عرض مشاركة واحدة

قديم 16-01-22, 07:03 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي الذكرى الـ«58» لسقوط سلطنة زنجبار «شهود على الأحداث»



 


الذكرى الـ«58» لسقوط سلطنة زنجبار «شهود على الأحداث» الجزء «1»

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
بقلم: ناصر بن عبدالله الريامي:
«مؤلف كتاب» زنجبار : شخصيات وأحداث


■ ■ في حدود الساعة (2:45) من فجر يومِ الأحد، 26 شعبان 1384هـ، الموافق الثاني عشر من يناير من عام 1964م، شقَّ سماء جزيرة القرنفل الهادئة، دوِيُّ الرّصاص .. اعتقد الناسُ للوهلةِ الأولى، أن عُمّالَ البلدية قائمون على قتلِ الكلاب الضّالة.. استمرت طلقات الرصاص، بل وقصُرت الفجوة الزمنية بين طلقةٍ وأُخرى.. بدأت الشكوك تلُفُّ الوجدان، وتتّجه نحو تصوّرٍ بحدوثِ اضطرابٍ من نوعٍ ما.. تأكَّدت الشكوك بسماع أصوات الرّجال تتعالى بما يفيد التعبئة العامة.
■ ■

خيَّم على الجميع جوٌ من الخوفِ والفزع والوجوم، بعد أن استعادوا إلى ذاكرتهم أحداث العُنف العُنصري، التي وقعت في يونيو من عام 1961م، وراح ضحيتها ستة وثمانون شخصًا، وجَرح وإعاقة المئات، أغلبهم من العُمَانيين والحضارمة والشيرازيين.
الجو العام كان مشحونًا بكثيرٍ من التوتر والعصبيةِ والاستنفار. شُوهِد بعضًا من العرب يركُضون وهم يحملون البنادق في أيديهم، مُيَمِمينَ وجهتهم شطر مركز شرطة ماليندي؛ بينما حَرصَ البعض الآخر على إغلاق الأبواب على أهل بيتهِ بإحكامٍ والبقاء معهم في الدّاخل لحمايتهم من أعمالِ شغب مُرتقبة، والتي مثَّلت أقصى ما كان يخطر في حُسبانهم. حقًا، لم يكن بمقدورِ الغالبيةِ العُظمى من الآمنين المطمئنين الاستيعاب أن الدولةَ كانت في صددِ الانهيار التام لنظامها؛ وبالتبعية، انهيار جذريٍّ لمستقبلهم المعيشي.
عاش المجتمعُ الدولي، حالةً من الذهولِ والاستغراب عند سماعهم بخبرِ الإطاحة بالحكومة الشرعية، التي استقلّت حديثًا عن سلطة الحماية البريطانية، التي دامت لثلاثةٍ وسبعين عامًا.
عبارات القائد المزعوم، لما أطلق عليه «ثورة»، جون أكيلُّو (الأوغندي) المعلنة لسقوط النظام السّلطاني، تلقاها عرب زنجبار، وكذا الأقلِّيات العرقية الأخرى كالسهامِ في صدورهم، لما أوحى لهم ذلك من جُل معاني الدمار والهلاك.
«أنا المشير أوكيلو! استيقظ .. أنت أيها الإمبريالي، لم تعد هناك حكومة إمبريالية على هذه الجزيرة، هذه الآن حكومة المقاتلين الأحرار».
«استيقظ أيّها الرجل الأسود. فليأخذ كلٌّ منكم سلاحًا وذخيرة ويقاتل فلول الإمبريالية على هذه الجزيرة. لا تتراجعوا عن قراركم أبدًا، إذا ما أردتم أن تكون هذه الجزيرة لكم». المرجع: كتاب أوكيلو (ثورة في زنجبار).
وبتاريخ 14 يناير 1964م، أصدر أوكيلو البيان التالي: «الدولة أصبحت الآن تدار بمعرفتنا نحن الجيش. ويتوجب على كل مواطن، أيًا كان عِرقهُ أو بشرته: أسود، أو بني، أو أبيض، أن يحترم النظام. سأتخذ تدابير مُشددة بمقدار (88) مرة عما كانت عليه من ذي قبل، لمواجهة كل من لا يلتزم بالنظام. الحكومة التي أقصيناها أمس الأوّل، كانت حكومة المنافقين والنّهابين والخُبثاء الذين لا يحترمون الإنسانية. نحن أناسٌ نحمي ونحترم البشر والحيوانات وسائر المخلوقات».
بهذا البيان، أُسدِلَ الستار عن لؤلؤةِ الممالك، دون أن يهتزُ جَفنُ أيٍّ من دول العالم ولا المنظمات الدولية لنجدتها.. وبالبيان ذاته، غربت شمس أندلس إفريقيا الشرقية، ذاتَ الأصلِ العُمَاني، بغزوٍ دموي، قاده – ظاهريًا – جون أُكيلّو، وجنى ثماره رئيس المعارضة، عبيد أماني كارومي؛ وراح ضحيته ما يقدر بسبعة عشر ألف نفسٍ، أغلبهم من المسلمين العرب، العُمَانيين والحضارمة، ظلمًا وعدوانًا، دون أن تُسمعَ أصواتٌ للشّجبِ والاستنكار.
وفي محاولةٍ منا للمسِ أطراف قضية سقوط زنجبار المأساوية، ومن المسئول عنها، كان لابد من الجلوس والتحقيق مع من عايشَ تلك الأحداث من مواقعِهم السياسية.


❋ ثورة أم انقلاب؟
وقبل الخوض في هذا الجانب، فمن الأهمية بمكان أن نُعرّج أولاً على تحديد أنسب المصطلحات وأكثرها دقةً للتعبير عن ذلك الحراك العنيف الذي أدى إلى إسقاط النظام. البعض يتّجه إلى تسويغ ما حدث فيطلق عليه «ثورة»؛ لإضفاء المدلول الشّعبي. وكأنهم بذلك يقولون إن تلك كانت هي «الإرادة الشعبية». ولما كان الثابت يشير إلى أن تدخلاً أجنبيًا هو الذي أطاح بالنظام، ولم يفعل ذلك شعب زنجبار البتة؛ ولا قوة مسلحة وطنية؛ فإن هذا كافٍ لاستبعاد مصطلحي الثورة وكذا الانقلاب؛ وتأكيد مصطلح «الغزو» والعدوان الخارجي؛ وذلك من باب تسمية الأحداث بمسمّياتها الفعلية.


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

❋ سليمان الخروصي يجترُّ الذّكريات
بالجلوس مع نائب مفوض الشرطة، سليمان بن سعيد الخروصي (1919 ـ 2005م)، وجدنا ذاكرته تفيضُ بكثيرٍ من تفصيلات الحدث المشؤوم، فبعباراتِه الدقيقةِ القاطعة، وبعرضِه المتميّز والمتجرّد؛ نقَلَنا وإيّاه إلى قلب الحدث وأجوائه فقال بدايةً، وبعد تنهيدةٍ طويلة: «قدَّرَ اللهُ وما شاء فعل»، إن ما أصابنا حتمًا ما كان ليخطئنا، وما أخطأنا ما كان ليصيبنا، ولا شك أن الله عزَّ وجَل أراد لنا من وراء ذلك الابتلاء الذي أعقبه التشتت، الخير الوفير، الظاهر علينا بجلاء في وطننا الأم عُمَان .. فلقد صبرنا على ما أصابنا، فعوَّضَنا الله خيرا. بهذه الروحِ الآمنة بقضاء الله وقدره، استهلَّ الخروصي حديثهُ، مُشيرًا إلى أن قوةَ الغوغائين المرتزقة ما كانت لتؤدي إلى الإطاحة بالحكومةِ الشرعية، لولا الخيانة التي مارسها بعضُ المسؤولين الإنجليز في الدولة.

وتوضيحًا لذلك، يُشيرُ الخروصي إلى أنه راجَت قبل إسقاط النظام، ببضعةِ أيامٍ معلوماتٌ وهمساتٌ قوية عن احتماليةِ قيام حزب المعارضة، الأفروشيرازي، ببعض أعمال شغب في مدينة زنجبار. وعلى مستوى جهاز الشرطة، فإن تلك المعلومات بلغت المسؤولين قبل ذلك، وتحديدًا في الأيام التي سبقت الاستقلال. مؤكدًا أنهم وضعوا نُصب أعينهم احتمالية بلوغ تلك الأعمال مستوى محاولة قلب نظام الحُكم. وعليه، فإن الخروصي يُحمل مُفوّض الشرطة، جاك سوليفان (أيّ المفتش العام، بمفهومنا الحالي)، إلى جانب أسبابٍ أُخرى، مسئولية سقوط زنجبار، وفق التوضيح التالي.
من جملة الحقائق التي تجلّت، في فتراتٍ لاحقة، تؤكد أن مُخطّط الإطاحة بالحكومة الشرعية كان من المقرّر تنفيذه يوم احتفالات البلاد بالاستقلال، إلا أن أُكيلّو، آثرَ عدم تكدير جو الاحتفال ـ حسبما يدَّعي في كتابه ـ سيّما بالنسبةِ للضيوف الرسميين القادمين من الدول الصديقة والحليفة. والظاهر يُشير إلى أن أُكيلّو، خشِيَ من احتمالية تدخل بريطانيا فيما لو حاول تنفيذ المخطَّط في ذلك اليوم؛ إذ كان على رأس الحضور، الأمير فليب، دوق أدنبرا. كما حضر الاحتفال كذلك شخصياتٌ من سبعين دولة، من ضمنها رئيس مجلس الشّعب المصري، آنذاك، محمد أنور السَّادات. صحيفة الأهرام المصرية، بتاريخ 10 ديسمبر 1963م.


❋ خيانة مُفوِّض الشُرطة
قبل الأحداث بيومين اثنين، أصدر مفوض الشرطة، جاك سُليفان توجيهاته إلى كلٍّ من سليمان بن سعيد الخروصي بصفته الرجل الثاني في الشرطة، بالذهاب إلى منطقة تُسمى: أُرُوة Urowa، التي تبعد عن مدينة زنجبار مسافة (24) ميلاً، على الساحل الشرقي؛ وإلى محمد سالم السكيتي بصفتهِ الرجل الثالث في الشرطة، بالذهاب إلى منطقة تُسمى ماكوندوشي على بعد (41) ميلاً من المدينة، باتجاه الجنوب الغربي؛ وذلك، بحجّة جسّ نبض الشارع في تلكما المنطقتين، المعروفتين بشدّة تأييدهما لحزب المعارضة. أخذ الرجلان أسرتيهما، كل على حدة، لإنجاز المهمةِ الحيوية الموكلة إليهما؛ وفي الوقت نفسه، وجداها فرصةً سانحة لقضاء وقتٍ ممتع، سيّما وأن المأمورية تزامنت وعطلة نهاية الأسبوع، السابقة لحلول شهر رمضان المبارك.


❋ الجو العام في اليوم الأخير
إن الجو العام في اليوم الأخير، كان مُلبّدًا بكثيرٍ من الغموض والغليان. فالجمهور الذي كان قد سمع همسًا يدورُ في الأوساط، حول احتمالية قيام حزب المعارضة بأعمال شغب، شاهد في ذلك اليوم فصائل من الشّرطةِ المتحرّكة تقوم بعمليةٍ لاستعراضِ القوة. تمثّلت العملية، في تسيير فصائل الشرطة المتحرّكة، بملابسهم العسكريّة المميّزة، يجوبون شوارع المدينة هرولةً، في صفوفٍ منتظمة؛ تحتضن أيديهم البنادق أمام صدورهم، في زاويةٍ مائلة ـ كما تقضي أصولُ الهرولةِ بالسّلاح ـ بينما كانت خطوات أقدامهم المنتظمة، الضّاربة للأرض، ضربة رجُلٍ واحد، تُسمع من مسافاتٍ بعيدة. بدأت هذه العملية في تمام الثانية عشرة ظهرًا، واستمرت إلى الخامسة عصرًا، حيث أعلن مُفوّض الشرطة عندئذٍ انقشاع المخاوف الأمنية، وأن الوضع الأمني أصبح في حالة استتباب؛ وأمر بإعادة القوة إلى قيادتها. رغم أن عملية استعراض القوة هذه لم تستمر طويلاً، إلاّ أنها نجحت، إلى حدٍّ بعيد، في بثّ الطمأنينة في نفوسِ العامة؛ كما كانت سببًا في انقشاع سحابة التوتّر لدى بعض الجهات المسئولة.


❋ الدولةُ في وضعٍ لا دِفاعي
في صبيحةِ يوم الأحد، الموافق 12 يناير 1964م، وفور الانتهاء من صلاة الفجر تفاجأ الخروصي بشيخ المنطقة التي بُعِث إليها، يطرق باب بيته، ويبلغه باندلاع أعمال شغبٍ في مدينة زنجبار، وأن الوضع هناك أصبح في غايةِ الاضطراب.

هَمَّ الخروصي من فوره بالخروج من المنزل ومعه أسرته، مُيَمِّمًا وجهته إلى مدينةِ زنجبار لمواجهةِ الموقف. وعندما بلغ قرية مويرا، التي تبعُد حوالي ستة أميال (عشرة كيلومترات) عن قلب المدينة، آثر الوقوف عند مركز الشرطة لغايات الاطمئنان على الوضع الأمني في المدينة، بعد أن كان قد سمعَ لتوهِ في الإذاعة خبر الإطاحة بالحكومة.
يُذكر أنه، من ضمن النداءات التي كثيرًا ما رددها في الإذاعة القائد المزعوم للحركة: نداء إلى الحكومة بالاستسلام؛ وآخر إلى السلطان بالمبادرة بشنق نفسهِ بنفسه.
يقول أنتوني كلايتون في كتابه (ثورة زنجبار، وآثارها الكارثية)، أن النداءات الإذاعية الملتهبة أو ما عُرفت بالحرب الإذاعية، هي نوعٌ من المناورة، يقصد منها إضعاف قوة الخصم.
استخدم هذا النوع من المناورات، للمرة الأولى، في الحرب الأهلية الأسبانية؛ ولم يُسجل التاريخ أيّ تجربة أخرى مماثلة، إلى أن استخدمت في الإطاحة بالحكومة الزنجبارية في عام 1964م. كما استخدمت لاحقًا في الحرب الأهلية الرواندية، في عام 1994م، بين الهوتو والتوتسي.
كان ابن شقيق مساعد مفوض الشرطة، الملازم محمد بن علي الخروصي، ضابطًا لهذا المركز ـ آنئذٍ ـ وكان على رأسِ عملهِ، ومعه اثنا عشرَ شُرطيًا مُسلَّحين بالبنادق. اتصل سليمان الخروصي بمفوض الشرطة سُليفان، الذي كان متحصنًا في مركز شرطة ماليندي، يسأله عن الوضع الأمني، فرد عليه بأن مدينة زنجبار ملتهبة، وأضحت في قبضة الغوغائيين القائمين على إطلاق النار على كل من يتصدى لهم دون تمييز، ونصحه بأن يبقى متواريًا عن الأنظار، حفاظًا على حياتهِ.


وتظهر خيانة مُفوِّض الشرطة سُليفان، عندما اتصل به الخروصي ليبلغه بأنه أصبح مُسيطِرًا على الوضع تمامًا في مركز شرطة «مويرا»، وطلب منه تزويدهُ بوسيلة لنقلهِ ومَن معه من الرجال لدعمِ ومُساندة مركز شرطة ماليندي، الذي كان لا يزال يقاوم، فردّ عليه القائد مُكرِّرًا ما سبق ذِكره، بتعذُّر الوصول إلى المدينة، نظرًا لغلقِ الطرق. هنا طلب منه الخروصي أن يرسل له قاربًا إلى حيث استراحة جلالة السُّلطان، المسمّاة «قصر السّعادة»، لنقلهم جميعًا إلى المدينة، إلا أنه تعذَّر أيضًا بحجة انشغال القوارب بأعمالٍ أمنيةٍ أخرى؛ ليتضح للخروصي، في وقتٍ لاحق، بأن القائد كان قد خصَّصَ قوارب الشرطة القليلة العدد، لنقل الأُسرِ البريطانية إلى البواخر لتهريبها.


❋ ماذا فعل سُليفان بعد؟
لم تتوقف خيانة جاك سُليفان عند مجرّد إبعاد أعلى رتبتين قياديتين عن مدينة زنجبار، وإنما امتدّت دناءته إلى الاستخفاف بتوجيهات رئيس الوزراء أيضًا.

ففي مساء يوم الجمعة، الموافق 11 يناير 1964م، أي بعد مضي اثنين وثلاثين يومًا على الاستقلال، كان رئيس الوزراء قد تلقّى معلومات شبه قاطعة بأعمال الشغب المرتقبة؛ فنقل تلك المعلومات إلى مُفوّض الشرطة، الذي استدعاه للمثولِ أمامه شخصيًا، وكلَّفه بأن يتَّخِذ تدابير أمنيةً مناسبة، لضمان أمن البلد.
طمأن مفوّض الشرطة رئيس الوزراء، بقوله: «لا تقلق، سيكون الوضع تحت السيطرة». وبدلاً من أن يعمل على تأمين السلاح والذخيرة لأفراد الشرطة، اكتفى بإعلان حالة تأهب من الدرجة الثالثة فقط.


❋ كيف كانت المقاومة الوطنية ؟
من المؤسف القول إن المقاومة الوطنية كانت ضعيفةً للغاية، إذ أنها كانت في حدود العشرين رجلًا. تمركزت هذه النواة البسيطة في مركز شرطة ماليندي، حيث عملت على مُساندة أفراد الشرطة، الذين كانوا في حدود السبعين رجلًا، مُسلحين ببنادقهم الشرطية الاعتيادية. فهذا المركز، وبحكم موقعه الاستراتيجي المتميِّز، كان مسؤولًا عن أمن مواقع شديدة الحيوية، كقصرِ السُّلطان، والميناء البحري، والمدينة الحجرية. ومن مُنطلق هذه المسؤولية؛ بقيَ يُقاوم حتى الرَّمق الأخير.

وفي هذا السياق، يؤكد الشيخ علي محسن البرواني، وزير الخارجية، بأنه أرسل إشارة استغاثة ـ أثناء ذلك ـ إلى مؤيدي الحكومة؛ إلا أن الذين استجابوا للإشارةِ لم يتعدَ أصابع اليد، بينما كان من المتوقع أن يصل المئات بأسلحتهم. تحصَّن غالبية الرجال في بيوتهم بحجة حماية النساء والذراري.


❋ الخروصي يحاول إنقاذ الموقف عن بُعد
حاول الخروصي عبثًا تقديم التضحيات لإنقاذ النظام من السقوط، وذلك حينما هداهُ تفكيرهُ إلى إمكانية قيادة العرب، الذين نادرًا ما كانت تَخلو بيوتهم من أسلحة الصيد (الشوزن)، التي تعد الأفضل في تفريق الجموع المحتشدة، محاولاً بذلك قيادة أولئك العرب إلى المدينة لمواجهة الغزاة والغوغائيين. وعليه، أرسل رسولاً، صاحب متجر (بقالة) يُدعى سعيد بن عبدالله الكيومي، أرسله إلى الحاكم الإداري في المنطقة (في حُكم الوالي)، الشيخ حمود بن علي بن حمود الغيثي، ليبلغه بأن يحث العرب على حمل السلاح لإنقاذ الدولة، إلا أن بساطة تفكير العامة، جعلتهم يعتقدون أن الأمر لن يتجاوز مستوى أعمال الشغب التي حدثت في يونيو 1961م، فآثروا البقاء في منازلهم لحماية أهليهم، رغم المحاولات التي بُذلت لإقناعهم بنقل النساء والأطفال إلى مكتب الحاكم الإداري، الذي كان سيُخصّص لهم حِراسةً مُناسبة، ليبقى المجال مفتوحًا أمام الرجال لحملِ السلاح تحت قيادة الخروصي، إلا أن تلك المحـاولات ذهبت جميـعها أدراج الرياح.


استمرَّ مركز شرطة ماليندي يقاوم حتى حوالي الخامسة والنصف عصرًا، حيث علم الخروصي بأن معقلهم الأخير هذا سقط هو الآخر في أيدي الغزاة. في تلك اللحظات شعر الخروصي أن الأمر أضحى في غايةِ الصّعوبة، وأن أيّة محاولة للمقاومة إنّما هي ضربٌ من الانتحار؛ وأن الاستسلام لقضاء الله وقدره، بات أمرًا لا مَندُوحَة عنه؛ فعمل على سحب البنادق من أفرادهِ، وقلبه يملؤه الحزن، وتقطر منه المرارة؛ وأمرهم بالعودةِ إلى بيوتهم موضحًا لهم بأنه سيستدعيهم إذا ما تطلب الأمر إعادة التعبئة. أخذ البنادق في سيارته، واتجه بها إلى الحاكم الإداري الشيخ حمود الغيثي، وأبلغه بأنه سيدفن الأسلحة في مكانٍ معلوم، لإمكانية الاستفادة منها عند الحاجة؛ فما كان من الأخير إلّا وأن زوَّدهُ بفردٍ من مكتبهِ ليتعرف على مكان الدفن. اتجه بعدئذٍ ومعه أسرته إلى بيت أحد البراونة، في نفس المنطقة «مويرا»، حيث أخذ يُتابع الأخبار، وكذا التصريحات النارية الملتهبة للقائد المزعوم للحركة من محطة «صوت زنجبار» الإذاعية، طوال الليل؛ وفي الفجر، اتجه إلى مركز الشرطة ليتفقد الأحوال، فوجد الغوغائيين وقد استولوا على المركز؛ فسلَّم نفسه، واقتيد مُباشرةً إلى قيادة حزب المعارضة. أُدخل فور وصوله هذه القيادة على القائد المزعوم جون أُكيلّو (الأوغندي) الذي أخذ يُكلمه بلُغةٍ سواحلية مُكسَّرة، قائلًا له بما في معناه: «لقد بلَغَني بأنك قاومت رجالي بِشدَّة في مويرا، وأنا بدوري سأحطِّم رأسك». كان (كارومي)، رئيس حزب المعارضة الأفروشيرازي، واقفًا بجوار (جون أُكيلّو) آنئذٍ. ومما يُذكر، أن كارومي هذا، كان قد نُقِل من قِبَل رجال أُكيلّو إلى دار السلام، قُبيل الانقضاض على الشرعية، وذلك تحسُّبًا لاعتقالهِ فيما لو فشلت محاولتهم، وأعيد إلى زنجبار بواسطةِ قارب شراعي، تابع لشركة «منتجات المحيط» يملكها «تاجر إسرائيلي»، فور الإطاحة بالحكومة والنظام الدستوري. سنتعرف في الحلقات القادمة على الدور الاسرائيلي في الإطاحة بالنظام، ومصلحته في ذلك.


يقول الخروصي بأنه نُقِلَ عَقِبَ ذلك مُباشرةً إلى السجن المركزي، حيث شاهد هناك أعدادًا غفيرة من العرب المعتقلين؛ لا يستطيع حصرهم، وإنما يذكر منهم المشايخ محمد بن عبدالله الحارثي (رئيس الجمعية العربية)، ومحمد بن ناصر اللمكي، والسفير هلال بن محمد بن هلال البرواني، وعبدالله بن علي بن حمود الغيثي، وشقيقه المعلم حمود بن سعيد بن عبدالله الخروصي.

وممّا يُذكر، أن الخروصي ـ الذي عُرف بتقواه، وعطفه على الفقراء ـ كان قد تعرّض لمحاولة الاعتداء عليه، من قبل مجموعة من المرتزقة، الذين لا يعرفونه، أثناء نقله إلى قيادة حزب المعارضة، على متن شاحنة (لوري)؛ إلاّ أن أفراد الشرطة، الذين كانوا معه في المقاومة، والذين كانوا قد عادوا إلى المركز تأييدًا للنظام الجديد ـ وهم من الأفارقة ـ أحاطوه إحاطة السوار بالمعصم، للحيلولةِ بينه وبين غدر بني جنسهم من الغوغائيين.


❋ الإطاحة بالحكومة بأسلحةِ الحكومة
بداية الهجوم كان على مستودع السلاح والذخيرة، أو ما كان يعرف بـ(Police Depot)، التابع لمركز شرطة زيواني، المجاور لقيادة الشرطة. حدث إبان هذا الهجوم تبادل لإطلاق النار، كما أطلق أفراد الحراسة جرس الإنذار، وأطلق حامل البوق الإشارة الدّالة على التعبئة العامة لصدّ هجومٍ واقع، كما بدأوا يلقون القنابل المسيّلة للدّموع تُجاه الهجوم.

تمكّن أُكيلّو ورجاله ـ حسبما أورد أنتوني كلايتون في كتابه ـ من التخلّص من أثر القنابل بأن التقطَوها بقُمصانهم، وألقوا بها بعيدًا؛ كما قطع أُكيلّو سلك جرس الإنذار؛ ثمَّ أطلق النار على حامل البوق، مُسقطًا إياه أرضًا.
بعد أن سيطر الغزاة على أفراد الحراسة، توجهوا إلى مُستودعِ السلاح في هذا المركز وتمكنوا من تحطيم الباب والاستيلاء على كمية السلاح، واعتقلوا أفراد الشرطة الذين كان أغلبهم يغطُّون في نومٍ عميق، داخل ثكناتهم الكائنة في حرم المركز.
اتجه الغوغائيّون عقب ذلك إلى حي متُوني، حيث قيادة الشرطة المتحركة، وهناك استولوا على كميةٍ أكبر من السلاح؛ كما انتقلوا بعدئذٍ إلى السجن المركزي؛ وأفرجوا عن النزلاء وسلَّحوا نسبةً كبيرةً منهم تمهيدًا للانضمامِ إلى صفوفهم.
أخيرًا، انتقل أُكيلّو ورجاله للسّيطرة على محطّةِ الإذاعة، وهناك وجدوا مهندسًا تابعًا للإذاعة البريطانية، فأرغموه – تحت سطوة السلاح – على تشغيل البث الإذاعي؛ لتبدأ عندئذٍ ما عُرف بالحرب الإذاعية، أو النداءات الإذاعية الملتهبة. وهكذا سقطت الدولة تحت قبضةِ الغوغائيين بسلاح الحكومة.
يُذكر بأن أحدًا ممّن كان في صُفوفِ المقاومة في مركز شرطة ماليندي، كان قد أشار على جاك سوليفان، مفوّض الشرطة، بأن يرسل بعضًا من الأفراد إلى مستودع الشرطة للاستحواذِ على السلاح، قبل أن تصل إليه الأيدي الغادرة؛ إلّا أن القائد أجهض الفكرةَ بحجة عدم قدرته على الاستغناء عن أيّ فرد في تلك اللحظات العصيبة.






 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس