الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:49 AM

  رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

تحالف البرجوازية والإقطاعيين:
ان الشروط هي في أمريكا اليوم بحيث أن النفارات الحاكمة والجماهير الضاغطة قد اشتبكت في صراع للقبض على مقاليد الأمور، ولما تزال الفئتان في حالة توازن غير مستقر. نعني بكلمة "النفارات" ذلك التحالف الرجعي الذي شكلته البرجوازية وطبقة ملاك الأرض في كل بلد، مع تمتع البناء الإقطاعي فيه بالهيمنة إلى حد متفاوت. تتعاقب هذه الأنظمة الدكتاتورية ضمن إطار معين من الشرعية رسموه هم أنفسهم لمصلحة نشاطهم ابان مدة حكمهم الطبقي غير المحدود. غير أننا نجتاز مرحلة ضغط قوي من لدن الشعب الذي طفق يتقحّم باب شرعية البرجوازية. سوف ينسف المشرعون شرعيتهم بأنفسهم للحؤول دون اقتحام الجماهير لها. غير أن تدمير كل تشريع قائم تدميراً وقحاً، وإبرام القوانين لتثبيت الأمر الواقع، كلاهما لن يكون من شأنه إلا إهاجة القوى الشعبية. لذا سوف تحاول النفارة الدكتاتورية أن تستخدم القوانين القديمة لتغيير النظام الدستوري وأن تخنق البروليتاريا مع اجتناب الصدام جبهياً. الا أن هذا السلوك يستثير التناقضات. لا يعود بوسع الشعب أن يطيق مختلف التدابير الزجرية القديمة والجديدة التي تتخذها الأنظمة الدكتاتورية وهو يحاول إحباطها. ينبغي ألا ننسى لحظة واحدة الطبيعة الطبقية لدولة البروليتاريا، وصفتها الزجرية، وأفقها المحدود، قال لينين وهو يناقش في الدولة: "الدولة هي النتاج والتعبير عن التصارعات الطبقية التي لا مصالحة فيها. تنشأ الدولة عندما وحيثما وبقدر ما لا يمكن موضوعياً أن تتصالح التصارعات الطبقية. وبالعكس، فإن وجود الدولة يثبت أن التصارعات الطبقية لا يمكن أن تتصالح". ( من كتاب: الدولة والثورة).
بتعبير آخر لا يجوز لنا أبداً أن نسمح باستعمال كلمة "ديمقراطية" لتبييض وجه دكتاتورية الطبقات المستثمِرة، عندما تكون الديمقراطية فاقدة معناها العميق ولا تعني إلا منح المواطنين بعض الحريات. إن مجرد السعي لاسترداد شيء من الشرعية البرجوازية، دون إثارة مسألة سلطة الدولة الثورية، إنما يعدل السعي لإعادة نظام الدكتاتورية الذي تفرضه الطبقات الاجتماعية الحاكمة. وبكلمة واحدة، فأنه لا يعدو محاولة تزويد السجناء الذين يؤدون عقوبة ما بأغلال أخف.

دور العنف:
ورغم أن الطبقات الحاكمة تلجأ دائماً وأبداً إلى وسائل بنيتها العليا التي أنشأتها لغاية القمع، فأنها في ظروف النزاع هذه، سوف تمزق ما اتفقت عليه إرباً إرباً، وتنزع قناع "ديمقراطيتها"، وتهاجم الشعب. وينبغي في مثل هذه اللحظة طرح السؤال مرة أخرى: ما العمل؟ جوابنا هو أن العنف ليس حقاً ارثياً للمستثمِرين، وأن المستثمَرين يستطيعون ويجب عليهم أن يستخدموا العنف في اللحظة الملائمة. قال مارتي[97]: "إذا كان مثيرو حرب يمكن اجتنابها في بلد مجرمين، فإن الذين يرفضون خوض حرب لا مناص منها هم أيضاً مجرمون".
وفي الفترة ذاتها أوضح لينين ذلك بقوله: "لم تنظر الاشتراكية الديمقراطية إلى الحرب قط ولا تنظر إليها من وجهة نظر عاطفية. ففي حين لا تنبري الاشتراكية الديمقراطية تفضح الحرب كوسيلة وحشية لحسم خلافات بني الإنسان، فهي تعِلم أيضاً أن الحرب لا مناص منها ما دام المجتمع منقسماً إلى طبقات، ما دام استثمار الإنسان للإنسان موجوداً. ولن نستطيع، إبان إزالة هذا الاستثمار، أن نتجنب الحروب التي تبدأها الطبقات المستثمِرة المسيطرة المضطهِدة هي ذاتها دائماً وفي كل مكان". قال لينين هذا عام 1905، وقد حلل مراكز الصراع الطبقي فيما بعد تحليلاً ثاقباً عندما كتب في مقاله "البرنامج العسكري لثورة البروليتاريا": "كل من يعترف بصراع الطبقات لا بد له أن يعترف بالحروب الأهلية، فهي في كل مجتمع طبقي استمرار وتثُّور واشتداد طبيعي، ولا مناص منه في بعض الظروف للصراع الطبقي. وتثبت الثورات الكبرى كلها ذلك. أنَّ نبذ الحرب الأهلية أو نسيانها يعنيان السقوط في منتهى الانتهاز والتخلي عن الثورة الاشتراكية". يعني هذا أنه لا ينبغي أن نخشى العنف، وهو قابلية المجتمع الجديد. وما يجب مراعاته هو أنه لا ينبغي استخدام العنف إلا عندما يقرر قادة الشعب أن الوضع أشد ما يكون مؤاتاة.

يجب أن نفهم تحولات نسبة القوى:
ما هو الوضع الأشد مؤاتاة؟ أنه يتعلق من الناحية الذاتية بعاملين متفاعلين معاً، يزدادان نضوجاً أثناء النضال، وهما: وعي ضرورة التغيير الثوري، والإمكان الحقيقي لمثل هذا التغيير. وإذا ما أضفنا إلى هذين العاملين الظروف الموضوعية، وهي أشد ما تكون مؤاتاة لنشر النضال في أمريكا كلها تقريباً، والتصميم الثابت على الظفر في الصراع، وميزان القوى العالمية الجديد، تتحقق عندها شروط العمل.
ورغم أن البلدان الاشتراكية بعيدة، فأن تأثيرها المؤاتي محسوس باستمرار بين الناس المناضلين في كل البلدان، ومثالها مثال تربوي متزايد الإلهام دون ريب للشعوب في كل مكان. قال فيدل كاسترو في 26 تموز من هذا العام، "ينبغي على الثوريين كافة، سيما في الوقت الحاضر، أن يتعرفوا إلى التغيير الذي تَمَّ حتى الآن في ميزان القوى العالمي، وأن يفهموه جيداً، ويدركوا أن مثل هذا التغيير هو في صالح نضال الشعب في مختلف البلدان. بدلاً من انتظار ثورة اجتماعية تحدث كالمعجزة في أمريكا اللاتينية من جراء هذا التغيير في ميزان القوى، فأن مهمة الثوريين كافة، وثوريي أمريكا اللاتينية على الأخص، هي أن يفيدوا ملياً من كل العوامل المؤاتية للحركة الثورية في ميزان القوى هذا، وأن يصنعوا الثورة!".
ثمة من قد يقول: "نقبل أن الحرب الثورية هي، في ظروف نوعية معينة، وسيلة مناسبة لتولي السلطة. لكن أين نستطيع إيجاد أولئك القادة الكبار، أمثال فيدل كاسترو، الذين سوف يقودوننا إلى الظفر؟" إن فيدل كاسترو، مثل الآخرين جميعاً، هو نتاج التاريخ. والقادة الحربيون والسياسيون الذين يقودون نضال الثورات في أمريكا، لو أمكن إدغامهم ليصبحوا رجلاً واحداً، سوف يتعلمون فن الحرب في ممارسة الحرب ذاتها. ليس هناك مهنة أو حرفة يمكن اتقانها بالكتب الدراسية وحدها. النضال، والحالة هذه، هو المعلم الكبير.
ليست هذه، طبعاً، مهمة بسيطة. ولابد من مواجهة بعض المخاطر الجدية على طول هذا النهج.
ثمة لحظتان في نمو النضال المسلح قد تكونان في غاية الحراجة بالنسبة للمستقبل الثوري. تحدث الأولى في المرحلة التمهيدية؛ وكيفية السلوك فيها سوف تدل على مدى تصميم القوى الشعبية على القتال، وهل أن هدفها محدد جيداً. عندما تهاجم الدولة البرجوازية مواقع الشعب، لابد من اللجوء إلى الدفاع الذاتي لأنَّ العدو يشن الهجوم في لحظة مؤاتية له، فإذا توفر الحد الأدنى والموضوعية، كان لابُدَّ لقوى الشعب أن تنتقل إلى الدفاع الذاتي، لكن لا يجوز لها أن تسمح بزجها في موقف تلقي الضربات سلبياً. كان لا يجوز لها اعتبار الدفاع الذاتي مجرد علاج يائس للمضطهَدين عندما يُحصرون في زاوية. حرب الغوار هي حركة دفاع ذاتي للشعب في وقت معين. أنَّ لها قابلية لمهاجمة العدو وينبغي بذل جهود كبرى لأنماء هذه القابلية، سوف تحدد هذه القابلية، مع مر الزمن، طابع حرب الغوار الخاص في تعبئة قوى الشعب. هذا يعني أن حرب الغوار ليست دفاعاً ذاتياً سلبياً، بل دفاعاً هجومياً، ومنذ اللحظة التي تُرى فيها الأمور على هذا النحو، تؤدي حرب الغوار في النهاية إلى تولي السلطة السياسية.
يجب أن نجبر الدكتاتورية على كشف قناعها:
أنها لحظة هامة. لا يمكن في مجرى التقدم الاجتماعي قياس الفرق بين العنف واللاعنف بعدد الطلقات المتبادلة. إنه يتعلق كلياً بالوضع الملموس والمختلج. ولكي يجتنب المرء استفحال وضع مناوئ، ينبغي له أن يحسن القبض على الفرصة الصحيحة ويعرف متى يستخدم قوى الشعب، أن يعرف ضعفها النسبي، وفي الوقت ذاته قوتها، لكي يرغم العدو على اتخاذ الخطوات اللازمة. ينبغي للمرء على هذا النحو أن يزيح التوازن القائم بين دكتاتورية الأوليغارشية الحاكمة والضغط الشعبي. يحاول النظام الدكتاتوري دائماً أن يبقي سلطانه في ظروف لا يضطر فيها لاستخدام العنف على نطاق واسع. ينبغي إرغامه على الظهور بلا قناع، أي إرغامه على الظهور على حقيقته: دكتاتورية عنيفة للطبقة الرجعية. يساعد ذلك على نزع قناعه ويشدد النضال إلى نقطة لا رجعة بعدها. ان مهمة القوى الشعبية هي إرغام النظام الدكتاتوري على تقرير أمره. وأن الطريقة التي تنجز بها القوى الشعبية مهمتها في كشف قناع الدكتاتورية - أما التراجع وأما خوض النضال - هي التي تقرر البداية الحازمة لعمل مسلح وطويل الأمد.
يتوقف على نمو القوى الشعبية اليومي ما إذا كان بالإمكان اجتناب اللحظة الحرجة الأخرى. أكدَّ ماركس باستمرار أنه متى بدأت العملية الثورية، وجب على البروليتاريا أن تهاجم وتهاجم بلا هوادة، إذا لم تشتد الثورة باستمرار، يمكن أن تعود أدراجها. أما إذا اعترى الأعياء المقاتلين، فسوف يأخذون بفقد الثقة، ويحتمل أن تنجح المؤامرات التي كثيراً ما تحيكها البرجوازية ضدنا. ربما كان من هذه المؤامرات إجراء انتخابات لتسليم السلطة إلى سادة مرائين آخرين أقدر من الدكتاتور الأسبق على استعمال الكلام المعسول، أو قيام بعض الرجعيين بانقلاب، يرأسهم على العموم العسكريون، وتدعمهم قوى تقدمية، على نحو مباشر أو غير مباشر. ثمة مؤامرات أخرى أيضاً، غير أن تحليل خططها التكتيكية ليس موضوعنا ههنا.
ان اهتمامنا الرئيسي هنا هو لفت نظر الجمهور إلى مخططات الأنقلابات العسكرية المشار إليها. كيف يستطيع أصحاب النزعة العسكرية أن يُسهموا في الديمقراطية الحقة؟ ما داموا مجرد أدوات تبقي بها الطبقات الرجعية والاحتكار الامبريالي سلطانها، ومادامت، كفئة اجتماعية، لا تعرف شيئاً إلاَّ حمل السلاح، ولا همَّ لها إلاَّ الحفاظ على امتيازاتها، فكيف يمكن توقع إخلاصها لبلادها؟
أحياناً، لما يكون الطغاة في موقف صعب، يصمم العسكريون انقلاباً ويسقطون الدكتاتور الذي أصبح في الحقيقة شديد الافتضاح. ينبغي إدراك أنهم يفعلون ذلك لأن الدكتاتور المباد أضحى عاجزاً عن صون الامتيازات الطبقية دون استخدام منتهى العنف، في حين أن ذلك، ليس في الوقت الحاضر وعلى العموم، بصالح الأوليغارشية الحاكمة.

يجب ألاَّ ننسى الهدف الأخير:
غير أن هذا القول لا يعني مطلقاً رفض استخدام رجال عسكريين، في حالات فردية، إذا كانوا قد قطعوا الصلة بطبقتهم الخاصة وخانوها في الواقع. لكن استخدامهم جائز فقط عندما يكونون قد نقلوا ولاءهم إلى القيادة الثورية، وبصفة مقاتلين، لا ممثلين عن فئة اجتماعية.
لاحظ إنجلس منذ زمن بعيد، في مقدمته للطبعة الثالثة من "الحرب الأهلية في فرنسا"، ان العمال خرجوا من كل ثورة شاكّي السلاح. فقال: لذا كان نزع سلاح العمال أولى فرائض البرجوازيين الذين كان زمام الدولة في أيديهم. من هنا كان ينشأ بعد كل ثورة يظفر بها العمال، صراع جديد ينتهي بهزيمة العمال". (نقلاً عن لينين في "الدولة والثورة").
تكرر هذا النوع من المد والجزر في العالم الرأسمالي طوال عشرات السنين، وقد تمت به من حين لآخر بعض الإصلاحات الشكلية وثمة أيضاً تراجعات استراتيجية. تنخدع البروليتاريا على هذه الصورة باستمرار بالخدع ذاتها التي ظهرت مرة بعد مرة في القرن الماضي.
ومن الخطر البالغ أيضاً أن يكون قادة حزب تقدمي مفرطي الغيرة على استخدام بعض وجوه شرعية البرجوازية، أملاً في الحفاظ على أكثر الظروف مؤاتاة للعمل الثوري في وقت ما، فيضيع عليهم بذلك الحد الفاصل (كما يُرى كثيراً في مجرى العمل)، وينسون أن هدفهم الاستراتيجي النهائي هو تولي سلطة الدولة

 

 


   

رد مع اقتباس