عرض مشاركة واحدة

قديم 10-02-11, 07:57 PM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
البواسل
مشرف قسم العقيدة / والإستراتيجية العسكرية

الصورة الرمزية البواسل

إحصائية العضو





البواسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الثورة التونسية والأمل العربي

بعثت الثورة التونسية المباركة قبل أسابيع الأمل كما بعثت التأمُّلات في سائر الساحة العربية، شعوبها ونُخبها لا سيما الأنظمة الحاكمة والمعارضات المتطلِّعة إلى نزالها وإزالتها بأعجل ما تيسَّر. فالجمهورية التونسية كانت المثال الذي يُشارُ إليه بوصفه واحة الاستقرار في المنطقة، فإذ نجح الرئيس زين العابدين بن علي في وراثة الحقبة البورقيبية المثقلة بالمواجد والتاريخ في سلاسة وبراعة، وواصل السير نحو الهدف الأساس الذي كان ينشُدُه الزعيم السابق: دولة الرفاهية والاعتدال التي تتبنى روح العصر بالكامل، فمضى التعليم ليكون الأفضل في دول المنطقة وتصاعد دخل الفرد ليكون تالياً لدخل الفرد في دول النفط، بعد نجاح منقطع النظير في تجفيف منابع الأصولية مهما برز التيَّار الإسلامي التونسي ديمقراطياً معتدلاً تقدمياً، ثم سياسة خارجية تنسجم مع النظام العالمي الجديد أحسن انسجام.


وإذ أفرزت محاولة الديمقراطية اليتيمة في المنطقة المغاربية عبر صناديق الاقتراع والانتخابات الحرَّة النزيهة في الجزائر نجاحاً سلَّم 75% من مقاعد البرلمان للتيَّار الإسلامي، وُئِدَتْ التجربة من فورها، فمهما دعت الاستراتيجية الدولية للقوى الكبرى إلى إصلاح الشرق الأوسط فإن الديمقراطية، القيمة الرفيعة لدى الغرب، تُنسَخُ إذا هدَّدت المبدأ الأرفع وهو الحضارة.


لكن ذات الكسوب الاقتصادية في تونس التي حافظت على الطبقة الوُسطى وأتاحت لرُبع الشعب أن يجد الوسائل التي تصله بالعصر، خاصة وسائل الاتصال الأسرع الأفعل عبر الشبكة العنكبوتية وفتوحها، ثمَّ حرية العلم والبحث في مناخ يكبت الإعلام ويمنعُ التعبير السياسي والفكري المُعارض، ثمَّ هو يشجِّع الأدب والفن بما يحمل دائماً من روحٍ ناقدة متمرِّدة، كل ذلك تفجَّر عبر الشوارع في ثورة للوعي تنشُدُ الحرية، كما تنشُدُ الخُبز وتبحث عن الكرامة عبر الموقف السياسي الذي يتطلَّع إلى الديمقراطية ويأبى فساد الحُكَّام.


حمل كذلك تدفُّق الجماهير التونسية العفوي إلى الشوارع معنى جديداً في ثورات مطلع الألفية الثالثة، أنها شاملة بغير مركز ناظم، ومستمرَّة بغير قيادة ملهمة كما كان الحال في الثورة الإيرانية مثلاً، أو ثورات المعسكر الشرقي السابق التي قادتها النقابات. فقد أتاح عصر التواصل الحديث الكثيف للجميع أن يضطلع على ما يحدُث للجميع، فسَرَت العدوى إذ سَرَت الصورة، كل مدينة أو قرية أو تجمُّع بميدان ينهض للتظاهُر والاحتجاج يستفزُّ المنطقة الأخرى فتستجيب ناهضة فتغدو الثورة شاملة، تحاول أن تدركها القيادات السياسية والنقابية لتكون جزءً منها، أو تلجأ إلى ذات وسائل ثورة الاتصالات لتستدرك على بعض جوانب النقص السياسي أو الفني وتلهث لتلحق بإيقاع الشعب الواسع السريع.

وإذ أحرزت الثورة هدفاً كبيراً برحيل الرئيس، استمرَّت الجماهير في الشوارع تستشعرُ أن عملها لم يكتمل بتمام رحيل النظام، بينما تؤكد خلافة الرئيس أنها ماضية في إجراءات الإصلاح الجوهري، وليستمرَّ السجال بين الشعب والقيادات السياسية تطالب بزوال النظام ورموزه كافة، تستمسك قيادة النظام القديم تساندها قيادة الجيش أنها تخشى الفراغ والفوضى إذا ألغي الدستور واستلمت سلطة انتقالية من العناصر الجديدة.


ورغم أن الثورات الحديثة كلها تمَّاز بالعدد المحدود أو الضحايا وقلَّة الإصابات البشرية خاصة إذا قورنت بالحروب، فإن الجماهير المعاصرة أبدت شجاعة وإقداماً ثم استعداداً للفداء ولو بتقديم الشهداء ثمناً لنجاح التغيير، بما يحمل تأكيداً آخر أن بذرة الثورة باقية وأن جذوتها قد تتقد إذا ارتفع نداء جديد للاحتجاج على سرقة الثورة أو الردَّة عليها.

 

 


البواسل

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما

   

رد مع اقتباس