عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-10, 09:31 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الأدميرال
مشرف منتدى القوات البحرية

الصورة الرمزية الأدميرال

إحصائية العضو





الأدميرال غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي هل تغيّرت سياسة روسيا تجاه الأزمة النووية الإيرانية



 

هل تغيّرت سياسة روسيا تجاه الأزمة النووية الإيرانية
بعد رحيل الرئيس الروسي السابق (فلاديمير بوتين) من الكرملين ليحل محله الرئيس الجديد (ديمتري ميدفيديف) المعروف بعقليته الليبرالية والاقتصادية المنفتحة على الغرب، والمختلفة عن العقلية الأمنية والسياسية لرجل الاستخبارات السوفيتية السابق (بوتين)، يثار التساؤل بشأن مستقبل السياسة الروسية تجاه الأزمة النووية الإيرانية.

ويكتسب هذا التساؤل أهمية كبيرة، وبخاصة في ظل التصعيد الذي شهدته الأزمة في الفترة الأخيرة، صحيح أنه منذ قدوم الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة (أوباما) إلى الحكم في واشنطن، والمقاربة الجديدة التي اعتمدها الرئيس الأمريكي في التعامل مع إيران، وقوامها الاستعداد للدخول في حوار غير مشروط مع القادة في إيران في تسوية هذه الأزمة، سادت آمال كبيرة وتوقعات بقرب انتهاء الأزمة أو على الأقل وقوفها عند مستوى معقول من التهدئة يتيح لأطرافها التفكير بهدوء في كيفية الخروج منها، وتسويتها بالشكل الذي يحقق أكبر قدر ممكن من أهداف أطرافها الرئيسين، إلاّ أنه على الرغم من ذلك، فقد شهدت الأزمة خلال الفترة الأخيرة تصعيداً خطيراً، وذلك على خلفية الكشف عن وجود منشأة إيرانية ثانية لتخصيب اليورانيوم في (قم) خلال شهر سبتمبر 2009م، الأمر الذي اعتبره الرئيس الأمريكي (انتهاكاً خطيراً لقواعد عدم الانتشار النووي)؛ هذا فضلاً عن إعلان إيران اعتزامها بناء عشر محطات نووية جديدة تعتبرها ضرورية لمواجهة مشكلة الطاقة لديها.وإن كان (باراك أوباما) قد أعطى ــ على الرغم من ذلك ــ فرصة أخرى للحوار، وأبدى استعداده في الوقت ذاته لاستئناف المفاوضات مع إيران بشرط أن تبدي استعدادها لإثبات الطابع السلمي لبرنامجها النووي(1)، وتتجه الأوضاع حالياً نحو فرض عقوبات جديدة على طهران.

وواقع الأمر، فإن التنبؤ بمستقبل السياسة الروسية تجاه الأزمة النووية الإيرانية خلال الفترة القادمة، هو أمر تحيط به الكثير من الصعوبات نظراً للتعقيدات المحيطة بالأزمة ذاتها والتفاعلات الدائرة بين أطرافها الرئيسين، ومع ذلك، فإن التحليل الموضوعي يقتضي القول بأن هناك مؤشرات يمكن في ضوئها التوقّع بأن السياسة الروسية تجاه الأزمة سوف تشهد تغيُّراً ملحوظاً لجهة التشدد مع إيران في ظل وجود الرئيس الروسي الحالي (ميدفيديف) الذي يراهن عليه الغرب وفق بعض التحليلات الغربية، ولكن هناك في المقابل مؤشرات أخري يمكن القول في ضوئها إن السياسة الروسية تجاه الأزمة النووية الإيرانية ستظل داعمة للموقف الإيراني من الأزمة كما كانت في ظل الرئيس السابق (بوتين).

ويمكن بلورة هذه المؤشرات من خلال السيناريوهين التاليين، ثم ترجيح أيهما أكثر احتمالاً من وجهة نظر الباحث:

السيناريو الأول: تبنّي سياسة روسية متشددة تجاه إيران بشأن الأزمة النووية

يستند المدافعون عن هذا السيناريو إلى مؤشر مهم في الدفاع عن وجهة النظر التي يتبنونها وهو تغيّر القائد السياسي، وبصفة عامة، يعتبر التغير في القائد السياسي أحد مصادر التغيّر في السياسة الخارجية للدولة، والنظام السياسي في روسيا معروف أنه نظام رئاسي قوي يسيطر فيه رئيس الدولة على مجمل التفاعلات الخاصة بقضايا السياسة الخارجية، وهو ما يعني أن تغيّر الرئيس قد يعني حدوث تغير في السياسة الخارجية، خصوصاً إذا كان هناك قدر كبير وملحوظ في الاختلاف بين الرئيس الجديد والرئيس الذي سبقه.

في هذا السياق، يعوّل الغرب علي الرئيس (ميدفيديف) في إحداث تحوُّل ملحوظ في الموقف الروسي من الأزمة النووية الإيرانية بما يتوافق وتوجهات الإدارة الأمريكية الحالية، وأن يتمكن الرئيس الروسي ــ تدريجياً ـــ من فرض سلطته الخاصة في الكرملين، بل ويدفعونه لتحقيق ذلك، وبخاصة من جانب واشنطن، وهذا لأنهم يرون فيه انفتاحاً ومرونة في التعامل مع الغرب بخلاف سابقة (بوتين). وخلال زيارته لموسكو في يوليو 2009م، عزّز الرئيس الأمريكي (أوباما) هذا التصوّر، حيث قضى ثماني ساعات مع الرئيس الروسي الحالي (ميدفيديف) مقابل (90) دقيقة خصصها للرئيس السابق (بوتين) الذي يحسب ـــ غربياً ـــ على فترة ومخلفات الحرب الباردة(2).

من جانبه، صدر عن الرئيس (ميدفيديف) بعض الإشارت التي تشير إلى أنه يريد أن يطوّر علاقاته مع الغرب ويتجنّب القيام بأي شيء لدحض التصوّر الغربي تجاهه، بأنه محسوب على جناح الإصلاحيين، وتبين هذا بشكل واضح قبيل زيارته الأخيرة إلى (نيويورك) و (بيتسبرغ) في شهر سبتمبر 2009م، حيث أبدى في مقالة نشرها في الأول من سبتمبر 2009م، تحضيراً لزيارته إلى الولايات المتحدة بعنوان: (إلى الأمام روسيا!)، تناغماً مع التصوّر الغربي تجاهه، ونأى بنفسه ــ في تلميحات خفيّة ــ عن جوانب كثيرة من (البوتينية)، مؤكداً ـــ على سبيل المثال ـــ أن «مظاهر المكابرة والغطرسة، وانعدام الأمن وعدم الثقة وحالة العداء، يجب التخلّص منها في ملف علاقات روسيا مع البلدان الديمقراطية الرائدة»، وبعد زيارة (أوباما) لروسيا في يوليو 2009م، كتبت صحيفة (واشنطن بوست) معلقة: «إن البيت الأبيض يعامل (ميدفيديف) باعتباره النسخة الروسية من (أوباما): قائد شاب يكافح من أجل تحويل أمته المتعثرة»(3).

ويرى بعض المراقبين أن التغيرات المتوقعة في السياسة الروسية تجاه الأزمة النووية الإيرانية في ظل حكم الرئيس (ميدفيديف) بدأت في الظهور بالفعل، إذ رأى (ميدفيديف) أن العقوبات ضرورية أحياناً، وهو ما اعتُبر ـــ غربياً ـــ تحوّلاً غير متوقع، خصوصاً وأن تصريحاته جاءت متزامنة مع المعلومات التي كشف عنها في شهر سبتمبر 2009م، بشأن بناء إيران لمصنع جديد لتخصيب اليورانيوم، وهو ما رأت فيه إدارة (أوباما) غنيمة ومكسباً، يستحق الاهتمام والتشجيع وربما المراهنة عليه(4).

في السياق ذاته، يرى المدافعون عن هذا السيناريو أن الرئيس الأمريكي (أوباما) حصل على أقوى دعم من روسيا حتى الآن بشأن الأزمة النووية الإيرانية عندما حذّر طهران بأن «الوقت آخذ في النفاد»، وقال عقب محادثات مع (أوباما) على هامش قمة منتدى آسيا والمحيط الهادي في (سنغافورة) التي عقدت في نوفمبر 2009م: «إن الزعيمين غير راضيين عن وتيرة التقدم في الوقت الذي تماطل فيه طهران بشأن تقديم ردها على مقترح تم بوساطة الأمم المتحدة بشأن تخصيب اليورانيوم الإيراني ورفضته إيران». وأضاف قائلاً: «إن موسكو ليست سعيدة تماماً بوتيرة الجهود الرامية إلى نزع فتيل الأزمة مع إيران .... هدفنا واضح وشفاف، نحن مستعدون لبذل المزيد من الجهود للتحقق من أن برنامج إيران النووي هو لأغراض سلمية بحتة، وفي حال فشلنا في ذلك، فإن الخيارات الأخرى تبقى مطروحة على الطاولة لأخذ العملية في اتجاه مختلف»، في إشارة إلى فرض عقوبات جديدة على طهران، وتابع: «بوصفنا سياسيين منطقيين نفهم أن أي عملية يجب أن تكون لها نقطة نهاية، إن المحادثات ليس هدفها متعة الحديث، ولكن التوصّل إلى أهداف عملية»(5).

ودعماً للفكرة التي يقوم عليها هذا السيناريو، ظهرت تحليلات تشير إلى أنه عندما وافق الرئيس الروسي (بوتين) على قرار مجلس الأمن بالعقوبات ضد إيران في مارس 2008م، قبل تولي الرئيس الجديد (ميدفيديف) الرئاسة بفترة قصيرة جداً، خرجت الشائعات تملأ الصحف ووسائل الإعلام في روسيا والغرب تقول إن: «بوتين يريد أن يخلي مسؤولية خليفته (ميديفديف) الذي اختاره هو للرئاسة من الملف النووي الإيراني الشائك، فاختار له الطريق الأسهل للغرب ضد إيران». وأكثر من ذلك، كتبت أكثر من صحيفة روسية تقول إن (بوتين) حصل مقابل الموافقة على العقوبات ضد إيران على موافقة البيت الأبيض على اتفاقية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وهذه الاتفاقية تُعد حلماً بالنسبة لمصدري الوقود النووي الروس، حيث ترفع الحظر المفروض على بيع اليورانيوم الروسي المنخفض التخصيب للولايات المتحدة التي تحتاج منه لكميات كبيرة(6).

وثمة تطور آخر يستند إليه أنصار هذا الاتجاه في دعم رؤيتهم المستقبلية هذه، وهي سياسة الوفاق الجديدة التي تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة (باراك أوباما) تجاه روسيا، والتي تجلّت أبرز مؤشراتها في إلغاء الخطط المتعلقة بإقامة نظام دفاع صاروخي، أو درع صاروخية في أوروبا الوسطى ضد الصواريخ بعيدة المدى، ولاسيما تلك المحملة برؤوس نووية.
فقد طرحت تفسيرت عدة للقرار الأمريكي بإلغاء الدرع الصاروخية، أكثرها وجاهة ما يتعلق بوجود صفقة سياسية بين الولايات المتحدة وروسيا في إطار (إعادة تشغيل) علاقاتهما التي لايزال شبح الحرب الباردة يخيّم عليها.

ووفق بعض التحليلات، يتلخص مضمون هذه الصفقة في استعداد الولايات المتحدة للتخلي عن بناء الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، مقابل أن تمارس روسيا الضغط على إيران لوقف برنامجها النووي، أو على الأقل وقف تخصيبها لليورانيوم، وقد نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) في 2/3/2009م، رسالة سريّة من الرئيس (أوباما) إلى نظيره الروسي في هذا الخصوص.
وواقع الأمر، هناك بعض المحللين الروس يتبنون هذا السيناريو ويرون أن السياسة الروسية للرئيس (ميدفيديف) تجاه الأزمة النووية الإيرانية سوف تشهد المزيد من التشدد تجاه إيران بعكس سلفه الرئيس (بوتين)، ومن هؤلاء ـــ على سبيل المثال ـــ المحلل الروسي المهتم بالشؤون الإيرانية (فلاديمير يفيسييف)، وكبير خبراء مركز الأمن الدولي بموسكو، الذي اعتبر أن صبر موسكو قد نفد بسبب أنشطة إيران السرية في المجال النووي وتجاهلها الشريك الروسي، كما أشار إلى أن إيران في البداية أقامت مصنعاً لتخصيب اليورانيوم بجوار مدينة (قم)، ومن ثم رددت أنباء عن بناء (10) منشآت يجري الآن بناء (5) منها. ويرى (يفيسييف) أن بناء هذه المنشآت لا يجري عفوياً ويجب التحضير له طويلاً، واعتبر أنه بهذا فإن لدى إيران، ليست منشأة سرية واحدة، وإنما ست، وتوقّع في ضوء ذلك بأن روسيا لا يمكنها التعاون مع إيران في ظل ممارستها مثل هذه الأنشطة السرية، وبرأيه أن روسيا كانت تراهن دائماً على حق خاص بها بأنها أول من سيحصل على معلومات من إيران، وبالتالي فإنها كانت آخر من عرف بالمنشآت الجديدة، معتبراً أن هذا «أدى إلى نفاد صبر روسيا»، التي سوف تتخذ ـــ حسب رأيه ـــ موقفاً متشدداً من إيران، وتنضم لأي إجماع بشأن فرض عقوبات إضافية عليها»(7).

ويستند المحلل الروسي في ذلك إلى تصريح وزير الخارجية الروسي، الذي أدلى به خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الأمريكية (هيلاري كلينتون) في موسكو خلال شهر أكتوبر 2009م، بأن روسيا لا تؤيد فرض عقوبات أحادية الجانب على إيران، كما لا يفترض تشكيل هيئات لمناقشة قضية العقوبات على إيران خارج مجلس الأمن الدولي أو خارج إطار مجموعة الدول الست المعنية بالقضية الإيرانية، مما يعني ــ بمفهوم المخالفة ــ استعداد موسكو للمشاركة في فرض عقوبات جديدة على إيران، ولكن في إطار الأمم المتحدة وفي وجود قدر من التوافق الدولي، وسيكون من السهل إيجاده في ظل السياسات الإيرانية المتشددة تجاه الأزمة(8).

السيناريو الثاني: استمرار السياسة الروسية (البوتينية) تجاه الأزمة النووية الإيرانية

في مقابل السيناريو الأول، ثمة تحليلات أخرى تتبنى رؤية مغايرة، وترى أن روسيا لن تحدث تغييراً استراتيجياً على سياستها تجاه الأزمة النووية الإيرانية، حتى مع وجود الرئيس الروسي الحالي، الذي يعتبره الغرب (نسخة روسية من أوباما). ويستند المدافعون عن هذا السيناريو أيضاً إلى عدد من المؤشرات في دعم وجهة النظر التي يتبنونها، منها ما يشير البعض إليه بشأن وجود بعض مراكز صنع القرار في موسكو، وبخاصة المقربة من (بوتين) أو الخاضعة لنفوذه وتأثيره، لا يبدو أنها موافقة على أن اندفاع (ميدفيديف) إزاء إيران بحاجة إلى أن يوضع في نصابه.
وعليه، فإن السؤال الملح هو ما إذا كان موقف الرئيس الروسي (ميدفيديف) المتشدد ـــ وفق أنصار السيناريو الأول ـــ تجاه إيران يعبّر بصدق عن (تحولات ما) في سياسة موسكو تجاه الأزمة النووية الإيرانية، مما قد يكون لها انعكاسات على مجمل التفاهم الروسي الإيراني، أو أنها من قبيل التصريحات التي تعبّر عن تغيرات تكتيكية في الموقف الروسي تقتضيها ظروف معينة، ولا تعبر عن تحول استراتيجي في الموقف الروسي ينعكس على السلوك الفعلي تجاه الأزمة.


وإذا كان أنصار السيناريو الأول يستندون إلى تلميحات لوزير الخارجية الروسي بشأن عدم معارضة روسيا فرض عقوبات على إيران على خلفية الأنشطة النووية السريّة التي تم الكشف عنها مؤخراً، كما سبقت الإشارة، فإن أنصار هذا الاتجاه يستندون إلى تصريحات مباشرة لوزير الخارجية الروسي نفسه لخَّص فيها الموقف الروسي من التطورات الأخيرة التي شهدتها الأزمة النووية الإيرانية، وأكّد على أن السياسة الخارجية الروسية تلتزم في هذه المرحلة بمسارين(9):

المسار الأول: الالتزم بالسعي لحل جميع المسائل المرتبطة بالملف النووي الإيراني، لتتمكن إيران من استخدام حقوقها كاملة بوصفها عضواً غير نووي في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، واستخدام جميع الإمكانات المرتبطة بالاستخدام السلمي للطاقة النووية مع عدم خرق نظام عدم الانتشار في الوقت ذاته، واعتبر الوزير الروسي أن ذلك يشكّل القاعدة الثابتة التي تعتمدها روسيا في المفاوضات مع إيران، لتسوية جميع المسائل العالقة.
المسار الثاني: عدم تأييد فرض عقوبات ضد إيران، حيث شكّك وزير الخارجية الروسي في جدوى التهديدات أو فرض عقوبات على إيران، وأكّد على أن المسار الثاني يتمثل في الدعوة لتقديم المساعدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر مجلس الأمن الدولي، لاستيضاح جميع المسائل دون استثناء لدى الوكالة إزاء إيران.

 

 


 

   

رد مع اقتباس