عرض مشاركة واحدة

قديم 18-12-09, 08:13 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

عقلية القائد في قتال الصحراء:

الجمود والتقيُّد الأعمى بالنماذج النمطية في القتال هما في حدّ ذاتهما عيبان مهلكان، فكل شيء في الصحراء يكون في مدّ وجزر، فلا حواجز لا مفر منها، ولا خطوط أرضية معترضة لا إمكان لتجنّبها، ولا ماء ولا غابات للتغطية، كل شيء في الصحراء شاسع ومفتوح، والقتال في ساحات كهذه، يفرض على القائد التكيّف مع طبيعة الصحراء ومطالبها بسرعة، والبقاء محتفظاً بحريته في التفكير والعمل... إنه يعيش الدقائق والساعات في غاية الحذر والتيقظ، ويقضي أوقاته وهو من الأسر أو التدمير قاب قوسين أو أدنى، من قِبَل عدو قد يكون أوسع منه حيلة وأكثر يقظة وأبعد تفكيراً وأعظم حركية.

لا تنفع في هذه الحرب عقلية محافظة جامدة، ولا اعتماد فيها على السوابق والتقاليد، ولا ركون أو التجاء إلى هالة من الانتصارات السابقة.

إن السرعة في تقويم الموقف وتقديره والوصول إلى قرار سريع في المواقف المفاجئة - وما أكثرها في حرب الصحراء - هو السبيل الوحيد لتحقيق النصر في المعركة الصحراوية.

أهمية التنسيق بين المشاة والدبابات:

لاشك أن مصير الحرب في الصحراء يتوقّف على الدبابة، ولكن يجب التنبّه إلى أن معركة الصحراء هي المثال النموذجي لمعركة الأسلحة المشتركة، وهذا يعني أن التناغم والتنسيق بين الوحدات المدرعة وبين المشاة الآلية وأسلحة الإسناد المختلفة وتحت مظلة جوية قوية، سوف يؤدي حتماً إلى النصر المؤكد.

يجري تقدير النصر أو الهزيمة في الحرب الصحراوية بعدد الدبابات المدمَّرة على أرض المعركة، بيد أن عدد الدبابات المدمرة ليس هو في حد ذاته سوى حاصل لعامل المهارة في القيادة والاستخدام، ولعامل الكفاءة التكتيكية، ومهارات الرمي لطاقم الدبابة، وعيار المدفع ومداه.

إن المبدأ الأول والأساسي للحرب الآلية في الصحراء؛ هو استدراج الخصم إلى المرمى المؤثر لنيران الدبابات وإصابته قبل أن يكون في وضع يسمح له بالسبق في تدميرك.

إن أفضل استخدام للمشاة الآلية في عمليات الصحراء هو في اصطحاب الدبابات وحمايتها من أسلحة العدو المضادة للدبابات، والنزول من الناقلات المدرعة للقيام بالهجمات العاجلة التي يتطلبها الموقف، واحتلال الدفاعات العاجلة والمدبرة وحماية مناطق التجمّع والحشد.

إن الخط البياني للخسائر يرتفع بقسوة في الصحراء، عندما يتم التحوّل من الهجوم إلى الدفاع. وهنا تتحمل المشاة الآلية حمل المعركة وخسائرها، وتكون مسؤولة تماماً عن إدارة المعركة الدفاعية مستخدمة جميع وسائل الإسناد المتوفرة لديها من دبابات ومدفعية وأسلحة الإسناد الأخرى.

التقدم:

إنه لخطأ عظيم في عمليات التقدم الآلي في الصحراء أن يحدث انحراف في الاتجاه عن محور التقدم الرئيس، أو أن يحدث توقّف على هذا المحور، وذلك لمعالجة أهداف جانبية عرضية، فالقوة الرئيسة المتقدمة لا تنصرف إلى معالجة أي مواقف طارئة أثناء تقدمها، بل تخصص وحدات فرعية آلية للتعامل معها سواء من القوات الأمامية أو الخلفية ويستمر التقدم في اتجاه الهدف الرئيس الموضوع في خطة القائد. إن تخصيص وحدات فرعية آلية للتعامل مع المواقف المفاجئة هي عملية في غاية الأهمية وتبنى على أساس توفّر معلومات كافية عن العدو.

إن تشكيل القوات الآلية المتقدمة في الصحارى يبنى أساساً على حجم العدو المحتمل ونواياه، وعلى طبيعة الأرض، وهنا يظهر دور القائد الماهر الذي يضع التشكيل المناسب لقواته المتقدمة، بحيث يضمن لها الحماية من الأمام والخلف والأجناب، بالإضافة إلى تحديد المسافات المناسبة بين المفارز الأمامية وبين الجسم الرئيس للقوات المتقدمة بفاصل يسمح بالمناورة السريعة، لاتخاذ الوضع الأنسب للتعامل مع العدو وتدميره.

إن أسوأ وضع تتعرّض له قوة آلية في الصحراء هو التطويق؛ ويتم التطويق عندما يفشل القائد المتقدم في معرفة مكان العدو وتقدير قوته وأسلحته، وهنا فإنه قد يفاجأ بتورّطه في عملية تطويق لقواته من قبل العدو الذي سيحاول انتهاز الفرصة واستكمال عملية التطويق، والتي تنتهي بتدمير القوة المطوَّقة أو أسرها، لكن القوة الآلية المطوّقة التي تحتفظ بتصميمها على القتال يظل باستطاعتها اختراق الطوق إذا كان في بداياته المرتجلة، وبحشد الدبابات والمشاة الآلية في اتجاه نقطة الضعف في حلقة التطويق القائمة، تقوم القوة المطوّقة بالانقضاض عليها وتمزيقها والمرور منها.
تلعب وحدات الاستطلاع الآلية دوراً خطيراً في حرب الصحراء، فهي وبالإضافة إلى المعلومات الواردة من القوات الجوية تقدم للقائد صورة كاملة عن أوضاع العدو إذا كان في مناطق تجمّع أو مناطق حشد، أما إذا كان العدو في وضع متحرّك، فإن واجب وحدات الاستطلاع يزداد صعوبة. ويجب أن تكون عناصر الاستطلاع على درجة عالية من الكفاءة القتالية لأنه قد يحدث أن تتورط في قتال مع الوحدات الأمامية للعدو، مما يدعو إلى الاهتمام بتزويد عناصر الاستطلاع بوحدات إسناد مناسبة لحجم الواجبات المكلفة بها، ولكن يجب في جميع الأحوال أن تتجنب وحدات الاستطلاع أي قتال مع العدو.

عوامل نجاح العمليات الصحراوية:

يخوض قائد الوحدات المعركة بأقصى درجة من قابلية الحركة، وذلك على النحو التالي:

1) حشد القوات في الزمن والمكان المناسبين، والسعي إلى تجزئة قوات العدو وتدميرها على أزمنة مختلفة.

2) المعركة في الصحراء تتميّز بالسرعة في اتخاذ القرارات الحاسمة، ولا يتأتّى هذا إلا بالحصول على معلومات دقيقة عن حجم ونوايا العدو، ولذلك فإنه من الضروري أن تصل تقارير الاستطلاع إلى القائد الميداني بأسرع وقت ممكن، ويسمّى هذا بالاستطلاع "الموقوت"، حتى يستطيع القائد اتخاذ القرار المناسب للموقف.

3) تحتل المفاجأة في تفكير القائد في العمليات الصحراوية مركزاً متميّزاً لأهميتها البالغة في نجاح الخطة بأكملها، وإذا ألقينا نظرة عامة على معارك الصحراء في شمال أفريقيا عام 1942م، لوجدنا أن كل معركة أدارها "رومل" ضد قوات الحلفاء - عدا معركة العلمين - كانت تبدأ دائماً بمفاجأة غير متوقّعة وتنتهي بانتصار حاسم وسريع لهذا القائد الموهوب.

4) يجب أن يكون قادة الوحدات الآلية خلف المفارز الأمامية مباشرة، حتى يكونوا متواجدين فور حدوث اشتباك بين هذه المفارز والعناصر الأمامية للعدو، وبذلك يكونوا في وضع أفضل يمكنهم من السيطرة على المعركة والمناورة بالجسم الرئيس لقواتهم إذا تطلَّب الأمر ذلك.

5) تظل خطوط الإمداد شاغلة لبال القائد طوال المعركة، ولذلك يجب توفير الحماية اللازمة للمناطق الإدارية الخلفية بعناصر قتالية قوية قادرة على صدّ الهجمات المحتملة للعدو وستر انسحاب الوحدات الإدارية إلى مناطق جديدة.

6) يتم استغلال النجاح في المعركة فور وقوع الهزيمة بين صفوف العدو، بالتحرّك سريعاً لبلوغ أعماق العدو وضرب تشكيلاته في العمق، والتي يكون توازنها قد اختل، وذلك لتدميرها قبل أن تفيق من شدة الصدمة، ويجب عدم إعطاء العدو المهزوم أي فرصة لإعادة تنظيم قواته - وهذا ممكن نسبياً لوحدات آلية في الصحراء - وذلك بأن يقوم قائد المشاة الآلية بدفع قوة مدرعة تقوم بالتوغُّل في دفاعات العدو المرتبكة، وتقوم بتدمير وحدات العمق بضربات سريعة وقاصمة.

7) القدرة على تغيير الخطة الأساسية فور ظهور عامل جديد يمكن استغلاله لصالح القوات المهاجمة، كانسحاب العدو المفاجئ من مواقعه على سبيل المثال.

قوات الضربة الجوية الآلية:

اتَّجه التفكير في الجيوش الغربية أخيراً إلى استخدام الحوامات المسلحة بأسلحة مضادة للدبابات والتي كانت تسمّى في الماضي "الاحتياطي م. د. الطائر" وذلك ضمن التنظيم العضوي للتشكيلات الآلية وتسمّى "قوات الضربة الجوية الآلية"، وباحتواء التشكيلات الآلية على هذا العنصر الخطير، فإن القوة النيرانية للتشكيلات الآلية سوف تصبح بالغة التأثير في المعركة، بالإضافة إلى الاستجابة السريعة للمواقف المفاجئة.

إن هذا الانقلاب في تسليح الوحدات الآلية سوف يكون له بالغ الأثر في العمليات الصحراوية في المستقبل.
رغم التطوّر الهائل في وسائل التكنولوجيا العسكرية، فإن العمليات الآلية في الصحراء مازالت تحتفظ بطابعها الذي لا يتغيّر؛ تقدّم سريع وقطع مسافات طويلة على دروب ومسالك محدودة؛ عمليات التفاف وتطويق، الاعتماد على المفاجأة التكتيكية في شلّ العدو وإرباك قياداته؛ ضرب المناطق الإدارية الخلفية للعدو، في الوقت نفسه الذي يتم فيه اختراق وحداته الأمامية؛ الاستخدام الأمثل للدبابات والمشاة الآلية في عمليات خاطفة وصاعقة في نقاط الضعف في دفاعات العدو.

في العقد الأخير من القرن الماضي انطلقت صيحة تنادي بأنه سوف يتم الاستغناء عن المشاة خلال القرن الحادي والعشرين، بعد أن وصل الأمر بالتكنولوجيا الحديثة أن يتمكّن قمر صناعي من معرفة عدد البيض فوق مائدة طعام في الحديقة، وأنه لذلك يمكن ببساطة تامة اكتشاف أي دبابة ومتابعتها بصاروخ مضاد للدبابات وتدميرها بدون أي نسبة خطأ، وأنه لاداعي لاستعمال المشاة بأسلحتها التقليدية المضادة للدبابات في أي صراع مقبل بين المشاة في النهاية.

 

 


   

رد مع اقتباس