عرض مشاركة واحدة

قديم 24-03-09, 06:00 PM

  رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

أسد الاردن / قصة ملك (الحلقة السادسة عشرة) ـ الملك حسين لنتانياهو: حزني عميق بسبب أفعالك التي جعلت السلام سرابا مخادعا
في قمة واشنطن ذهب نتانياهو للعاهل الأردني قائلا: «أنا مصر أن آتيك بمفاجأة»
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لندن: «الشرق الأوسط»
في اقل من عام على توليه بنيامين رئاسة الوزراء في اسرائيل فقد نتانياهو ثقة العاهل الاردني الراحل الملك حسين، ودفع غروره الذي لا يضع اعتبارا للاتفاقيات المكتوبة الملك حسين الى الشعور بانه لم يعد يستطيع الاعتماد على إسرائيل كحليف استراتيجي وكشريك في الطريق إلى السلام. وفي رسالة شديدة اللهجة إلى نتانياهو عبر الملك حسين عن قلقه تجاه تبعات ممارسات إسرائيل وخيبة أمله الشخصية المريرة في الرجل الذي ساعده كي ينتخبوه وقال فيها ان حزنه «حقيقي وعميق بسبب الأفعال التراجيدية المتراكمة التي بادرت بالقيام بها من موقع رئاسة الحكومة الإسرائيلية جاعلا السلام، الذي اعتبره أغلى هدف في حياتي، يبدو أكثر فأكثر كسراب مخادع».
وحاول نتانياهو أن يؤلب الأردنيين والفلسطينيين على بعضهم البعض حتى عادت عليه إحدى خطواته في ذلك بضرر خطير. وكانت الشعلة التي أضرمت النار هي افتتاح نفق قديم قرب المسجد الأقصى في القطاع القديم لمدينة القدس وذلك في 25 سبتمبر.
وفي حلقة اليوم من كتاب «أسد الاردن» الذي تنفرد «الشرق الاوسط» بنشر حلقات منه بالاتفاق مع دار نشر بنغوين ومؤلفه آفي شليم المؤرخ والبروفسور في جامعة اكسفورد الكثير من اسرار العلاقات الاردنية الاسرائيلية بعد تسلم نتانياهو السلطة ومشاعر الاحباط لدى العاهل الراحل ورسائله شديدة اللهجة الى رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق الذي كانت العناصر الأساسية في استراتيجيته هي تقليص التوقعات الفلسطينية وإضعاف ياسر عرفات وسلطته الفلسطينية ووقف أي عمليات انسحاب لاحقة للقوات الإسرائيلية نصت عليها اتفاقيات اوسلو وإصدار الأمر بإقامة ألفي وحدة سكنية جديدة للمستوطنين في وادي الأردن. شكَّل صعود بنيامين نتانياهو إلى السلطة في مايو 1996 حالة انقطاع مع البراغماتية التي طبعت تعامل حزب العمال مع العالم العربي كما شكل عودة للإصرار على خط ايديولوجي متشدد. وهي عودة لاستراتيجية الجدار الحديدي وبشكل انتقامي. كان نتانياهو ينظر إلى علاقة إسرائيل بالعالم العربي بوصفها نزاعا دائما وصراعا لا نهاية له بين قوى النور وقوى الظلام. وكانت صورة العرب لديه سلبية على الدوام وعلى نحو شامل وليس فيها مكان للاعتراف بإمكانية التنوع أو التغيير. بيد أن نتانياهو يحتفظ بأكثر تشدده وحقده للفلسطينيين. لقد شنّ هجوما عنيفا على فكرة أن المشكلة الفلسطينية تشكل النواة الصلبة لنزاع الشرق الأوسط. لم تكن المشكلة الفلسطينية بالنسبة له مشكلة حقيقية وإنما مشكلة زائفة ومصطنعة. أنكر نتانياهو أن يكون للفلسطينيين حق في تقرير المصير وتحجّج بأن السبب الأساسي للتوتر في الشرق الأوسط هو التنافس العربي الداخلي. وقد أدان نتانياهو اتفاقية اوسلو بوصفها اتفاقية تتعارض مع امن إسرائيل ومع الحق التاريخي للشعب اليهودي في كامل أراضي إسرائيل. وقاد المعارضة اليمينية ضد الاتفاقية التي وُقعت في 28 سبتمبر 1995 والمعروفة باسم اوسلو الثانية. وقد سمحت الاتفاقية بسحب المزيد من القوات الإسرائيلية إلى ما وراء غزة واريحا وتحويل السلطة التشريعية إلى مجلس فلسطيني يتم اختياره بالانتخاب الديموقراطي. وبمجرد أن وجد نتانياهو الفرصة أقدم على تجميد وإعاقة العملية التي كانت قد أطلقتها اتفاقيات اوسلو. وبإظهاره الواضح بأنه يعارض بشكل مطلق إقامة دولة فلسطينية فان نتنياهو نزع حجر الأساس من بوابة السلام وكان هدفه هو أن يحتفظ بشكل مباشر وغير مباشر بالحكم الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية بأي وسيلة في متناوله. وكانت العناصر الأساسية في استراتيجيته هي تقليص التوقعات الفلسطينية وإضعاف ياسر عرفات وسلطته الفلسطينية ووقف أي عمليات انسحاب لاحقة للقوات الإسرائيلية نصت عليها اتفاقيات اوسلو وإصدار الأمر بإقامة ألفي وحدة سكنية جديدة للمستوطنين في وادي الأردن. أما فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول العربية، وخصوصا مع سورية، فقد كان نتانياهو بالمثل، مصرا على عدم القيام بأي خطوة جديدة في طريق مقايضة الأرض بالسلام. وكان يعتقد أن موقفه المتشدد سيقنع الدول العربية نفسها بتقديم تنازلات اكبر فيما يتعلق بحقوقها. وقد صرّح علنا بأنه سيغير قواعد اللعبة. لكن استراتيجيته كانت محفوفة بالخطر لأنه لا يملك خبرة في وضع السياسات ولا تفهما لحدود القوة العسكرية. ولم يكن الافتراض بان العرب سيتخلون فجأة عن نضالهم الطويل لاستعادة الأراضي المحتلة ساذجا فقط وإنما كان افتراضا مستفزا أيضا. وقد خلق مدا خطيرا في العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. أما برنامج حكومته، خصوصا بناء مستوطنات في الضفة الغربية، فقد فُسر على نحو واسع في العالم العربي بأنه إعلان حرب على عملية السلام.
لا يحظى نتانياهو باحترام كبير حتى داخل حزبه. ويعتبره كبار أعضاء حزب الليكود مثقفا من الوزن الخفيف، سطحيا ومصطنعا، لا يتعدى إلا قليلا، أن يكون مجرد متعهد تصريحات خطابيّة يزود بها التلفزيون الاميركي. كان نتانياهو ممثلا لإسرائيل في الأمم المتحدة ثم نائبا لوزير الخارجية لكنه في الموقعين كان رجل علاقات عامة أكثر منه احد صانعي السياسية.. أما كرئيس وزراء فلم يكن سيئا فقط بالقدر الذي كان الناس يعتقدون انه سيكون عليه حينما كان يتنافس على رئاسة الوزارة وإنما كان أكثر سوءا من ذلك بكثير. وخلال فترة قصيرة جدا استطاع أن ينفّر معظم الإسرائيليين وكل حلفاء إسرائيل في الخارج. وقد صارت العلاقات مع الأردن متوترة بعد تسلمه للسلطة مباشرة. في البداية كان نقد رئيس الوزراء الإسرائيلي اشدّ خفوتا في الإعلام الأردني منه في باقي العالم العربي. وقد نصح الملك حسين زملاءه العرب بألا يتشاءموا وألا يدفعوا إسرائيل إلى عقلية الشعور بالحصار. وكان يخشى أن يمتد انفجار عنف إسرائيلي ـ فلسطيني إلى داخل المملكة الأردنية أو حتى أن يعيد الحياة للنظرية المخيفة بأن الأردن هو فلسطين. ومن ناحية أخرى فان معارضة نتانياهو التفاوض مع عرفات أوحت بتكهنات بخيار أردني تحت رعاية إسرائيلية. وحاول الملك حسين أن يدحض هذه التكهنات بالتصريح بوضوح أن الأردن «لن يكون بديلا لقيادة فلسطينية تحت أي ظرف من الظروف». وأراد التشاور مع إسرائيل والفلسطينيين بما يحفظ مصلحة الأردن في الضفة الغربية؛ ولم تكن له رغبة في التفاوض بدلا عن الفلسطينيين أو تولي مسؤولية تسوية المشكلة الفلسطينية.
حاول نتانياهو أن يؤلب الأردنيين والفلسطينيين على بعضهم البعض حتى عادت عليه إحدى خطواته في ذلك بضرر خطير. وكانت الشعلة التي أضرمت النار هي افتتاح نفق قديم قرب المسجد الأقصى في القطاع القديم لمدينة القدس وذلك في 25 سبتمبر. لم يكن للبوابة الجديدة للنفق الذي يعود تاريخه للقرن الثاني قبل الميلاد في حد ذاتها أهمية كبيرة لكنها مثّلت إهانة رمزية ونفسية للفلسطينيين وانتهاكا إسرائيليا وقحا للتعهد بحل النزاع حول القدس من خلال المفاوضات وليس من خلال فرض الأمر الواقع. وبإعطاء نتانياهو الأمر لفتح بوابة جديدة للنفق فانه حطّم آخر خيوط الأمل الواهية في حوار سلمي مع الفلسطينيين. وقد أطلقت تلك الخطوة انفجارا هائلا من الغضب الفلسطيني وأشعلت شرر المواجهات. حدثت احتجاجات واسعة النطاق وانفلتت أعمال شغب هائلة عن عقالها كما استفزت الشرطة الفلسطينية بحيث حول رجال الشرطة الفلسطينيون بنادقهم نحو نظرائهم الإسرائيليين. وتصاعد العنف واتسع نطاقه ليشمل جميع أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة. وخلال ثلاثة أيام من الصدامات الدموية لقي 14 جنديا إسرائيليا و54 فلسطينيا حتفهم. وكانت تلك الصدامات هي أكثر المواجهات عنفا منذ الانتفاضة. وقد صدمت مشاهد رجال الشرطة الفلسطينية وهم يطلقون النار على الشرطة الإسرائيلية الرأي العام الإسرائيلي. ولكن معظم المراقبين الأجانب اعتبروا أن سياسات نتانياهو بإغلاق الطريق أمام عملية السلام هي السبب وراء النزاع الدموي باهظ التكاليف. غضب الملك حسين غضبا شديدا. فعمل نتانياهو يتعارض مع المادة 9 من اتفاقية السلام الإسرائيلي ـ الأردني والتي تقول «وبما يتماشى مع إعلان واشنطن تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس». وقد تضاعف الأذى نتيجة لواقعة أن دوري جولد، احد كبار مساعدي نتانياهو، كان قد التقى الملك حسين في عمان قبل بضعة أيام ولم يقل كلمة واحدة عن النفق. ونتيجة لذلك الاجتماع انتشرت شائعات بأن الملك حسين قد اطلع سرا على الخطة وانه وافق عليها.
قام الملك حسين باتباع توصية مستشاريه في تبني خط متشدد مع نتانياهو حول هذا الموضوع. وُوجهت محاولات نتانياهو تجديد الاتصال بالملك حسين بالرفض. وكان افريم هاليفي يعمل في تلك الفترة سفيرا لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي في بروكسل. قام هاليفي بطلب من نتانياهو بزيارة سرية للعاصمة الأردنية وحصل على موافقة من الملك حسين بمقابلة مبعوثين من نتانياهو وبالتالي إعادة تنشيط الصلة بين المسؤولين الكبيرين.
تمت دعوة عاجلة إلى اجتماع قمة في واشنطن من جانب الرئيس كلينتون في 12 أكتوبر في محاولة لتهدئة الوضع وللحيلولة دون حدوث انهيار كامل لعملية السلام. رفض الرئيس مبارك تلبية الدعوة بينما استجاب لها كل من الملك حسين وعرفات ونتانياهو، ولكن الاجتماع انتهى بدون الوصول لأي اتفاق. وقد عبّر كل القادة العرب عن خيبة أملهم في التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لكن خيبة أمل الملك حسين كانت الأكثر شدة لأنه كان الزعيم العربي الوحيد الذي لم يشارك الآخرين في ترديد الإدانة لنتانياهو عقب فوزه في الانتخابات. كان هناك وجه شخصي وسياسي لخيبة أمل الملك حسين. كانت علاقاته مع رابين تتأسس على الثقة المتبادلة وكان يأمل في تطوير علاقة مشابهة لذلك بنتانياهو لكنه اكتشف بعد تجربة صعبة أن نتانياهو كان مراوغا غير شريف لا يمكن الركون إليه. وبذلك مثّل نتانياهو تهديدا خطيرا لخطة الملك حسين للتقدم خطوة فخطوة نحو سلام شامل في الشرق الأوسط. لذلك تحدث الملك حسين بقسوة شديدة مع نتانياهو في البيت الأبيض كما ذكرت الصحف في ذلك الحين، وكما أكد الملك لاحقا، فذكر ما حدث قائلاً: «تحدثت عن غرور السلطة؛ وتحدثت عن الحاجة لإحراز تقدم». لم يقل نتانياهو شيئا لكن، وهما يغادران، ذهب إلى الملك حسين وقال «أنا مصر أن آتيك بمفاجأة».
تسرّبت قائمة الملك حسين بالأخطاء الإسرائيلية إلى توماس فريدمان بـ«نيويورك تايمز» وتضم القائمة: المصادرة غير الشرعية للأراضي الفلسطينية لصالح إقامة مستوطنات يهودية؛ حالات حظر التجول التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين بشكل يجعل وصولهم إلى أماكن العمل شبه مستحيل؛ الافتقار إلى جدول زمني لسحب القوات الإسرائيلية من الخليل والبدء في مفاوضات الوضع النهائي؛ مهزلة النفق؛ إصرار إسرائيل على عقلية الحصن بينما الأمن الحقيقي الوحيد لا يأتي إلا من الاحترام المتبادل. قال الملك حسين لنتانياهو «إني أتحدث نيابة عن نفسي وعن اسحق رابين، الرجل الذي اشعر بفخر عظيم أن اسميه صديقي، وعن كل أولئك الذين ينتفعون من السلام» مضيفا «كل هذه الإرادة الخيرة ستضيع. نحن على حافة الهاوية، وبغض النظر عن أفضل الجهود فإننا، نحن كلنا، قد نكون مشرفين على السقوط فيها».
كان مما يدمي له قلب الملك حسين أن يرى كل ما كان قد بناه يتجه نحو التصدع والانهيار بسرعة شديدة. كان اقل حماسا على الإقدام على الدفاع عن التطبيع مع إسرائيل في أعقاب الصدامات الدموية التي وقعت في القدس واجتماع القمة العقيم في واشنطن. وفي الأردن انضمت الطبقات الوسطى إلى الإسلاميين والراديكاليين الفلسطينيين في معارضة التطبيع. ووقعت 38 مجموعة تمثل قطاعات واسعة من الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والمنظمات غير الحكومية بيانا دعت فيه إلى «مقاومة كل أشكال التطبيع مع الدولة الصهيونية» وعكست استفتاءات الرأي العام خيبة الأمل المتزايدة بشأن اتفاقية السلام على كل مستويات المجتمع الأردني. وقد أظهر أحد تلك الاستفتاءات التي أجريت بعد وقت قصير من إعلان واشنطن في يوليو 1994 أن 82 في المائة من الأردنيين يعتقدون أن الاقتصاد سينتفع بالسلام. لكن استفتاء آخر في يناير 1996 اظهر أن 47% من المشاركين شعروا بان الاقتصاد قد تدهور بالفعل في العام الأول للسلام. تصاعدت مشاعر السخط ضد إسرائيل على امتداد العالم العربي وتم التخطيط لافتتاح المؤتمر الاقتصادي الثالث للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA 3) في القاهرة في نوفمبر. ولبعض الوقت بدا وكأن المؤتمر لن ينعقد إطلاقا. وقد هدّد الرئيس المصري مبارك بإلغائه إذا واصلت إسرائيل التنصل عن التزاماتها. ولم يلن موقفه إلا بعد ضغوط هائلة من الولايات المتحدة. افتتح المؤتمر في القاهرة في 13 نوفمبر في أجواء من العداء الواضح لـ«المهرولين»، وقد صار «المهرولون» مظهرا رئيسيا في الخطاب السياسي العربي. وقد ابتدع الشاعر السوري نزار قباني هذا المصطلح بعد المصافحة بالأيدي في حديقة البيت الأبيض بين رابين وعرفات. صار الاندفاع نحو التطبيع مع العدو الصهيوني الآن مصدر هزء من جانب الذين رأوا فيه علامة ضعف عربية. وكان مجال الأعمال والمال في قلب هذا التطبيع كما ظهر في هذه المؤتمرات. كان الهدف الأصلي هو إقامة تجمع اقتصادي إقليمي حيث تكون إسرائيل جزءا صميما ومتعاونا اقتصاديا لتعزيز السلام في الشرق الأوسط. وفي المؤتمرين الأولين تقدّمت إسرائيل في تبني رؤية بيريس لشرق أوسط تندمج فيه الدولة اليهودية. وقد وعد الملك حسين شعبه مرارا بان التطبيع سيجلب الرفاه. وقد اعتاد عرفات على القول بأنه إذا توفر المناخ الاقتصادي الصحيح فانه سيحوّل فلسطين إلى سنغافورة جديدة. وكانت الحجة الأخرى الكبيرة التي دفع بها «المهرولون» هي أن المصالحة العربية ستشجع إسرائيل على إكمال عملية السلام على الجبهات الفلسطينية والسورية واللبنانية. أما الدول العربية غير المتورطة مباشرة في النزاع فإنها قبلت هي الأخرى بهذا المنطق. وقرّر المغرب وتونس وقطر التصديق بإنشاء دوائر رسمية لها في إسرائيل. وبلغت قطر حد الموافقة على تزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي.
من الجانب الآخر تحجج منتقدو «المهرولين» بان على العرب أن يمسكوا عن تقديم المكافآت الاقتصادية للتطبيع بوصفها آخر ما تبقى لهم من وسائل ضغط. ورفضت المملكة العربية السعودية التخلي عن مقاطعتها لإسرائيل إلى حين الوصول لإحراز سلام شامل. ورجح انتخاب نتانياهو الكفة لصالح المنتقدين. وقد اعتبر نتانياهو بمثابة التجسيد الحي للمدى الذي بلغه خطأ «المهرولين». وسأل المنتقدون «لماذا نشارك في تجمع اقتصادي دولي يفترض انه صمم كسند لسلام وأمن إقليميين بتعاون اقتصادي، في حين أن إسرائيل ترفض السلام؟» ولم يرسل سوى الأردن والسلطة الفلسطينية وفودا للمؤتمر، وكان وفداهما من المستوى المتوسط. وأجّلت قطر افتتاح مكتبها الرسمي لتبادل العلاقات في تل أبيب وأوقفت صفقتها الخاصة بالغاز الطبيعي. وطلبت حكومات أخرى من وفودها ألا تعقد أي صفقات مع الإسرائيليين. وقد أوضح المصريون بجلاء انه ما دامت إسرائيل قد تراجعت عن عملية السلام فان من حق العرب التراجع عن الأهداف الأساسية للمؤتمر الاقتصادي الأول والثاني للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتحويل المؤتمر الثالث إلى مؤتمر بين الدول العربية وحدها.
تراجعت العلاقات الثنائية بين الأردن وإسرائيل بعد أزمة النفق إلى اضعف مستوى لها منذ التوقيع على الاتفاقية بينهما. وعلى المستوى الشعبي تحول التشكك السلبي إلى معارضة نشطة. وعلى المستوى الرسمي تلاشى الصبر مع إسرائيل وحلّ مكانه إفصاح جازم بالمواقف العربية والفلسطينية. وأجبرت ردود الأفعال الاميركية والعربية القوية نتانياهو على التخلي عن الخليل في الضفة الغربية حيث أقامت مجموعة قليلة من المستوطنين اليهود المتشددين بؤر استيطان لها وسط العدد الكبير للسكان الفلسطينيين. ولعب الملك حسين دورا معتدلا في جلب الطرفين المتحاربين إلى الوصول إلى اتفاقية. وتحرك الملك حسين تحركا مكوكيا بين نتانياهو في تل أبيب وعرفات في غزة حتى تم التوصل إلى تسوية وتم توقيع بروتوكول الخليل في 15 يناير 1997. وقد كان ذلك بمثابة خطوة مهمة في عملية السلام بالشرق الأوسط، وتم توقيع الاتفاقية الأولى بين حكومة الليكود والفلسطينيين. وقسم البروتوكول الخليل إلى قسمين تحكمهما ترتيبات أمنية مختلفة، وغطى القسم الفلسطيني 80% من الخليل بينما غطى القسم الإسرائيلي الـ20% الأخرى. وألزم البروتوكول إسرائيل بثلاث عمليات انسحاب أخرى من الضفة الغربية خلال الـ18 شهرا المقبلة. أدى بروتوكول الخليل إلى تحاشي حدوث انهيار كامل لعملية سلام اوسلو لكن التفاؤل الضئيل الذي جلبه لم يدم طويلا. فبعد أن اجبر نتانياهو على اتخاذ خط يتميز بتصالح نسبي تبنى توجها يتسم بالمواجهة فيما يتعلق بالقدس. وبتوقيعه على البروتوكول كان نتانياهو قد حطم احد تابوهات حزب الليكود حول التعامل مع الأرض مقابل السلام. لذلك فانه أقسم بان يقوي من قبضة إسرائيل على القدس ويقاوم أي مساومة أو حتى مفاوضات ذات مغزى مع الفلسطينيين حول القدس. كان يعلم انه لا يوجد عربي يمكنه أن يقبل اقل مما كان عرفات يطالب به وهو الإدارة المشتركة، لكن اعتقد أن تأكيداً فعّالاً أحادي الجانب للسيطرة على القدس سيبدد أوهام العرب في استعادة الجزء الشرقي من المدينة، وهي أوهام يعتقد أن حكومة حزب العمال التي سبقته كانت قد شجعتها. أطلق نتانياهو الطلقة الأولى في المعركة من اجل القدس في 19 فبراير (شباط) وذلك من خلال خطة ببناء 6500 وحدة سكنية لثلاثين ألف إسرائيلي في هارحوما على امتداد القدس الشرقية. وهارحوما جبل تغطيه أشجار الصنوبر جنوب المدينة الأصلية في الطريق إلى بيت لحم واسمه العربي جبل أبو غنيم. وقد اختير الموقع لاستكمال حزام المستوطنات اليهودية حول القدس ولقطع الصلة بين الجزء العربي من المدينة والمناطق الخلفية لها في الضفة الغربية. وذلك نموذج وقح للتكتيك الصهيوني بخلق واقع على الأرض استباقا للمفاوضات. ونتيجة لذلك فان الفلسطينيين يفقدون مزيدا من الأراضي ويتناقص حظ إسرائيل في السلام. التحق الأردن بالجوقة الغاضبة والمحتجة على ممارسات إسرائيل. وفي اقل من عام على تولي نتانياهو رئاسة الوزراء فقد ثقة الملك حسين ودفعه إلى حافة اليأس بغروره الذي لا يضع اعتبارا للاتفاقيات المكتوبة وبالتوسع المتواصل إلى مستوى أعمق، فشعر الملك حسين انه لم يعد يستطيع الاعتماد على إسرائيل كحليف استراتيجي وكشريك في الطريق إلى السلام. وفي رسالة شديدة اللهجة إلى نتانياهو عبر الملك حسين عن قلقه تجاه تبعات ممارسات إسرائيل وخيبة أمله الشخصية المريرة في الرجل الذي ساعده كي ينتخب. وتستحق الرسالة أن تنقل أجزاء كثيرة منها بسبب ما تلقيه من ضوء على حالة الملك حسين الذهنية:
«السيد رئيس الوزراء إن حزني حقيقي وعميق بسبب الأفعال التراجيدية المتراكمة التي بادرت بالقيام بها من موقع رئاسة الحكومة الإسرائيلية جاعلا السلام، الذي اعتبره أغلى هدف في حياتي، يبدو أكثر فأكثر كسراب مخادع. كان يمكنني أن أقف بعيدا لو لم تكن حياة كل العرب والإسرائيليين ومستقبلهم تنزلق بسرعة شديدة نحو هاوية من إراقة دماء وكارثة يجلبها الخوف واليأس. وأنا بصراحة لا أستطيع تقبل حجتكم المتكررة بأنكم تفعلون ما تفعلونه مكرهين تحت التهديد والضغوط. ولا أؤمن بأن شعب إسرائيل يسعى لإراقة الدماء والكوارث ومعارضة السلام. كما لا أومن بأن أكثر رئيس وزراء إسرائيلي قوة على المستوى الدستوري في تاريخ إسرائيل سيفعل غير ما هو مقتنع به. والحقيقة المحزنة التي صارت تتكشف لي هي أنني لا أجدك إلى جانبي تعمل لتحقيق إرادة الله من اجل مصالحة نهائية بين كل المتحدرين من ذرية سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويبدو أن ممارساتك تميل إلى نقيض كل ما أومن به، أو كل ما أناضل لتحقيقه مع الأسرة الهاشمية منذ الملك فيصل الأول وعبد الله وحتى الأزمنة الحديثة.
السيد رئيس الوزراء، إذا كان في نيتكم تحريك أخوتنا الفلسطينيين في مقاومة حتمية عنيفة فعليك أن تأمر بلدوزراتكم بالتوجه للموقع المقترح للاستيطان.
لماذا هذه الإهانة المتعمدة المكشوفة والمستمرة لمن يسمون بشركائكم الفلسطينيين؟ هل يمكن لأي علاقة أن تزدهر في غياب الاحترام والثقة المتبادلين؟ لماذا يؤكد الفلسطينيون أن منتجاتهم الزراعية ما تزال تتعفن في انتظار دخولها إلى إسرائيل وتصديرها؟ لماذا التأجيل في حين أن المعروف انه ما لم يصدق على البدء في ميناء غزة قبل نهاية هذا الشهر فان المشروع بأكمله سيتعرض للتأجيل سنة أخرى؟ وأخيرا يأتي موضوع مطار غزة. لقد تناولنا جميعا هذا الموضوع عدة مرات برؤية تحقيق حاجة فلسطينية مشروعة ومنح قادتهم وشعبهم فرصة الاتصال الحر بالعالم بدلا من حالة الاحتجاز الحالية التي يعيشونها والحاجة للخروج والعودة عبر أراضي تخضع لسيادة أخرى.
كيف اعمل معك كشريك وصديق حقيقي في هذه الأجواء المربكة والمرتبكة، وأنا أحس بنية تحطيم كل ما عملت على بنائه بين شعبينا ودولتينا ؟ إن العناد حول موضوعات حقيقية شيء أما العناد من اجل العناد فانه يدعو للاستغراب. وقد اكتشفت في كل حادث أن رأيك لا يقبل التغيير ويبدو انك لا تحتاج لأي نصح من صديق. اشعر بأسف عميق أن اضطر لأكتب لك هذه الرسالة الشخصية ولكن إحساسي بالمسؤولية والاهتمام هو الذي دفعني الى أن أقوم بذلك للأجيال المقبلة في مواجهة المجهول». مخلصكم حسين

 

 


   

رد مع اقتباس