الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:41 AM

  رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 



5 – ابت
داء حرب الغوار وتطورها وانتهاؤها

لقد عرّفنا بإسهاب ما هي حرب الغوار. وسوف نعيد الآن وصف تطورها الأمثل، في الأرض المؤاتية، منذ ولادتها بدءاً من نواة وحيدة، أي أننا سوف نؤلف نظريتها، اعتماداً على التجربة الكوبية.
ثمة في البدء جماعة قليلة أو كثيرة التسلح، متفاوتة التجانس، تحاول بصورة حصرية تقريباً، أن تختبىء في أماكن وعرة، لا يُهتدى إليها، في حين أنها تحافظ على صلة ضعيفة بالفلاحين. تنجح هذه الجماعة في كيل ضربة، فتبدأ شهرتها آنئذ. يأتي بعض الفلاحين الذين سُلبوا أراضيهم أو الذين يناضلون للحفاظ عليها، وبعض المثاليين الناشئين في طبقة أخرى، فيرفدون صفوفها. تكتسب الجماعة مزيداً من الإقدام للتجول في المناطق الآهلة، وصلة أوثق بأهل المنطقة، فتباشر بعض الهجمات، يليها الهروب تواً. وسرعان ما يصل بها الأمر إلى الاشتباك في قتال مع رتل فتبيد مقدمته. تستمر في تجنيد الرجال فيها، ويتضخم عددها، إلاَّ أن تنظيمها يبقى هو هو، عدا أنها تلتزم حذراً أقل وتغامر في مناطق أكثر سكاناً.
ثم تأخذ الجماعة تقيم معسكرات مؤقتة لبضعة أيام، تبارحها مذ تعلم باقتراب العدو، أو إذا حدث قصف، أو لمجرد ظنها في أحد هذه الأخطار. تتزايد الغوارة عددياً، ويقترن ذلك بالعمل الجماهيري الذي يجعل من كل فلاح نصيراً لحرب التحرر. تختار أخيراً منطقة في منأى عن يد العدو، وتبدأ الحياة الحضرية وتشرع بإقامة الصناعات الصغيرة الأولى: الأحذية، لفائف التبغ، صناعة السلاح، الخبازة، شيء من الخياطة، المشافي، الإذاعة، الطباعة... إلخ.
أصبح للغوارة تنظيم جديد، وبنية جديدة. إنها رأس حركة كبيرة تظهر فيها، على هيئة ملامح، كافة مميزات الحكومة. تقام محكمة لإدارة العدالة، وإذا أمكن، تنشر بعض القوانين، مع متابعة توعية الجماهير الفلاحية سياسياً، وكذلك الجماهير العمالية إن وجدت في المنطقة. يتم هزم هجوم من جانب العدو، فيزداد عدد البنادق، وبالتالي عدد رجال الغوارة. غير أنه يحين وقت لا يتسع فيه قطر عملها بنسبة عدد رجالها. فينفصل عندئذ رتل عن الجماعة ويذهب لخلق منطقة قتال جديدة. تعاود هذه النواة الجديدة العمل مرة أخرى، لكن بموائز مختلفة نوعاً ما، نظراً للتجربة المكتسبة ولتوغل جيوش التحرر في مناطق الحرب. وتتابع النواة المركزية استفحالها في هذه الأثناء، وقد تلقت أرفاداً هامة من التموين ومن البنادق أحياناً، من مناطق بعيدة، ويستمر قدوم الرجال إليها، وتتابع المهمات الإدارية بابرام القوانين، وتفتح مدارس تسمح بنشر الوعي السياسي بين المجندين وبتدريبهم. ويتعلم القادة بقدر ما تتطور الحرب، وتتحسن كفاءتهم القيادية في آن مع تزايد القوى كمَّا وكيفاً.
وعندما يحين الوقت، تستطيع بعض الجماعات أن تذهب لتقيم في مناطق بعيدة وتعاود الدورة ذاتها.
غير أن ثمة أرضاً معادية، أرضاً مجافية لحرب الغوار. فتتوغل فيها زمرة صغيرة لمهاجمة المواصلات وتخريب الجسور وبث الألغام وبذر عدم الاطمئنان. وتستمر الحركة تتطور مع المد والجزر الخاصين بالحرب. لا يلبث العمل الجماهيري الواسع أن يتيح للقوى بالتجول في الأراضي المجافية، فيبلغ المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الغوار في ضواحي المدن.
يزداد التخريب بشكل محسوس في المنطقة كلها. وتصاب الحياة بالشلل، فقد أصبحت قيد رقابة الغوار. يستهدف الغوار مناطق أخرى، ويقاتل العدو على جبهات محددة، وقد تم غنم أسلحة ثقيلة (حتى بعض الدبابات)، وصار النضال بين ندِّ وندّ. يتم مصرع العدو عندما يتحول تتابع الأظفار الجزئية إلى ظفر نهائي، عندما يصل الأمر بالغوار أن يحمل العدو على القتال ضمن الشروط التي يفرضها الغوار، ويتم عندها قهر العدو وإرغامه على الاستسلام.
ليس هذا إلاَّ تصوير الملامح التي تعيد إلى الأذهان مختلف مراحل حرب التحرر الكوبية، غير أن محتواه عام تقريباً، وأن تضافر العناصر – الشعب، الشروط، القائد - لا يتوفر دائماً كما حصل في حربنا. وهل يلزمنا القول إن فيدل كاسترو يجمع صفات المقاتل ورجل الدولة وإننا مدينون إلى نظرته للأمور بنزولنا إلى البر وبظفرنا؟ لا نستطيع القول إن ظفر الشعب لم يكن ليحدث بدونه، لكننا نستطيع القول إن الظفر بدونه، كان أغلى ثمناً وكان أقل اكتمالاً.









القسم الثالث

تنظيم جبهة الغوار





1 – التموين
إن تموين تشكيلة الغوار على نحو صحيح هو أمر جوهري. ينبغي أن تستطيع الجماعة إيجادها أودها من منتجات الأرض، بينما هي تمكَّن الفلاحين الذين يقدمون هذه المنتجات أن يجدوا أودهم فيها أيضاً. لا يستطيع المغاور، في النضال الشاق الذي يخوضه – ولا سيما في البدء – أن ينتج بنفسه أي شيء، خاصة إذا وجد في أرض سالكة لأرتال القمع. وبقدر ما تنمو تشكيلة الغوار، عليها أن تؤمَّن لنفسها منابع تموين بعيدة عن مناطق القتال. تعيش في البدء مما ينتجه الفلاحون فقط. قد تستطيع المِيرة[54] من بعض المراكز، ولكنها لا تستطيع أبداً أن تنشىء شبكات تموينية لأنها تفتقر بعد إلى الأرض التي تقيمها عليها. إذن تتكيف شبكة التموين ومثلها تخزين المؤن بتطور الصراع.
يجب كسب ثقة سكان المنطقة كلياً وقبل كل شيء. ويتم الفوز بها باتخاذ موقف إيجابي من مشاكلهم، بمساعدتهم وتوجيههم باستمرار، بالدفاع عن مصالحهم وبمعاقبة الذين يستغلون الفوضى لطرد الفلاحين من أراضيهم والاستيلاء على محاصيلهم وإقراضهم بالربا.
يجب أن يكون الخط المتبع مرناً وصلباً في آن. يكون مرناً بانتهاج التعاون العفوي مع كل الذين يعطفون باخلاص على الحركة الثورية. ويكون صلباً تجاه الذين يهاجمون الحركة الثورية مباشرة، مثيرين التفرقة أو ناقلين معلومات هامة إلى جيش العدو.
يتم الإشراف على المنطقة شيئاً فشيئاً ويمكن عندها اعتماد حرية حركة أكبر. يجب اتخاذ مبدأ أساسي هو دفع أثمان البضائع المأخوذة من الأصدقاء دوماً، سواء أكانت منتجات زراعية أو سلعاً تجارية. كثيراً ما تكون هذه البضائع هدايا، غير أن ظروف حياة الفلاح تحول أحياناً دون هذه الهبات. وقد تفرض ضرورات الحرب مهاجمة بعض المتاجر، دون إمكان الدفع. يجب دوماً في هذه الحالات إعطاء التاجر إيصالاً، سند إقرار بالدين، من "سندات الأمل" التي ذكرناها آنفاً. ولكنه يفضَّل استخدام هذه الوسيلة مع أناس موجودين خارج حدود المنطقة المحررة، وتسديدها في أسرع وقت ولو جزئياً.
ومتى تحسنت الظروف بكفاية لتسمح بالاحتفاظ بصورة دائمة بأرض لا يطالها جيش العدو، أمكننا أن نعمد عندئذ إلى البذار بصورة جماعية. يشتغل الفلاحون الأرض لصالح جيش الغوار، فيضمنون بذلك مصدراً ثابتاً للتموين.
وإذ كان عدد المغاوير المتطوعين يتجاوز عدد الأسلحة، وإذا كانت الظروف السياسية تحول دون نزول هؤلاء الرجال إلى المناطق الخاضعة للعدو، يمكن للجيش الثائر أن يدع رجاله وكافة المجندين فيه يشتغلون الأرض، ويجنون المنتجات التي تضمن التموين. يملأ هؤلاء المتطوعون بذلك سجلات خدمتهم التي تفيد فيما بعد لترقيتهم إلى صفوف المقاتلين. غير أنه يُفضَّل أن يتم البذار على يد الفلاحين أنفسهم، لأنهم ينجزون العمل بحماس أكبر وكفاءة أعظم. ويمكن التوصل، في مرحلة أكثر تقدماً، إلى شراء محاصيل برمتها وتخزينها لاستعمال الجيش، سواء في الهواء الطلق أو في المخازن، حسب طبيعة السلع.
وعندما يتم إنشاء هيئات مكلفة بتموين السكان الفلاحين أيضاً، يتم تجميع كل السلع لدى هذه الهيئات، لإجراء عمليات مقايضة بين الفلاحين، بوساطة الجيش الثائر.
وإذا تحسنت الظروف أكثر، أمكن تحديد الضرائب. يجب أن تكون أخف ما يمكن، لا سيما على المنتج الصغير. ويجب السهر، فوق كل شيء، على العلاقات الطيبة بين طبقة الفلاحين وبين الجيش الثائر الذي هو فيض منها.
يمكن أن تُجْبَى الضرائب نقداً أو بشكل حصص من المحصول تأتي لترفد الاحتياطات. اللحم مثلاً سلعة في المقام الأول من الضرورة، فيجب ضمان إنتاجه وحفظه. ويتم بالتعاون مع الفلاحين إنشاء مزارع لتربية الدجاج والماعز والخنازير، التي تُشْتَرى من كبار الملاك أو تُصَادر منهم، وإذا كانت المنطقة غير آمنة، يبدو الفلاحون فيها بمظهر مَن لا علاقة له بالغوارة. ومن المعتاد في مناطق الملكيات الكبرى أن تتوفر الماشية بكميات كبيرة، فتذبح وتملّح. فإذا ما حفظ اللحم بهذه الشروط، بقي صالحاً للاستهلاك مدة طويلة.
تنتج الماشية الجلد أيضاً. يمكن إقامة صناعة دباغة بدائية إلى حد ما، تسمح بتوفير المادة الأولية للأحذية، وهي لوازم لا يستغني المغاور عنها. يمكن القول، بصورة عامة، إن الأغذية التي لا غنى عنها هي: اللحم، الملح، بعض الخضار أو الأدران أو البذور. ينتج الفلاح الغذاء الأساسي دائماً، وهو المالانغا في المناطق الجبلية من مقاطعة أوريينته (كوبا)، والذرة في المناطق الجبلية من المكسيك وأمريكا الوسطى والبيرو، والبطاطا في البيرو أيضاً، وهو الماشية في بلدان أخرى كالأرجنتين، وهو القمح في سواها. يجب بأية حال ضمان تموين الفرقة بالغذاء الأساسي، وببعض المواد الدسمة الحيوانية أو النباتية التي تسمح بإغناء التغذية.
الملح حاجة لا غنى عنها. عندما نكون على مقربة من البحر ونستطيع بلوغه، ينبغي إنشاء مَجَفَّات[55] صغيرة للملح فوراً، لتكوين احتياط منه. ولا يسعنا نسيان أنه يسهل فرض الحصار على المنطقة الجبلية، التي تكاد لا تنتج شيئاً، فيؤدي الحصار إلى إفقار المنطقة على نحو بالغ. ويستحسن أن تتوقع المنظمة الفلاحية والمنظمات المدنية عامة هذا الاحتمال. يجب أن تتوفر لدى الفلاحين احتياطات غذائية ليستطيعوا البقاء خلال أشد فترات النضال قسوة. يجب الاجتهاد بسرعة لتكوين مخزونات من السلع غير التالفة كالحبوب: ذرة، قمح، ارز... إلخ، والدقيق، والملح، والسكر، والمحفوظات بكافة أنواعها، ويجب القيام بالبذار الضروري أيضاً.
سوف يأتي يوم يتم فيه حل كافة المسائل الغذائية في المنطقة، غير أن كمية كبيرة من المنتجات الأخرى تبقى ضرورية، كالجلد مثلاً للأحذية (إذا تعذر إنشاء صناعة للجلد)، والكتَّان للألبسة، ولوازم أخرى كالورق وآلات الطباعة للصحف والحبر... إلخ.
وكلما استكملت الغوارة تنظيمها، ازدادت حاجتها لأصناف تأتي من العالم الخارجي. فيصبح ضرورياً عندئذ أن تؤدي منظمة خطوط التموين عملها على وجه الكمال. تقوم هذه المنظمة بصورة أساسية بواسطة الفلاحين الأصدقاء. ويجب أن تكون بنيتها ذات قطبين، أي تكون لها نهاية في المدينة من جهة، ونهاية في جبهة الغوار من الجهة الأخرى. وتجتاز خطوط التموين، ابتداء من مناطق الغوار، كل الأرض التي يمكن أن يمر فيها العتاد. وسوف يألف الفلاحون الخطر شيئاً فشيئاً (يمكنهم إتيان العجب العجاب إذا عملوا في جماعات صغيرة)، فينقلون العتاد إلى المكان المحدد دون أن يعانوا أخطاراً بالغة. يمكن إجراء هذه التنقلات ليلاً على البغال أو أية زوامِل[56] أخرى، وحتى بسيارات الشحن في بعض المناطق، فيتم بذلك ضمان تموين منتظم. والمقصود ههنا نمط من خطوط التموين وارد من الأنحاء القريبة من أمكنة العمليات.
بيد أنه يجب أيضاً تنظيم خطوط تموين واردة من مناطق أكثر بعداً. وينبغي لهذه المناطق، بالإضافة إلى العتاد غير المتوفر في القرى أو مدن المقاطعات، أن تقدم المال اللازم للشراء.
تعيش المنظمة من هِبَات الأصدقاء المباشرة، وتعطي لقاءها إيصالات سرية، ويجب أن يكون القائمون على تعاطي هذه الأمور خاضعين لرقابة شديدة. وعندما تخرج غوارة من مأرِز عملياتها لتداهم منطقة جديدة، يمكنها تسديد مشترياتها نقداً أو بـ"سندات الأمل". وفي هذه الحالة، ليس ثمة حل غير أخذ بضائع التجار. ويتبع التسديد عندئذ إلى أمانة الغوارة أو إلى إمكاناتها المالية

 

 


   

رد مع اقتباس