عرض مشاركة واحدة

قديم 20-05-09, 07:10 PM

  رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

المبحث الرابع

الخطة

وبديهي أن العناصر الثلاثة السابقة للحرب لا قيمة لها ما لم تتوظف في النهاية في خطة عسكرية مناسبة زمانا ومكانا.
وحين يضع القائد خطته، فإنه يبدأ أولا بالإجابة على الأسئلة التالية:
- ما هو الهدف المطلوب بالضبط؟
- أفي طاقة قواتي أن تحقق هذا الهدف؟
- ما هو الأسلوب المناسب لتحقيق هذا الهدف؟
- ماهي أبعاد معركة المفاوضات ومتطلباتها بعد أن تننهي المعركة العسكرية وإلى أن تنتهي الحرب؟
والإجابة على هذه الأسئلة هي المفتاح الصحيح لأي خطة عسكرية، وأما التفصيلات التقليدية من مثل: طريق التقدم والمناورة، والهيئات الحاكمة المطلوب الإستيلاء عليها فليست إلا تقليدا ينشغل به القادة النمطيون لا المبدعون، فالأخيرون يهتمون فقط بالتصور لهم للخطة، وأما مثل هذه التفصيلات الفنية، فإنهم يتركونها للأركان العامة التي أحسنوا اختيارها من قبل.
وتخضع الإجابة على هذه الأسئلة السابقة لأسس دقيقة، نشير فيما يلي إلى طرف منها:
أولا - الهدف:

وهدف الحرب تضعه الحكومات الآن، ويشترك في وضعه كل أو جل أعضائها، وسواء منهم من كان مدنيا أو عسكريا. ولا غرابة في ذلك، وقد استقر منذ زمن أن الحرب ليست إلا سياسة كلماتها الطلقات، ومفاوضاتها العمليات.
وتعمد الحكومات قبل وضع الهدف المرجو من الحرب إلى تقييم الوضع السياسي بشكل دقيق، مقدرة فيه جوانب القوة والضعف لديها ولدى عدوها، قاصدة بذلك أن تتجاوز مثالب سياستها نسبيا في مواجهة هذا العدو، وذلك حتى تضمن لنفسها وضعا سياسيا قويا، فبضمانة هذا الوضع السياسي القوي، ومع بديهية التأثير المتبادل بين الوسائل السياسية والوسائل العسكرية، سوف تضمن الحكومات لنفسها وضعا حربيا قويا بالتالي.
وكلما كان الهدف العسكري متلائما مع النوايا السياسية، كان هدفا مثاليا، يعبر اختياره عن فطنة تبشر بالنجاح على أرض العمليات.
وكلما زاد اعتماد العدو على الوسائل العسكرية لخدمة معركته السياسية ضدنا، زاد بالتالي حجم الجهد العسكري المطلوب تحقيقه، والعكس صحيح تماما، ولهذا ليس أمامنا إذا كانت سياسة العدو عسكرية في أسسها وتوسيعة عدوانية في أهدافها، إلا أن ننزع منه وسيلته العسكرية باعتبارها مركز الثقل في وسائله السياسية.
وأما كيف يتحقق حرمان العدو من سلاح القوة العسكرية؟ فدون ذلك طرق متعددة:
أولاها: تدمير قوات العدو بإنزال درجة مناسبة من الخسائر بها، ثم تشتيت البقية الباقية منها إلى حيث تصبح عديمة الفاعلية والقيمة.
وثانيهما: إقناع العدو بعدم فاعلية قواته في المحافظة على أهدافه السياسية، فإذا كان العدو يعتقد مثلا - أن حصونه العسكرية تحقق له الأمن والاستقرار، فإن الاستيلاء على بعض من هذه الحصون يعد هدفا مثاليا في هذه الحالة، ولمن شاء يتدبر مثلا تطبيقيا لذلك فأمامه معركة أكتوبر سنة 1973.
وغني عن الذكر أن بين الطريقتين الأولى والثانية مساحة هامشية مغطاة - ولاشك ببدائل عدة، يتوقف الالتقاء منها على الظروف الواقعية لكل حالة.
وأما ثالثة هذه الطرق، فتتحقق بالاكتفاء بإحراج قوات العدو، واستغلال هذا الإحراج في تليين موقفه السياسي. وتلجأ الحكومات في سبيل تحقيق ذلك إلى وسائل عدة قد يكتفي فيها بالمظاهرات العسكرية، أو المضايقات البحرية، وقد يزاد على ذلك قليلا بالاستيلاء على شريط من الأرض لا أهمية له.
والحق أن هذه الأعمال وإن كانت عسكرية، وتدخل في زمرة أعمال الحرب، إلا أن الأساس الوحيد لإقحامها في الدراسة الفلسفية لاستراتيجية الحسم هو التحمل والاستطراد، إذ أنها في الأصل داخلة في وسائل استراتيجية الردع لا الحسم، تلك الاستراتيجية التي تستهدف إرهاب العدو لمنعه من التفكير في الحرب، وهي تخرج عن نطاق دراستنا هنا، لأننا نتحدث عن خطة الحرب بافتراض أننا مضطرون للقتال بالفعل.
ثانيا - الطاقة

وقد يتبادر الذهن وقد تدنينا - ولو بالتعسف- في الأهداف العسكرية للحرب إلى حد المضايقات البحرية، أننا سوف ننحي باللائمة على أي قائد يتعلل بطاقة قواته، لكن ذلك غير صحيح تماما. فالقائد حين يدرس طاقة قواته ليس عليه أن يدرس طاقتها على استيعاب الهدف المزمع فقط، وإنما عليه كذلك، أن يدرس قدرتها على استيعاب رد الفعل المحتمل للعدو، بل إنه سوف يلقى تقديرنا أكثر إذا درس إلى جوار القدر المحتمل من رد الفعل تلك النسبة الثابتة للقدر غير المتوقع من العدو. وقديما قيل إننا نضع ثلاثة احتمالات ليأتي منها العدو إلا أنه يأتينا دائما من الاحتمال الرابع.
ويحدد لنا فيلسوف الحرب كارل فون كلاوز فيتز[1] الضمانات التي إذا توافرت اطمأننا إلى طاقة قواتنا في ثلاثة ضمانات هي :
1 - أن تكون القوات العسكرية كافية لتحقيق نصر حاسم على قوات العدو.
2 - أن تستطيع هذه القوات تقديم الخسائر اللازمة من القوات إذا تم تتبع النصر حتى النقطة التي تصبح معها عملية استعادة التوازن غير محتملة.
3 - التأكد من أن الوضع السياسي - مع تحقيق الهدف العسكري.. سيكون متينا بشكل لا يجعل هذه النتيجة طريقا لإثارة أعداء جدد يجبروننا على التراجع حتى عن العدو الأول.
ويؤكد كلاوزفيتز على ضرورة توافر هذه الشروط الثلاثة، حتى لا يضطرنا تخلف أحدها - وخصوصا الأخيرة - إلى إضاعة ما ربحناه بالشرطين الأخريين، بحيث لا نستفيد في النهاية إلا دفع تكاليف الثلاثة معا.
ثالثا - الأسلوب:

فبعد أن يعرف القائد هدفه، ويطمئن إلى أنه داخل في استطاعة قواته، فانه يبدأ بعد ذلك في تحديد الأسلوب المناسب لتحقيق أقصى المواءمة بين الهدف والطاقة.
ويتدخل في تحديد هذا الأسلوب ثلاثة عوا مل هي: الوقت، والقدرة، وطبيعة مسرح العمليات.
ونشير فيما يلي إلى أثر كل من هذه العوامل على الأسلوب المختار:
1- بالنسبة للوقت:

ولا يقصد بالوقت هنا الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ العملية العسكرية، فهذه الفترة - مع اعترافنا بأهميتها القصوى في ظل الظروف الدولية السائدة الآن - لها أهميتها بصفة أساسية في المجال التكتيكي لا في المجال الاستراتيجي الذي نتحدث عنه ونحن نتحدث عن الخطة وإن كان لا يخفى بالطبع أن هناك درجة من التأثير المتبادل بين المجالين.
وأما الوقت المقصود هنا، فهو وقت الترقب والانتظار الذي يسبق بدء تنفيذ العملية، فهذا الوقت هو صاحب الأثر في المجال الذي نتحدث عنه الآن.
ومع التسليم بأن التبسيط النظري يخل دائما بجوهر الواقع المتشابك، إلا أنه يمكن - مع ذلك - ملاحظة أثر الوقت على الأسلوب المختار من خلال معادلة بسيطة مؤداها، أنه كلما كان الوقت يجري لصالح دولة معينة، كان عليها أن تركن إلى الانتظار أي أسلوب الدفاع، وعكس ذلك صحيح تماما، فإن على الدولة التي يجري الوقت ضدها أن تبادر فورا إلى الهجوم حتى ولو كانت أقل قدرة من الدولة الخصم، باعتبار أن الانتظار لن يكسبها إلا مزيدا من السوء، ما دمنا نفترض أن الوقت يجري ضدها. وأما إذا كان تطور الوقت ذا أثر واحد على الطرفين أولا أثر له على الإطلاق، فإن على الطرف المهاجم سياسيا أن يستمر في الاحتفاظ بالمبادأة متخذا من الهجوم العسكري وسيلة لتنويع وسائله السياسية.
2 - بالنسبة للقدرة:

وكما كان للقدرة أثر على تحديد الهدف، فإن لها أثرا كذلك في تحديد أسلوب تحقيق هذا الهدف.
فحينما نكون أقوياء بدرجة كافية سياسيا وعسكريا فعلينا أن نبادر فورا إلى الهجوم، وأما إذا لم تكن قوتنا بهذه الدرجة، فليس أمامنا إلا أسلوب الدفاع لنستفيد من مميزاته فيما بعد في هجوم مضاد ناجح وقوي.
وحتى في داخل أسلوب الهجوم والدفاع فإن القدرة تلعب دورا حاسما في جزئيات الاستراتيجية المنتهجة.
فمثلا في إطار الهجوم، إذا لم تكن لدينا قدرة كافية للوصول إلى مركز الثقل المعادي الذي قد يكون العاصمة السياسية أو القوات الرئيسية للعدو، فليس أمامنا - في هذه الحالة - إلا أسلوب الهجوم غير المباشر.
ونظير ذلك في التاريخ العسكري ما فعلته بريطانيا في السنين الأولى من الحرب العالمية الثانية، إذ كانت تعتبر أن معركتها مع الألمان تجري في الشرق الأوسط وإيران والعراق، وأما حين دخلت الولايات المتحدة الحرب - وهي دولة غنية بالإمكانيات والموارد - فإن سيمفونية الاستراتيجية البريطانية الأمريكية في اتجاهها إلى مركز الثقل بألمانيا ذاتها.
وأما أثر القدرة على أسلوب التنفيذ المتبع لتحقيق الاستراتيجية الهجومية، فيمكن أن نلحظه إذا تذكرنا أن هناك أساليب متعددة للهجوم، من مثل: الاختراق الخاطف، والاستراتيجية الجوية، واستراتيجية القوة الدافعة (أي الكتلة مضروبة في سرعة التحرك). ويتوقف انتقاء أي من هذه الأساليب على عاملين متساوين في الأهمية والتأثير، أولهما: القدرة، والتقاليد الاستراتيجية المستقرة للدولة المحاربة.
وأما في إطار الدفاع، فالمعروف أن الطرف المدافع ينتظر دائما للإيقاع بعدوه في إحدى لحظتين:
- لحظة تجاوز العدو لنقطة الذروة في هجومه.
- لحظة اضطرار العدو المهاجم لوقفات دفاعية.
ففي أي من هاتين اللحظتين لا يتردد المدافع - على فرض سلامة العوامل الأخرى من العوارض -في التحول من الدفاع إلى الهجوم العام المضاد. وأما أي اللحظتين ننتهزهما لشن الهجوم العام المضاد، فهذا بدوره يتوقف على عاملين كذلك:
- القدرة - وهنا تظهر أهميتها كما قلنا.
- العمق المسموح بتوغل العدو فيه، إذ أنه كلما كان عمقنا الدفاعي قادرا على الاحتفاظ بالتوازن رغم توغل العدو، كان من الأفضل إرجاء الهجوم العام المضاد إلى لحظة تجاوز المهاجم لنقطة ذروة هجومه، وتكون المرحلة الأولى من استراتيجيتنا المنتهجة معتمدة على المقاومة مضروبة في العمق والمسافة. وأما إذا كان الاتزان الدفاعي عندنا هشا، لا يسمح بتوغل العدو لما بعد الحد الأمامي للدفاعات فليس أمامنا، إلا أن نقاوم عدونا بعناد وإصرار عند الخط الأول للقتال، ثم نبادر فورا إلى الهجوم العام المضاد عند أول وقفة دفاعية للعدو المهاجم.
3 - بالنسبة لطبيعة مسرح العمليات :

ويقصد بمسرح العمليات، ذلك الجزء من مسرح الحرب الذي يتمتع باستقلال محدود، وينتظر جريان العمليات العسكرية عليه.
وبأدنى تأمل، فإن طبيعة مسرح العمليات تفرض نفسها على أسلوب التحرك المتاح. ذلك أنه إذا كان العدو يحتل ذلك الجزء المحمي من مسرح العمليات، فليس أمام الطرف الآخر إلا أن يغريه ليخرج من مكمنه ثم يلاقيه في مقتله بعد ذلك، وأما إذا كان الطرف الآخر هو الذي يحتل الجزء المحمي من مسرح العمليات، فعليه، والحال كذلك، أن يوازن بكل دقة، بين الانتظار في محلاته المختارة، وبين الاتجاه إلى عدوه في موضعه الهش.
ومما لاشك فيه، أن هذه الاختيارات الدقيقة تتم في إطار من المعطيات الموضوعية الأخرى، وأهمها الوقت والقدرة كما سبق.
رابعا - وضع القوات في معركة المفاوضات.

حين سئل -المغفور له -المشير أحمد إسماعيل علي، بعد حرب أكتوبر سنة 1973، عن دواعي البطء الذي صاحب العمليات المصرية في هذه الحرب، وخصوصا في فترة الوقفة التعبوية في المدة من 10 -13 أكتوبر، قال: « لا علي إن كنت بطيئا بعض الشيء، فقد تركت بضعة كيلومترات على الأرض ولكني خرجت بقواتي سليمة من المعركة ».
وما قاله المشير أحمد إسماعيل، صوابا، يتفق مع مبدأ هام من مبادئ التخطيط للحرب. فالحرب لا تنتهي بمجرد توقف العمليات العسكرية في المعارك، وإنما الحرب تنتهي بعد فاصل المفاوضات الذي يعقب- حتما - هذه العمليات.
وتتأثر هذه المفاوضات تماما بالأوضاع العسكرية التي تنتهي إليها المعارك، بل لا نبالغ إن قلنا، أن هذه المفاوضات تتم لتقنين هذه الأوضاع العسكرية في صورة وثائقية، ولهذا يحرص عباقرة القواد على الاحتياط لهذه المرحلة بانتهاج الخطة التي تكفل لقواتهم الخروج في المعارك بصورة متوازنة، فهذا التوازن، هو الضمانة الحقيقية لكسب مرحلة المفاوضات التي تنتهي بها الحرب.
وليست هناك صورة مطلقة للتوازن الذي نرجوه لقواتنا بعد انتهاء المعارك، فالتوازن المستهدف غالبا ما يكون نسبيا، يقوم القادة بالتخطيط له في إطار من تخيلهم للتوازن المتوقع للقوات المعادية، لأن من البداهة، أن عدونا يحاول بدوره أن يخرج بقواته متوازنة من المعركة، إذ أن كلنا ولاشك، يعلم أن معركة التوازن هذه هي المرآة الصادقة التي سنرى فيها معركة المفاوضات حتى قبل أن تبدأ الأخيرة.
ويمكن التدليل على تأثير معركة التوازن على معركة المفاوضات -حتى في مراحلها العسكرية البحتة - بما جرى في الاجتماعات الستة للجنة العسكرية المصرية الإسرائيلية المشتركة، والتي تمت في المدة من 26/12/1973 وحتى 9/1/1974 تحت إشراف الأمم المتحدة في مقرها بجنيف. ففي هذه المفاوضات حاول الجانب الإسرائيلي إقناع الوفد المصري إما بقبول فكرة الانسحاب المتبادل، وإما بقبول فكرة الفاصل المحدود بين القوات بحيث لا يزيد هذا الفاصل عن ( 3- 4 كم)، وقد سبب الجانب الإسرائيلي محاولته هذه بمحاولة إيهام الجانب المصري بأن انسحاب إسرائيل إلى شرق القناة يعد تضحية استراتيجية كبيرة.
وقد كسب الوفد المصري معركة هذه الجزئية، حين رفض أن يبتلع الطعم الإسرائيلي، موضحا للجانب الإسرائيلي - بغير مواربة - أن وضعه العسكري غرب القناة يعد وضعا استراتيجيا سيئا، ولا أثر فيه للتوازن العسكري على الإطلاق بل إنه لا يمثل - إن مثل إلا عبئا عسكريا واقتصاديا وسياسيا على إسرائيل، وبالطبع فقد انتهت المفاوضات -فيما بعد - إلى قبول رأي الوفد المصري في هذه الجزئية، وانسحبت إسرائيل وحدها إلى الشرق، بل وبمسافة كافية سمحت بمنطقة عازلة مناسبة بين القوات.


[1] - كارل فون كلاوز فيتز - في الحرب - الجزء الثالث - ص 102- طبع الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر سنة 1969.

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس