الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:40 AM

  رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

.
ينبغي الانتباه جداً إلى مواقد النار التي يستمر جمرها متقداً لمدة طويلة، فتغطى بالتراب، كما تدفن الأوراق وعلب المحفوظات والفضلات الغذائية. يجب أن يرين الصمت المطلق تماماً على الرتل إبان السير. تنتقل الأوامر إيماءً أو همساً، سارية من فم إلى أُذُنْ حتى آخر رجل. وإذا ما اجتازت الغوارة مناطق مجهولة وهي تشق طريقها أو تتبع دليلاً، تسير المقدمة على مسافة حوالي مئة أو مئتي متر إلى الأمام، تبعاً لموائز الأرض. وفي المناطق التي يحتمل فيها التيه، يُترك رجل عند كل منعطف لينتظر التالي، وهكذا حتى آخر رجل في المؤخرة. وتسير المؤخرة منفصلة هي أيضاً عن سائر الرتل، تراقب المؤخرات وتحاول محو آثار المرور قدر الإمكان. وإذا كان ثمة دروب جانبية يلوح منها خطر، يجب أن تحرسها زمرة حتى مرور آخر رجل في الفرقة عنها. ويكون من الأيسر أن تفرز هذه الزمرة من فصيلة خاصة، بيد أنه يمكن تشكيلها أيضاً من عناصر تنتمي إلى كل الفصائل. يجب أن تنتظر هذه الزمرة حتى تعقبها الزمرة التالية، قبل أن تعود إلى فصيلتها، وهكذا دواليك إلى أن يتم مرور الفرقة كلها.
لا ينبغي فقط أن يتم السير على نمط واحد بترتيب مقرر، بل أن يستمر هذا الترتيب دوماً، ليعرف أن الفصيلة رقم 1 هي المقدمة، والفصيلة رقم 2 هي التي تليها، وفي الوسط الفصيلة رقم 3 التي يمكن أن تكون فصيلة القيادة، ثم الرقم 4، ثم المؤخرة أي الفصيلة رقم 5. ينبغي الحفاظ على هذا الترتيب دوماً. ويجب في السير الليلي أن يكون الصمت أكثر إطباقاً بعد، وأن تخفض المسافة بين كل مقاتلين اثنين، لكي لا يتيه أحد ولا يضطر امرؤ إلى رفع الصوت أو اشعال ما يضيء، فالإضاءة ليلاً هي عدوة المغاور.
وإذا كان هذا السير توطئة لهجوم ما، تترك الأحمال غير اللازمة كالحقائب والقدور... إلخ في المكان المحدد كنقطة ازدلاف[44] عامة بعد بلوغ الهدف، وتتابع كل فصيلة حاملة سلاحها وتجهيزها الحربي فقط. يجب أن يقوم أناس موثوقون، سلفاً، بدراسة النقطة المزمع مهاجمتها، فيجرون الاتصالات ويرسلون تقريراً عن حرس العدو وأوصاف معسكره وعدد حماته. تقرر عندئذ خطة الهجوم النهائية، ويُوزع المقاتلون، على أن يحسب دوماً تخصيص قسم كبير من الرجال لمكافحة النجدات المحتملة.










وإذا كانت مهاجمة المعسكر ليست إلاَّ إلهاء لاستدراج قدوم النجدات (تضطر هذه النجدات أن تمر في دروب مؤاتية للكمائن)، وجب أن ينقل رجل من الكمين نتيجة الأمر بسرعة إلى القائد، مع إشعاره إذا اقتضى فك الحصار لكي لا يتعرض المحاصِرون لهجوم خلفي. وبأية حال، يجب دائماً، خلال الحصار أو الهجوم المباشر، وجود حرس على الدروب المؤدية إلى مكان القتال.
ويفضل الهجوم المباشر دائماً إذا كان الوقت ليلاً. ويمكن الاستيلاء حتى على المعسكر دون كبير خطر، إذا ما توفرت الشجاعة وسرعة الخاطر اللازمتان.
لا يبقي أثناء الحصار إلاَّ الانتظار وحفر الخنادق مع الاقتراب من العدو أكثر فأكثر ومحاولة إرهاقه بكل الوسائل وخاصة إرغامه بالنار على الخروج. إن "كوكتيل مولوتوف" سلاح ذو فعالية خارقة على مقربة من العدو. وإذا لم يتم الاقتراب بكفاية لإلقاء "كوكتيل"، أمكن استخدام بنادق ذات إياد خاص. تتألف هذه الأسلحة التي أسميناها خلال الحرب "م – 16"، من بندقية عيار16 مقصورة القناة، تسند إلى عصوين يؤلف منقار الأخمص معهما منصباً ثلاثياً. تصنع القناة زاوية قدرها حوالي 45 ْمع الأفق. تتغير الزاوية وضوحاً تبعاً لتقديم أو تأخير قائمتي المنصب الأماميتين. تلقم النبدقية بفشكة خلّب تسند إليها عصا اسطوانية الشكل قدر الإمكان، تنوف على القناة، وهي التي سوف تغدو مقذوفة. يسند إلى طرف العصا المنيف إياد من فِلِزّ[45] يحمل مُخامداً مطاطياً من جهة قاعدته، كما يحمل زجاجة البنزين. يقذف هذا الجهاز زجاجات ملتهبة إلى مئة متر وأكثر، بدقة نسبية. إنه سلاح أمثل في الحصار، وازاء الأبنية الخشبية أو ذات المواد القابلة للاشتعال، وكذلك للرمي على الدبابات في الأرض الجبلية. ومتى انتهى الحصار بالظفر أو رفع بسبب بلوغ الأهداف، تنحسب الفصائل كافة بانتظام إلى النقطة التي تركت فيها الحقائب، وتستأنف الحياة النظامية.
تولِّد حياة المغاور البدوية في هذه المرحلة حساً من الأخوة مرهفاً جداً بين الرفاق، لكنها تولد أيضاً أحياناً خصومات بين الجماعات، فإذا لم تهذب هذه الخصومات وتحوَّل إلى مباراة سليمة، مَثُلَ خطر تصدّع وحدة الرتل. ينبغي القيام بتربية المغاوير منذ بدء النضال بشرح معناه الاجتماعي وواجباتهم. ينبغي إعطاؤهم مفاهيم واضحة، وتلقينهم أخلاقاً تعرك طباعهم وتجعل من كل تجربة عوناً لهم لتجاوز أنفسهم، فلا تكون مجرد وسيلة إضافية للصراع من أجل البقاء.
إن للمَثَل قيمة تربوية كبرى، وعلى القادة أن يضربوا بأنفسهم مثل حياة لا صدع فيها وهبوها للقضية. تستند ترقية الجندي على شجاعته وكفاءاته وروح فدائه. فمن لا يوفر هذه الشروط ملياً لا يمكنه استلام المسؤوليات، لأنه سوف يتسبب، إن عاجلاً أو آجلاً، بطوارىء مؤسفة.
ما إن يقترب أحد المغاوير من بيت، إلاَّ ويقع سلوكه تحت المراقبة: فبحسب طريقته في طلب خدمة ما، أو تموين، وبحسب الأساليب التي يستخدمها للحصول عليهما، يستخلص الأهلون عن تشكيلة الغوار استنتاجاتهم، مؤاتية أو مجافية لها.
يقتضي الحذر إذاً أن يشرح القائد هذه المسائل بالتفصيل، ويوليها الأهمية التي تستأهلها. ينبغي أن يقنع الرجال أيضاً بمثاله الخاص. وإذا اتفق الدخول إلى قرية، يجب منع المشاريب الغولية مسبقاً، وتحضيض الفرقة، وإعطاؤها مثالاً ممكناً من الضباطة، ومراقبة دخول الرجال إلى القرية وخروجهم منها باستمرار.
لا بد أن تتعرض تشكيلة الغوار لمحنة التطويق لمعرفة تنظيمها وقيمتها القتالية وبطولتها وروحها، لأن التطويق أخطر وضع في الحرب. كان مغاورونا أثناء الحرب يطلقون في لغتهم "سُحْنة الحصار" على الوجه القانط لدى بعض الجنود المذعورين. كان زعماء العهد المباد يدعون حملاتهم بفخار "تطويقاً" و"إبادة". أما بالنسبة لتشكيلة غوارية خبيرة بأرضها، مرتبطة فكرياً وعضوياً بقائدها، فليست هذه مسألة عظيمة الخطر. يكفي عندها التحصُّن، ومحاولة اجتناب تقدم العدو الذي تدعمه الأسلحة الثقيلة، وانتظار الليل، حليف المغاور الطبيعي. وعند الغسق، في أشد تكتم ممكن، وبعد التعرف إلى أفضل الدروب واختياره، تتخذ أكثر وسائل الانسحاب ملاءمة، مع التزام أطبق الصمت. ويصعب للغاية في هذه الظروف الحؤول بين جماعة من الرجال وبين الإفلات من الطوق ليلاً.





4 – القتال
القتال أهم عمل في حياة الغوار. ليس القتال إلاّ فصلاً عابراً في تطور النضال، لكن هذه اللقاءات تتخذ بلا ريب أهمية خارقة، لأن كل اشتباك هو معركة أساسية بالنسبة للمقاتلين.
ذكرنا آنفاً أن الهجوم يجب أن يتم مع ضمان تام لنجاحه. علينا أن نشرح الخطوط العريضة للصيالة الواجب اتباعها، ولعمل الهجوم ذاته، مع الموائز المختلفة التي يمكن أن تتبادر في كل عملية. سوف نصف النضال في الأرض المؤاتية في المقام الأول، لأنه المثال النَمَطي[46] في حرب الغوار، ولأنه ينبغي أن تستخدم فيه مبادىء سابقة لاكتساب التجربة العملية، بغية حل بعض المسائل. (أما حرب السهل فهي دائماً نتيجة تقدم الغوَّرات بفضل اشتداد بأسها وبفضل الظروف الخاصة بالبيئة، وهذا يعني أنه أصبح لدى المغاوير تجربة غنية يمكنهم أن يفيدوا منها).
تتوغل الأرتال المعادية عميقاً في الأرض الثائرة، خلال الطور الأول من الحرب. وتبعاً لقوى هذه الأرتال، يمارس نمطان من الهجوم. يؤدي النمط الأول بصورة منهجية وعلى مدى بضعة شهور، إلى إفقاد هذه الأرتال كفاءتها الهجومية. إنه يسبق النمط الآخر زمنياً يسدد هذا الهجوم على المقدمات: فالأراضي المجافية تمنع الأرتال من التقدم مع تغطية كافية على جناحيها. لذا وجب أن تكون لها دوماً مقدمة هي التي تدخل أولاً، فتعرض حياة رجالها لتضمن بذلك سلامة بقية الرتل. فعندما لا يكون عدد المغاوير كافياً، ولا يمكن التعويل على احتياطات، ويكون العدو بالإضافة إلى ذلك قوياً، ينبغي استهداف إبادة هذا الرأس المتقدم دوماً. جملة هذا العمل بسيطة، ولا تتطلب إلاَّ قدراً من التنسيق. عندما يَذُرُّ[47] رأس المقدمة في المكان المقرر – وهو المكان الأكثر حُزونة[48] - يُسمح لقسم من المقدمة بولوج الطريق ويُصْلى ناراً فتّاكة. هذا بينما تستوقف جماعة صغيرة بقية الرتل هنيهة بحيث يُستطاع وضع اليد على الأسلحة والذخائر والتجهيزات. ينبغي أن تحضر لذهن المغاور دوماً فكرة أن منبع تموينه بالسلاح هو العدو. يجب عدم خوض المعركة إلاّ لِغَنم العتاد، عدا حالات الاستثناء.
يجري تطويق الرتل تماماً عندما تسمح قوى تشكيلة الغوار بذلك، أو يخلق هذا الانطباع على الأقل. وفي هذه الحالة الأخيرة ينبغي أن تكون مقدمة تشكيلة الغوار قوية ومتحصنة بقدر كاف لمقاومة هجمات العدو الجبهية. وعندما يتم إيقاف العدو، تَنْتََل[49] قوى المؤخرة لمهاجمة العدو من خلفه. ولما كان المكان قد اختير سلفاً بحيث لا يستطيع العدو التصرف بجناحيه، يسهل إرباض قناصين يبقون على الرتل كله في منطقة النار، ولو بلغ ثمانية إلى عشرة أضعاف عددهم. فيجب في هذه الحالة، وبفرض كفاية القوى، نصب كمائن تراقب كافة الدروب، لوقف النجدات. يُشد الطوق تدريجاً، وخاصة في الليل. ولما كان المغاور خبيراً بالمكان والعدو جاهلاً به، فإن الليل يدع قوة المغاور تزداد، ومثلها رعب العدو.
يمكن بهذه الطريقة وعلى جانب من السهولة، إبادة رتل أو تكبيده الخسائر بحيث يلزمه زمن طويل قبل أن يعاد تأليبه.
وعندما تكون قوى الغوارة ضئيلة ويراد مع ذلك تأخير تقدّم الرتل العدو أو صدّه، توزع قوى الغوارة إلى زمر قوامها اثنين إلى عشرة رماة، في الجهات الأربع، حول الرتل. يمكن الشروع مثلاً بالقتال على الميمنة. وعندما يوجه العدو عمله إلى هذا الجناح ويهجم منه، يبدأ الرمي على الميسرة، ثم في المؤخرة أو المقدمة، وهكذا. يمكن على هذا النحو جعل العدو في حالة إنذار دائمة، باستعمال ذخيرة قليلة جداً.
ينبغي أن تُكيَّف مِهانة الهجوم على قافلة أو على موضع للعدو، بظروف الأرض المختارة. وينبغي العمل بعامة، بحيث يتم أول اقتحام لأحد المواضع، في الليل، فجأة، مستهدفاً أحد المراكز الأمامية. يمكن لهجوم مفاجىء يشنه مغاوير متمرسون أن يصفي أحد المواضع بسهولة، مع احتساب التفوق الحاصل بتأثير الفجاء. ومن أجل القيام بتطويق منظَّم، يمكن مراقبة مناطق الهروب بقلة من الرجال، وحماية مسالك القدوم بكمائن تنصب بحيث أن العدو إذا مر عن أحدها، استطاع المغاوير الأنكفاء وبقي هناك كمين ثانٍ. وعندما لا يؤثر عنصر المفاجأة، يتوقف الظفر أو الهزيمة، وقت احتلال المعسكر، على كفاءة قوى التطويق في إيقاف وصول النجدات. يتوفر للعدو، عامة في هذه الحالة، دعم المدفعية ومدفعية الهاون والطيران والدبابات. الدبابة سلاح قليل الخطر في الأرض المؤاتية للغوارة: عليها أن تمر في دروب ضيقة يسهل أن تقع فيها فريسة الألغام. ثم أن كفاءة الدبابات الهجومية تفقد ههنا من قيمتها ما دامت تضطر أن تسير رتلاً أحادياً أو على الأكثر ثنائياً. اللغم هو أفضل الأسلحة وآمنها ضد الدبابات. أما في الالتحامات التي يسهل تحقيقها في الأراضي الوعرة، فيغدو "كوكتيل مولوتوف" سلاحاً ذا فعالية خارقة. ولا نتكلم عن البازوكة التي تكون سلاحاً دفاعياً جدياً لقوى الغوار، إلاَّ أنه يصعب توفيره، في بداية النضال على الأقل. أما مدفع الهاون، فيمكن اللجوء ضده إلى الخندق المسقوف. والهاون سلاح عظيم الفعالية ضد موضع مطوق، غير أن قدرته تنقص بالمقابل، إزاء مهاجمين جائلين. ليس للمدفعية دور كبير في هذا النوع من الصراع لأنه ينبغي نصبها في مواضع سهلة المنال، وهي عاجزة ضد أهداف جائلة. الطيران هو السلاح الرئيسي لقوى الاضطهاد، إلاّ أن فعاليته تتضاءل كثيراً بقدر ما تغدو أهدافه الوحيدة هي خنادق صغيرة لا ترى. سوف يرمي الطيران قنابل شديدة البأس، يكون صوتها أعظم من أذاها. ثم إنه كلما ازداد الاقتراب من خطوط دفاع العدو، كلما عسر على طيرانه مهاجمة هذه النقاط.
اللغم المسيَّر عن بعد هو أكثر أنماط الألغام فعالية، إلاَّ أنه يتطلب معلومات مِهانية لا تتوفر دائماً. غير أن الألغام ذات الضغط، وذات الفتيل، وخاصة الألغام الكهربائية، بالغة الفائدة أيضاً، وتؤلف بالنسبة للقوى الشعبية، على الدروب الجبلية، وسائل دفاع تكاد لا ترام.
الخندق المائل، المنشأ على عرض الطريق، بحيث تَلِجه الدبابة بسهولة، ولكنها لا تستطيع الخروج منه إلاَّ بصعوبة، هو وسيلة دفاع حسنة ضد المركبات المدرعة. يمكن تمويه هذه الخنادق بسهولة إبان تقدم العدو ليلاً، أو عندما تحول مقاومة الغوارة دون إرسال العدو مشاته أمام المدرعات.
الشاحنة هي وسيلة نهجية أخرى يتقدم بها العدو في الأرض السالكة. وتسبق بعض المركبات المدرعة أرتال شاحنات العدو. تستطيع تشكيلة الغوار، تبعاً لقوتها، إما تطويق الرتل بأكمله، أو الفتك به بمهاجمة بعض الشاحنات مع تفجير الألغام في آن. ينبغي العمل بسرعة في هذه الحالة، وغنم أسلحة الأعداء الصرعى، والانسحاب. وإذا سنحت الظروف، يمكن محاولة التطويق الشامل الذي شرحنا قواعده العامة آنفاً.
بارودة الصيد هي سلاح عظيم الفعالية لمهاجمة الشاحنات المكشوفة. فيمكن لخردق بارودة ذات عيار 16 أن يغطي حقلاً قدره عشرة أمتار، أي بمدى طول الشاحنة كلها، فيقتل بعض ركابها، ويجرح غيرهم، ويحدث اضطراباً شديداً. وإذا ما توافرت بعض الرمَّانات، تكون أسلحة ممتازة في هذه المناسبة

 

 


   

رد مع اقتباس