عرض مشاركة واحدة

قديم 21-08-09, 12:40 PM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

“سي آي إيه” تتجسس على المواطنين الأمريكيين


حرب فيتنام أسهمت، ضمن أسباب أخرى، في نشر جوّ من البارانويا في واشنطن. وهو ما تمثل في توسع أنشطة الاستخبارات الأمريكية وانتهاكها للقانون الذي يُنظّم أعمالها. في الملفات التي حملت اسم “جواهر العائلة”، نقرأ الكثير من الانزلاقات التي وقعتْ فيها الوكالة. ومن بينها يذكر لنا الكاتب، تجسس وكالة الاستخبارات الأمريكية على عشيقة عرّاب المافيا الكوبي، وحليف الاستخبارات الأمريكية، سام جيانكانا، المغنية فيليس ماك غوير Phyllis Mc Guire، المتهمة بخيانتها له.

ولكن الأمر سيفتضح وستقرّ الوكالة بضلوعها في الأمر. وثمة مقال آخر على هذا الاشتغال للوكالة داخل التراب الأمريكي وهو “أنه تحت حكم الرئيس الأمريكي سمح مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون ماك كون باستخدام طائرة حكومية لتنقلات الملياردير اليوناني أرستوت أوناسيس وصاحبته ماريا كالاس، من روما إلى أثينا. ومن دون أن يكون الأمرُ خطيرا في حدّ ذاته، فإن هذه الخصخصة لمصادر وكالة الاستخبارات الأمريكية تكشف عن ذهنية تضعها بشكل واضح فوق القوانين المشتركة”.

ويزداد الأمر ضراوة وخطورة مع حكم الرئيس ليندون جونسون، حيث إنه كان مقتنعا، سنة ،1967 بأن الحركات السلمية الأمريكية تُدار وتُمَوَّن من قِبَل حكومات شيوعية. فطلب من وكالة الاستخبارات الأمريكية أن تقدم له الدليل على هذا. “في مذكرات ريتشارد هيلمس، مدير الوكالة، آنذاك، والتي نُشِرت بعد وفاته، نعرف أنه صارح الرئيس جونسون بتعارض هذه الأنشطة الداخلية للوكالة مع حقل حركاتها واشتغالها. فما كان من الرئيس سوى أن قال “أنا واعٍ بالأمر جيدا. ولكن ما أريده هو أن تقوموا بالتحقيق في هذا الملف وتفعلوا ما يجب من أجل مطاردة هؤلاء الشيوعيين الأجانب المسؤولين عن هذا التدخل في قضايانا الداخلية”.

والنتيجة؟ “قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية بعملية تجسس واسعة حملت اسماً رمزياً هو CHAOS (فوضى)، واستمرت خلال سبع سنوات. وأنشأ هيلمس مجموعة عمليات خاصة طلب من أعضائها أن يتركوا العنان لشعر رؤوسهم وأن يتقنوا لغة الشباب اليساريين وأن يتوجهوا لاختراق المجموعات السلمية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا. يذكر التقرير أن العديد من هؤلاء المرشحين لهذا الأمر عبروا عن احتجاجهم ورأوا أنّ هذه المهمة “مُهينةٌ” بالنسبة لهم ومُثيرة للحَرَج تجاه عائلاتهم. وضعت وكالة الاستخبارات الأمريكية إشارات عن ما يقرب من 300000 اسم من الأمريكيين أو من المجموعات، وفتحت ملفات بخصوص 7200 مواطن، واشتغلت يدا في يد مع أقسام أخرى من الشرطة.

والذي يثير الضحك أن أحد التقارير يشير إلى اعتبار المغني العالمي جون لينون John Lennon من مموّلي مجموعة احتجاجية من النشطاء الذين يودون إثارة الفوضى لدى انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري الأمريكي سنة ،1972 كما أن العديد من الشخصيات “اليسارية” ورد ذكرها في التقرير وعلى رأسها “جين فوندا”. الغريب والمدهش، فيما يرى الكاتب، بحق، هو أن “مشروع فوضى CHAOS دام سبع سنوات. وعلى الرغم من اعتراف وكالة الاستخبارات الأمريكية نفسها، فإنه لم يتم العثور على أي دليل فيما يخصّ قيام شيوعيين أجانب في إدارة وتوجيه نشطاء أمريكيين. وهذا لم يمنع الرئيس جونسون، ولا الرئيس نيكسون، من بعده، من العناد في المطالبة بتحقيقات أكثر عمقا، رافضين تصديق تلقائية الحركات الاحتجاجية الأمريكية.

تم تحريك إمكانات كبرى لوكالة الاستخبارات الأمريكية على التراب الأمريكي من أجل لا شيء في المحصلة النهائية، على الرغم من تضاعف النقاط الساخنة في الولايات المتحدة وفي العالم. وبذكاء يعلق الكاتب على الأمر من خلال مقارنة الماضي الأمريكي، الذي كان يفترض أنه مات إلى الأبد، بأمريكا ما بعد تفجيرات الحادي من سبتمبر من سنة 2001: “كان يمكن أن نعتقد أن مرحلة قد ولّت وأنّ مشروع CHAOS ليس إلاّ شذوذا وانحرافا بسيطا في تاريخ وكالة الاستخبارت الأمريكية، إلا أنه ما بعد 11 سبتمبر من سنة 2001 والتصويت على ما سمي ب Patriot Act، بدأ المواطنون الأمريكيون يتعرضون لمراقبة أكبر من السابق. واعترفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بأنها وضعت إشارات عن العديد من النشطاء المعادين لحرب العراق.

كما أنّ وكالة الأمن القومي الأمريكي تستطيع الآن التنصّت على الاتصالات التلفونية وعلى تبادل الرسائل الالكترونية للمواطنين الأمريكيين مع الدول الأجنبية. وإلى وقت قريب كان الرأي العام الأمريكي، فيما يبدو، قابلا لهذه الإكراهات والشروط باسم محاربة الإرهاب، وهي قضية أكثر نُبْلا من صيد “اليساريين” في سنوات الستينات”.مجازر في أندونيسيالم تقتصر الجرائم الأمريكية على القارتين الأوروبية والأمريكية، وها هي أندونيسا أكبر بلد إسلامي في العالم تدخل بدورها في هذه الخانة. ولأن الوقت كان وقت الحرب الباردة، أي وقت الاختيار بين المعسكرين، فإن أندونيسيا الرئيس الراحل أحمد سوكارنو، الذي اعتمدت طريقا ثالثا جلبت لنفسها مشاكل ضخمة. فهي خامس بلد من حيث الكثافة السكانية في العالم، وخارجة للتو من استعمار هولندي دام أربعة قرون.

سوكارنو الزعيم الكاريزمي للمقاومة ضد الاستعمار، أصبح زعيما مسموع الكلمة من قبل الدول السائرة في طريق النمو. وهو بتنظيمه لمؤتمر باندونغ سنة ،1955 وهو فعلاً مؤسس لدول عدم الانحياز، سجّل ولوج الصين الشعبية إلى المشهد السياسي الدولي، وبقبول سوكارنو دخول الحزب الشيوعي الأندونيسي في ائتلافه الحكومي فإن أندونيسيا جرّت على نفسها غضب الولايات المتحدة.

كانت أمام سوكارنو مهمات بالغة الصعوبة في بلده، ومن بينها توحيد بلد يتكون من 3000 جزيرة صغيرة يسكنه مسلمون وأرواحيون وبوذيون، ويحظى فيه الجيش وكذلك الحزب الشيوعي الأندونيسي بأهمية بالغة، ولكنهما متصارعان. “كان سوكارنو نقطة التوازن ما بين العديد من الفصائل السياسية، فقد حكم مرة من هذا الجانب ومرة أخرى من الجانب الآخر، وهو ما جعله يفلت من انقلاب دبره الشيوعيون سنة 1949 ومن انقلاب آخر دبره الجيش سنة 1952”.

وفي سنة 1955 بدأت وكالة الاستخبارات الأمريكية أعمالها السرية في أندونيسيا بتقديم كيميت روزفيلت، وهو مكلف بالأعمال في الشرق الأقصى، مليون دولار إلى الحزب الإسلامي (ماسجومي) استعدادا للانتخابات، ولكن الحزب الشيوعي حقق نسبة مهمة وصلت إلى 20 في المائة، بعيدا عن الحزب الإسلامي.

وفي سنة 1953 جعل فرانك ويسنير، وهو رئيس عمليات الاستخبارات الأمريكية، من سوكارنو، أولوية. خصوصا وأنه بدأ يذهب بعيدا في معاداته للتوجهات الأمريكية. “ففي فبراير/ شباط من سنة 1957 صرح سوكارنو بأن الديمقراطية على الطريقة الغربية أبانت عن عدم فعاليتها فيما يخص أندونيسيا وبأن على الأحزاب أن تحل نفسها كي تترك المكان ل “ديمقراطية مُوَجَّهَة”.. من طرفه”.

وبدأت وكالة الاستخبارات الأمريكية، استعداداتها شبه العسكرية للإطاحة بسوكارنو، بإنشاء قواعد في كل من الفلبين وسنغافورة، وجمعت فيها ودربت الآلاف من المرتزقة. في 23 من سبتمبر/ أيلول من سنة 1957 أطلق مجلس الأمن القومي الأمريكي ما سيصبح فيما بعد مشروع HAIK الموجَّه لتوسيع انشقاق العسكريين في أندونيسيا.

وفي نوفمبر تعرض سوكارنو لاعتداء بقنبلة ولكنه أفلت منها. روّجت الاستخبارات الأمريكية على وجه السرعة خبر ضلوع الحزب الشيوعي في الاعتداء، ولكن ثبت فيما بعد أن فصيلا إسلاميا هو الذي كان ضالعا في العملية. “ومن دون الخوف من أي اتهام بالتناقض، كان هذا هو الوقت الذي اختارته الوكالة أيضا لإطلاق بروباغاندا تتحدث عن علاقة عشق تربط سوكارنو بعميلة روسية، وهو ما يعني أن الرئيس الأندونيسي قد أصبح ألعوبة في أيدي السوفييت”.

ولم تتوقف الأحداث عن التسارع في أندونيسيا، ففي يناير من سنة 1958 كانت القوات العسكرية جاهزةً للالتحاق بالمتمردين، الذين استغلوا زيارة سوكارنو اليابان لمطالبته بالتخلي عن “الديمقراطية المُوجَّهة” وتسمية وزراء من اختيارهم. أمام رفض سوكارنو أعلن المتمردون عن حكومة منشقة تجمع شخصيات من عدة جزر ومن بينها سومطرة.

بدأ الصراع يشتد بين الرئيس سوكارنو وبين المتمردين المدعومين من قبل الوكالة، ولكن الأمر لم يكن سهلا إذْ إن الإدارة الأمريكية لم تكن متفقة على ما يتوجب فعله، ومن هنا كان ثمة تناقض بين عمل الحكومة وعمل الاستخبارات الأمريكية.

صمد سوكارنو أمام التدخل الأمريكي الذي عرف جرائم عديدة من بينها قصف الطيران الأمريكي للأماكن المدنية ومقتل المئات والهجوم على سوق أمبون الذي أدى إلى مقتل المئات من الضحايا الذين كانوا يتوجهون إلى الكنيسة. واستطاعت قوات سوكارنو إسقاط طائرة عسكرية أمريكية فوق نفس المدينة واعتقال ربانها. وكان هذا الربّان، وخلافا لقوانين وكالة الاستخبارات الأمريكية، يحمل أوراقا تثبت أنه طيّار يشتغل مع الوكالة. وقام الرئيس سوكارنو بإظهار الطيار أمام الصحافة العالمية كدليل على الانخراط الأمريكي في التدخل في أندونيسيا، وظلّ في السجون الاندونيسية أربع سنوات كي يضمن أمن النظام القائم.

ما كان على المخابرات الأمريكية إلاّ أن تنسحب وعلى الرئيس إيزنهاور أن يعلن حيادا تاما إزاء الشأن الأندونيسي الداخلي. وهو ما منح سوكارنو بعض سنوات من الهدنة”. وفي أول أكتوبر من سنة 1965 قامت مجموعة من الضباط الأندونيسيين باختطاف وقتل ستة من الجنرالات والاستيلاء على عدة نقاط استراتيجية من العاصمة. وأكدوا أنهم قاموا بهذه التصرفات لسدّ الطريق أمام انقلاب عسكري كان يهيئه هؤلاء الجنرالات بوحي من المخابرات الأمريكية.

ولكن ردّ الجيش، الذي كان تحت إمرة الجنرال سوهارتو Suharto إلى هذه الحركة التي قام بها هؤلاء الضباط الشباب كان داميا، وقام باتهام الحزب الشيوعي بالوقوف وراء الأحداث. لقد كانت الإشارة إلى القمع الشرس الذي أريد منه تصفية الحزب الشيوعي الأندونيسي. كما طُلِب من المواطنين أن يقوموا بإدانة الشيوعيين والإبلاغ عنهم، بل وحتّى ممارسة القمع عليهم.

وحسب تقارير منظمة العفو الدولية المنشورة في سنوات السبعينات فإن الجرائم تسببت في نصف مليون ضحية، خلال عدة سنوات، وأدت إلى اختفاء عائلات وقرى بأكملها. سُجِن ما يقرُب من مليون شخص، البعض منهم ظل في السجون خلال عدة عقود، وقد اعترف العديد من الموظفين في السفارة الأمريكية في جاكارتا بتقديمهم للنظام الأندونيسي قوائم تضم الآلاف من الشيوعيين الذين تمت تصفيتهم على الفور.

يختتم الكاتب هذه المرحلة بالقول: “أمّا سوكارنو الذي كانت صحته متردية وكذلك تقديره للأوضاع فقد ارتكب خطأ الاقتراب الظاهر من الشيوعيين في ذروة قوتهم، مسببا غضب المعادين للشيوعيين. وقد تم استبداله بالجنرال سوهارتو، وهو ما أسس لبداية علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال برامج تعاون عديدة بين الجيشين. وليس من الممكن، لحد الساعة، معرفة من أطلق شرارة “ضربة” الأول من أكتوبر، ولكن من الأكيد أن ردة فعل سوهارتو كانت سريعةً وعنيفةً وفعّالةً واستفادت من دعم لوجيستي أمريكي كامل، كما استفاد منه أيضا النظام الجديد، الذي يعتبر أحد الأنظمة الأكثر دموية في آسيا”.استبدال الديمقراطية بالديكتاتورية في التشيلييبتدئ الكاتب تاريخ التشيلي الحديث والانقلاب الدموي على النظام المنتخب ديمقراطيا لسلفادور أليندي من نادرة منتصف الليل اللندني من يوم 16 اكتوبر/ تشرين الأول من سنة 1998. حين اقترب أفراد شرطة سكوتلانديارد من العيادة الطبية الخاصة في لندن.

ومن دون أن يتركوا الوقت الكافي لأفراد الاستقبال أن يخبروا أي أحد، وصلوا إلى غرفة الرجل العجوز الذي كان يستريح من عملية أجريتْ له للتو على ظهره. بفعالية صامتة نزعوا أسلحة الحراس وقطعوا الأسلاك التلفونية ودخلوا الغرفة وهم يشهرون مذكرة الأنتربول. “بعد خمسة وثلاثين عاما من الجرائم ضد الإنسانية ها هُم يعتقلون الجنرال المتقاعد أوغوستو بينوشيه”. ظل الديكتاتور العجوز 16 شهرا تحت الإقامة الجبرية في بريطانيا، وفي نهاية المطاف قررت الحكومة البريطانية إطلاق سراحه لأسباب إنسانية، بسبب سوء حالته الصحية. ولكنّ الأمر لم يكن كذلك فما أن وصل الديكتاتور إلى بلده حتى نهض من كرسيه المتحرك ووقف يُحيي أنصاره. ومن رفق التاريخ بهذا الديكتاتور أن المحاكم التشيلية، في نهاية المطاف، ارتأت أن حالته الصحية لا تسمح بمحاكمته.
يستحضر الكاتب تصريحا لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول سنة 2003 حول مغزى دور الولايات المتحدة في التشيلي سنة 1970 يقول فيه: “إنها مرحلة من تاريخ أمريكا، لسنا فخورين بها”.

سلفادور أليندي شخصية سياسية تشيلية كانت تؤمن بالتحول الديمقراطي، وبصناديق الاقتراع وسيلة للوصول إلى السلطة وتؤمن كذلك بالتداول السلمي على السلطة. في سنة 1952 حصل اليندي، باعتباره مرشحا للحزب الاشتراكي التشيلي في الانتخابات الرئاسية على 5 في المائة من أصوات الناخبين، وبعد ست سنوات وصل إلى نسبة 28 في المائة. وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى الشعور بالقلق من إمكانية فوزه في الانتخابات المنتظرة سنة 1964.

ما دور الوكالة هنا، إذنْ؟ “لقد تمّ تكليف وكالة الاستخبارات الأمريكية بالعمل على وصول المرشح الديمقراطي المسيحي إدواردو فري، وهو ما يعني أن الوكالة أنفقتْ ما يقرب من 20 مليون من الدولارات لدعم حملته التي حصلت، بشكل مفاجئ، على مساعدة من أخصائيين في الانتخابات الأمريكية وعلى موجة واسعة من البروباغاندا المُعادية للشيوعيين، من خلال صحف ومناشير وإعلانات وملصقات من أجل تخويف الناخبين وخصوصاً، المسيحيين منهم، من مخاطر الاحتلال السوفييتي أو الكوبي في حال انتصار اليسار”.

ويُعلّق الكاتب على هذا الانجاز الكبير للوكالة بالقول: “يمكن لوكالة الاستخبارات الأمريكية أن تنسب لنفسها هذا الانتصار الكاسح الذي حققه المُرشّح فري، وهو نسبة 57 في المائة. ولكن الولايات المتحدة أصبحت مرغمة، من الآن فصاعدا، على مساعدة الاقتصاد التشيلي للمحافظة على بَطَلها في السلطة. وهو ما أدى إلى حصول التشيلي ما بين سنتي 1962 و1970 على 1،2 مليار دولار من الهِبَات والقروض، وهو مبلغ فلكي في وقت كان سكان التشيلي لا يتجاوز عشرة ملايين نسمة. كانت الاستثمارات الأمريكية في التشيلي مضمونة من طرف صندوق حكومي خاص. وعلى الرغم من أن التشيلي لم تكن معرضة لأيّ تهديد خارجي فإن المساعدة العسكرية الأمريكية وصلت إلى مستويات قياسية”.

ولكن سنة 1970 تقترب، وبالتالي تقترب الانتخابات، وهنا كان لا بد لوكالة الاستخبارات الأمريكية أن تعترف بوجود خطر داهم من وصول سلفادور أليندي، هذه المرة، إلى سدة الحكم. وفي تقدير موجه إلى وزير الخارحية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، أشار فيه مُحلّلو وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة ليست لها مصلحة حيوية في التشيلي وأن توازن السلطات العسكرية في أمريكا الجنوبية لن يتأثر بشكل كبير في حال انتصار سلفادور أليندي، لكن مع الاعتراف بأن هذا الانتصار سيُشكل نكسة بسيكولوجية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. “الرأي الذي تَقَاسَمَه الموظفون الديبلوماسيون الأمريكيون وعملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية في التشيلي هو أن انقلابا عسكريا ضد أليندي في حالة انتصاره في انتخابات 1970 سيكون شبه مستحيل”.

وعلى الرغم من مجهودات الوكالة، هذه المرة، من خلال تشجيعها للمرشح المُحافظ أليساندري، فقد فاز أليندي، الذي كان على رأس ائتلاف عريض. في الرابع من سبتمبر/ أيلول من سنة 1970 حاولت الولايات المتحدة الضغط على العديد من أعضاء الكونجرس التشيلي ليصوتوا ضد أليندي، ووصل بها الأمر إلى إغداق الأموال ولكن من دون جدوى كبيرة. ولكن الوكالة إذِ خسرت الكونجرس فهي لم تتوقف عن الرهان على الاقتصاد وعلى الجيش. لقد كان على الشركات المتعددة الجنسية أن تفعل كل شيء من أجل ألا يقوم أليندي بالتأميمات ويلحق بها فوضى... من هنا كانت شركة ITT (التيلفون والتيلغراف الدوليان) الأكثر نشاطا في معارضة الرئيس الجديد. “كيف لا، وهي الشركة التي على رأسها سيّد يُدعى جون ماك كون، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية أثناء حكم الرئيس كينيدي”. ويورد الكاتب “أنه خلال اجتماع في سبتمبر/ أيلول ضمّ ماك كون وخلفه ريتشارد هيلمس وكيسنجر عبرت شركة ITT عن استعدادها لمنح مبلغ مليون دولار من أجل قلب النظام التشيلي الجديد.

لكن من جهة الجيش، فقد اكتشفت الوكالة أن رئيس الجيش روني شنايدر يمثل عقبة في طريقها بسبب احترامه للشرعية والقانون. وقد تعرض هذا الأخير لعملية اختطاف انتهت بمقتله. الهدف إذن هو استبداله بالجنرال المتقاعد فيوكس، وهو مُوال للأمريكيين. ولكن مقتل شنايدر جعل الجيش يقف خلف الشرعية الدستورية. وكأن شيئا لم يقع يرسل الرئيس الأمريكي نيكسون إلى نظيره التشيلي رسالة المواساة التالية:

إن الاعتداء الآثم على حياة الجنرال شنايدر هو امتحان لتاريخنا المعاصر. أود أن أشعركم بقسط الألم الذي أشعر به من جراء هذا العمل الكريه الذي جرى في بلدكم”. أما الشخص الذي حل محل الجنرال القتيل فلم يكن سوى الجنرال بينوشيه.
صوت الكونجرس التشيلي في الثالث من نوفمبر على تنصيب أليندي رئيسا للتشيلي. الفوضى التي أثارتها الوكالة خلال هذين الشهرين لم تؤدّ إلى شيء، مما زاد من حنق الرئيس نيكسون، وجعله يعبر عن خوفه من “تثبيت أليندي لصورته في العالم”. يجب ألاّ نترك الانطباع بأنه “من الممكن في أمريكا اللاتينية أن يحدث مثل هذا”.

أما كيسنجر فلم يكن أقل غضبا ولا أقل توقا إلى فعل شيء لإسقاط الرئيس الشرعي. “إن انتخاب أليندي رئيسا للتشيلي يطرح علينا تحديات جدية لم نعرفها قط في مقر الأمن القومي الأمريكي هذا”. اذن يتوجب قلب نظام التشيلي ولكن أليندي كان في تلك الفترة في قمة شعبيته. ومن هنا كان على الأمريكيين اللجوء إلى طرق أكثر ذكاء من مجرد تدخل عسكري. ويكتب غوردون توماس: “لقد تمّ انتخاب أليندي بطريقة قانونية، ولهذا يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتبنى موقفا حارّاً ومعقولا وفي نفس الوقت تتبنى استراتيجية لزعزعته.

أكبر صحيفة يمينية في البلد، “إيلميركوريو” EL Mercurio، والتي كانت على شفا الإفلاس تلقت مليون دولار من الاستخبارات الأمريكية بأمر من الرئيس نيكسون نفسه”. ولم تُرد وكالة الاستخبارات الأمريكية الإجهاز على الرئيس في هذه الفترة. “تمنّتْ خسارة لأليندي في الانتخابات التشريعية في آذار، ولكن حدث العكسُ. هنا تقرّر الإقدام على انقلاب عسكري.

في سنة 1973 احتفظت الوكالة على اتصالاتها الوثيقة مع المتآمرين. خلال فصل الربيع والصيف من هذه السنة (1973) اشتدت حركة وكالة الاستخبارات، فكان التمهيد للانقلاب عن طريق التظاهرات وعمليات التخريب وإضرابات سائقي الشاحنات. هذا ما جعل الكاتب يقول: “لقد تمّ الإعداد لانقلاب 11 سبتمبر من سنة 1973 جيّدا”. ومثلما حدث في أندونيسيا فإن وكالة الاستخبارات الأمريكية سلّمت للجيش قائمة النشطاء الشيوعيين. و”في الساعة الثامنة من صباح يوم 11 سبتمبر من سنة ،1973 استولت البحرية التشيلية على ميناء فالباريزو وأعلنت عن قلب حكومة الوحدة الشعبية. في سانتياغو حاول الجنود اعتقال الرئيس أليندي في بيته، ولكنه نجح في اللجوء إلى القصر الجمهوري، وبدأ في بثّ النداءات عبر الراديو من أجل المقاومة.

بدأت الدبابات والطائرات في قصف القصر الرئاسي، متسببة في مقتل الكثير من حراس الرئيس. عرض العسكريون على الرئيس أليندي أن يستسلم مقابل السماح له ولعائلته في مغادرة البلد، ولكن الرئيس لم يُصدّق، ولو لثانية واحدة، ومات تحت رصاص جيشه. ولم يجد كيسنجر ما يقوله سوى أن الولايات المتحدة لم تتوقف منذ سنة 1971 عن المطالبة بإرساء الديمقراطية في التشيلي.
ارتكب بينوشيه فظائع وجرائم بحيث “من الصعب جرد عدد الضحايا. تقديرات وكالة الاستخبارات الأمريكية تتحدث عن 1500 قتيل من المدنيين و13500 من الموقوفين في الأسابيع الأولى من الانقلاب. وعلى قائمة المستهْدَفين نجد موظفي الحكومة المطاح بها ونشطاء اليسار والمسؤولين النقابيين. استخدم الجيش التعذيب على نطاق واسع والعديد من السجناء تمت تصفيتهم ودفنهم بطريق سرية من دون أن تسمع عائلاتهم عنهم أي شيء”. وألغت الطغمة العسكرية الحاكمة حرية الصحافة والأحزاب السياسية وأغلقت البرلمان واستولت على الجامعات.

في تشرين الأول من سنة 1975 دعا الكولونيل كونتريراس عددا من نظرائه في أمريكا الجنوبية لندوة سرية. الهدف منها كان “إنشاء منظمة من نوع أنتربول ولكنها موجَّهة إلى التخريب”. اجتمع مسؤولو المخابرات من دول التشيلي والأرجنتين وباراغواي والأوروغواي وبوليفيا ثم التحقت بها الإكواتور والبيرو، وأنشأوا شبكة معلومات وتنسيق من أجل محاربة التخريب الشيوعي، حملت اسم “عملية كوندور” Condor. في أواسط السبعينات أصبحت كوندور شبكة إرهاب دولة الأكثر تخريبا في القارة الأمريكية (اللاتينية) من خلال عدة مئات من الضحايا: تجسس ومطاردة واختطاف وتعذيب واغتيال تُرتَكَب أينما وُجِدَ العدوّ المفترض. وقد ضَربت كوندور حتى في أوروبا وأمريكا الشمالية، وعقدت تحالفات مع تنظيمات محلية، مع المجموعات المعادية لكاسترو في ميامي، ومع الفاشيين الإيطاليين الجدد، أو في فرنسا مع عصابة ألبيرت سباجياري.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس