عرض مشاركة واحدة

قديم 11-11-09, 04:31 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

ثالثاً: الدول النووية الكبرى والتطور الرأسي للانتشار النووي


تركّز الدول النووية الكبرى على المفهوم الأفقي للانتشار النووي، حيث تعطي الأولوية لمنع الدول الأخرى من امتلاك السلاح النووي، وترى أن ذلك هو الخطر الرئيس الذي يتهدد العالم، لاسيما إذا وقعت هذه الأسلحة في أيدي أنظمة (غير مسؤولة)، أو (غير عقلانية)، أو (غير رشيدة)، ولكنها على الجانب الآخر لا تلقى بالاً بالتزاماتها الواردة في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والخاصة بنزع التسلح، ويمثّل ذلك أحد الإشكاليات المهمة التي تثيرها الدول غير النووية في جميع المؤتمرات الدولية ذات الصلة، حيث تطالب تلك الدول بجعل أقاليمها خالية من الأسلحة النووية.
فالدول غير النووية تتبنى وجهة نظر رئيسة مفادها أنه على الرغم من أن معاهدة حظر الانتشار النووي تهدف في جانب منها إلى تشجيع الدول على الامتناع عن حيازة أسلحة نووية، فإنها تنصّ أيضاً في الجانب الآخر منها على مبدأ نزع السلاح، لتقليص أهمية الأسلحة النووية والمكانة المرتبطة بحيازتها. ومن المعروف أن المعاهدة تميز بين الدول المسلحة نووياً والأخرى التي لا تمتلك هذه الأسلحة، لكن كان المقصود أن يكون هذا التمييز مؤقتاً، إلى أن

تتخلص الدول النووية من ترسانتها، ولكن الدول النووية لم تلتزم بما نصّت عليه المعاهدة، وبخاصة ما يتعلق بمبدأ نزع السللاح النووي، بل على العكس تسير هذه الدول في اتجاه تحديث وتطوير ترسانتها النووية.
وبالطبع، فإن المقام لا يتسع لتناول السياسات الفعلية لجميع الدول النووية في هذا السياق، ولكن يمكن التركيز في هذا الصدد على سياسة الولايات المتحدة باعتبارها الدول العظمى حالياً، ويجب أن تكون نموذج يُحتذى به من جانب الدول النووية الأخرى، ولكن الواقع يكشف غير ذلك.
ففي الوقت الذي تتخذ فيه الولايات المتحدة موقفاً خطابياً ضد انتشار الأسلحة النووية بصفة عامة، وتتهم الدول المعادية لها بانتهاك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من خلال سعيها لامتلاك السلاح النووي، فإن الولايات المتحدة نفسها ليست بعيدة عن انتهاك أحكام المعاهدة في الجانب الخاص بنزع السلاح النووي، ويتجلى ذلك أيضاً في اتخاذها العديد من الخطوات التي تهدف إلى تطوير أسلحة نووية جديدة، منتهكة بذلك المادة السادسة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي سبقت الإشارة إليها.
صحيح أنه خلال الشهور الأولى من رئاسته، أعلن الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) ضرورة تقليص الترسانة النووية الأمريكية بشكل كبير، وأثبت صدق رغبته بالفعل بتوقيعه معاهدة تقليص القدرات الهجومية الاستراتيجية عام 2002م، والتي تدعو للحد من حجم الترسانتين النوويتين الأمريكية والروسية من (6000) رأس نووي لكل منهما، إلى ما يتراوح بين (1700) و (2200) لكل منهما خلال عشر سنوات، لكن هذه المعاهدة انطوت أولاً على عيوب خطيرة، ذلك أنها لم تنص على وسيلة محددة للتحقق من وفاء طرفيها بالتزاماتهما، علاوة على أنها تحدد أهدافاً فيما يخص تقليص حجم الترسانة النووية الروسية أقل طموحاً عما كانت تنوي موسكو تنفيذه، وفضلاً عن أنها انطوت على عيوب خطيرة، فلم يتم الالتزام بها.
وعلى العكس من ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى اتباع سياسة تهدف إلى تطوير أسلحة نووية جديدة في خرق واضح لأحكام معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهناك العديد من المظاهر التي تعكس هذه السياسة، إلاّ أن أبرزها يتمثل في:
(1) مجمع 2030:
أعلن تقرير مراجعة الوضع النووي الصادر في يناير عام 2002م عن الحاجة لإعادة تنشيط مجمع للأسلحة النووية لديه القدرة على تصميم وتطوير وإنتاج رؤوس حربية جديدة استجابة للمتطلبات الوطنية الجديدة، بذلك نجد أن الإدارة اتبعت علانية سياسة تشدد على خفض كميات الأسلحة النووية المتوافرة لديها، وفي الوقت ذاته سعت لتحديث المجمع المعني بإجراء الأبحاث حول إنتاج أسلحة نووية، بحيث يتمكن من إنتاج أسلحة جديدة يمكن استخدامها بسهولة أكبر، كما نصّ هذا التقرير صراحة على أن: "الأسلحة النووية تضطلع بدور جوهري في القدرات الدفاعية للولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها، حيث توفّر خيارات موثوق بها لردع مجموعة واسعة النطاق من التهديدات، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل والقوات العسكرية التقليدية الضخمة".
وتطبيقاً لما جاء في هذا التقرير بشأن تطوير قدرات وتطبيقات جديدة للأسلحة النووية، أعلنت الإدارة الوطنية للأمن النووي التابعة لوزارة الطاقة عن خطة جديدة لتحديث البنية التحتية للأسلحة النووية داخل الولايات المتحدة، بعنوان (مجمع 2030)، وهو عبارة عن خطة على امتداد عدة سنوات لبناء منشآت جديدة أو تحديث تلك القائمة بالفعل داخل كل من المواقع الثمانية الخاصة بإنتاج أسلحة نووية، والتابعة للإدارة الوطنية الأمريكية للأمن النووي، كما تدعو الخطة لبناء سلاح نووي جديد يحمل اسم (الرأس الحربي للإحلال الموثوق به) Reliable Replacement Warhead، ومن شأن البرنامج الخاص بتطوير هذا السلاح، توفير البنية التحتية اللازمة لتطوير رؤوس حربية جديدة بقدرات إضافية من المستقبل.
وجدير بالذكر أن برنامج الرؤوس الحربية للإحلال الموثوق به أقرّه الكونجرس عام 2005م، لتحسين الأسلحة المتوفرة حالياً ومكوناتها من حيث إمكانية الاعتماد عليها وإطالة فترة عملها، ولكن إذا سار البرنامج على النهج الذي رسمته خطة (مجمع 2030)، فإنه يتضمن استبدال جميع الرؤوس الحربية الموجودة حالياً في الترسانة الأمريكية خلال السنوات القادمة، الأمر الذي سيخلّف تأثيراً هائلاً على مجمل تكاليف إنتاج الأسلحة النووية.
وبالرغم من أنه لم يصدر عن وزارة الطاقة تقدير لمجمل تكلفة خطة (مجمع 2030)، إلاّ أنه بناءً على تقديرات قوة العمل المعنية بالبنية التحتية للأسلحة النووية التابعة للمجلس الاستشاري داخل الوزارة، فإن الاحتمال الأكبر أن تتجاوز تكلفة خطة (مجمع 2030) ال (100) مليار دولار، بل إن هناك بعض الكتابات ترى أنه بالنظر إلى سجل الإدارة الوطنية للأمن النووي الذي يشير إلى تجاوزها في العديد من الحالات التكاليف المقدّرة لمشروعاتها بفارق ضخم، نجد أن مجمل تكاليف خطة (مجمع 2030)، قد يصل إلى (300) مليار دولار، بزيادة قدرها (125) مليار دولار عن تقديرات التكاليف اللازمة للحفاظ على مجمع الأسلحة النووية القائم بصورته الحالية.
وفي حين تعهّدت الولايات المتحدة طبقاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي بالتخلّص من ترسانتها النووية في إطار زمني محدد، تشير إلى خطة (مجمع 2030) ضمنياً إلى أنها ستبقى على هذه الترسانة لعقود قادمة.
(2) الإنفاق على تطوير الأسلحة النووية:
يتطلب السعي وراء إقرار دور جديد للأسلحة النووية توفير دعم مالي ثابت لقطاع السلاح النووي في وقت كان من المفترض تقليص مثل هذا الدعم.
وجدير بالذكر في هذا السياق أنه أثناء الحرب الباردة، بلغ متوسط الإنفاق على الأسلحة النووية (2،4) مليارات من الدولارات، وفي عام 2001م، بلغ إجمالي الميزانية المخصصة من جانب وزارة الطاقة للأنشطة المرتبطة بالأسلحة النووية (9،4) مليارات من الدولارات، وبحلول عام 2007م، قفز هذا الرقم ليصل إلى (4،6) مليارات من الدولارات. وبعد الأخذ في الاعتبار تأثير التضخم، نجد أن الزيادة منذ عام 2001م، بلغت 7،13% أي ما يتجاوز 2% بقليل سنوياً، أي أنه بعد قرابة عقدين على نهاية العداء النووي مع الاتحاد السوفيتي، تنفق واشنطن حالياً على الأسلحة النووية أكثر مما كانت تنفق أثناء الحرب الباردة بمقدار الثلث، مع أخذ التضخم في الاعتبار.
(انظر الجدول رقم (2): تطور الإنفاق الأمريكي)
والأمر الآخر اللافت للنظر، هو أن الإنفاق الأمريكي على الأنشطة النووية يتجاوز بكثير ما يتم إنفاقه على إجراءات تقليص كميات الأسلحة؛ فالإدارة الوطنية للأمن النووي تنفق على أنشطة الدفاع ذات الصلة بالطاقة الذرية وهي فئة تضم الأسلحة النووية والمفاعلات النووية البحرية وعمليات التطهير البيئي داخل المنشآت النووية العسكرية تسعة أضعاف ما تنفقه على إجراءات تقليص كميات الأسلحة النووية وحظر الانتشار النووي.
وبالمثل، يتجاوز الإنفاق الموجّه لجهود البحث والتطوير المرتبطة بالأسلحة النووية داخل ميزانية وزارة الطاقة نظيره الموجه لتنمية مصادر طاقة بديلة بدرجة كبيرة؛ فبالنظر إلى الميزانية المعلنة لوزارة الطاقة للسنة المالية 2008م، نجد أنها تخصص لبند (إمدادات الطاقة والحفاظ عليها) المعني بصور الطاقة الأخري بخلاف الطاقة النووية والمستخلصة من الوقود الحفري (2،1) مليار دولار فقط، ما يعادل واحد إلى ثلاثة عشر ضعفاً بالنسبة لميزانية بند (أنشطة الدفاع ذات الصلة بالطاقة الذرية)، وخُمس الإنفاقات الموجهة إلى الأنشطة المرتبطة بالأسلحة النووية.


الخلاصة


لاشك أن الخطوات التي تقوم بها الدول النووية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة نحو تحديث وتطوير ترساناتها النووية، فضلاً عن أنها تخالف أحكام معاهدة منع الانتشار النووي، فإنها تؤثر بالسلب على جهود منع الانتشار النووي، بمعناه الأفقي، أي زيادة عدد الدول المالكة للسلاح النووي؛ فالمشكلة بالنسبة للولايات المتحدة، والدول النووية الأخرى، هي أنها لا تنظر إلى أي تقدم على صعيد نزع التسلح النووي باعتباره يخلف أي تأثير حقيقي على قرار دولة أخرى بحيازة أو عدم حيازة سلاح نووي، وعليه لا تضم أجندة تلك الدول قضية نزع السلاح النووي أو الخطوات المرتبطة بتنفيذها.
صحيح أنه ليس هناك بالفعل ارتباط فوري وقوي بين سرعة تحرك الولايات المتحدة، والقوى النووية الأخرى نحو نزع السلاح النووي لديها، وتنامي الطموحات النووية بين الدول غير المسلحة نووياً، ذلك أن الاحتمال الأكبر أن أية دولة ستتخذ قرارها بالتسلح نووياً تحت ضغوط ترتبط باعتبارات أمنية، ولكن يمكن القول في الوقت ذاته، إنه إذا ما توافر توجه عام يدعم نزع السلاح النووي، ستبدو البيئة العالمية حينئذ أقل تهديداً للدول المحتمل تورطها في الانتشار النووي.
وبمعنى آخر، يمكن القول إنه على الرغم من أن عدم بذل جهود على صعيد نزع السلاح النووي ربما لا يشكّل العامل الحافز وراء الانتشار النووي، فإن ذلك يخلف بالفعل تأثيراً عاماً سلبياً على تنمية جهود الانتشار، وهو ما يعبّر عنه أحد المحللين الأمريكيين بقوله: "إذا ما استمرت القوى النووية في مطالبة الآخرين باتباع أقوالها، وليس أفعالها، ليس هناك ما يضمن أن رسالتها سيتم الإنصات إليها وإلى الأبد"
المصادر:
1. باللغة العربية:
1. الثورة في الشؤون النووية (بدون كاتب)، التقرير الاستراتيجي العربي، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2003 2004 2003 2004 م، التقرير متاح كاملاً على الموقع الإلكتروني للمركز على الرابط التالي:
HTM؛؛ RARB 1-1-2001-http//acpss.ahram.org.eg/ahram
2. المؤتمر الاستعراضي لعام 2005م، للأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، (بدون كاتب)، موقع منظمة الأمم المتحدة، 27-5-2005م.
background.htm-2005-http//www.un.org/arabic/events/npt
3. الانتشار النووي والتنمية والعلاقة بينهما (بدون كاتب)، موقع مجلة حلف الناتو، عدد خريف 2007م،
-issue3/arabic/art3/htm20071-http//www.nato.int/docu/review/
4. جون سيمبسون، القدرات النووية الإيرانية وإمكانية تطوير أسلحة نووية، في: د. جمال سند السويدي (محرر)، البرنامج النووي الإيراني: الوقائع والتداعيات، الإمارات، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2007م.
5. توجهات السياق الاستراتيجي لبرامج الدفاع النووي، مجلة الدفاع (مجلة القوات العربية السعودية المسلحة)، العدد (123)، 1-5-2001م.
6. قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1450) الذي اتخذه في جلسته (4956)، المعقودة في 28 أبريل 2004م، متاح على الموقع الإلكتروني لمنظمة الأمم المتحدة على الرابط التالي:
pdfOpenElement4328410.PDF/N 41-328-4.http//daccessdds.un.org/doc/UNDOC/GEN/N.
7. غافين كاميرون، الإرهاب النووي: أسلحة للبيع أم للسرقة؟ موقع وزارة الخارجية الأمريكية،
ijpa/cameron.htm-0305http//usinfo.state.gov/jounals/itps
8. صحيفة الرياض السعودية، 14-3-2007م.
9. صحيفة الحياة (لندن)، 7-1-2008م.
10. محمد حيان الحافظ، جذور الصراع الهندي الباكستاني، مجلة الحرس الوطني (مجلة سعودية)، العدد (240)، 1-6-2002م.
11. مصطفى العاني، الموقف المحتمل لمجلس التعاون من ضرب المنشآت النووية الإيرانية، دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية (البحرين) بالتعاون مع الجزيرة نت، 12داد 2008م.
12. مصطفى علوي، معاهدة منع الانتشار النووي: مغزى فشل مؤتمر المراجعة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، دولة الإمارات العربية المتحدة، 9-7-2005م.
1. باللغة الإنجليزية:
1. Charles D. Ferguson, The Market for Nuclear Weapons, Harvard International Review, Volume 27, 2006.
http//www.praeger.com/pragger.aspx
2. D. Ferguson, On the Loose the Market for Nuclear Weapons, Harvard International Review, Vol. 27, 2006.
3. Efraim Karsh, Martin s. Navias, and Philip Sabin, Non-Conventional-Weapons Proliferation in the Middle East Tackling the spread of Nuclear, chemical, and biological Capabilities (Oxford Clarendon Press, 1993).
4. Frank Barnaby, How Nuclear Weapons spread Nuclear-weapon proliferation in the 1990s, (New York, Routledge, 2003).
5. Hans Blix The International Nucclear non-Proliferation Regime Problems and Possibilities, New Zealand Interanational Review, Vol. 24, 1990.
6. John simpson and Darry Howlett, Nuclear Non-Proliferation (France Lynne Rienner Publishers, 1994).
7. Paolo Cotta Ramusino, Nuclear Non-Proliferation (France Lynne Rienner Publishers, 1994).
http//www.pugwash.org/publication/nI/nIv 43 N 2/december. 6.pdf
8. Rodrigo Toranazo, The Role of Intellgence Services in The Observance of National Laws, UNDIR Newsletter, 1996.
9. Stephen J. cimbala, Deterrence and Nuclear Proliferation in the Twenty-First, Website of Praeger, 2001.

 

 


   

رد مع اقتباس