الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:42 PM

  رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

يذكر الدكتور عادل اسماعيل في كتابه (السياسة الدولية في الشرق العربي، جـ2:60) أن محمد علي باشا حاكم مصر كان ينادي بتحرر الشعوب العربية "التي تكون مصدر قوة السلطان بالمال والرجال وتعيش في الامبراطورية العثمانية حياة التابع البائس المستضعف" وان أحد مرافقي ابنه القائد ابراهيم باشا سأل هذا القائد يوماً، وفي أثناء حصاره لعكا، الى أي مدى ستصل فتوحاته؟ فأجاب: "الى حدود البلاد التي لا يتكلم فيها الناس ولا يتفاهمون باللسان العربي".
ويقدم الاستاذ جوزف حجار في كتابه "أوروبا ومصير الشرق العربي ص84 - 99" شواهد وأدلة عديدة تدل على أن محمد علي باشا كان يطمح لتأسيس "امبراطورية عربية" فتية على امتداد البلاد الناطقة بالعربية، بدلاً من الامبراطورية العثمانية الهرمة. ان من يطلع على خفايا المسألة الشرقية في هذه الفترة من تاريخها، وعلى الأدوار الرهيبة التي قامت بها الدول الكبرى الخمس، خصوصاً وزراء خارجيتها في عواصمهم، وسفراؤها في عاصمة السلطنة، وقناصلها في كل من بيروت والاسكندرية، وعلى الجهد المضني الذي بذلوه، والموقف الصلب الذي وقفوه في وجه طموح محمد علي، فمنعوا عنه أي انتصار يمكن أن يصل به الى حد تأسيس امبراطورية عربية، أو الى حد الطموح الى السلطنة، حتى إنهم وقفوا حائلاً بينه وبين أي نوع من التفاهم مع الباب العالي، يرى حرص هذه الدول، وهي غير حسنة النية ولا شك، على أن تظل الامبراطورية العثمانية قائمة بهيكلها المتداعي وكيانها المشرف على الانصهار، لا رغبة في مساعدتها وحباً بالإبقاء عليها، وإنما لإبعاد شبح قيام امبراطورية مماثلة ولكن بدم جديد أكثر حرارة وذات وشائج أكثر متانة، ولكي يتم، في الوقت المناسب، تقويض أركانها، بقصد اقتسام الرجل المريض وتوزيع تركته فيما بينها، فتنال كل دولة حصتها من الغنيمة، تماماً كما حصل بعد الحرب العالمية الأولى.

ثانياً - الشخصية العاملية في عهد الإمارتين: الوجه العسكري
كان بودّي، في بحثي هذا، أن أتحدث عن الشخصية العاملية في عهد الإمارتين بوجهيها الاجتماعي والفكري، وهما وجهان مشرقان، وغنيان بالتقاليد العريقة والآثار الفكرية المتطورة، لولا أن ضيق المجال لا يسمح بذلك، فالتحدث عن الشخصية العاملية بجميع جوانبها يتطلب ولا شك بحثاً مستقلاً، بالإضافة الى أنه ربما كان لغيري ممن هم أكثر مني جدارة واختصاصاً، في المجالين الاجتماعي والفكري، أن يقوموا بهذا العمل، لذا رأيت أن أختتم هذا البحث بنظرة في الوجه العسكري، دون سواه، من الشخصية العاملية.
لم تكن القوى المسلحة في جبل عامل مختلفة عن غيرها من القوى الممثلة في الإمارات والمقاطعات في بلاد الشام، والتي كانت تشكل وفقاً لنظام الإقطاع الذي كان سائداً في ذلك الحين، إلا أنه لم يتوفر لدى مؤرخي هذه الفترة من تاريخ جبل عامل، في المجال العسكري، ولأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا، معلومات تجعل الباحثين يحددون، بوضوح وبالتفصيل، تنظيم هذه القوى وعديدها ومستواها، وأن تجمع لديهم معلومات وافرة عن المعارك التي خاضها هذا الجبل في العهدين المعني والشهابي.
ويحدثنا بعض المؤرخين العامليين أن الأسر الإقطاعية التي كانت تحكم جبل عامل في عهد الإمارتين كانت تلتزم، مبدئياً، بما يلتزمه رجال الإقطاع تجاه السلطة المركزية من.. "تأمين الطرق وحفظ الأمن داخل المقاطعة" وأن يلبي الإقطاعي، "برجاله وفرسان مقاطعته، دعوة والي الايالة عند وقوع حرب أهلية أو دولية، ويشترك في أي معركة يوجه إليها"، ولا غرو فقد كان الشعب العاملي، كما يصفه أحد مؤرخيه "شعباً حربياً باسلاً يهزأ بالمنايا، ويرى الموت حياة خالدة تحت شفار السيوف"..
وقد اتقن العامليون بعض فنون الحرب ومارسوها ممارسة عملية، يصف لنا المؤرخ آل صفا هذا الشعب بقوله "وانصرف الشعب العاملي كله في ذاك العهد - والحديث عن العهد العثماني - لممارسة فنون الحرب وأحكام خطتي الدفاع والهجوم، وكانوا لا همّ لهم في فترات السلم إلا شحذ السيوف وتسديد المرمى والكر على ظهور الخيل يعلمونها أولادهم منذ الصغر" وأما نظام الدفاع عن البلاد "فقد كان على درجة من الرقي تدهش الباحثين" ومن فنون القتال التي اتقنها العامليون: الرمي بالبنادق، وضرب الرماح، وسرعة الالتئام والتعبئة عند إعلان النفير، والكر في الهجوم، واليقظة والحذر في الدفاع، وتحصين القلاع والحصون وشحنها بالسلاح والمقاتلين وإجادة القتال فيها.
وكان لكل مقاطعة من مقاطعات جبل عامل راية خاصة يلتئم المقاتلون حولها، إلا أن الاتحاد بين هذه المقاطعات كان تاماً ومتيناً، خصوصاً في زمن الحرب وأوقات الخطر، فإذا هوجمت إحداها "هبّت المقاطعات كلها هبّة واحدة، واتحدت كلمتهم على صد المعتدي بقوة السلاح" وكانت راياتهم من نسيج حريري أخضر وأحمر، وقد طرز عليها، بالنسيج الأبيض، آيات قرآنية وعبارات دينية مثل: "نصر من الله وفتح قريب" أو "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أو "لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار"، وكانت راياتهم تتقدم جيوشهم في أثناء القتال.

 

 


   

رد مع اقتباس