عرض مشاركة واحدة

قديم 24-03-09, 05:14 PM

  رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

أسد الاردن / قصة ملك (الحلقة التاسعة) .. الملك حسين أعطى ديان درسا عندما طرح اقتسام الضفة الغربية بين الأردن وإسرائيل
السادات قال لسكرتير بيغن: إذا وصل العاهل الأردني إلى كامب ديفيد فلن نتوصل الى شيء
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةالملك حسين والملكة علياء
لندن: «الشرق الأوسط»
أوردت بعض التقارير الإخبارية في الصحافة الأميركية ان الأردن رفض الدعوة للمشاركة في قمة كامب ديفيد التي دعا اليها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مصر وإسرائيل. لكن تلك التقارير لم تكن صحيحة، وربما تكون نابعة من موقف الملك حسين عشية القمة عندما بدا انه غير رافض للدعوة، لكنه مصر على جعل مسألة مشاركته أمرا صعبا. وبقي الملك حسين خلال تلك الفترة في لندن وهو يشعر بأنه استبعد منها، لكنه كان يتابع تطوراتها بقلق. وتصادف خلال تلك الفترة وجود رجل الأعمال المصري اشرف مروان، وطلب الملك حسين مقابلة أشرف وأبلغه في سرية تامة رغبته في المشاركة في قمة كامب ديفيد وطلب منه ان يبلغ السادات بذلك، وذهب مروان الى واشنطن لمقابلة احد كبار مستشاري السادات لكنه عاد برد سلبي.
وفي حلقة اليوم من كتاب أسد الأردن الذي تنفرد «الشرق الأوسط» بنشر حلقات منه بالاتفاق مع دار نشر «بنغوين» ومؤلفه المؤرخ والبروفسور في جامعة اكسفورد آفي شليم، قصة الطريق الى كامب ديفيد ومواقف الملك حسين منذ ان اعلن الرئيس المصري الراحل انور السادات مبادرته الشهيرة.
وقبلها كان عام 1977 مأساويا بالنسبة الى الملك حسين فقد توفيت الملكة عالية في تحطم مروحية وتركت لديه حزنا عميقا. كما أسفر وصول حزب الليكود إلى الحكم في إسرائيل عن تغيير رئيسي في السياسة الخارجية لإسرائيل. فعلى عكس حزب العمل البراغماتي المهتم بأمن إسرائيل كان الليكود حزبا آيدولوجيا قوميا متمسكا بمشروع «ارض إسرائيل» ويرفض تماما أي مطالب للأردن وأي حق للفلسطينيين في تقرير المصير. صادف العام 1977 اليوبيل الفضي لتولي الملك حسين عرش الأردن، لكنه كان عاما مأساويا على صعيد حياته الخاصة ومثار إحباط على الصعيد السياسي. ففي 9 فبراير (شباط) توفيت زوجته الثالثة عالية في حادث تحطم مروحية، وتركت تلك الحادثة حزنا عميقا لدى الملك حسين، وزاد من حزنه إحساس بالذنب لسماحه للملكة عالية بالسفر على متن المروحية الملكية في حالة جوية سيئة. وكانت أول زيارة خارجية للملك حسين بعد تلك الحادثة المأسوية في 24 ابريل (نيسان) إلى الولايات المتحدة، حيث التقى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر ومستشاريه في البيت الأبيض. أبدى جميعهم إعجابا بالملك حسين ورأوا فيه حليفا قويا في مؤتمر الشرق الأوسط المزمع عقده في نهاية ذلك العام. وقال الملك حسين انه شعر لأول مرة منذ سنوات بإحساس من الأمل في التوصل إلى بعض الاتفاقيات. وفي وقت لاحق من مساء ذلك اليوم جلس كارتر وزوجته روزالين مع ضيفهم في شرفة ترومان يشاهدون هبوط وإقلاع الطائرات من مطار واشنطن الوطني، وتحدثوا حول شؤون دبلوماسية وشخصية. وبكى الملك حسين عندما تحدث مع روزالين كارتر حول مدى تقديره للخطاب المكتوب بخط اليد الذي أرسله له الرئيس. وسأل كارتر الملك حسين ما اذا كان يرغب في زيارة ساحل جورجيا لبضعة أيام بغرض الراحة والاستجمام، وقبل الملك حسين الدعوة. كان جيمي كارتر سادس رئيس أميركي يعمل معه الملك حسين. وعلى الرغم من البداية الواعدة بين الجانبين، إلا ان العلاقات لم تستمر بنفس الود بسبب الدور الثانوي الذي رسم للأردن في إطار خطط إدارة كارتر. ثمة مصدر آخر لتراجع العلاقات الأردنية ـ الأميركية تمثل في وصول حكومة يمينية إلى السلطة في إسرائيل برئاسة مناحيم بيغن في انتخابات مايو (أيار) 1977 لتضع نهاية لثلاثة عقود من سيطرة حزب العمل على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. كما أسفر وصول حزب الليكود إلى الحكم في إسرائيل عن تغيير رئيسي في السياسة الخارجية لإسرائيل. حزب العمل كان حزبا براغماتيا يمثل أمن إسرائيل شغله الشاغل، فيما كان حزب الليكود حزبا آيدولوجيا قوميا متمسكا بمشروع «ارض إسرائيل». فقد رفض حزب الليكود تماما أي مطالب للأردن تتعلق بالسيادة الأردنية في المنطقة، كما رفض أي حق للفلسطينيين في تقرير المصير. أصاب القادة الأردنيين قلق بالغ، وكان خوفهم من ان الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تكتفي فقط بضم الضفة الغربية بل ستنفذ عمليات طرد جماعية واسعة للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية. يضاف إلى ذلك ان سجل رئيس الوزراء الجديد، مناحيم بيغن، كزعيم لجماعة إرهابية يمينية في السابق وعضو في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة ليفي اشكول، كان مصدرا آخر للقلق. الملك حسين كان ينظر إلى بيغن بنوع من النفور بسبب ماضيه الإرهابي ونهجه المتطرف في السياسة. وكان يشارك الملك حسين تلك الهواجس أعضاء آخرين في الأسرة الملكية مثل الأمير زيد بن شاكر، الذي قال ان الليكود يرى ان فلسطين تقع شرق نهر الأردن، وأن الشيء الوحيد الذي يحتاج إلى تغيير هو الحكم الملكي لأن غالبية سكان الأردن فلسطينيون. وأضاف الأمير زيد بن شاكر ان الأردن كانت لديه خطط طوارئ لمقابلة احتمالات الطرد الجماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية. وأوضح أيضا ان الملك حسين كانت لديه اتصالات بكل حلفاء الأردن، وان تلك الفترة اتسمت بالقلق لدى الأردن. شعرت القيادة الأردنية بالخطر من برنامج الحكومة الإسرائيلية الجديدة وتشكيلتها. فقد جرى اختيار عزرا وايزمان، القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي والمحسوب على جناح الصقور، وزيرا للدفاع، وزميله الجنرال السابق آرييل شارون وزيرا للزراعة. وكان شارون من أقوى المؤيدين لأطروحة اليمين الإسرائيلي التي تقول ان الأردن هو فلسطين، وأن هناك اصلا دولة فلسطينية في الضفة الشرقية لنهر الأردن وان الضفة الغربية يجب ان تصبح جزءا من «إسرائيل الكبرى» من خلال تسريع خطوات إقامة المستوطنات هناك. يضاف إلى ما سبق ان آرييل شارون كان واحدا من بضعة قيادات في قوات الدفاع الإسرائيلية عارضوا مساعدة الملك حسين في مواجهة التحدي الذي شكلته منظمة التحرير الفلسطينية لنظامه في أزمة سبتمبر (أيلول) 1970، فقد كان شارون يريد مساعدة منظمة التحرير الفلسطينية على إطاحة النظام الأردني وتحويله إلى دولة فلسطينية. ومن القرارات التي أثارت دهشة كثيرين تعيين بيغن موشي دايان وزيرا للخارجية. ويبدو ان واحدا من الأسباب التي دفعت بيغن إلى تعيين ديان في ذلك الموقع التأكيد على استمرار سياسة إسرائيل الخارجية. فقد يعلم بيغن جيدا انتشار المخاوف من احتمال ان يؤدي وصوله إلى الحكم في إسرائيل إلى إحداث توتر بين إسرائيل وجيرانها. وسعى بيغن إلى تبديد هذه المخاوف من خلال محاولة إعطاء انطباع بالمعقولية والمسؤولية. وبوجود الليكود ودايان في الحكومة الإسرائيلية الجديدة حلت مصر محل الأردن في سياسة إسرائيل الخارجية، فإن دايان قرر إجراء لقاء سري مع الملك حسين في لندن في 22 أغسطس (آب) 1977 بمنزل الدكتور ايمانويل هيربيرت، الذي بلغ من العمر آنذاك سبعين عاما ولم يكن في وضع صحي جيد. وكان ذلك آخر لقاء يستضيفه في منزله بين أصدقائه الأردنيين والإسرائيليين. كما انه كان آخر لقاء للملك حسين بقيادة الليكود لفترة عشر سنوات بعد ذلك. وطبقا لوصف موشي دايان لذلك اللقاء مع العاهل الأردني: «جاء الملك حسين متأخرا، وحياني مصافحا ومبتسما واعتذر عن تأخيره الذي قال انه كان بسبب ضيوف انتظرهم حتى غادروا. وجدت الملك حسين قد تغير كثيرا، ليس فقط في الشكل وإنما في الروح أيضا. لم يكن هو نفس الملك حسين الذي التقيته من قبل. لم يكن بنفس الروح والبريق السابق. حتى المواضيع السياسية التي طرحتها عليه لم يكن لها اثر عميق عليه في ما يبدو. كانت لغته مقتضبة وإجاباته قصيرة، وفي الغالب من كلمة واحدة، ونادرا ما كان يرد بأكثر من نعم أو لا، دون شرح واضح. ربما يكون اكتئابه ناجما عن الموت المأساوي لزوجته قبل شهور في حادثة سقوط هليكوبتر. وربما يكون ناجما أيضا عن قرار مؤتمر الرباط عام 1974 الخاص بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني وسحبه من ذلك الدور. قال الملك حسين انه منشغل بصورة رئيسية بإدارة الضفة الشرقية للنهر ـ مملكته الأردنية. لم يكن قادرا ولا متلهفا للاصطدام بالدول العربية أو منظمة التحرير الفلسطينية في تلك المسألة. اذا لم تكن لديهم رغبة فيه، فبوسعهم إدارة شؤون الفلسطينيين بدونه».
سأل دايان الملك حسين ما اذا كان يرغب في التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل على أساس تقسيم الضفة الغربية بين الأردن وإسرائيل. على حد اعترافه بنفسه، لم يتلق دايان ردا واضحا وجليا فحسب، بل درسا مفيدا من الملك حسين. فقد رفض العاهل الأردني الفكرة بصورة قاطعة وقال ردا على دايان انه بوصفه ملكا عربيا لا يمكن ان يقترح على سكان قرية أن يستأصلوا أنفسهم من أشقائهم العرب ويصحبوا إسرائيليين. وقال له أيضا ان مثل هذا الاتفاق سيعتبر غدرا، وسيتهم بأنه «باع» أرضا عربية لليهود بغرض توسيع مملكته. يتساءل دايان في كتابه بعنوان Moshe Dayan، Breakthrough: A Personal Account of the Egypt-Israel Peace Negotiations: «هل كان الملك حسين لا يزال ملكا للأردن أم مجرد ظل لحاكم؟ هل كان حقا يرعى ويهتم ببلده أم انه كان يقضي غالبية وقته متجولا في الخارج؟ على أية حال، موقفه تجاه موضوع نقاشنا ـ محاولة التوصل إلى ترتيب معقول ومتفق عليه لمشكلة الضفة الغربية وقطاع غزة ـ اتسم باللامبالاة فيما يبدو». يبدو ان الشعور بخيبة الأمل كان مشتركا، فالملك حسين قال حول ذلك اللقاء مع موشي دايان: «التقيت صديقي موشي دايان. كان موقفه متشددا أكثر من قبل، وكانت تلك نهاية الأمر. لم يجر بيننا اتصال على مدى فترة طويلة». لم تكن في ذلك اللقاء أي مفاجآت. فموقف الملك حسين لم يتغير منذ ان التقى دايان عندما كان وزيرا للدفاع وعضوا في حزب العمل. دايان، من جانبه، تلقى الإجابات التي كان يتوقع، وهي الإجابات التي أكدت ببساطة وجهة نظر بيغن، وهي ان الملك حسين لن يوافق على التخلي عن أي أراض لإسرائيل في الضفة الغربية وسيرفض أي احتمال لاقتسام السلطة. وكان بيغن يكرر على دايان في مختلف المناسبات عبارة الملك حسين التي وصف بها مقترح اقتسام الأرض بأنه أمر «غير مقبول تماما». إذاً، المساومة بشأن الأراضي باتت خيارا مستبعدا من جانبي إسرائيل والأردن على حد سواء. «الخيار الأردني» دُفن، الأمر الذي أعطى دايان وبيغن الحرية في استكشاف «الخيار المصري»، وتبعا لذلك ضاعف كل منهما المساعي الدبلوماسية الرامية لإقناع الرئيس المصري أنور السادات بأن إسرائيل ترغب في الشروع في مفاوضات ثنائية. استحدث الرئيس كارتر النهج الشامل بديلا للنهج التدريجي لهنري كيسنغر، وهو نهج كان مناسبا مع إسرائيل، فيما لم يكن النهج الشامل يناسب إسرائيل البتة. كان كارتر ينظر الى المشكلة الفلسطينية كونها محور النزاع في الشرق الأوسط وكان يعتقد ان من مصلحة الولايات المتحدة التوصل إلى حل بشأنها. وكان يفضل على وجه التحديد إقامة وطن للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يكون على ارتباط بالأردن. كما انه عمل على عقد مؤتمر جنيف مجددا بمشاركة الاتحاد السوفياتي وكل أطراف النزاع، بمن في ذلك الفلسطينيون. بيغن من جانبه نفى ان يكون للفلسطينيين أي حقوق وطنية، وكان يعارض عقد مؤتمر دولي بمشاركة الاتحاد السوفياتي، كما كان يعتبر ان قراري مجلس الأمن 242 لا ينطبق على الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان ما يريده هو عقد مفاوضات ثنائية مباشرة بين مصر وإسرائيل دون مشاركة أي أطراف عربية أخرى، خصوصا منظمة التحرير الفلسطينية، التي كان يعتبرها منظمة إرهابية. وبتسبيبه مشاكل إجرائية مستمرة نجح بيغن في عرقلة خطط كارتر لعقد مؤتمر دولي. كانت هناك مشكلة في الجانب العربي أيضا. فالأسد وحسين كانا يفضلان تمثيل العرب بوفد موحد في حال انعقاد مؤتمر جنيف مجددا، فيما كان السادات يفضل ان تكون هناك وفود منفصلة. ووافق الملك حسين على المبادرة الأميركية لعقد مؤتمر لأنه كان قائما على أساس قرارات الأمم المتحدة ولأنه كان يتضمن وعدا بتسوية شاملة وأيضا لأنه خصص دورا رئيسيا للأردن. عارضت إسرائيل مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر، إلا الملك حسين اقترح مشاركة فلسطينيين من غير أعضاء المنظمة كأعضاء في وفد الأردن سعيا للتأكيد على تمثيل الفلسطينيين. قام الملك حسين كذلك بجولة على عواصم الدول العربية سعيا لتشكيل جبهة موحدة. وفي القاهرة لم يكن السادات في مزاج للتشاور أو التناصح حول أي شيء. ومنذ البداية لم تكن هناك ثقة وصلات وثيقة أصلا بين الجانبين. الملك حسين عرض من جانبه على السادات الاستفادة من تجربته في التعامل مع الإسرائيليين وإطلاعه على الصعوبات التي من المحتمل ان تعترض طريقه، إلا انه لم يكن هناك رد فعل من جانب السادات. عند ذلك قال الملك حسين بصورة مباشرة للسادات إنه كان على اتصالات مع «الجيران» ودعا السادات لتوجيه أي أسئلة حول هذه الاتصالات، وهنا رد السادات قائلا انه سيباشر مسؤولياته بنفسه في هذا الجانب. مساعي الملك حسين للتوصل إلى أرضية مشتركة مع السادات والأسد انتهت إلى لا شيء. فقد قرر السادات العمل بمفرده وفشل في إبلاغ أي من الأطراف الأخرى بشأن المبادرة السياسية الدراماتيكية التي يعتزم القيام بها. وفي 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977 فجّر السادات مفاجأته أمام البرلمان المصري وقال: «أنا على استعداد للوصول إلى آخر الأرض من أجل السلام، وحتى إلى الكنيست نفسه». وبعد عشرة أيام قام السادات بزيارته التاريخية إلى القدس، وتخلى عن مؤتمر جنيف والنهج الرامي إلى تحقيق سلام شامل. أحدثت زيارة السادات إلى القدس فوضى وانقساما في العالم العربي. بعض القادة العرب أيد المبادرة، وعارضها آخرون، فيما آثر بعض آخر الانتظار ليرى ما يمكن ان تصبح عليه المواقف. الملك حسين كان ضمن الذين آثروا الانتظار كي يروا المواقف المترتبة على خطوة السادات. وعلى الرغم من انه فوجئ تماما بالخطوة التي أقدم عليها السادات في وقت كان يعمل فيه جاهدا لتوحيد الجهود من أجل موقف عربي موحد، فإن الملك حسين لم يقدم على إدانة خطوة السادات رغما عن الضغوط التي واجهها من الدول العربية الراديكالية ومنظمة التحرير الفلسطينية والرأي العام المحلي داخل الأردن. وفي خطاب تلفزيوني موجه إلى الشعب الأردني انتقد الملك حسين مبادرة السادات الأحادية الجانب، كما انتقد أيضا ردود الفعل العاطفية من بعض الدول العربية. وأشاد الملك حسين في كلمته بالسادات لشجاعته في التغلب على العادات والتقاليد والحواجز النفسية، لكنه أعرب عن تحفظاته تجاه شكل ومضمون المبادرة المصرية. وكانت كلمة الملك حسين الموجهة عبر التلفزيون بمثابة مناشدة للقادة العرب بضم الصفوف، وحذر قائلا ان العرب لن يستطيعوا استعادة حقوقهم اذا جاءت مساعي تحرير الأراضي العربية والتوصل إلى سلام عادل بمبادرة من جانب واحد أو جزئي أو غير ملتزمة بموقف مشترك. اللهجة المعتدلة للملك حسين تجاه مبادرة السادات عكست إلى حد ما النفوذ المتزايد للشريف عبد الحميد شرف، رئيس الديوان الملكي، في السياسة الخارجية للأردن. وهو من مواليد بغداد عام 1939 ويتحدر من الفرع العراقي للأسرة الهاشمية وعلى صلة قرابة بالملك حسين. إلا ان العلاقة بينه والملك حسين تراجعت بسبب انتماء شرف القومي العربي. وكان شرف قد انخرط في حركة القوميين العرب خلال دراسته بالجامعة الأميركية في بيروت. وفي وقت لاحق لعب الشريف زيد بن شاكر دورا رئيسيا في التوفيق بن الملك حسين وشرف وفي عودته إلى الأردن، حيث التحق بوزارة الشؤون الخارجية. وعقب حرب يونيو (حزيران) 1967 جرى تعيين شرف سفيرا للأردن لدى واشنطن، حيث بقي لفترة خمس سنوات انتقل بعدها إلى العمل في منظمة الأمم المتحدة بنيويورك. وعقب عودته إلى الأردن عام 1976 جرى تعيينه مديرا للديوان الملكي وأصبحت بعد ذلك العلاقة بينه والملك حسين وثيقة وبات يعتمد عليه في الاستشارات ويثق في حكمه على بعض الأمور. وكان شرف يعتقد في ضرورة ان تكون هناك علاقة متوازنة بين الأردن وبقية الدول العربية. وفيما كان رئيس الوزراء الأردني حينذاك، مضر بدران، يعارض بشدة المبادرة المصرية، كان يرى شرف ان رفض الأردن القاطع للمبادرة سيؤدي إلى عزل السادات وتركه عرضة للضغوط الإسرائيلية وان مصر ستعمل من جانبها على تسريع خطوات عملية تفتيت بقية الدول العربية. وغلبت نصيحة شرف في نهاية الأمر لأنها كانت منسجمة مع أسلوب الملك حسين واستراتيجيته. نجح السادات بزيارته إلى القدس في كسر الحاجز النفسي الذي كان يشكل، على حسب قوله، 90 فيد المائة من النزاع العربي ـ الإسرائيلي. وأقنع السادات غالبية الإسرائيليين بأن السلام مع العرب احتمال حقيقي ولكن يمكن تحقيقه فقط من خلال انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. إلا ان السادات لم ينجح في اختراق الحاجز السياسي للسلام، وعلى وجه التحديد رفض حزب الليكود الانسحاب من الضفة الغربية. وفي هذا الجانب فشلت زيارة السادات، وهذا ما رفض مرارا الاعتراف به. وفي صيف عام 1978 تقدم الرئيس الأميركي جيمي كارتر بمبادرة من جانبه دعا على أساسها كلا من مصر وإسرائيل لمؤتمر سلام تحت رعاية الولايات المتحدة في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ميريلاند. لم يتلق الملك حسين دعوة، لكنه تسلم خطابا من الرئيس كارتر يتضمن الخطوط العريضة لخططه بشأن مبادرة السلام. ورد الملك حسين على كارتر بخطاب طويل تمنى له من خلاله النجاح وأشار فيه أيضا إلى العقبات المحتملة في هذا الطريق. بدأ الملك حسين خطابه إلى كارتر بالقول ان مبادرة السادات الشجاعة زادت من اعتقاد العرب بمعارضة اسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلت بالقوة عام 1967 تحت أي ظرف من الظروف وانها لا تعتزم السماح بالوصول إلى حل معقول للمسألة الفلسطينية. وكتب الملك حسين أيضا ان الحكومة الإسرائيلية زادت من العقبات الموجودة اصلا في طريق السلام برفضها الاعتراف بأن الضفة الغربية أراض أردنية محتلة. وجاء في خطابه أيضا ان الأردن على استعداد للمشاركة بصورة ايجابية في مساعي التوصل إلى سلام، ولكن قبل الدخول في أي مفاوضات لا بد من مؤشرات واضحة ومباشرة إلى ان النتيجة ستكون انسحابا كاملا من كل الأراضي المحتلة، وتضمن الخطاب أيضا تحذيرا ضمنيا بأن أي تسوية منفردة لن تكون مقبولة من جنب الأردن وحلفائه العرب. أوردت بعض التقارير الإخبارية في الصحافة الأميركية ان الأردن رفض الدعوة للمشاركة في قمة كامب ديفيد. تلك التقارير لم تكن صحيحة، لكنها ربما تكون نابعة من تقلبات موقف الملك حسين عشية القمة عندما بدا انه غير رافض للدعوة، لكنه مصر على جعلت مسألة مشاركته أمرا صعبا. استمرت قمة كامب ديفيد 13 يوما ابتداء من 5 حتى 17 سبتمبر (أيلول)، وبقي الملك حسين خلال تلك الفترة في العاصمة البريطانية وهو يشعر بأنه استبعد منها، لكنه كان يتابع تطوراتها بقلق. وتصادف خلال تلك الفترة وجود اشرف مروان، وهو رجل أعمال مصري ثري، صهر جمال عبد الناصر وعلى علاقة وثيقة بالسادات. طلب الملك حسين مقابلة أشرف وأبلغه في سرية تامة رغبته في المشاركة في قمة كامب ديفيد وطلب منه ان يبلغ السادات بذلك. سافر مروان إلى واشنطن وتحث مع واحد من كبار مستشاري السادات ثم عاد إلى لندن ليبلغ الملك حسين برد سلبي. لم يكن السادات يرغب في وجود الملك حسين في القمة، لأنه لا يشعر تجاهه بالارتياح من ناحية، وكان لا يثق فيه من الناحية الأخرى. إلا ان الأمر الأكثر أهمية هو ان السادات كان يعتقد ان وجود الملك حسين في كامب ديفيد سيعقّد العملية ويقفل الطريق أمام أي تقدم. كان السادات يدرك أيضا ان الملك حسين سيطرح مسألة تقرير مصير الفلسطينيين ويصر على التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع. وعندما سأل السكرتير الخاص لمناحيم بيغن السادات عن السبب وراء رفضه لحضور الملك حسين القمة، رد السادات ببساطة قائلا: «لأن الملك حسين اذا وصل إلى كامب ديفيد، فلن نتوصل إلى أي اتفاق».

 

 


   

رد مع اقتباس