الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:44 AM

  رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 



10 – بناء جيش حركة تحررية
ينبغي للجيش الثوري الذي يمارس حرب الغوار، أن يعول كذلك حسبما أشرنا، ومهما كانت منطقة العمليات، على منظمة غير مقاتلة يكون إسنادها له أمراً رئيسياً. وتدور هذه المنظمة كلياً حول الجيش ودعمه، إذ أن النضال المسلح هو طبعاً العامل الجوهري في الظفر.
يستند التنظيم العسكري على آمر، وفي حالة التجربة الكوبية، على قائد أعلى يُعيِّن آمري المناطق المختلفين، الذين لهم سلطة تامة لحكم مناطقهم وتعيين آمري الأرتال وسائر الرتب الأدنى منهم. يمكن أن يوجد دون القائد الأعلى آمرو مناطق يقع تحت إمرتهم آمرو الأرتال الذين يتفاوت دورهم حسب الظروف. ويقع دون آمري الأرتال، النقباء، وفي تنظيمنا الغواري، يقع دون النقباء الملازمون وهم أدنى الرتب. وبعبارة أخرى، يرقى المرء من جندي إلى رتبة ملازم.
ليس هذا نمطاً يحتذى، ولكنه وصف حقيقة، إنه الطريقة التي استخدِمت في بلد سمح فيه هذا التنظيم بالتغلب على جيش لا بأس بتنظيمه وتجهيزه. وليس هذا مثالاً مطلقاً بأية حال، ولا سيما في هذا الصدد. إنما يقصد فقط إلى تبيان كيف تتسلسل الوقائع، وكيف يمكن تنظيم قوة مسلحة. أما الرتب فليس لها من أهمية في نهاية التحليل. المهم هو أن لا تمنح رتبة لا تتفق مع واقع، أو تخالف الأخلاق والعدالة، أو لا تمر خلال غربال النضال والفداء.
ينطبق الوصف الذي قدمناه على جيش ذي قوة، قادر على مواجهة معارك جدية، وليس صورة غوَّارة بدائية يستطيع قائدها أن يحمل الرتبة التي تعجبه ولكنه لا يأمر في الواقع إلاَّ جماعة صغيرة من الرجال.
العقوبة الضبَاطية هي من أهم تدابير التنظيم العسكري. يجب أن تكون الضبَاطة أحد أسس الغوار وينبغي التذكير بذلك دائماً. يجب أن تكون الضباطة قوة ناشئة عن قناعة داخلية ومعقولة، تزوَّد الفرد هكذا بضباطة داخلية. وعندما تنقطع هذه الضباطة، يجب إنزال العقوبة بالمرتكب بصرامة، مهما كانت رتبته، بتطبيق عقوبة تحدث أثراً بليغاً.
ملاحظة هامة: لا يتحسس المغاور بذات العقوبات التي تؤثر في جندي الثكنة. إن عشرة أيام في السجن مثلاً هي عقوبة للجندي ولكنها تؤلف راحة استثنائية لأحد المغاوير. إنها عشرة أيام دون سير، دون عمل، دون نوبات الحراسة المعتادة، يستطيع فيها أن يأكل وينام ملء جفونه، ويطالع ويستريح. يفهم من ذلك تماماً أن حرمان الحرية ليس عقوبة منصوحة في الغوار.
عندما تكون أخلاق المرء الثورية عالية، وشعوره بكرامته عميقاً، ثمة حالات يمكن فيها لحرمانه من حق حمل السلاح أن يسبب ارتكاساً إيجابياً يكون بمثابة عقوبة حقيقية. يكون تطبيقه إذ ذاك مناسباً.
حدث إبان الهجوم على مدينة من مقاطعة لاس فيلاس، في أواخر أيام الحرب، أن ألفينا رجلاً قد أغفى على أريكة أثناء الهجوم على مواضع في وسط المدينة. ولدى الاستجواب، أفاد أنه قد نام لأن سلاحه قد نزع منه. فقلنا له إن هذا ليس سلوكاً صحيحاً إزاء الموقف. كان قد عوقب لعدم احترازه إذ ترك طلقة تخرج عفواً، وكان عليه أن يستعيد سلاحه، لكن ليس عن طريق النوم، بل بوجوده في الخطوط الأمامية.
مرت بضعة أيام، وإبان الهجوم النهائي على مدينة سانتا كلارا، عندما كنا نزور مركز نقل الدم، مدَّ محتضر يده إلينا وذكرنا بالحادث وأردف إنه قد استرد حق حمل السلاح. وقد مات بعد قليل.
لقد حملت ممارسة النضال المسلح المستمرة قواتنا إلى هذه المرتبة من الأخلاق الثورية، بَيْدَ أنه لا يمكن إدراك هذه المرتبة منذ البدء، عندما لا يزال هناك كثير من الخوف، كثير من التيارات الذاتية، تكبح تأثير الثورة. إنما تدرك هذه المرتبة بالعمل والمثال.
يمكن لنوبات الحراسة الليلية الطويلة والمسيرات المضنية أن تشكل عقوبات أيضاً، ولكن المسيرات ليست عملية لأنها لا تفيد إلاَّ معاقبة الفرد وإعياءه في آن مع المكلفين بحراسته. أما نوبات الحراسة الليلية فمحذورها أنها تستلزم وجود جنود لمراقبة المعاقَبين الذين تكون أخلاقهم الثورية ضعيفة.
كنت قد أحدثت، في القوى الموضوعية تحت إمرتي المباشرة، من أجل الجنح الطفيفة، عقوبة التوقيف مع الحرمان من السكاكر والتبغ، ومن أجل الحالات البالغة، الصوم التام. وكانت النتائج ممتازة، رغم هول العقوبة. فلا ينبغي تطبيق هذه العقوبة إلاَّ في حالات استثنائية حقاً.








القسم الرابع

من تشكيل الغوارة الأولى إلى الدفاع عن السلطة بعد الفوز بها









1 – تنظيم الغوّارة الأصلية سراًًًًًًً
على الرغم من أن حرب الغوار تخضع لجملة من القوانين المشتقة من قوانين الحرب العامة، كما تخضع لقوانين أخرى خاصة بها، فمن الواضح، حينما يراد الشروع بالنضال المسلح بدءاً من خارج الوطن أو من مناطق نائية، أنه ينبغي حصر عمل التآمر الأصلي بنواة قليلة من المطلعين. أما إذا ولّدت حركة الغوار من النشاط العفوي لجماعة من الناس، ارتكاساً ضد بعض أساليب الاكراه، فقد يُحتمل أن يغدو التنظيم اللاحق لنواة الغوار هذه كافياً ليقيها شر الإبادة. ولكن الغالب هو أن يشرع قائد مرموق النفوذ بخوض حرب الغوار، وقد حزم أمره، من أجل خلاص شعبه، وينبغي أن يستعد هذا الرجل أولاً خارج البلد في ظروف صعبة.
لقد عانت معظم الحركات الشعبية التي قامت في الآونة الأخيرة لمناوأة الحكام الطغاة، من خطيئة أساسية هي عدم كفاية التأهب. ولا تُطبق طرق التآمر التي تقتضي عملاً دقيقاً وسرياً. وغالباً ما تعلم السلطة سلفاً، من دوائر استخباراتها، بنوايا الجماعة أو الجماعات. يحصل ذلك أحياناً بسبب عدم الاحتراز، وأحياناً بسبب مظاهرات مباشرة كما حدث في بلدنا حيث قال فيدل كاسترو: "عام 1956 سنكون أحراراً أو شهداء"، فجاهرت هذه العبارة علناً بالنزول إلى البر.
إن أول مبدأ في أساس الحركة هو السرية المطلقة، وانعدام المعلومات تماماً لدى العدو. والمبدأ الثاني هو اصطفاء العتاد البشري، وهو عظيم الأهمية أيضاً. قد يتم هذا الاصطفاء بسهولة، ولكنه قد يكون في غاية الصعوبة إذ لا يمكن الاعتماد إلاَّ على العناصر المتوفرين، أي على منفيين قدامى يتقدمون عندما يدعوهم الداعي دون التمكن من إجراء تحقيق تام عن كل منهم. وحتى لو تسلل عملاء النظام العدو، فلا يغتفر أن يستطيعوا تقديم المعلومات، إذ ينبغي قبل الشروع بالعمل، أن يتم تأليب كافة المشتركين بالحركة في أماكن سرية لا يعرفها إلاَّ شخص أو اثنان، وأن يراقب القادة المشتركين مراقبة وثيقة، ولا تكون لهؤلاء أية صلة بالعالم الخارجي. وينبغي دوماً إبعاد العناصر الجُدُد، والذين لما تكتمل معرفتهم، عن النقاط الحساسة، أثناء الاستعداد والتدريب ولدى الفرار من وجه الشرطة.
وينبغي في العمل السري أن لا يعلم أحد، لا أحد مطلقاً، بأي شيء ليست له ضرورة ماسة، وأن لا يثرثر أحد أبداً. وعند بلوغ مرحلة معينة من بناء الحركة، لا بد من مراقبة كل شيء، حتى الرسائل، بحيث تعرف تماماً علاقات كل واحد. ينبغي ألاَّ يعيش كل عضو منفرداً وألاَّ يخرج منفرداً. وينبغي منع الصلات الشخصية للعضو العتيد في جيش التحرر، مهما كان نوعها وبكل الوسائل. ثمة عامل يجب الإصرار عليه، وتأثيره في هذه المرحلة الأولى سلبي على العموم بقدر ما يغدو إيجابياً في النضال، ألا وهو المرأة. إن ضعف الرجال الشبان تجاه النساء أمر معروف، عندما يكونون بعيدين عن بيئتهم المعتادة وموجودين في أوضاع استثنائية حتى من الناحية النفسية. وكم يعرف الحكام الطغاة هذا الضعف ويحاولون استخدام جاسوساتهم. قد يسهل أحياناً كشف علاقات أولاء النسوة بمن يستخدموهن، ولكنه كثيراً ما يصعب كشف أدنى صلة. من ثم ضرورة منع العلاقات بالنساء.
على الثوري الذي يستعد في السر لخوض الحرب أن يكون ناسكاً مكتملاً، وهذا ما يسمح من جهة أخرى بالتحقق على نحو مفيد من شيمة سوف تغدو في ما بعد إحدى أسس السلطة، ألا وهي الضباطة. فإذا تجاوز رجل تكراراً أوامر رؤسائه والتقى بنساء، وعقد صداقات غير مباحة، ينبغي الانفصال عنه فوراً ليس فقط بسبب الخطر المحتمل في هذه الصلات، بل لمجرد مخالفته الضباطة الثورية.
ينبغي عدم التعويل أبداً على مساعدة غير مشروطة من إحدى الحكومات عندما يتم العمل في أرضيها، سواء أكانت حليفة أو لا مبالية فقط. يجب أن يتصرف المرء دائماً كما لو وجد معسكر معاد تماماً. يمكن طبعاً أن توجد في هذا المعسكر استثناءات، ولكنها لا تعدو أن تصدق القاعدة العامة.
لا يمكن التحدث ههنا عن عدد الرجال الذين سوف يتم إعدادهم, يتعلق هذا الأمر بعوامل تتجاوز الحصر. نستطيع أن نتحدث فقط عن العدد الأدنى من الرجال الذين يمكن شن حرب الغوار بهم. فإذا ما حسب حساب الانسحابات وحالات الوهن التي لا بد منها، رغم الاصطفاء الصارم، ينبغي بحسب رأيي، اعتماد أساس يتراوح بين ثلاثين وخمسين رجلاً. يكفي هذا العدد للشروع بنضال مسلح في أي بلد أمريكي لاتيني، إذا كانت الأرض مؤايتة، والرغبة في امتلاك الأرض متأججة لدى الفلاحين، والعدالة مبكَّتة باستمرار.
أشرنا أن الأسلحة ينبغي أن تكون من النمط ذاته الذي يستخدمه العدو. وعلى الجملة، وباعتبار أن كل حكومة تقف دائماً في البدء ضد نشاط عسكري يصدر عن أراضيها، فإن الجماعات التي تستعد ينبغي أن لا تتجاوز خمسين أو مئة رجل في كل وحدة. ليس ثمة محذور في أن يشرع بالحرب خمسمئة رجل مثلاً، ولكنه ينبغي ألاَّ يجتمع هؤلاء معاً. أولاً لأن عددهم الكبير يسترعى الانتباه، ثم لأنه في حال وقوع خيانة، تسقط الجماعة كلها. هذا في حين يصعب احتلال عدة أماكن في آن واحد.
يمكن أن تكون دار الاجتماعات المركزية معروفة إلى حد ما. يرتادها المنفيون لعقد اجتماعات من شتى الأنواع، ولكن القادة لا يظهرون فيها إلاَّ استثناءً. وينبغي ألاَّ يوجد فيها أي مُسْتَمْسَك. يجب أن يكون في تصرف القادة أكبر عدد من المنازل، مستورة قدر الإمكان. ولا تعرف مستودعات السلاح إلاَّ من شخص أو اثنين، وتوزع في أماكن متعددة.
ينبغي دائماً تسليم الأسلحة إلى الذين يستخدمونها في آخر دقيقة، إذ أن عملاً قمعياً ضد الذين يتدربون يسبب سجنهم كما يسبب أيضاً فقدان كافة الأسلحة التي يصعب الحصول عليها جداً، والتي تشكل نفقة لا يسع القوى الشعبية أن تتهاون بها.
ينبغي إيلاء أهمية عظمى لإعداد القوى من أجل النضالات القاسية القادمة: ضباطة صارمة، مستوى معنوي رفيع، تفهم كامل للمهمة المراد تحقيقها، بلا تبجج ولا أوهام خادعة ولا آمال كاذبة في ظفر سهل. سوف يكون الصراع مراً وطويلاً. سوف تعاني الفرقة من الهزائم، وقد تشارف النكبة، ولن ينقذها إلاَّ مستواها المعنوي وضباطتها وإيمانها في الظفر النهائي، والصفات الاستثنائية التي يتحلى بها قائدها. هذه هي تجربتنا الكوبية، حيث استطاع إثنا عشر رجلاً أن يخلقوا جيشاً لأنهم كانوا يحققون هذه الشروط كافة ولأن الذي كان يقودهم اسمه فيدل كاسترو.
وبالإضافة إلى الاستعداد الفكري والمعنوي، لا بد من تدريب جسمي دقيق. سوف يختار المغاوير منطقة جبلية للعمل فيها. ومهما كانت الأرض، فإن السير هو العنصر الأساسي في الغوار. فلا يسع الغوارة أن تتعثر بأناس بطيئين أو مُتْعَبين. يقوم التدريب الناجع على مسيرات مضنية نهاراً وليلاً، تُزَاد فيها المسافة كل مرة، وتصل بالرجال إلى حافة الانهيار، بينما هي تركز الجهد على السرعة. السرعة والجَلَد هما المائزتان الجسميتان لجماعة الغوار الأصلية. كما يمكن تلقين الرجال المعلومات النظرية، مثل التوجيه، وقراءة الخرائط، ومِهانات التخريب، وتُجرى إن أمكن، تدريبات رماية كثيرة ببندقية حربية، وخاصة على الدريئة، مع الإصرار على كيفية استخدام الذخيرة.
ينبغي أن تحضر في ذهن المغاور دائماً قاعدة شبه دينية ألاَّ وهي اقتصاد الذخيرة. ينبغي أن يعرف الإفادة من كل رصاصة، حتى الأخيرة. فإذا ما اتبِعَت هذه التعليمات كافة، استطاعت قوى الغوار أن تدرك هدفها بسهولة.





2 – الدفاع عن السلطة بعد الفوز بها
ما دمنا لم ننجح في تحطيم الجيش الذي كان يدعم النظام البائد تحطيماً تاماً، فمن الواضح أن الظفر لا يمكن أن يكون نهائياً. وفوق ذلك، فإنه ينبغي تصفية كافة المؤسسات التي كانت تحمي هذا النظام على نحو منهجي. غير أن هذا الكتاب لا يعدو كونه وجيزاً تعليمياً للغوار، ولذلك سوف نقتصر على تحليل الدفاع الوطني في حال وقوع عدوان على النظام الجديد.
سوف يحصل الصدام بادىء ذي بدء بالرأي العام العالمي: فسوف تشرع "الصحافة الكبرى" ووكالات الأنباء "الموضوعية" في الولايات المتحدة وسائر أوطان الاحتكارات، باعتداءات هجومية ومنهجية بقدر ما تكون القوانين الشعبية في البلد المتحرر هي الأخرى هجومية ومنهجية. لذلك يتوجب عدم الإبقاء على أية بنية من الجيش القديم. بَيْدَ أن النظام العسكري، والطاعة الآلية، ومفاهيم الواجب العسكري والأخلاق على النمط القديم لا يمكن اجتثاثها دفعة واحدة، كما أنه من الأشد استحالة جعل الظافرين الحاذقين في الحرب والمفتقرين غالباً إلى كل ثقافة عامة، يتعايشون مع العدو المغلوب ولكنه المغترّ بدرايته الحربية والحاقد بكل ما أوتي من قوة على أولئك المغاوير غير المثقفين.
واضح أن هناك حالات فردية، حيث يقطع بعض العسكريين كل صلة بماضيهم ويدخلون النظام الجديد بروح تعاون مطلق. إنهم عندئذ مفيدون على مثلين، إذ أنهم يجمعون بين الارتباط بقضية الشعب، وبين المعارف اللازمة لإقامة بناء الجيش الشعبي الجديد. ينبغي تحطيم الجيش القديم وتشتيته وذلك باستيلاء الجيش الجديد على كافة المراكز، وأن يعقب ذلك تنظيم الجيش الجديد فوراً. ويمكن تعديل بنية الغوارة القديمة المُسْتَفْرِدة[65] والتي كانت متروكة تماماً تقريباً إلى مبادرة كل قائد بلا أي تخطيط. ولكنه في غاية الأهمية أن يُعاد تنظيمها صدوراً عن مفاهيم عمليات الغوار، وذلك باضفاء بنية الغوار العضوية على الجيش الشعبي، أي باضفاء تنظيم على جيش الغوار يُفصَّل له تفصيلاً بحسب أبعاده، فيجد نفسه مرتاحاً فيه. ينبغي عدم الوقوع في الخطيئة التي وقعنا فيها خلال الشهر الأول، عندما أردنا إدخال الجيش الشعبي الجديد في أُطُر الضباطة والتنظيم العسكري القديمين. يمكن أن تنجم عن ذلك صدوع خطيرة تؤدي إلى بلبلة التنظيم تماماً.
ينبغي الشروع بالاستعداد منذ ذلك الوقت لحرب الدفاع الجديدة التي لا بد أن يخوضها جيش الشعب، وهو الذي اعتاد في نطاق النضال المشترك، حرية اجتيال[66] كبيرة كانت تترك مبادرة واسعة لكل جماعة مسلحة. يواجه هذا الجيش مسألتين مباشرتين: الأولى، إن آلافاً من ثوريي الساعة الأخيرة، الصالحين أو الطالحين، سوف ينخرطون في الجيش في موجة الظفر العارمة. ينبغي إمرارهم على صوارم حياة الغوار وإعطاؤهم دروساً عجْلى وكثيفة في التهيئة الثورية. إن التهيئة الثورية. التي تمنح جيش الشعب وحدته الفكرية التي لا بد منها، هي أساس الأمن القومي، في المدى البعيد والقريب على السواء. أما المسألة الثانية، فتطرحها صعوبة التكيُّف بالبنيات الجديدة.
ينبغي أن تضطلع هيئة خاصة يتم تشكيلها فوراً، بشرح الحقائق الثورية الجديدة في كل وحدة من وحدات الجيش: فتشرح للجنود، الفلاحين والعمال، عدالة وحقيقة كل واقعة ثورية، وأماني الثورة، لماذا يقاتلون، ولماذا قضى كل الرفاق الذين لم يروا الظفر. وبصورة موازية، تسمح دروس مستعجلة في التعليم الابتدائي بالتغلب على الأمية، لتحويل الجيش الثوري، تدريجاً، إلى أداة مِهانية متكاملة، ذات تهيئة فكرية متينة وكفاءة قتالية متقنة.
سوف تتحقق هذه الصفات الثلاث شيئاً فشيئاً مع الزمن. ويمكن من ثم استكمال الجهاز العسكري لكي يستطيع المقاتلون الحاذقون بالحرب أن يستحيلوا عسكريين محترفين، بفضل دورات خاصة، فيهيئون بدورهم كل الشعب الذي يُدْعَى إلى الخدمة عن طريق التجنيد الطوعي أو الإلزامي. يتعلق ذلك بالمميزات القومية ولا يمكن إثبات قواعد عامة له.
إننا نعبِّر بهذا الصدد وفي كل ما يلي عن رأي قيادة الجيش الثائر حول السياسة الواجب اتباعها في كوبا، في حال شخوص خطر غزو أجنبي في المرحلة الحاضرة، وهو ما حدث أواخر 1959 وأوائل 1960 [67]. ها نحن قد توقعنا عدونا، ورزناه، وننتظره بلا خوف. إننا لم نعد نضع ههنا نظرية لإفادة الجميع، قائمة على تجربتنا الخاصة الماضية، بل على العكس، فإننا نستند إلى تجربة الآخرين لتطبيقها على دفاعنا القومي.
ولما كان علينا أن نعتبر حالة كوبا، وأن نقدم فرضيتنا عنها في علاقاتها بالوقائع الأمريكية المرافقة، فنجعل الفرضية والوقائع المذكورة على وِفاق، لذلك سوف نقدم، على سبيل الخاتمة، تحليلاً للوضع الكوبي، حاضره ومستقبله.


 

 


   

رد مع اقتباس