عرض مشاركة واحدة

قديم 19-03-09, 09:25 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

وبعد مناورات وممارسة ضغوط رهيبة من كلا الفريقين، أصدر مجلس الأمن قراره الشهير رقم (1441)، الذي جاء غامضاً في صياغته ولم يحدد بوجه قاطع بأن عدم التقيّد به من جانب العراق يعني إعلان الحرب ضدها، وإنما اكتفى بالقول فقط بأن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة. ولسدّ هذه الثغرة في هذا القرار، حاولت أمريكا عرض مشروع قرار آخر على مجلس الأمن يخولها صراحةً باستخدام القوة ضد العراق تلقائياً في حالة فشلها في تنفيذه. وكان الوضع قد تأزّم بين الجبهة الأوروبية وأمريكا إلى الحد الذي توعدت فيه فرنسا جدياً بأنها سوف تستعمل ضد مشروع القرار الأمريكي حق الاعتراض التوقيفي (VETO) ولن تسمح بتمريره. وإزاء هذا الموقف المتصلّب، اضطرت أمريكا إلى سحب مشروع قرارها من مجلس الأمن، معتمدةً على تفسيرها الخاص لقرار مجلس الأمن رقم (1441)، وهو التفسير الذي لم تقبل به غالبية أعضاء مجلس الأمن دائمي وغيردائمي العضوية، وكذلك غالبية الشعوب والأمم التي عبّرت عن معارضتها لذلك التفسير بالمظاهرات الغاضبة في كل بقعة من الكرة الأرضية.
والآن نتساءل عن مدى شرعية ما قامت به الولايات المتحدة من تصرفات خلال مرحلة ما قبل الحرب، وأول ما يطالعنا في هذا الخصوص مسألتان قانونيتان، أولاهما: مطالبة أمريكا للعراق بإثبات أنها لا تملك أسلحة دمار شامل، ولا حتى برامج لإنتاج مثل تلك الأسلحة. أما المسألة الثانية: فهي مدى مشروعية الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد العراق، وما إذا كانت أمريكا مخوّلة في ذلك تخويلاً قانونياً سليماً من قِبَل مجلس الأمن الدولي.
1. إثبات امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل:
قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1441) اقترن بإيفاد لجنة من المفتشين الدوليين بغرض البحث عن أية أدلة تثبت امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، أو لبرامج تهدف إلى إنتاج أو تصنيع مثل هذه الأسلحة، وإيفاد مثل هؤلاء المفتشين إلى العراق ينسجم مع قواعد قانون الإثبات (
Law of Evidence)، على أساس أن من يدعي أمراً فعليه إثباته: he who alleges must prove his allegationس. وفي الحقيقة أن أمريكا عندما أعلن المفتشون عدم عثورهم على أسلحة دمار شامل في العراق تصرفت على نحوٍ لا يتفق مع نظرية الإثبات، سواءً في القانون الدولي أو في القوانين الوطنية، وأتت بدعاً حينما طلبت من حكومة العراق إثبات أنها لا تملك أسلحة دمار شامل. إن الإثبات عمل إيجابي لإبراز أدلة مادية أو ظرفية تثبت الوجود، ولكن يستحيل إبراز أدلة مادية تثبت العدم، ومن تلك المفارقة القانونية كان واضحاً أن أمريكا كانت مصممة على ضرب العراق، والإطاحة بنظامه، مهما كان ضعف المبررات التي تذرعت بها، لأنها كانت تخفي أجندة ليس من مصلحتها الكشف عنها أو نشرها في العلن.
2. مدى مشروعية شن الحرب على العراق:
ذكرنا بأن أمريكا لجأت إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار آخر يخولها استخدام القوة ضد العراق حينما قررت كلٌ من فرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، بأن القرار رقم (1441) لا يعطي مثل ذلك التفويض في شن الحرب بشكلٍ تلقائي، ومع ذلك، اعتمدت أمريكا على هذا القرار في حربها ضد العراق، وهدمت بذلك حجتها دون أن تشعر في مشروعية أعمالها الحربية ضد العراق. إن قيام أمريكا دون تفويض من مجلس الأمن بتبعات حفظ السلم والأمن الدوليين، يعد خرقاً صريحاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
لقد نصّت المادة الأولى من الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة على أن يتألّف مجلس الأمن من أعضاء دائمي العضوية هم: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا العظمى، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (روسيا الاتحادية حالياً)، والصين. وتختص هذه الدول مجتمعةً حسب نص المادة الرابعة والعشرين من الميثاق بالتبعات الرئيسة فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين. وفي سبيل ذلك أصبح لمجلس الأمن قوات مسلحة يشكلها من جيوش الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، لتوقيع العقوبات أو اتخاذ التدابير العسكرية وغير العسكرية ضد الدول التي تقوم بأي أفعال تهدد السلم والأمن الدوليين، وذلك وفقاً لأحكام الفصل السابع من الميثاق.
وباستعراض أحكام الميثاق، يتضح جلياً بأن ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من حربٍ على العراق لا يتفق مع تلك الأحكام، فقد تناول الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة طائفة من الأحكام التي تنظم تدخل مجلس الأمن عن طريق استخدام القوة العسكرية في حالة ارتكاب أية دولة لأفعال تهدد السلم والأمن الدوليين، فلمجلس الأمن بناءً على أحكام المادة (40) من الميثاق أن يدعو الأطراف المتنازعة أولاً إلى الأخذ بما يشير به من تدابير مؤقتة (في حالة العراق: إرسال مفتشين للبحث عن أسلحة الدمار الشامل)، فإذا لم تفلح هذه التدابير المؤقتة في حفظ السلم والأمن الدوليين، جاز لمجلس الأمن طبقا للمادة (41) من الميثاق اتخاذ تدابير أخرى غير عسكرية (في حالة العراق: فرض الحصار وتوقيع عقوبات اقتصادية) للضغط على الدولة المعنية لتنفيذ قراراته.
فإذا رأى مجلس الأمن كما تقول المادة (42) من الفصل السابع من الميثاق إن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) غير كافية، أو ثبت أنها لا تفي بالغرض، جاز له أن يتخذ عن طريق استخدام القوات البرية والبحرية والجوية من العمليات العسكرية ما يراه ضرورياً لحفظ السلم والأمن الدوليين، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة (47) من الميثاق على أنه يجوز لمجلس الأمن تشكيل لجنة أركان حرب، مهتها إسداء النصح وتقديم المساعدة إلى مجلس الأمن في كل الأمور المتعلقة باستخدام القوات العسكرية الموضوعة تحت تصرف مجلس الأمن. أما الفقرة الثالثة من المادة المذكورة، فقد نصّت على مسؤولية لجنة أركان الحرب أمام مجلس الأمن عن التوجيه الاستراتيجي لأية قوة عسكرية توضع تحت تصرفه، علماً بأنه وفقاً لنصوص الميثاق تتعهد كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن تضع تحت تصرف مجلس الأمن، وبناءً على طلبه، قوات مسلحة ومساعدات وتسهيلات في الحدود التي تتطلبها المقتضيات العسكرية.
لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وانتهاك حكومته لحقوق الإنسان في غزوها للعراق، متقمصة بذلك شخصية مجلس الأمن الدولي بغير سند من القانون، فالقانون الدولي كما سبق أن أوضحنا أعطى حق استخدام القوة العسكرية في هاتين الحالتين فقط لمجلس الأمن وحده نيابة عن المجتمع الدولي، ولما لم يكن هناك تفويض لأمريكا بذلك، فإن الحرب التي شنتها أمريكا وجرّت إليها معها بريطانيا ضد العراق، تعتبر حرباً غير مشروعة ولا مبررة من وجهة نظر القانون الدولي، ومع ذلك فهي تعتبر بعد أن حدثت حرباً فعلية (
de facto bello
) يجب أن تخضع عملياتها لكافة قوانين الحرب التي صدرت مجموعاتها في جنيف أو في لاهاي.
ثانياً: مرحلة الحرب
بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في حربها ضد العراق، برزت إلى السطح تساؤلات عن بعض التصرفات الحربية، سواء من جانب القوات المتحالفة أو من جانب القوات العراقية، وعما إذا كانت تلك التصرفات يجيزها القانون أم أنه يحرمها. من ذلك مثلاً: الحرب النفسية، واتخاذ دروع بشرية من المدنيين، والجاسوسية، والوقوع في الأسر الحربي، وحصار وضرب المدن والحصون.
1 الحرب النفسية أو حرب الأكاذيب:
تعمّدت الجيوش الأمريكية والبريطانية في حربها ضد العراق استخدام بعض وسائل التحريض، أو القيام بأعمال تدخل ضمن مفهوم الحرب النفسية أو حرب الأكاذيب. من ذلك مثلاً: إلقاء منشورات من الجو في أراضي العراق، أو إذاعتها بأية وسيلة أخرى، وذلك بهدف حث الجنود العراقيين على إلقاء سلاحهم، ومن ذلك أيضاً تخويفهم بالقيام بأعمال انتقامية ضدهم إذا لم يستسلموا، أو اللجوء إلى التشجيع أو التحريض على إثارة الفتن والثورات في صفوف المدنيين العراقيين من عرب وأكراد وشيعة وسنة من أهل الجماعة، أو حض هؤلاء الرعايا من العراقيين على التخريب أو القيام بحركات مقاومة سرية ضد حكومتهم، فما هو حكم القانون بالنسبة لهذه الوسائل الحربية؟
في الواقع، لا تتضمن قوانين الحرب الدولية أحكاماً تعالج هذا الأمر، ومع ذلك، يرى معظم فقهاء القانون الدولي بأن أعمال التحريض أو وسائل الحرب النفسية حتى ولو لم تكن ترتكز على معلومات صحيحة تعتبر وسائل مشروعة في الحرب. فما دام القانون لم يحرّمها صراحة، فليس هناك ما يمنع الدول المتحاربة من استخدامها، وقد تأيّد هذا الرأي بما سارت عليه الدول فعلاً في حروبها المتعاقبة.
2 اتخاذ دروع بشرية من المدنيين:
لإحراج القوات الأمريكية والبريطانية، يبدو من مجريات الحرب أن الجيش العراقي لجأ في بعض المدن العراقية إلى خطف المدنيين أو إجبارهم بالقوة ليصطفوا أمام الجنود المقاتلين ليصبحوا بذلك دروعاً بشرية بالنسبة لهم، فما مدى مشروعية هذا التصرّف العسكري في ضوء القانون الدولي؟
كان خطف المدنيين وأخذهم كرهائن أو استخدامهم كدروع بشرية من الأمور المشروعة في الحروب السابقة، وعندما أُبرمت اتفاقية جنيف في أغسطس من عام 1949م، المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب، تم التوصّل إلى تحريم هذه الوسيلة، واعتبر استخدامها مخالفةً خطيرة لقوانين الحرب الدولية؛ فوفقاً للمادة الثالثة من هذه الاتفاقية يعتبر أخذ الرهائن عملاً محظوراً في وقت الحرب. وقد حرمت هذه المادة أعمالاً أخرى كذلك: كالقتل بكل أنواعه، وبتر الأعضاء، والمعاملة القاسية، والتعذيب، والاعتداء على الكرامة الشخصية، والتحقير، والمعاملة المزرية، وإصدار الأحكام، وتنفيذ عقوبات الإعدام دون محاكمة سابقة.


 

 


   

رد مع اقتباس