنظمة الاشتراكية دول أوروبا الشرقية أو سور برلين ليمنع كل إشعاعٍ للحرية والديمقراطية وكسبهما المادي والفكري عن الأوروبي الشرقي في المحور الآخر وراء الطوق، بل ظلَّ المنشقون يوالون الخروج إلى العالم الحُر ويساهمون بإبداعهم وأفكارهم، ولم يكن الاتحاد السوفيتي نفسه ليستطيع أن يحيا بمعزل عن التفاعُل مع العالم، وإذ أحاطت به الأزمات وبدت الاشتراكية المستبدة كأنها استنفذت كل طاقتها عندما دقت ساعة الحقيقة في شتاء 1989، لتخرج الجماهير المكبوتة إلى الشوارع ولتنهار أنظمة ”الستار الحديدي“ وتنتهي الحرب الباردة ويتطلع العالم كله لعهدٍ جديد في تاريخ الإنسانية، لم يكن يتوقعه الساسة الكبار ولا المفكرون الاستراتيجيون في أوروبا وأمريكا، فتحدَّثوا لأول مرة عن عنصرٍ غيبي في التاريخ يستعصي على التنبؤ وفق مناهج التحليل الاستراتيجي.

 

 


البواسل

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما

   

رد مع اقتباس