الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:36 AM

  رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 



4 – الحرب في الأرض المؤاتية
قلنا في ما سبق إن نضال الغوار لن يجري دائماً في الأرض الأكثر مؤاتاة لتطبيق صيالة الغوار. إلاَّ أن الصيالة العامة يجب أن تكون هي هي دائماً، قائمة على المسلّمات الأساسية لحرب الغوار، عندما يوجد الفريق المغاور في مناطق صعبة المسالك، كالجبال الشجِرة أو الوعرة، أو القفار الممتنعة على السير، أو المرازغ[30].
النقطة المهمة هي: كيف العثور على التماس بالعدو؟ كيف الأشتباك به؟ فإذا كانت المنطقة متاهة للجيش النظامي مناوئة له لدرجة أنه لا يستطيع دخولها ينبغي أن تتقدم الغوّارة حتى المناطق السالكة بالنسبة للجيش النظامي، حيث يمكن القتال.
ومتى انقضى الطور الأول، ومذ أن تؤمن الغوارة أودها، عليها أن تقاتل. عليها لهذه الغاية أن تخرج باستمرار من ملجئها، لكن ليس لزاماً أن تكون عظيمة الجؤول كما في الأرض غير المؤاتية لها. يجب أن تتكيف بظروف العدو، لكنها لا تحتاج أن تتنقل كما في الأراضي التي يستطيع العدو أن يحشد فيها سريعاً عدداً كبيراً من جنوده. ولا يتحتم أن تكون العمليات ليلية. وفي حالات كثيرة، يمكن القيام بالعمليات نهاراً، ولا سيما التنقل. يتعلق كل ذلك طبعاً بيقظة العدو، براً وجواً. ويمكن أن يطول أمد القتال، ولا سيما في الجبل. ويمكن القيام بقتالات طويلة الأمد بعناصر ضئيلة، ويُرجَّح جداً أن يُستطاع منع وصول نجدات العدو إلى ميدان العمليات.
إن مراقبة المسالك هي قاعدة لا يجوز أن ينساها المغاور أبداً. إلاَّ أن مصاعب العدو في تلقي النجدات هي بالذات ما يزيد من هجومية المغاور، إذ يستطيع أن يدنو من العدو أكثر، وأن يهاجمه بمزيد من المباشرة، وأن يقاتله جبهياً ولأمد أطول. يتعلق كل ذلك طبعاً بظروف شتَى، بكمية الذخيرة مثلاً.
وعلى الرغم مما للحرب في الأرض المؤاتية، ولا سيما في الجبل، من حسنات عديدة، ثمة محذور يعتريها هو كونها لا تسمح بالاستيلاء بعملية واحدة على كمية كبيرة من السلاح والذخيرة، لأن العدو يتخذ احتياطات في مثل هذه البقاع (ينبغي ألاَّ ينسى المغاور أبداً أن العدو هو مصدر تموينه بالسلاح والذخيرة). وبالمقابل، فإن الغوارة تستطيع أن تستقر في هذه الأرض وتتحضر بسرعة أكبر منها في الأرض غير المؤاتية، لتنشىء مأرِزاً مركزياً قادراً على الاضطلاع بحرب التحاصن. إنها تستطيع أن تقيم في هذه الأرض المنشآت الصغيرة التي تحتاج إليها، وأن تحميها بالشكل الملائم من أذى الطيران والمدفعية بعيدة المدى، كالمشافي ومراكز التعليم أو التدريب، بالإضافة إلى المخازن ووسائل النشر... إلخ.
وتستطيع الغوارة في هذه الظروف أن تزيد من قوامها وتستطيع أن تضم رجالاً لا يقاتلون، وحتى أن تسدي التدريب للذين سوف يستلمون السلاح الذي سوف يقع بين أيديها في المستقبل.
يتبع عدد الرجال في الغوارة الواحدة لمقاييس مرنة، وفقاً للمكان، وسهولة التموين، وفرار الناس المضطهَدين جماهيرياً من المناطق المجاورة، وتوفر السلاح، وحاجات المنظمة ذاتها. ورفد المقاتلين الجدد هو بكل حال مما يسهل كثيراً عملية التحضر.
يمكن أن يتسع قطر نشاط غوارة من هذا النمط بقدر ما تسمح بذلك عمليات الغوارات الأخرى في المناطق المجاورة. غير أن هذا القطر يحد منه الزمن اللازم للذهاب من مكان عملية إلى منطقة آمنة. فإذا حسبنا أن المسير لا يجوز إلاَّ ليلاً، لن تستطيع الغوارة أن تقوم بعملية على أبعد من خمس أو ست ساعات من نقطة أمانها الأدنى. وتستطيع زمر صغيرة من المغاوير أن تنتشر طبعاً، منطلقة من منطقة الأمان هذه، وتستشري تدريجياً في المنطقة المجاورة.
إن الأسلحة ذات المدى البعيد والاستهلاك القليل من الذخيرة هي المنصوح بها لهذا النمط من الحرب. وتدعم بمجموعة من الأسلحة ذاتية الحركة أو نصف ذاتية الحركة. ومن جملة البنادق والرشيشات المتوفرة في السوق الأمريكية الشمالية، تجدر التوصية بصورة خاصة بالبندقية م – 1 السماة "غاراند"، التي ينبغي أن يستعملها أناس على جانب من الخبرة، إذ من محاذيرها أنها تستهلك كثيراً من الذخيرة. ويمكن في الأرض المؤاتية استخدام أسلحة نصف ثقيلة مثل الرشاشات ذات المنصب الثلاثي، التي توفر لسدنتها مجال أمان أكبر. بَيْدَ أنه ينبغي أن تكون دائماً أسلحة للدفاع وليس للهجوم.
والأمثل، من أجل غوارة قوامها خمسة وعشرون رجلاً، هو وجود عشر إلى خمس عشرة بندقية من ذات الطلقة الواحدة، وحوالي عشرة اسلحة ذاتية الحركة، تتدرج من "الغاراند" إلى المسدسات الرشاشة، تدعمها أسلحة ذاتية الحركة خفيفة وسهلة الحمل، مثل الرشيشات "براونينغ" أو الـ"ف. أ. ل." البلجيكية والـ"م. 14" وهما أحدث نمطاً. ومن بين المسدسات الرشاشة، فإن ذات 9 مم هي المفضلة لأنها تسمح بنقل مزيد من الذخيرة. وكلما كان صنعها أبسط كلما زاد النصح بها لسهولة تبديل قطعها في هذه الحالة. وبكل حال، ينبغي أن يكون التسلح مماثلاً لتسلح العدو إذ أن الذخيرة التي يستخدمها هو، هي التي سوف نستخدمها نحن متى وقعت أسلحته في أيدينا. وتهمل على وجه العموم الأسلحة الثقيلة التي يمكن أن يستخدمها العدو فالطيران لا طائل له، لانعدام الرؤية لديه، والدبابات والمدافع لا كبير جدوى منها لصعوبة التوغل التي تعترضها في هذه المناطق.
التموين أمر عظيم الأهمية. فللمناطق الوعرة، على العموم، وبحكم وعورتها محاذير، إذ أن الفلاحين (وبالتالي التموين المباشر بالمنتجات الزراعية واللحم) فيها قليلو العدد. ولاجتناب فترات الضيق المزعج، ينبغي الاحتفاظ بطرق مواصلات مستقرة لإمكان التعويل باستمرار على حد أدنى من الزاد مخزون في أمكنة احتياطية.
وتقل عموماً في منطقة العمليات هذه إمكانات التخريب الواسعة النطاق. فهذه المنطقة، بحكم قلة مسالكها، تقل فيها الأبنية والخطوط الهاتفية وأنابيب المياه التي يمكن إلحاق الأذى بها بالعمل المباشر.
ويكون من المهم للتموين توفر بعض الدواب، وأكثرها ملاءمة هو البغل، نظراً لوعورة الأرض. (و ينبغي توفر مراع تسمح بتغذية مناسبة). يستطيع البغل أن يجتاز أراض غاية في الوعورة، حيث يتعذر المرور لأي دابة أخرى. وفي حالات الصعوبة القصوى ينبغي اللجوء على النقل على ظهور الرجال. يستطيع كل فرد أن ينقل حملاً زنته خمسة وعشرون كيلوغراماً لعدة ساعات في اليوم، ولعدة أيام.
وينبغي أن تتضمن طرق المواصلات مع الخارج سلسلة من المحطات حيث يقوم أناس حائزون الثقة الكاملة، على تخزين البضائع وخبء عمال الارتباط. كما يمكن إنشاء طرق مواصلات داخلية يتعلق اتساعها بدرجة النمو التي بلغتها الغوارة وكنا قد استطعنا في بعض المناطق، حيث أقيمت جبهات عمليات الغوار في كوبا، إنشاء طرق وخطوط هاتفية طولها عدة كيلو مترات. وكان لنا على الدوام جهاز من الرسلاء يغطي المناطق كافة، في أقصر وقت ممكن.
وثمة وسائل ارتباط أخرى لم يستخدمها الغوار في كوبا، مثل إشارات الدخان والمرايا العاكسة للشمس، الحمام الزاجل.
ينبغي أن يعنى المغاوير بصيانة الأسلحة والذخائر، وفوق كل شيء، أن تكون لهم أحذية جيدة. إنها ضرورة حيوية. وهي ما ينبغي أن تستهدفه الجهود الأولى في العمل الحرفي لديهم. لن تكون المعامل في البدء، إلاَّ منشآت لتسكيف الأحذية العتيقة. ومن ثم، إبان تنظيم العمل، يمكن إنشاء عدة ورشات تستطيع إنتاج الأحذية بمعدل يومي حسن. إن صناعة البارود بسيطة نوعاً ما، ويمكن إنتاج الكثير منه إذا وجد معمل صغير وإذا جلبت العدة اللازمة من الخارج. تؤلف الأراضي الملغومة خطراً بالغاً للعدو. فإذا ما انفجرت في آن واحد مساحات كبيرة ملغومة، أمكنها إزهاق مئات الرجال.






5 – الحرب في الأراضي المجافية
ينبغي أن تتوفر كافة الشروط الأساسية لحرب الغوار، من أجل الاحتراب في هذا النوع من الأرض، القليل الوعورة، الخالي من الغابات، وذي طرق المواصلات العديدة. وطرائق الحرب وحدها هي التي سوف تتغير. ينبغي ان يكون الجؤول فائقاً في هذا النمط من الغوار. فالضربة التي تكال، والأفضل في الليل، ينبغي أن تكون غاية في السرعة، شبه صاعقة. وليس على الغوارة أن تنسحب بسرعة فقط، بل أن تبلغ أيضاً مأرِزاً جديداً، غير مأرِز انطلاقها، وأبعد ما يكون عن مكان الاشتباك، متذكرة أنه ليس ثمة ملاذ ينأى عن قوات القمع.
يستطيع الرجل أن يقطع في ليلته بين ثلاثين وخمسين كيلو متراً ولكنه يستطيع أيضاً أن يسير في ساعات النهار الأولى، إلاَّ إذا كانت مناطق العمليات غير تابعة تماماً لحمى الغوارة وإذا كان أهل المحلة يشكلون خطراً باحتمال إفشائهم وضع الفرقة والجهة التي اتجهتها إلى الجيش المعادي. ففي هذه الحال يفضل دائماً العمل ليلاً، في صمت مرين قبل العمل وبعده، ويتم اختبار الهزيع الأول من الليل للقيام بالعمل وهنا أيضاً قد تتكشف الحسابات عن خطأ إذ يمكن وجود حالات تفضل فيها ساعات الفجر. لا يجوز بأية حال تعويد العدو على شكل محدد من الحرب، بل ينبغي تنويع الأمكنة والساعات وطرائق العمل باستمرار.
ذكرنا آنفاً أن العمل لا يمكن أن يكون طويل الأمد، بل سريعاً وبالغ الفعالية يدوم بضع دقائق، ويعقبه الانسحاب فوراً. لا تكون الأسلحة المستعملة في هذه الحالة مثلها في الأرض المؤاتية، ويفضل توفُّر أكبر عدد من الأسلحة ذاتية الحركة: ففي الهجمات الليلية ليست الدقة هي العامل الحاسم، بل تركيز الرمي. فكلما كان رمي الأسلحة ذاتية الحركة أكثب[31]، كلما ازداد احتمال القضاء على العدو.
ثم إن انفجارات الألغام في الطرقات وهدم الجسور هي عوامل رئيسية. تكون الهجمات أقصر وأقل تواتراً، ولكن يمكن أن تكون عنيفة جداً. وتستخدم أسلحة مختلفة مثل الألغام السابق وصفها وبارودة الصيد. بارودة الصيد سلاح فتاك للناقلات المكشوفة المستخدمة لنقل الجنود، أو للناقلات ذات الغشاية التي ليس لها حماية خاصة، كالشاحنات مثلاً. والبارورة ذات الفشك المحشو بالخردق الغليظ[32] فعالة للغاية. ليست سلاحاً خاصاً بالغوار، فهي تستخدم ايضاً في الحروب النهجية، وقد كان للأمريكيين سرايا من المشاة ذات بنادق رفيعة الجودة مجهزة بحراب، لتطهير ملاجىء الرشاشات.
ثمة مسألة هامة هي مسألة الذخيرة. إنها تغنم من العدو دائماً تقريباً. لا ينبغي كيل الضربات إلاَّ حيث يتم التأكد تماماً من إمكان تعويض الذخيرة المستعملة، إلا إذا توفرت مخزونات كبيرة مخبوءة في حرز أمين. بعبارة اخرى، لا يسوغ شن هجوم على جماعة من الرجال إذا كلف ذلك كل الذخيرة المتوفرة، دون إمكان تعويضها. ينبغي دائماً، في صيالة الغوار، أن يحسب الحساب للمسألة الخطيرة التي يشكلها التموين بالعتاد الحربي، وهو الجوهري لمتابعة النضال. ينبغي إذاً أن تكون الأسلحة مماثلة لأسلحة العدو، باستثناء المسدسات والبنادق التي يمكن الحصول على ذخيرتها في المدينة أو في منطقة الغوار ذاتها.
يجب ألا يتجاوز قوام غوارة من هذا النوع عشرة او خمسة عشرة رجلاً. ويكون في غاية الأهمية أن يؤخذ بالحسبان دوماً تحديد قوام الوحدة المقاتلة: فيمكن لعشرة أو أثني عشر أو خمسة عشر رجلاً أن يختبئوا في أي مكان، وهم يكافحون العدو بمقاومة فعالة متعاونين فيما بينهم. وربما كان أربعة أو خمسة غير كافين. أما إذا تجوز العدد العشرة، يتفاقم كثيراً إمكان تحديد موضعهم من جانب العدو إبان السير أو في مأرِزهم.
تذكروا أن سرعة الغوارة إبان السير تساوي سرعة أبطأ رجالها. ويصعب إيجاد وهَّازة سير واحدة لدى عشرين أو ثلاثين او أربعين رجلاً، أكثر منه لدى عشرة. وينبغي أن يكون مغاور السهل إطلاقاً، عدَّاءً سريعاً، فينبغي أن تتجلى في السهل ممارسة مبدأ "إضرب واهرب" بأكمل تعبير لها. ولغوارات السهل محذور بالغ هو إمكان تطويقها بسرعة، وافتقارها لحروز أمينة تستطيع أن تبدي منها مقاومة فعالة. فعليها بسبب ذلك أن تعيش في خفاء مطلق إبان جزء كبير من الطور الابتدائي، فلا تستطيع أن تثق بأي جار لم تختبر أمانته اختباراً تاماً. إن أعمال قمع العدو تبلغ على العموم مبلغاً من العنف والوحشية، وتصيب ليس رب الأسرة فقط، بل النساء والأطفال في أحياء كثيرة بحيث يمكن أن تحدو بهم إلى "التخاذل" وإعطاء المعلومات عن مكان وجود الغوارة وطرائق عملها، مما يسبب تطويقاً ذا نتائج مزعجة دوماً وإن لم تكن مميتة بالضرورة بالنسبة للغوارة. وينبغي أن تنشط الغوارة متى سمح التموين بالسلاح أو حالة الشعب الثورية بزيادة عدد الرجال. وتستطيع الغوارات المختلفة، إذا لزم الأمر، أن تجمتع في وقت ما لكيل ضربة هامة، لكن بحيث تعود لتوّها تنقسم إلى جماعات صغيرة من عشرة إلى خمسة عشر رجلاً تتبعثر باتجاه مناطقها المعتادة.
يمكن تنظيم جيوش حقيقية، ذات قيادة واحدة تحوز الاحترام والطاعة، دون الاضطرار إلى البقاء في جماعة واحدة. وهذا ما يولي أهمية عظمى لانتخاب قائد الغوارة، إذ ينبغي التأكد من أن هذا القائد سيكون مسؤولاً كلياً من الناحية الفكرية والشخصية، أمام أعلى قائد في المنطقة.
البازوكة هي أحد الأسلحة التي يمكن استخدمها في الغوار. إنها سلاح ثقيل، عظيم الفائدة نظراً لسهولة نقله واستعماله. ويمكن أن يستعاض عنه إذا اقتضى الأمر، بالرمانة ضد الدرع. البازوكة طبعاً سلاح يغنم من العدو: إنه سلاح أمثل للرمي على الناقلات المدرعة، والناقلات غير المدرعة المحملة بالجنود وللاستيلاء بسرعة على مراكز عسكرية صغيرة ذات حاميات قليلة. لكنه ينبغي التنويه بأنه يتعذر لرجل واحد أن يحمل أكثر من ثلاث صِمامات، إذ تشكل هذه لوحدها مجهوداً بالغاً.
وفي ما يتعلق بالأسحلة الثقيلة التي تغنم من العدو، ينبغي الاجتهاد لعدم إضاعة أي منها. بَيْدَ أن بعض هذه الأسلحة، مثل الرشاش المنصوب والرشاش من عيار 50، يمكن إذا ما غنمت، استخدامها بشيء من عدم الاكتراث لخسارتها: فلن نقاتل في ظروف مجافية لنا، ذوداً عن رشاش ثقيل أو سلاح من هذا القبيل، بل سيستخدم بكل بساطة حتى اللحظة التي يتحتم فيها تركه في موضع ما. كان التخلي عن سلاح في حربنا التحررية يشكل جنحة خطيرة ولم يصدف قط أن قُبل العذر الذي نوهنا عنه. غير أننا نلحظ ذلك، مؤكدين على هذه الحالة الفريدة التي لا يكون فيها التخلي عن السلاح مدعاة للنقد. إن سلاح المغاور في الأرض المجافية، هو سرعة رميه.
إذا كانت منطقة ما سهلة المسلك، فهي على العموم مأهولة وتصادف فيها كثافة فلاحية كثيرة. يتأتى هذا الواقع بشكل ملموس مع إمكانات التموين. فبتوفر أناس موثوقين، ذوي صلات مع مراكز توزيع المؤن، تستطيع الغوارة أن تقوم بأودها، دون تخصيص الوقت والمال لإقامة خطوط التموين الطويلة المحفوفة بالخطر. ويحسن بالمرء التذكر أنه كلما كان عدد الرجال صغيراً كلما تأمن الغذاء بسهولة. والمؤن الجوهرية، مثل شِباك النوم والبطانيات والأقمشة الكتيمة للماء والكلِل[33] والأحذية والأدوية والغذاء، متوفرة في المنطقة مباشرة ما دامت هي حاجات شائعة الاستعمال لدى السكان.
وتضحى الموصلات أسهل كثيراً إذ يمكن الاعتماد على عدد أكبر من الرجال ومن خطوط الموصلات، إلا أن الأمان الضروري لنقل الرسائل إلى نقطة بعيدة يتضاءل، إذ يلزم هذه الحالة عدد من عمال الارتباط يقتضى الوثوق بهم. ويبقى احتمال القبض على أحد هؤلاء الرسلاء الذين يجوبون المناطق العدوة باستمرار، خطراً دائماً. فإذا لم تكن الرسائل غاية في الأهمية، يفضل استخدام الصيغة الشفهية. أما إذا كانت بالغة الأهمية، فينبغي كتابتها بالرمز. وقد أثبتت التجربة أن النقل الشفهي من فم إلى أُذُن يشوه كل مخابرة تشويهاً تاماً.
ولهذه الأسباب ذاتها تفقد الصناعات من أهميتها. ولن يستطاع إنشاء معامل للأحذية أو السلاح. ويجب الاقتصار عملياً على ورشات صغيرة حسنة التمويه، حيث يمكن إعادة حشو فشك البنادق، وصنع نمط ما من الألغام وقطع من السلاح وكل ما يحتاج إليه في الحال. وبالمقابل، يمكن الاعتماد للقيام بالأعمال الضرورية، على كل الورشات الصديقة في المنطقة.
نصل إلى النتيجتين اللتين تنتجان منطقياً مما أسلفنا. النتجية الأولى هي أنه، في إطار حرب الغوار، تتناسب شروط التحضُّر عكساً مع درجة تطور المنطقة المعنية. فالمرافق تدفع الإنسان إلى التحضر، ولكن العكس هو الذي يحدث بصدد الغوار: فكلما لاقى المغاور رفاهاً أكبر أصبحت حياته أقل ثباتاً وأكبر بداوة. إن عنوان هذا الفصل هو بالضبط "الحرب في الأرض المجافية" لأن كل ما هو لحياة الإنسان وما ينتج عنه من مواصلات، ومراكز مدينة، أو نصف مدنية، وتجمعات السكان الكبرى، والأراضي التي يسهل شغلها بالآلة، كل ذلك مما يجافي وضع المغاور.
والنتجية الثانية: إذاكان الغوار يستلزم بالضرورة عملاً جماهيرياً هاماً، فإن هذا العمل يزداد أهمية في المناطق المجافية، حيث يمكن لهجوم واحد من العدو أن يسبب نكبة. ينبغي ههنا أن تكون الدعاية مستمرة لتحقيق وحدة العمال والفلاحين وسائر الطبقات الاجتماعية في المنطقة، للتوصل إلى جبهة داخلية متجانسة تماماً ومتفقة مع المغاوير. والنظر إلى هذا العمل الجماهيري الدائب بصفته العامة كعلاقات بين الغوارة وبين سكان المنطقة، لا يجيز نسيان الفردية لعدو مكابر ينبغي إزالته بلا ندم إذا ما شكَّل خطراً. وينبغي أن تكون الغوارة صارمة بهدا الصدد. فلا يمكن بقاء أعداء داخل منطقة العمليات، في أماكن غير أمنية.






6 – الحرب في المناطق المدنية
إذا ما صار الأمر في مرحلة معينة من حرب الغوار، إلى مهاجمة المدن، بعد التوغل في الريف المجاور على نحو يتيح إنشاء الغوارات فيه بشيء من الأمان، يلزم عندئذ تزويدها بتنظيم خاص.
ينبغي التنويه بأن الغواراة لا يمكن أن تنشأ عفوياً في منطقة مدنية. لن تقوم إلا بعد أن تنشأ بعض الشروط الضرورية لوجودها. يشير هذا الواقع من ذاته إلى أن الغوارة في ضاحية المدينة توضع مباشرة تحت إمرة قادة موجودين في منطقة أخرى. على أن وظيفتها لن تكون القيام بمعمل مستقل، بل على العكس، تقع في نطاق مخططات ريادية محددة سلفاً. وستكون وظيفتها هي ردف عمل جماعات أكثر أهمية في منطقة أخرى، والإسهام في نجاح فكرة صيالية معينة، دون أن تبلغ اتساع عمليات الغوارات غير المدنية. لن تستطيع غوارة في منطقة مدنية أن تختار بين تخريب المواصلات أو القيام بالاغتيالات أو مداهمة دورية جنود على طريق نائية، بل سوف تقوم بما يطلب منها بالضبط، فإذا كان دورها هو قطع الأعمدة، أو الأسلاك الكهربائية، أو الخطوط الحديدية أو أنابيب المياه، فعليها الاقتصار على تنفيذ هذه المهمات بدقة.
ينبغي ألاّ يتجاوز قوامها أربعة أو خمسة رجال. إن هذا التحديد هام لأنه ينبغي اعتبار الغوارة في ضاحية المدينة قائمة في أرضٍ تبلغ مبلغاً استثنائياً من المجافاة لها. فالعدو هنا بالغ اليقظة. وتزداد إمكانات التنكيل والوشاية إلى حد عظيم. وثمة ظرف مشدَّد لصعوبتها، إذ لا ينبغي نسيان أن الغوارة في ضاحية المدينة لا تستطيع الابتعاد عن مواضع عملياتها. فإلى سرعة عملها وتنقلها ينبغي أن يضاف الابتعاد الضئيل نسبياً عن مكان العمل. فهي غوارة ليلية بالدرجة الأولى. ولن تستطيع تعديل عملها ما لم يسمح تقدم الثورة بمحاضرة المدينة واشتراك الغوارة في الحصار كمقاتلة عاملة.
ينبغي أن تكون الصفات الجوهرية لدى هذا المغاور: مزيداً من الضباطة عما لدى المغاوير الآخرين إذا كان ذلك ممكناً بعد، والكتمان. ولن يستطيع التعويل إلاَّ على بيتين أو ثلاثة بيوت صديقة لإيوائه. إنه على مثل اليقين من أن التطويق في هذه الظروف يعدل الموت. ولن يكون السلاح مثله لدى الزمر الأخرى. سوف تكون أسلحة دفاعية فردية يمكن إخفاؤها ولا تعميق هروباً سريعاً. لن يكون لدى الزمرة إلا بندقية واحدة أو اثنتين في الحد الأقصى (أو بنادق مقصورة القناة)، ولدى أعضاء الزمرة مسدسات.
لن تتم أية محاولة هجوم إلاَّ فُجاءً، ضد فرد أو اثنين من جيش المعادي، أو ضد دائرة استخبارات. وسوف يركز العمل على التخريب المنظم.
ويسلتزم التخريب عتاداً هاماً: مناشير، ديناميت، معاول ورفوشاً وأدوات لرفع السكك، وأخيراً، تجهيزاً آلياً مناسباً للمهمات المطلوبة، مخبوءاً في حرز أمين، إلا أنه في متناول اليد عند الحاجة.
وإذا وجدت أكثر من زمرة واحدة، فسوف ترتبط جميعاً بقائد واحد، يوجه كل المهمات الضرورية بواسطة عمال ارتباط مدنيين موثوقين كل الثقة. يستطيع المغاور في بعض الحالات أن يحافظ على العمل الذي كان يزاوله زمن السلم، ولكنه أمر عسير جداً. سوف تكون الحرب في ضواحي المدن عملياً واقع فريق من الرجال قد لزموا الاختفاء، منظمين مثل الجيش، وموجودين في الظروف المجافية لهم كما وصفناها.
لقد أبخس النضال في المنطقة المدنية قدره كثيراً، إلاَّ أنه في غاية الأهمية. إن عملاً جيداً واسع النطاق يشل الحياة التجارية والصناعية في القطاع شلاً شبه تام ويضع السكان كافة في وضع من عدم الاطمئنان والقنوط والقلق بحيث يتمنون حوادث عنيفة للخروج من هذا الإنتظار. فإذا ما جرى التفكير بالمستقبل منذ ابتداء الحرب، وتم تكوين اختصاصيين لهذا النمط من القتال، فسوف يتم ضمان عمل أكثر سرعة بكثير، وبالتالي اقتصاد ثمين للأمة في الأرواح والزمن

 

 


   

رد مع اقتباس