الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:47 AM

  رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

العمل، ولا سيما العمل الجماعي ذي المقاصد الجماعية. ينبغي إسداء تنشيط عظيم لكتائب المتطوعين الذين يبنون الطرق والجسور والأرصفة والسدود والمجمَّعات المدرسية، ويوطدون روحهم الألبي باستمرار، مبرهنين بالأعمال عن حبهم للثورة.
إن جيشاً على مثل هذا الوفاق مع الشعب، يتحسس فيه المرء مثل هذا الوثوق بالفلاحين والعمال الذي هو فيض منهم، ويعرف فضلاً عن ذلك المِهانة الخاصة بحربه معرفة كلية، وقد تهيأ نفسياً لأسوأ الاحتمالات، إن هذا الجيش لا يقهر. وسوف يزداد منعة كلما تبلورت قولة خالدنا كاميلو سيانفويغوس: "الجيش هو الشعب في البزَّة العسكرية"، فازدادت تجسيداً في الجيش واستوطنت فيه. وبفضل كل ذلك، ورغم حاجة الاحتكارات إلى إزالة "المثل السيء" الكوبي، فإن مستقبلنا هو أكثر إشراقاً منه في أي وقت مضى.




-1-
ما هو المغاور؟
من المؤكد أنه ليس في العالم بلد واحد لا تشكل فيه كلمة "المغاور" عند الشعب رمزاً للرغبة في الحرية. وكانت كوبا البلد الوحيد الذي تملك فيه هذه الكلمة معنى منفراً. وان ثورتنا، التي تملك فعلاً محرراً في جميع امتداداتها، قد ردت الاعتبار إلى هذه الكلمة. ونحن نعرف جميعاً أن أولئك الذين تعاطفوا مع النظام العبودي الاسباني وحملوا السلاح كي يدافعوا عن التاج الاسباني قد كانوا مغاوير؛ ومنذ ذلك الحين، هذه الكلمة تشكل في كوبا رمزاً لجميع الأشياء الرديئة والمتخلفة والمتعفنة في البلاد. ومع ذلك، فليس ذلك هو المغاور، بل الأمر على النقيض من ذلك، إذ أن المغاور هو المقاتل الأفضل من أجل الحرية، هو المختار من قبل الشعب، هو الطليعة المقاتلة لهذا الشعب في نضاله التحرري. وليست حرب الغوار، على النقيض مما يعتقد الكثيرون، حرباً هزيلة، حرب جماعة قليلة ضد جيش قوي، لا، أن حرب الغوار هي حرب الشعب بأسره ضد السيطرة الاستعبادية وإن المغاور هو طليعتها المسلحة؛ وأما الجيش، فإنه يتألف من جميع أهالي منطقة معينة أو بلد بأكمله، وهذا هو السبب في قوتها، وفي ظفرها بعد أمد طويل أو قصير على جميع القوى التي تحاول اضطهاد الشعب؛ وبكلام آخر، فإن أساس حرب الغوار وقاعدتها موجودان في الشعب.
وأنه من غير المعقول أن تتمكن جماعات مسلحة صغيرة، مهما تكن قدرتها على الحركة ومعرفتها بالأرض، من الاستمرار بدون هذا الدعم القوي في البقاء في وجه القمع المنظم الذي يمارسه جيش حسن التنظيم. وإن البرهان على ذلك هو أن جميع الأشقياء، جميع عصابات المجرمين تغلب على أمرها أخيراً من قبل السلطة المركزية. ولا تنسوا أن هؤلاء المجرمين يمثلون شيئاً آخر بالنسبة إلى أهالي المنطقة. انهم يمثلون نضالاً من أجل الحرية، حتى لو كان في شكل كاريكاتوري.
ويجب على جيش الغوار، هذا الجيش الشعبي على أفضل صورة، أن يملك على الصعيد الفردي أفضل الفضائل لأفضل جندي في العالم. ويجب أن يقوم على أساس الانضباط الصارم. وإذا كانت شكليات الحياة العسكرية لا تتكيف مع حرب الغوار، فليس هناك وقوف بوضعية الاستعداد ولا تحية متصلبة، ولا تقديم الإيضاحات إلى الرئيس، فهذا لا يعني انعدام الانضباط. أن انضباط المغاور انضباط باطن وهو يأتي عن قناعة الفرد العميقة بضرورة طاعة الرئيس من أجل تأمين فعالية هذه العضوية المسلحة التي يشكل جزءاً منها، وفي الوقت نفسه من أجل الدفاع عن عضويته الخاصة. وفي الجيش النظامي يكون أدنى إهمال من قبل أي جندي خاضعاً لرقابة رفيقه الأقرب إليه. أما في حرب الغوار، حيث يشكل كل جندي على حدة وحدة وجماعة، فأن كل خطيئة تكون قاضية، فلا يمكن لأي إنسان أن يتهاون بأي إهمال، كما لا يمكن لأي أمرىء أن يخطو خطوة فاسدة، لأن ذلك قد يؤدي بحياته وحياة رفاقه.
وغالباً ما لا يلاحظ الناس هذا الانضباط المجرد عن الشكليات. ذلك أن المراقبين قليلي الاطلاع قد يتوهمون أن الجندي النظامي، الذي يتمسك بكل مظاهر الرتب المتدرجة، هو أكثر انضباطاً من المغاور الذي يطيع تعليمات رئيسه باحترام بسيط وعاطفي. ومع ذلك فقد كان جيش التحرير جيشاً خالصاً من أكثر الاغراءات البشرية ابتذالاً، وذلك من دون أن يكون هنالك جهاز للقمع، ومن دون مكتب للمخابرات يفرض رقابته على الفرد أمام الاغراء. ان هذا الفرد يراقب نفسه بنفسه، ووعيه الشديد بالواجب والانضباط هو الرقيب عليه.
وأن الجندي المغاور، بوصفه جندياً انضباطياً، هو في الوقت نفسه جندي عظيم الرشاقة، حكمياً وذهنياً على حد سواء. أن حرباً غوارية جامدة هي شيء لا يمكن تصوره. أن الأشياء جميعاً تجري في الليل. فالمغاوير، بفضل معرفتهم الجيدة بالأرض، يسيرون في الليل ويتخذون مواقعهم، ويهاجمون العدو وينسحبون. وليس من الضروري أن ينسحبوا بعيداً عن مسرح العمليات، بل كل ما يلزم هو أن ينسحبوا بسرعة كبيرة.
وسوف يركز العدو في الحال جميع وحداته الزجرية على النقطة التي تعرضت للهجوم، ويذهب الطيران ليقصفها، وتتقدم الوحدات الآلية لتطويقها، ويمضي الجنود وهم عاقدو العزم جيداً على احتلال موقع وهمي.
ويكتفي المغاور بأن يوجه جبهة واحدة إلى العدو. وحين ينسحب قليلاً، وحين ينتظر العدو، وحين يخوض غمار معركة جديدة، وحين ينسحب من جديد، فأنه ينفذ مهمته المخصوصة. وهكذا يمكن للجيش أن ينهك قواه خلال ساعات أو أيام كاملة. أن المغاور الشعبي ينتظر في مواقعه التي يراقب منها ويهاجم العدو في اللحظة المناسبة.
ويشتمل تكتيك حرب الغوار على مبادىء أساسية أخرى، معرفة الأرض يجب أن تكون تامة وكاملة. فليس في مقدور المغاور أن يجهل المكان الذي سيهاجمه، كما يجب عليه أن يعرف سائر دروب التراجع وجميع مداخل الطرقات في الجوار، والمنازل الصديقة والعدوة، والأماكن حيث يمكن إقامة معسكر مؤقت، وباختصار يجب عليه أن يعرف مسرح العمليات معرفته بجيبه. وأنه ليتوصل إلى هذه المعرفة لأن الشعب، الذي هو قلب جيش الغوار، يقف من وراء كل عملية.
إن أهالي المحلة يسهمون في أعمال النقل ويحملون الأخبار ويبذلون العناية، وأنهم ليزودون الجيش بالمقاتلين: أنهم يشكلون العناصر المكملة البالغة الأهمية لطليعتهم المسلحة.
أمام هذه التفاصيل جميعاً، أمام هذا التراكم للضرورات التكتيكية عند المغاور، لا بد أن نتساءل "لماذا يناضل"؟ وإليكم الجواب العظيم: "أن المغاور مصلح اجتماعي. أن المغاور يمسك بالسلاح كي يمثل الاحتجاجات العنيفة للشعب ضد مضطهديه، وهو يناضل كي يغير النظام الاجتماعي الذي يفرض على جميع أخوته المجردين من السلاح أن يبقوا في حالة الذل والبؤس. أنه يقاتل ضد الشروط المخصوصة للمؤسسات القائمة في لحظة معينة، ويكرس نفسه كي يحطم قوالب هذه المؤسسات بكل القوة التي تسمح له الظروف بها".
أننا نلمس هنا نقطة هامة؛ فقد قلنا أنه يجب على المغاور، على الصعيد التكتيكي، أن يعرف الأرض بمداخلها ومخارجها، وأن يناور بسرعة وأن يحصل على تأييد الشعب، وأن يعرف أين يختبىء. وهذا يعني أن المغاور سيمارس عمله في مناطق متوحشة وقليلة السكان. وفي هذه المناطق يتركز النضال الشعبي بصورة مفضلة، بل بصورة قاطعة تقريباً، على التحول الذي يجب أن يحدث في التركيب الاجتماعي لملكية الأرض. وبكلام آخر، فأن المغاور قبل كل شيء ثوري زراعي.
أنه الناطق بمطامح الجماهير الفلاحية الغفيرة التي تريد أن تكون سيدة على الأرض، سيدة على وسائل الإنتاج، وحيواناتها، وكل الأشياء التي ناضلت من أجلها طوال سنوات، كل ما يصنع حياتها وما سوف يكون قبرها أيضاً.
وهذا هو السبب في أن أفراد الجيش الجديد الذي يمشي حالياً في كوبا إلى النصر من جبال المقاطعة الشرقية وايسكامبري، وسهول المقاطعة الشرقية وكاماغوي، نحو جميع أرجاء البلاد، يحمل معه الإصلاح الزراعي بوصفه رايته الخفاقة.
وذلك نضال من المرجح أن يطول بقدر إنشاء الملكية الفردية، نضال خاضه الفلاحون بشيء من النجاح يزيد أو ينقص في سياق التاريخ، لكنه استنهض على الدوام الحمية الشعبية. وليس هو بملكية موقوفة على الثورة. أن الثورة قد تناولت هذه الراية من بين الجماهير الشعبية وجعلت منها رايتها الخاصة. لكننا إذا عدنا إلى ما قبل ذلك بزمن طويل، فمنذ انتفاضة المزارعين في هافانا، ومنذ حاول السود الحصول على الحق في الأرض في حرب التحرير الكبرى التي استمرت ثلاثين عاماً، ومنذ استولى الفلاحون ثورياً على ما يسمى ريالنغو18 [93]، كانت الأرض مركز الصراع من أجل حياة أفضل.
وأن هذا الإصلاح الزراعي ليتحقق شيئاً فشيئاً؛ لقد بدأ بصورة حية في سييرا ماسترا، وانتقل إلى الجبهة الشرقية الثانية إلى سلسلة ايكامبري. ومن بعد طواه النسيان بعض الوقت في الأدراج الوزارية وعاد فانبثق بصورة حازمة مع قرار فيدل كاسترو النهائي. وأن هذا الإصلاح الزراعي – وهذا ما يجب أن نكرره – هو الذي سيمنح حركة السادس والعشرين من تموز تعريفها التاريخي.
ان هذه الحركة لم تخترع الإصلاح الزراعي، لكنها ستحققه: ولسوف تحققه بصورة كاملة، حتى لا يبقى فلاح واحد بدون أرض ولا تبقى قطعة أرض واحدة بائرة. ولعل الحركة في ذلك الحين تفقد كل مبرر لوجودها، لكنها تكون قد قامت برسالتها التاريخية. وأن واجبنا هو أنْ نصل إلى هذه النتيجة، ومن ثم يقول المستقبل ما إذا كان ثمة أعمال أخرى ينبغي القيام بها.


 

 


   

رد مع اقتباس