عرض مشاركة واحدة

قديم 08-05-09, 08:09 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 


4. الإعداد الاقتصادي للحرب

من البدهي أن النصر لا يمكن تحقيقه بمحض الصدفة، وبخاصة في العصر الحديث، وإن من الخطورة ترك الأمور التي تمس كيان الدولة ومستقبلها إلى القدر أو الحظ، ولا بد بالتالي من أن يتم بناء كل ما يتعلق بالدفاع وحماية الدولة على أسس علمية، وأن تخصص له الإمكانات اللازمة، وأن يبذل في سبيله أقصى ما يمكن من جهود.

وإذا كان الهدف من إعداد الدولة للحرب هو تحقيق أمن الدولة وسلامتها، وقدرتها على صد العدوان، وعلى توجيه الضربات الرادعة إلى العدو، وتهيئة الظروف والعوامل للحصول على المبادأة الاستراتيجية للدولة والاحتفاظ بها إذا كان الهدف كذلك فإن إعداد الدولة اقتصادياً للحرب يأتي في مقدمة الأولويات في برنامج الدولة الخاص بالإعداد للحرب، ذلك أن الاقتصاد هو القاعدة الأساسية التي يبني عليها الدفاع وخططه، وتقوم عليها القوات المسلحة، وهو المصدر الذي يغذي أجهزة الدفاع جميعاً بنسغ الحياة وبوسائل العيش والعمل.

وليست عملية إعداد الدولة اقتصادياً للحرب عملية محددة أو محدودة، تتم وتنتهي في وقت محدد، ثم تتوقف، بل هي عملية مستمرة ودائمة بقدر ما هي عملية الدفاع عن الدولة مستمرة ودائمة. وتتصف عملية الإعداد الاقتصادي للحرب بأنها معقدة وشائكة، لأنها تدخل ضمن إطار شبكة واسعة ومعقدة من عمليات تأمين الدفاع عن الدولة، تلك العمليات التي تشترك فيها جميع أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع.

وتتوقف طبيعة الإعداد الاقتصادي للحرب على طبيعة الصراع المسلح المتوقع، وعلى دروس الحروب والتجارب الماضية. ومثل ما يأخذ المخططون الاستراتيجيون العسكريون الظروف والعوامل الدولية بعين الاعتبار حينما يرسمون خططهم، يأخذ المخططون الاقتصاديون هذه الظروف والعوامل من وجهة النظر الاقتصادية بعين الاعتبار عندما يضعون خططهم الاقتصادية لإعداد الدولة للحرب.


أ. أهمية الإعداد الاقتصادي للحرب:

إن الإعداد الاقتصادي للحرب ليس بالأمر السهل ولا العشوائي الذي يمكن معالجته في حينه، ولا بالأمر الذي يستطيع جهاز واحد من أجهزة الدولة أن يحققه، ولا هو بالأمر الذي يتخطى الزمن والظروف قفزاً عليها وهروباً من مواجهتها، وإنما هو عمل علمي دقيق، يقوم على معطيات وإحصاءات علمية دقيقة، ويستند إلى تنبؤات وتصورات أساسها الواقع والاحتمال القادم، وهو يتعلق بالدولة كلها والشعب كله والقوات المسلحة كلها، بمثل ما ترتبط هذه الكيانات كلها به؛ ومن هنا تأتي خطورة الإعداد الاقتصادي للحرب، ومن هنا تأتي أهميته وأثره وتأثيره.

وإذا كانت هناك شؤون في الدولة تديرها وتعمل فيها ولها أجهزة متخصصة، فيها الكفاءة والكفاية، فإن الإعداد الاقتصادي للحرب شأن معقد، متشابك الأطراف، متعدد المستويات، متنوع النسيج، ولا تستطيع جهة اقتصادية واحدة في الدولة أن تتولى كفاية القوات المسلحة والشعب بحاجاتها ومتطلباتها، وإنما الأمر يتعلق بمجموعة هرمية كبيرة ذات مستويات كثيرة ومتنوعة، قاعدتها كبيرة تمتد إلى أرض الوطن كله، وتصغر حلقاتها وتضيق حتى تبلغ القيادة الاستراتيجية العليا في قمة الهرم، وفي كل حلقة أو طبقة في الهرم نجد مجموعة متخصصة من الأجهزة الاقتصادية مختلطة مع مجموعة من أجهزة الدولة المختلفة، والتنظيمات الشعبية، وجميعها تعمل في تنسيق وتناسق، كالجوقة الموسيقية تعزف لحناً واحدًا، يتألف في الأصل من أنغام تنبعث من مختلف الآلات الموسيقية، وهكذا يتألف المجهود الاقتصادي للدولة والمجتمع من تآلف هذه العناصر التي ذكرناها، ليصب في تيار المجهود الحربي، فيرفده بالعون والنسغ، بمثل ما يوفّر للشعب والمجتمع حاجاتهما الحيوية.


ب . الحرب الحديثة والإعداد الاقتصادي:

من صفات الحرب الحديثة أن مجرياتها ووقائعها وآثارها لا تقتصر على القوات المسلحة ومسرح العمليات فحسب، وإنما تمتد إلى جميع أنحاء الوطن، شعباً وأرضًا، جوًا وبحرًا؛ لذلك فإن جميع أجهزة الدولة تكون مشتركة في الحرب بشكل ما من الأشكال، وبنسبة ما من نسب الاشتراك. وعلى هذا، فمن واجب الدولة، بمختلف أجهزتها، أن تعد نفسها وشعبها للحرب، بمثل ما تعدّ القوات المسلحة لأداء واجبها.

ويعني إعداد الدولة اقتصاديًا للحرب إعداد أجهزة الدولة الاقتصادية: التخطيطية، والزراعية، والصناعية، والتجارية، والفنية، والهندسية ... وغيرها، مما له علاقة بالاقتصاد الوطني وبما يضمن استمرار الحياة اليومية والإنتاج والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة والمجتمع وقت الحرب، وبما يضمن استمرار السيطرة والعمل للمؤسسات الإنتاجية والخدمات الاقتصادية لمصلحة القوات المسلحة والشعب في آنٍ واحد، دون توقف أو تأثر كبير، نتيجة الصراع الدائر.ويتطلب الإعداد الاقتصادي للحرب:


1. وجود جهاز تخطيطي أعلى، قادر على التخطيط الاستراتيجي الشامل، يضع الخطط والسياسات الاستراتيجية المتخصصة، ويحدد فيها الأهداف، ووسائل التنفيذ ومراحله، والأجهزة الاقتصادية المكلفة بالتنفيذ، ويُراقب هذا الجهاز التخطيطي تطبيق الخطط والسياسات ويتابعها في مختلف مراحلها.

2. إعداد أجهزة التخطيط الفرعية للعمل في ظروف الحرب، وسرعة التحوّل من طبيعة السلم إلى حالة الحرب.

3. وضع الخطط التفصيلية لتنفيذ كل جهاز اقتصادي ما هو مطلوب منه لمصلحة المجهود الحربي وحاجات الشعب وقت الحرب.

4. قدرة الأجهزة الاقتصادية على التنفيذ، والحركة، والمتابعة، والمراقبة، والسيطرة في ظروف الحرب وطوارئها، وقد يتطلب الأمر أن يُنشئ كل جهاز أو كل مجوعة نوعية من الأجهزة الاقتصاية غرفة عمليات خاصة بها، تستطيع من خلالها القيام بواجبها.

5. وضع الخطط التبادلية لتستطيع الأجهزة الاقتصادية المناورة وحسن التصرّف والادعاء، وتوفير المرونة الكافية لمواجهة أية مطالب مفاجئة، أو مواقف طارئة، وهي كثيرة وقت الحرب.
ومن المؤكد أنه لا يمكن الإعداد السليم لأجهزة الدولة الاقتصادية لتولي مسؤولياتها وأداء واجبها بشكل مناسب، وعلى درجة جيدة من الكفاءة وقت الحرب، ودون خلل أو اضطراب جسيم، قد يؤثر تأثيرًا عميقًا في عمل الدولة والوضع الحربي .

لا يمكن الإعداد السليم إلاّ بالتنبؤ السليم المسبق بطبيعة الصراع المنتظر، واحتمالات تطوره، وحجم حاجاته ومتطلباته، والتخيّل الأقرب للواقع لمداه وتأثيره، ثم وضع الخطط المؤسسة على ذلك كله، مع تحديد المسؤوليات والواجبات لكل جهاز اقتصادي، وأسلوب التعاون بين الأجهزة المختلفة، وارتباط مجموعة الأجهزة الاقتصادية بالقيادة العليا للدولة والدفاع.

وفي جميع الأحول، فإن الأجهزة الاقتصادية لا تسطيع أداء واجباتها كاملة بمفردها، إذا لم تتلق العون المباشر من المحافظين، والمجالس الشعبية، وقيادات المناطق والمواقع العسكرية، والسلطات المحلية الأخرى، ومنظمات الدفاع المدني والدفاع الشعبي وغيرها من المنظمات الشعبية.

وعلى هذا، فإن الإعداد الاقتصادي للحرب، يتطلب تخطيطاً اقتصادياً دقيقاً ومفصلاً، يؤدي تطبيقه إلى توفير القاعدة والعوامل المادية، لكي تؤدي القوات المسلحة، والدولة، والشعب، واجباتها في الدفاع عن الوطن.

5. إعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات الحربية


قبل الخوض في بحث إعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات الحربية، لابد من تعريف مفهوم مسرح العمليات بشكل عام، وتطور هذا المفهوم في الظروف الحديثة.

إن المقصود بمسرح العمليات الحربية هو ذلك الجزء من أراضي الدولة (أو الدول المتحالفة)، مع المياه أو البحار المتاخمة لها، ومجالها الجوي، والذي يمكن أن تدور عليه الأعمال القتالية للتجمعات الاستراتيجية في القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية بهدف بلوغ أهداف الحرب.

وتحدد القيادة العسكرية السياسة العليا للدولة (أو الدول المتحالفة) حدود مسرح العمليات الحربية وقوامه، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل عديدة، أهمها:

الموقف السياسي العسكري. أهداف الحرب. الظروف الطبيعية. العامل الاقتصادي. الوسائل والطرق المحتملة لخوض الأعمال القتالية.

ويتم تحديد حدود مسرح العمليات الحربية، بحيث تشكّل الأجزاء الرئيسة لكل مسرح بنية متكاملة من الناحية السياسية الإدارية والاقتصادية والطبيعية الجغرافية، وعندئذٍ تمر الحدود كقاعدة على امتداد خطوط طبيعية كبيرة كسلاسل الجبال أو البحار، والمضائق مع اعتبار الحدود الدولية أيضاً.

كما يدخل في حدود مسرح العمليات الحربية عادة جزء من أراضي الدول المعادية، وعند تحديد حدود عدة مسارح عمليات يجب أن تتداخل حدود بعضها البعض، وذلك من أجل تأمين التعاون الأفضل، وبخاصة إذا كانت الأعمال القتالية ستدور على حدود دولتين أو عدة دول.

ويجب أن تؤمن سعة مسرح العمليات الحربية إمكانية تأمين انتشار تجميع استراتيجي، يضم عدة تشكيلات عمليات من القوات البرية والجوية والبحرية على هذا المسرح، والتي يمكن ربط أعمالها العسكرية بفكرة استراتيجية واحدة، وخطة واحدة ضمن حدود المسرح المذكور.

وتتحدد سعة مسرح العمليات الحربية على ضوء أهميته السياسية العسكرية والاستراتيجية، والأبعاد العامة للمسرح (الجبهة والعمق)، وموقعه الجغرافي، ومستوى تطور شبكة المطارات، والموانئ، وطرق المواصلات، وكذلك وجود الأغراض العملياتية والاستراتيجية الهامة وعددها.

إن المفاهيم المذكورة آنفاً هي مفاهيم عامة يحتاج تطبيقها إلى دراسة دقيقة للوضع الراهن سياسيًا وعسكريًا مع أخذ الواقع بعين الاعتبار
المصادر والمراجع:
1. العماد الدكتور- مصطفى طلاس، كتاب: "الاستراتيجية السياسية العسكرية"، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار طلاس عام 1991م، سوريا، ص 159 163.
2. اللواء المتقاعد- د. نبيل فؤاد، دراسة "الأبعاد الأمنية العسكرية لإصلاح النظام العربي"، مجلة السياسة الدولية، العدد (155)، 2004م، ص 249 250.
3. العميد الركن المتقاعد- إبراهيم كاخيا، بحث "القدرة العربية الشاملة"، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (78)، سبتمبر 2004م، الرياض، ص 77 78.
4. أحمد صدقي الدجاني، دراسة، "تأملات في الحروب من منظور علم الحرب"، مجلة شؤون عربية، العدد (113)، القاهرة، ص 186 188.
5. اللواء د. عادل سليمان، دراسة، "ماذا جرى في العراق؟"، مجلة السياسة الدولية، العدد (153)، عام 2003م، القاهرة، ص 315 317
6. العميد- هيثم الكيلاني، كتاب: "دراسات في الأمن القومي العربي"، الطبعة الثانية، مركز الدراسات العسكرية (سابقًا)، دمشق 1997م، سوريا، ص 400 401.
7. اللواء الركن الطيار- محمد نصر الخطيب، ""الحروب اللاتماسية"، كتاب: مترجم، الطبعة الأولى، عام 2005م، مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، ص 27 31.
8. اللواء الركن- حسام سويلم، "إسرائيل ونظرية جديدة للحرب"، الطبعة الأولى، عام 1998م، مؤسسة دار الأهرام، القاهرة، ص 142 144.

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس